علي حسين الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 09:58
المحور:
الادب والفن
جِئْتُكَ كَي أَتَعَلَّمَ / جِئْتُكَ لِكَي أَتَعَلَّمَ
سُؤَال: فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ نستخدمُ "كي" لِوَحْدِهَا, وَفِي أَحْيَانٍ أُخْرَى نستخدمُ "لكي" فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيلٍ, فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ؟
الْجَوَابُ: "لِكَيْ": اللَّام تَعْلِيلِيَّةٌ و"كَيْ" : مَصْدَرِيَّةٌ نَاصِبَةٌ لِلْفِعْلِ أَتَعَلَّمُ الَّذِي بَعْدَهَا. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي تَشَكَّلَ مِن كَي وَالْفِعْلِ ( وَهُو: التَّعَلُّمُ) يَكُونَ مَجْرُورًا بِلَامِ التَّعْلِيلِ, وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: جِئْتُكَ للتَّعَلُّمِ. وَهَذَا الْأَمْرُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ "كي" تَعْلِيلِيَّةً هِيَ الْأُخْرَى. لِمَاذَا ؟
الْجَوَابُ: حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ مُعَلِّلانِ مُتتالِيانِ وَهُمَا "اللام" و"كي" وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ ذَكَرَهَا الْأُصُولِيُّون: أَنَّهُ إذَا دَارَ الْكَلَامُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ والتَّوْكِيدِ, فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى. أَيْ إذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ مَعْنًى جَدِيدًا غَيْرَ مَذْكُورٍ وَمَعْنًى مُؤَكِداً لِمَعْنى مَذْكُورٍ، فَحَمْلُهُ عَلَى الْجَدِيدِ أَوْلَى، زيادةً فِي الْفَائِدَةِ. والحَصِيلَةُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ فَقَد أَفَادَتْ مَعْنًى جَدِيدًا غَيْرَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ فِي اللَّامِ, وَإِذَا قُلْتَ بِأَنَّهَا تَعْلِيلِيَّةٌ, لَمْ تُفِدْ إلَّا تَوْكِيدَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ الَّذِي أَفَادَتْهُ اللَّامُ قَبْلَهَا. وابتعاداً عَنْ تَكْرارِ التَّعْلِيلِ الْمَوْجُودِ أَصْلًا, وَاَلَّذِي يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ, وَهُوَ اللَّامُ, فَلَابُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى, حَتَّى تُعْطِينَا مَعْنَى جَدِيدًا, لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَلْفَاظِ أَنْ تُسَاقَ لِإِفَادَةِ مَعَانٍ جَدِيدَةٍ تُثْري الْكَلَامَ, لَا مُجَرَّدَ تَوْكِيدِ مَا سَبَقَ. قُلْتُ في هذا المعنى (بحر الوافر):
مَدَدْتُ يَدِي إلَى خَدَّيْكِ خَجْلَى
لِكَيْ أَحْظَى لَدَيْكِ بِمَا أُريدُ
فَإِنِّي بِتُّ أَصْطَرِعُ الْتِيَاظاً
وَلَيْلُ الصَّبِّ مَسْـرَاهُ وَئِيدُ
فَعَادَتْ مِنْكَ فِي فَشَلٍ ذَرِيعٍ
طَرِيقُ الْوَصْلِ مَقْصَدُهُ بَعِيدُ
حَبِيبِي كَيْ أُشَاطِرُكَ التَّأَسِّي,
مَدَدْتُ الْكَفَّ, فِي وَلَعِي تَزِيدُ؟
هُنَاكَ تَعْلِيلٌ آخَرُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ (الزِّيادَةُ فِي الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي المعنىَ). مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ؟
الْمَعْنَى هُوَ: "لكي" زَائِدَةٌ فِي الْمَبْنَى عَلَى "كي", فَتُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْمَعْنَى. فَمَثَلًا: "مِنْ" الزَّائِدَةُ وَاَلَّتِي تُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالى(أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ), فَهِي زَائِدَةٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى عُمُومِ النَّكِرَةِ: "بشير" الَّتِي جَاءَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ "ما" فَأَفَادَتْ الْعُمُومَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ زِيدَ فِي الْمَبْنَى بِذِكْرِ "من"، الَّتِي زادَتْها عُمُومًا عَلَى عُمُومٍ، فَصَارَتْ زِيَادَتُهَا فِي اللَّفْظِ زِيَادَةً فِي الْمَعْنَى.
وَأَمَّا "كي" فَهِيَ تَعْلِيلِيَّةٌ. وَفِي هَذَا الْمَقَامِ لاَبُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ نَاصِبٍ لِلْفِعْلِ بَعْدَهَا, وَهُوَ "أنْ" الْمُضْمَرَةُ, كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى(فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ).
سُؤَال: وَلِمَاذَا نَحْتَاجُ إلَى "أنْ" الْمُضْمَرَةِ, أَلَيْسَ مِنَ الْأَسْهَلِ أَن نَكْتَفِيَ بِكَي النَّاصِبَةِ؟
الْجَوَاب: لِأَنَّ الْحَرْفَ التَّعليلِيَّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ مُبَاشَرَةً, إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ مِنْ "أنْ" الْمُضْمَرَةِ بَعْدَهُ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا, حَتَّى يَكُونَ مَجْرُورًا. تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لقرارِ عينِها. وَلَمَّا كَانَ عَمَلُ "كي" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجَرَّ، لَزِمَ تَقْدِيرُ "أن" مُضْمَرَةً بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُجَرُّ، فاجْتُنِبَ ذَلِكَ بِدُخُولِ "أن" النَّاصِبَةِ الَّتِي مَحَضَتِ الْفِعْلَ بَعْدَهَا لِلِاسْمِيَّةِ، وَلَا إشْكَالَ فِي جَرِّ الِاسْمِ بِاللَّامِ أَوْ أَيِّ جَارٍّ آخَرَ.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟