أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - وباءٌ مضاد للثورة؟














المزيد.....

وباءٌ مضاد للثورة؟


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6517 - 2020 / 3 / 18 - 02:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قد يوحي عنوان هذه المقالة بأنها تنتمي إلى صنفٍ أخذ يستفحل من جديد في الفضاء العام العربي خلال الأيام الأخيرة، ألا وهو «نظرية المؤامرة» في تطبيقها المستجد على فيروس كورونا. وكلّنا يعلم أن وباء نظرية المؤامرة أوسع انتشاراً في منطقتنا العربية من كافة الأوبئة البيولوجية، وهذا لسبب بسيط لا يتعلّق بأي من التفسيرات «الاستشراقية» التي تُعزي كل أمراضنا الثقافية إلى «ثقافة» سرمدية، قومية أكانت أم دينية. ذلك أن دور المؤامرات الحقيقية في تاريخنا أكبر، أو أبرز على الأقل، ممّا هو في تاريخ أي منطقة أخرى من العالم. يكفي أن نُشير في هذا الصدد إلى المؤامرة الكبرى التي دشّنت الأزمنة الحديثة في تاريخ المشرق العربي، ألا وهي اتفاقية سايكس بيكو السرّية التي عقدها الاستعماران البريطاني والفرنسي بمشاركة الإمبراطورية الروسية والتي كشفت الثورة الروسية الستار عنها عندما نشرها البلاشفة، بعدما عثروا عليها في ملفات الحكم القيصري إثر استيلائهم على السلطة في خريف عام 1917.
هذا وكلّما كانت سلطةٌ ما، وفي أي بلد على الإطلاق، أكثر سلطوية واستبداداً ومركزية في صنع قرارتها، وبالتالي أقلّ شفافية وخضوعاً لمراقبة «السلطة الرابعة» التي يشكّلها إعلامٌ حرّ، كلّما زادت نزعة تلك السلطة إلى اللجوء إلى نظرية المؤامرة في تفسير ما لا يروق لها. وهذه حال الانتفاضات الشعبية في منطقتنا المتميّزة بكثافة عالية من الأنظمة السلطوية، حيث تبارت الحكومات منذ «الربيع العربي» في عزي مسؤولية انفجار الغضب الشعبي إلى مؤامرات خارجية (أنظر مقالنا «تحيا المؤامرات!» بتاريخ 29/10/2019)، وكأن أوضاعنا خالية من أسباب الغضب كي تكون ثمة حاجة إلى مؤامرات لاصطناعه.
ونرى اليوم مثالاً عمّا ذكرنا في لجوء بعض الأوساط المقرّبة من الحكم في الصين وفي إيران (أما حكومتا البلدين فما زالتا أعقل من أن تصرّحا بالخزعبلات بصورة رسمية)، لجوء الأوساط المذكورة إلى نظرية المؤامرة في تصوير الفيروس بأنه في الحقيقة سلاحٌ بيولوجيّ صنعته مختبرات سرّية أمريكية في محاولة رامية إلى إرباك النظام في البلدين. ولا يفوت أي عاقل أن الغاية من هذه النظرية الخرقاء ليست سوى إخماد الغضب الشعبي إزاء تأخّر السلطات الصينية والإيرانية في التصدّي لوباء كوفيد ـ 19، والردّ على محاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التملّص بدوره من مسؤوليته في تأخر التصدّي للوباء في بلده بإلقائه اللوم على الخارج من خلال تصوير الفيروس بأنه «أجنبي» (كذا!) قادمٌ من الصين.

ولا عجب من أن تكون نظرية المؤامرة المتعلقة بالوباء الجديد قد وجدت من يصدّقها ويروّجها في منطقتنا العربية، ومنهم رئيس تحرير سابق لإحدى كبرى الصحف اليومية. أما عنوان مقالنا هذا فليس المقصود به بالتأكيد التلميح إلى أن قوى مضادة للثورة، أياً تكن، هي التي صنعت فيروس وباء كوفيد-19 أو أن هذه القوى هي التي تقوم بترويجه. وقد غدا استفحال الوباء أكبر كارثة بيولوجية عالمية منذ «الإنفلونزا الإسبانية» التي قتلت قبل قرن أكثر مما قتلته أي من الحربين العالميتين التي شهدها القرن الماضي. ويشكّل الوباء الجديد تحدّياً عظيماً لكافة حكومات العالم، ترتعب منه جميعاً، ليس لعدد الضحايا الذي قد ينجم عنه وحسب، وقد يبقى هذا العدد دون ما تحصده من الأرواح أوبئة أخرى لا زالت مستشرية في عالمنا، بل لنتائجه الاقتصادية الوخيمة التي تنذر بأعظم أزمة اقتصادية عالمية بعد الكساد الكبير الذي أصاب العالم قبل تسعين عاماً، إن لم تكن أعظم من ذلك الكساد.
بيد أن الأنظمة تدرك هي أيضاً الحكمة التي أوجزتها الآية الشهيرة: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» (216، سورة البقرة). والحال أن كافة الحكومات التي واجهت وتواجه انتفاضات وأصناف أخرى من الحراك الشعبي قد سارعت إلى اغتنام فرصة «القتال» ضد انتشار الوباء كي تقضي بواسطته على الحالة الثورية. وربّما شكّلت أسطعَ مثال في هذا الصدد مغالاة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في استخدام القاموس الحربي في الخطاب الذي ألقاه مساء الإثنين الماضي، وهو على يقين من أنها لفرصة أمامه كي يتخلّص من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي ما برح يواجهها منذ أكثر من سنة، من حراك «السترات الصفراء» إلى الحراك ضد قانون التقاعد الجديد، وفرصة كي يستعيد شيئاً من الهيبة والشعبية على غرار الأنظمة التي تفتعل أوضاعاً حربية لصرف الأنظار عن مساوئها وتجديد الولاء لسلطتها.
وينطبق الأمر نفسه على كافة الحكومات التي واجهت غضباً شعبياً في الآونة الأخيرة، وفي طليعتها أنظمة منطقتنا العربية. فها أن القيادات العسكرية في السودان تحاول اغتنام الفرصة لتعزيز تسلّطها الأمني على أوضاع البلد وخنق أي ضغط شعبي على العملية السياسية الجارية فيه. وها أن الحكم الجزائري ينتهز مناسبة الوباء كي يمنع مواصلة الحراك في بلده، ثم يتدارك بعد أن تساءل الناس لماذا يحرّم الحراك وليس سواه من التجمهرات الشعبية، فيقرر إغلاق الملاعب الرياضية وسائر أماكن الاحتشاد. وها أن القائمين مقام الحكم في العراق ولبنان يغتنمون الفرصة كي يتخلّصوا من حراك شعبي لم يفلحوا في القضاء عليه طيلة شهور.
لكنّ ارتياحهم السياسي لن يدوم. فإن أزمة وباء كوفيد-19 من شأنها أن تبيّن مساوئ أنظمة منطقتنا بصورة أوضح بعد مما هو قائم، لو أمكن أن تكون الصورة أوضح بعد! وسوف يؤدّي استفحال الوباء إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المزمنة في منطقتنا، لاسيما أبرز نتائجها المتمثّلة بالبطالة والفقر وانقسام المجتمع بين أقلية ضئيلة من الأثرياء المرفّهين وغالبية ساحقة من الهابطين من دركة اجتماعية إلى أخرى. فعندما يزول خطر الوباء، ولو بعد سنة أو أكثر، وتزول معه الأسباب البيولوجية التي تردع الناس عن التجمهر، لن تستطيع أساليب القمع المعهودة الحؤول دون تجدّد الانتفاضات وانتشارها على نطاق أكبر بعد مما شهدناه خلال السنوات التسع المنصرمة.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المملكة السعودية وحرب النفط
- مهمة مستحيلة: الأمم المتحدة والملف الليبي
- تصدّياً للحملة العالمية على المسلمين
- تحية لشبيبة السودان الثورية
- أردوغان ومخاطر لعب الشطرنج مع بوتين
- هل فشلت اتفاقيات أوسلو أم نجحت؟
- أرادها نتنياهو “فرصة القرن” فهل ينتزعها الفلسطينيون؟
- دعهم إذاً يأكلون الكعك…
- تكامل الأدوار بين تركيا وروسيا
- لا أمريكا ولا إيران…
- 2019 وداعاً…
- دراسة الدولة والثورة في المنطقة العربيّة من منظورٍ ماركسي
- البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد
- حكم آل الأسد: رفعت نموذجاً
- تحية لشعب إيران الثائر والمعارضة الوطنية
- الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً
- الثورة على أصحاب المليارات
- «الممانعة» والطغيان الأجنبي
- العراق ولبنان والنموذج السوداني
- تحيا «المؤامرات»!


المزيد.....




- بين تحليل صور جوية وتصريحات مشرعين.. ماذا نعلم عن منشآت إيرا ...
- بعد 3 سنوات من إزالته من قائمة المخدرات.. حكومة تايلاند تفرض ...
- غزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من ا ...
- قتلى بينهم طيار في أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا منذ بدء ا ...
- مخيم الهول.. ملجأ يضم عائلات مقاتلي تنظيم الدولة
- 3 دولارات ثمن الحياة.. مغردون: من المسؤول عن فاجعة -شهيدات ل ...
- عرض أميركي يقابله شروط لبنانية.. هل تؤتي زيارة باراك ثمارها؟ ...
- حماس تشترط وترامب يضغط.. هل تقترب صفقة غزة؟
- بولتون يكشف -السبب الحقيقي- الذي ضرب ترامب إيران لأجله
- روسيا تشن -أضخم هجوم جوي- على أوكرانيا


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - وباءٌ مضاد للثورة؟