أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد فتوحي - مقتطف من حديث سلافوي جيجيك حول موضوع -الرأسمالية الإنسانية-














المزيد.....

مقتطف من حديث سلافوي جيجيك حول موضوع -الرأسمالية الإنسانية-


محمد فتوحي

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 11:28
المحور: مقابلات و حوارات
    


ترجمة: محمد فتوحي.

أريد أن أوضح بالتفصيل خطا فكريا بسيطا للغاية حول نقطة واحدة: لماذا لم يعد العمل الخيري في اقتصادنا مجرد خاصية يتميز بها بعض الأشخاص وفقط، بل مكونا أساسيا وجزء لا يتجزء من اقتصادنا؟

أود أن أبدأ أولا بمستقبل ما يسمى بالرأسمالية الثقافية ، وهو شكل الرأسمالية اليوم ، ثم أوضح بعد ذلك بالتفصيل كيف ينطبق الشيء نفسه على الاقتصاد بالمعنى الضيق للمصطلح. مالذي تغير منذ تحول الرأسمالية في عام 68 إلى ما نسميه عادة الرأسمالية الثقافية، وإلى التصور الما بعد الحداثي لرعاية البيئة وما إلى ذلك؟

ما تغير هو أنه في الماضي كان هناك تناقض بسيط بين ما تفعله مستهلك ( أي كل مايتعلق بمشترياتك ومضارباتك في البورصة، وما إلى ذلك) وما تقدمه من خدمات للمجتمع. جورج سوروس، رجل الأعمال الأمريكي والهنغاري الأصل، مثال حي ونموذج قديم يجسد هذا التناقض. لتبسيط الفكرة، في الصباح يقوم سوروس بسرقة الأموال و في المساء يعيد نصفها إلى المؤسسات الخيرية.

إن الرأسمالية في عصرنا هذا تخطو نفس الاتجاه نحو دمج البعدين معا في نفس الكتلة. لذلك عندما تشتري شيئًا ، فإنك تحس كمناهض للإستهلاك أنه من واجبك أن تقدم شيئًا للآخرين، وأن تقوم بشيئ من أجل البيئة و تقدم خدمات للمجتمع وما إلى ذلك. كل هذا يتم دمجه في عملية الشراء. لنأخذ على سبيل مثال مقهى ستاربكس، فشعار حملتها هو كالتالي : "إنه ليس فقط ما تشتريه (القهوة) ؛ بل أيضا ما تشتريه معها. عندما تشتري ستاربكس، سواء أدركت ذلك أم لا فإنك تشتري شيئا أكبر من فنجان قهوة وهو الواجب الأخلاقي. أضف إلى ذلك، فبرنامج ستاربكس يحرص على ضمان حصول مزارعي البن على سعر منصف لعملهم الشاق."

هذا ما أسميه ب"الرأسمالية الثقافية" في أنقى صورها. أنت لا تشتري القهوة فحسب، بل بفعلك الاستهلاكي هذا إنك ضمنيا تشتري صك التكفير عن ذنوبك لكونك مجرد مستهلك. أي، باقتنائك للقهوة فأنت تكفر عن ذنوبك الاستهلاكية بفعل شيئًا من أجل البيئة، وبتقديم المساعدة للأطفال الجياع، أو بصفة عامة بفعل شيئًا لاستعادة الإحساس بالمجتمع.

مثال آخر في نفس الصدد ، لكن هذه المرة يتعلق الأمر ب"أحذية تومز"، للشركة الأمريكية، صاحبة الصيغة "واحد مقابل واحد". تدعي هذه الشركة أنه مقابل كل زوج واحد من الأحذية تشتريها منها ، فإنها ستعطي زوجًا واحدا من الأحذية لبعض الدول الأفريقية الفقيرة. فصيغة "واحد مقابل واحد" تعني أن داخل كل فعل استهلاكي يتم دمج فكرة التكفير عن الذنوب. أي أنه لا يتعلق الامر هنا بمجرد شراء فنجان قهوة أو أحذية فحسب، بل أيضا بإنجاز سلسلة كاملة من الواجبات الأخلاقية.

أعتقد أن هذا المنطق أصبح عالميًا تقريبًا لدرجة أنه عندما تذهب إلى المتجر ربما تفضل شراء ما يسمى بالتفاح العضوي، ولدرجة تعتقد حقًا أنه أفضل بكثير رغم أن ثمنه يساوي ضعف ثمن التفاح المعدل وراثيًا. إن منطق الفعل الاستهلاكي هذا يجعلك تشعر بالدفء و الارتياح ويشعرك بأنك تقدم شيئًا جميلا لأرضنا الأم.

المقصود هنا  هو أن منطق الرأسمالية الثقافية يعتمد أساسا على الفعل الاستهلاكي الأناني الذي يتضمن بشكل مسبق نقيضه (ثمن التكفير عن الذنب).

بناءً على كل هذا ، أعتقد أنه يجب أن نعود إلى أوسكار وايلد القديم الذي قدم أفضل صياغة ضد منطق العمل الخيري هذا. اسمحوا لي أن أقتبس فقط من بداية كتابه "روح الإنسان المعاصر في ظل الاشتراكية"، حيث يشير أن "من السهل جدا ان نتعاطف مع المعاناة من أن تعاطف مع الفكر".

العديد من الناس يجدون أنفسهم محاطين بالفقر البشع ، والقبح البشع ، والمجاعة البشعة. من الطبيعي جدا أن تتحرك مشاعرهم بقوة إزاء هذه البشاعة. فتراهم، بنية حسنة وإن كانت في غير محلها، يتولون على محمل الجد والعاطفة مهمة معالجة الشرور التي يرونها. لكن هذه العلاجات لا تشفي من المرض فهي تطيله فقط ؛ في الواقع هذه العلاجات جزء لا يتجزأ من المرض. يحاولون مثلا حل مشكلة الفقر بواسطة إبقاء الفقراء على قيد الحياة أو بواسطة تسليتهم والترفيه عنهم. لكن هذا ليس حلاً، بل يزيد الطينة بلة ومن تفاقم الأزمة.

الهدف الصحيح هو أن نحاول إعادة بناء مجتمع بديل حيث يكون فيه الفقر أمرا مستحيلاً ، لكن فضائل الإيثار هذه (الإحساس بالآخرين والعمل الخيري...إلخ) تحول دون تحقيق هذا الهدف. إن أسوأ مالكي العبيد هم أولئك الذين كانوا لطفاء مع عبيدهم. العمل الخيري يحط من قدر الإنسان و يضعف معنوياته . من غير الأخلاقي استخدام الملكية الخاصة من أجل التخفيف من شرور هي أصلا ناتجة عن مؤسسات الملكية الخاصة.

أقترح -أقل ما يمكن فعله- أن لا نتخلص من الشر وأقترح أيضا أنه يجب على الأقل أن نجعل هذا الشر في خدمة الخير. أتذكر قبل ثلاثين و اربعين سنة كم كنا مجانين وكم كنا نحلم بتحقيق اشتراكية بوجه إنساني. اليوم ،أقصى مايمكن أن يبلغه أفق خيالنا هو تحقيق رأسمالية عالمية بوجه إنساني. يمكن أن نلخص قواعد اللعبة الأساسية كالتالي: جعل الرأسمالية أكثر إنسانية ، وأكثر تسامحًا مع القليل من الرفاهية وما إلى ذلك.

موقفي هنا هو أن نعطي للشيطان ما للشيطان (الرأسمالية). بصراحة، لا أعتقد أن الانسان عاش في أي لحظة من تاريخ البشرية مثل هذه الحريات النسبية والرفاهية والأمن وما إلى ذلك. لكن كل هذه الامتيازات مهددة بشكل تدريجي و بشكل خطير.

قبل سنوات مضت سألني مقدم برنامج Hard Talk ما إذا كنت كارها للبشر. أجبته بنعم، لانه في نظري ، هناك نوع معين من كراهية البشر أفضل بكثير كموقف اجتماعي من هذا التفاؤل الخيري المنافق.

بالطبع، أنا لست ضد العمل الخيري، على الأقل فهو أفضل من اللاشيء. ولكن لا يجب أن نغض النظر عن النفاق كعامل وراء العمل الخيري. العديد من الناس ومن أماكن مختلفة يدعون أن جورج سوروس كان رجلا أمينا. المفارقة هنا هي أن سوروس كان يصلح بيده اليمنى ما كانت تفسده يده اليسرى .



#محمد_فتوحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلافوي جيجيك : ما القاسم المشترك بين الفيروسات التاجية و احت ...
- مقتطف من حوار أجرته The Royal Library مع الفيلسوف السلوفيني ...
- صه .. أنت في حضرة الصنم


المزيد.....




- أول تعليق من إدارة جامعة كولومبيا على استدعاء الشرطة
- إسرائيل تهدد بـ-احتلال مناطق واسعة- في جنوب لبنان
- الشرطة تدخل جامعة كولومبيا وتعتقل محتجين مؤيدين للفلسطينيين ...
- مقتل ثلاثة أشخاص في قصف روسي على أوديسا في جنوب غرب أوكرانيا ...
- قاض أميركي يغرم ترامب لازدرائه المحكمة ويهدده بالسجن إذا لم ...
- عناصر من شرطة نيويورك تدخل جامعة كولومبيا
- شرطة مدينة نيويورك تبدأ اقتحام حرم جامعة كولومبيا وتعتقل الط ...
- لقطات فيديو تظهر لحظة اقتحام الشرطة الأمريكية جامعة كولومبيا ...
- اتفاق بين جامعة أميركية مرموقة والحركة الطالبية المؤيدة للفل ...
- شرطة نيويورك تقتحم جامعة كولومبيا وتفض الاعتصام الداعم لغزة ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد فتوحي - مقتطف من حديث سلافوي جيجيك حول موضوع -الرأسمالية الإنسانية-