|
الواقعية الخارجة من التاريخ المهمش
أسامةغانم
الحوار المتمدن-العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 21:15
المحور:
الادب والفن
بداية ، يتعيَن على المتلقي ان يستخدم خياله عند قراءته لهذه القصة ، لتفكيك وتركيب المعلومات المُقدمة اليه ، من قبل الراوي ، حتى يكون التواصل غنياً واكثر انفتاحاً في استلام المعنى : الاجتماعي – الاخلاقي – الاقتصادي – الديني ، والعثور على الجزء غير المكتوب الذي يحقق لنا تشكيل صورة مُتخيلة . لقد استطاع الراوي ان يرسم صورة انسانية مستلبة من انسانية الانسان في مجتمع ليس من الممكن تحقيق الحد الادنى من عدالة الاله ، او عدالة الفرد ، وبالذات في العالم الثالث ، المسحوق ما بين الدكتاتوريات المفترسة والتخلف وملحقاته . المشكلة في قصة " يوم شبت بعبد الله النار " ، هي : متى تنتهي الحكايات ومتى يبدأ التاريخ ؟ ذلك ليس ممكن ابدا ، ستبقى الحكايات تتوالد ، وسيبقى التاريخ مهمشا ، وسيظل شبيه عبود متواجدا دائما في انحاء العالم ، عليه يكون عبود جزءا من المأساة ، كما هي زوجته التي " يتفجر جسدها شهوة " جزءا مضافا ، بل وعاملا مهماً ( = الزوجة المهمشة ) في ترسيخ الخطيئة وسقوط الانسان . عبود الشخصية الرئيسة ، موظف في مفرزة التصليح السيَارة العائدة لمنشاة السكك ، متزوج منذ سنتين ، وحصل على دار في المجمع السكني بفضل الزواج ، ولكنه بقى يقضي كل اوقاته مع زملاءه في مفرزة التصليح ، واغلب الاحيان يبيت في دارهم بعيدا عن زوجته التي اخذت تملا فراشها بجسد الرفيق مولود الأسود ضابط أمن المجمع ، وهذه القصة تذكرني بقصة " عبود والمدينة " المنشورة في المجموعة القصصية " فك الحزن " لنفس المؤلف، حيث " عبود " الآخر تختلف شخصيته كليا من حيث المظهر والسلوك ، فهو ارعن ، شبه اخرس ، " بالغ البلادة وسخا رث الملبس " ، لكن هذه الموصفات والعيوب تجعله يتغلغل في المدينة بشكل خرافي ، وتصبح جسرا للوصول الى المراد الذي يتحسر عليه بقية شبان المدينة ، وذلك حينما يذهب مع النسوة الى داخل بيوتهن بل وغرف نومهن بعربة الحْمَالة الصغيرة ، بينما الآخر الاول تخونه زوجته ، مفارقة دلالية عميقة من الجانب السوسيولوجي – الاخلاقي ، ولكن هذه الدلالة تكون طبيعية من الجانب الجسدي ( = العملي ) ، لان الحقيقة تبقى شيئاً ممكناً داخل النسق التاريخي ، لكن تأويل ظاهرة معينة الى حقيقة يعني ان نفهم هذه الظاهرة انطلاقاً من سياقها ، فالحقيقة المعزولة عن سياقها تبدو كما لو كانت معزولة تماما ،عليه بهذه الدلالة التأويلية ، نستطيع القيام باستخلاص المعنى الذي اراده المؤلف . رغم اتسام القصة بالواقعية الانتقادية الا اننا نعثر فيها على رمز يمتلك طاقة كبيرة على الايحاء الذي يوشر الى معاني اخرى مفتوحة تستمدها من باطنية النصْ نفسه ، واذا علمنا ان غاية النقد الأساسية عند بعض النقاد هي تعيين المعنى في النص الادبي ، وتلك الغاية لا تتحقق الا اذا اصبح المتلقي او القاريء جُزءا من العملية القرائية ، رغم ان الفعل الكتابي نفسه يتضمن القراءة ، هذا الكلام سيكون بمثابة المدخل للوصول الى توضيح دلالة القصد في معرفة احتراق عبود ، ووجوب احتراقه مع ايحاء بذلك لما سوف يحدث له : " لا مفر من ترك العمال يكملون طقسهم الصباحي حتى يستحيل الخشب الى رماد " ، ويستحيل " عبد الله الى كتلة نار " ايضاً في لحظة اهمال ، مع توكيد فعل الاستحالة في العمل على اخماد النار الملتهبة فيه ، ثم اخيرا يكون كما يصف الراوي نظرة البدوي اليه الذي لا يثير انتباهه اي شيء في الكون " رؤيا مشتعلة مرت به في طريقها الى البرية ، نحو الأفق البعيد " . بهذا سيكون علينا ان نتسأل :هل هذا الموت كان يرمز الى التحرر ؟ واذا كان كذلك فمن الذي تحرر : عبود ام الراوي ام المؤلف .
#أسامةغانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
-
-ليالي الفيلم السعودي-في دورتها الثانية تنطلق من المغرب وتتو
...
-
أصداء حرب إسرائيل على غزة في الشعرين الفارسي والأفغاني
-
رحلات القاصة والروائية العراقية لطفية الدليمي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|