أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - قاسم المحبشي - في تأمل المعنى الفلسفي لفيروس كورونا















المزيد.....


في تأمل المعنى الفلسفي لفيروس كورونا


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 6514 - 2020 / 3 / 14 - 04:00
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


لم يحدث في تاريخ الاجتماعي منذ حواء و آدم وأنت طالع أن توحد العالم كله كما وحده اليوم فيروس كورونا كتب الفيلسوف العربي أحمد نسيم برقاوي منشورًا بعنوان رسالة إلى الكورونا جاء فيهً"أخفتنا ،أخفتهم أجمعين،أصفرهم وأبيضهم،وأسودهم وأسمرهم، كبيرهم وصغيرهم ،غنيهم وفقيرهم،سيدهم وعبدهم ،حاكمهم ومحكومهم،ملحدهم ومؤمنهم، مليشياتهم وأحرارهم ،عنصريهم وإنسانيهم ،جاهلهم وعالمهم، بنوكهم وعسكرهم وآلاتهم ،دولهم وإماراتهم وإمبراطورياتهم وسلطناتهم.لم يبق كائن بشري لم تخفه،أنت الموت وقد تمثل لهم فيروساً،ذكرتهم بالموت الذي يتناسون .ورحت تعبث بمالهم ومأكلهم ومشربهم ومجلسهم، يا من لا ترى بالعين المجردة ما ذا فعلت بهم؟وحدتهم في عدائك،واحتفظوا بعداواتهم،قاوم ولا تستسلم لهم،ربما تمنحهم وقتاً لكي يفكروا،كي يتأملوا ضعفهم ويصنعوا قوة لوجودهم الحر ،ولولادة الآخر في الحياة"فما الذي كان قبل بضع سنوات يعرف ماذا يدور في الصين؟ وما الذي كان يتوقع أن فيروس مجهري يمكنه أن يربك المشهد العالمي من رأس حتى أخمص قدميه؟ ومن الذي كان يتخيل أن مكة المكرمة تخلوا من الزائرين وكذلك المسجد النبوي الشريف ؟ ومن الذي كان يخطر بباله أن المساجد والمدارس في بلاد العرب والإسلام تغلق أبوابها في عز النهار ؟ ومن الذي كان يتخيل أن أمريكا بكل جبروتها ترتعد فرائصها من فيروس كورونا؟ ومن الذي كان يتخيل أن ينتشر وباء فيروسي من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى أقصى غربها في بضعة أيام؟ ألسنا بإزاء ظاهرة عالمية جديدة وصادمة للعقل والروح معًا؟ وقد شهد العالم المعاصر منذ منتصف القرن العشرين أحداثاً عاصفة ومتغيرات متسارعة في مختلف الصعد الحضارية والثقافية والمدنية، متغيرات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث جدتها وسرعتها وأثرها وقوتها الصادمة للروح والعقل معاً، إذ بدا الأمر وكأن التاريخ يترنح والأرض تميد بأهلها، والقيم تهتز والحضارة تضطرب، والفوضى الشاملة تجتاح كل شيء، وبازاء هذا المشهد القيامي المجنون تحيرت افضل العقول، وفقد العقل الإنساني بصيرته وقدرته النيرة في رؤية الأحداث وما ورائها، ومن ثم تفسيرها وتحليلها والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية في سبيل فهمها وعقلنتها وإدراك معناها. ووسط هذا السديم الحالك من الاضطراب العظيم والعمى الشامل، آخذ العلماء والمفكرون والمؤرخون يبحثون عن تفسير معقول لما يعتمل في لواقع ويدور في عالم جن جنونه وأصاب الناس جميعاً بالدهشة والذهول1. فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور " جفري باراكلاف" من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة:" إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة بدليل أمين لسلوك دروبه، وان أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم" هذا الإحساس المتشائم بعدم جدوى التاريخ سرعان ما سرى كما تسري النار في الهشيم بين قطاعات واسعة من الفئات المثقفة الأورأمريكية وهذا ما افصح عنه المؤرخ البريطاني " ج. هـ. بلومب " في كتابه " حيرة المؤرخ" عام 1964م، بقوله: " ليس للتاريخ معنى أو فاعلية أو رجاء، فقد اندثرت فكرة الرقي والتقدم الصاعد بين المشتغلين بالتاريخ، فــ 90% منهم يرون أن العمل الذي يمارسونه لا معنى له على الإطلاق" وقد بلغ هذا الموقف المتشائم من التاريخ والمعرفة التاريخية عند المؤرخ الأمريكي " دافيد رونالد" من جامعة هارفارد حد الرفض للتاريخ والتشكيك بقيمته وأهميته في كتاب يحمل الاستفزاز والتحدي صدر عام 1977م بعنوان ( تاريخنا بلا أهمية) أكد فيه عدم فائدة التاريخ الحاضر والماضي والمستقبل وأعلن: أن التاريخ يظهر مقدار ضعفنا وأننا لا نتعلم من اخطأ الماضي، وما اقل تأثيرنا فيما ينزل بنا من أحداث وما أشد عجزنا في قبضة قوى طبيعية أساسية هي التي تشكل الوجود الإنساني"4 ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ أواخر القرن العشرين يتسابقون ويتنافسون في صياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها ان تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها. ومن تلك التوصيفات يمكن الإشارة إلى اشهرها وهي: العولمة، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الاستعمار، ما بعد البنيوية، ما بعد التنوير، ما بعد الشيوعية، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد التاريخ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير" عصر الليبرالية الجديدة، عصر التفكيك، مجتمع الفرجة، أو الاستعراض، عصر الكمبيوتر، ثورة المعلومات والاتصالات، أو صدام الحضارات، القرية الكونية، نهاية عالم كنا نعرفه" مجتمع الاستهلاك، عصر الديمقراطية، عصر التقنية، عصر التنوع الثقافية، العهد الأمريكي، أو الأمركة، عصر الإرهاب العالمي، السوق الحرة، والوطن السيبرنيتي، عصر الفضاء، والكوكبية وغير ذلك من التوصيفات الكثيرة في أبعادها المتنوعة.5 من وسط هذا الفضاء الثقافي المزدحم بالنظريات والروأ يطلع علينا ( آلـڤ---ين توڤ---لر) بتوصيف مختلف لازمة الحضارة العالمية، ولكنه مثير وجدير بالاهتمام والتأمل، هو ما أسماه بــ ( عصر الموجة الثالثة) إذ يرى ويرى توڤ---لر أن التغيرات السريعة التي نلاحظها في عالم اليوم ليست بهذه الدرجة من الفوضوية والعرضية، التي يهيئوننا لتصديقها، بل أن وراء الأحداث المعروضة بعناوين كبيرة، جملة من البنى ليست ملحوظة فحسب، بل هناك قوى يمكن تحديدها وهي التي تتحكم في تلك البنى و تهبها صورتها ومتى استطعنا أن نفهمها، يكون في وسعنا أن نتبنى تجاهها استراتيجية كلية. بدلاً من أن نتصدى لها كأجزاء متفرقة وبمجرد الصدفة.وكتاب ( صدمة المستقبل ) ينظر في صيرورة التغير بالطريقة الذي يؤثر فيها هذا التغير في حياة الناس والمنظمات والمؤسسات،  أما كتاب ( الموجه الثالثة ) فإنه ينظر إلى الاتجاهات التي تمضي إليها هذه التغيرات الحالية، أما كتاب ( تحول السلطة ) فإنه يعالج قدرتنا السيطرة على التغيرات التي ستأتي و المشكلة هي أن نعرف من هو الذي يقودها، وكيف يتصرف إزاءها، أما كتاب " بناء حضارة جديدة" فيبسط فيه توقلر نظريته في الموجة الثالثة ويحدد معالم الحضارة الجديدة التي أخذت تبزغ من أحشاء حضارة الموجة الثانية، الحضارة الصناعية الغاربة، أما في كتاب (خرائط المستقبل ) فيعرض توڤ---لر آخر صورة لمفاهيمه ويتحدث عن سيرته الذاتية ويدافع عن طروحاته ضد منتقديه، ويوضح نموذج الموجه الثالثة. الاضطراب الشامل الذي يعم الحياة الراهنة وما يخلفه من إحساس بالارتباك والخوف وفقدان الأمل والاتجاه يمكن أن يكون مصدره المباشر  ذلك الصراع في داخلنا وفي داخل مؤسساتنا السياسية، الصراع بين حضارة الموجة الثانية المحتضرة وحضارة الموجة الثالثة البازغة، القادمة بهديرها لتأخذ مكان سابقتها. ويذهب توڤ---لر  إلى أن الناس بدأوا متأخرين في إدراك أن الحضارة الصناعية تقترب من نهايتها وإذ تقترب من النهاية فإنها تجلب معها مزيداً من الحروب، وإن تكن حروباً من نوع جديد.وفي نقده لطروحات هنتجتون وبول كنيدي وفوكوياما يرى توفلر أن الصراع الأساسي الذي نواجهه ليس بين الإسلام والغرب، أو " الآخرون ضد الغرب " كما أعلن كنيدي، و لا نحن في نهاية التاريخ، بل نواجه انقسام للعالم على ثلاث حضارات مختلفة ومتمايزة الصدام بينها وارد، ولايمكن رسم حدودها وخرائطها باستخدام المفهومات والتعريفات التقليدية. ويعلن علن توڤ---لر بيان البشارة تحت عنوان ( الكفاح الأكبر) فيقول: " تنبثق حضارة جديدة في حياتنا، وفي كل مكان يحاول رجال فاقدو البصر والبصيرة أن يوقفوا بزوغها، تجيئنا هذه الحضارة الجديدة بأساليب عائلية جديدة، وأساليب مختلفة لمزاولة العمل، والحب والحياة، كما تجيئنا باقتصاديات جديدة، وصراعات سياسية جديدة، وفوق كل ذلك: تجيئنا بوعي مختلف تواجه البشرية قفزة هائلة إلى الأمام، تواجه أعمق فوران اجتماعي، واشمل عملية إعادة بناء في التاريخ. ونحن اليوم مندمجون في بناء حضارة جديدة متميزة بدءاً من البداية، وإن كنا غير واعين تماماً لهذه الحقيقة وهذا ما نعنيه بـ ( الموجة الثالثة ) على هذا النحو الخطابي الاحتفالي يقرأ توڤ---لر أزمة العالم المعاصر، إذ يرى في الأزمة الماحقة التي تجتاح العالم بشائر ميلاد جديد لحضارة جديدة تحمل العالم إلى العصر القادم السعيد !!من الطريف أن نشير إلى أن تلك النبرة المتغطرسة في تبشير توڤ---لر بالعالم الجديد تذكرنا بخطاب مماثل لكاتب أمريكي من القرن الثامن عشر الميلادي هو (توم بين ) الذي كتب ،على أثر تحقيق الاستقلال الأمريكي عام 1783م يقول:" نحن الأمريكيون نملك القوة و القدرة على أن نبدأ العالم من جديد، وإن العالم لم يشهد موقفاً مماثلاً منذ أيام نوح حتى الآن، ونحن نقف على عتبة ميلاد عالم جديد  " وفي عام 1858م كتبت مجلة ( هاربرز منثلي الأمريكية ) إن كل ماله علاقة بوضعنا وتاريخنا وتقدمنا، يعين الولايات المتحدة أرضا للمستقبل "وإنها من مفارقات القدر أن يعيد توڤ---لر بعد قرنين من الزمن ترديد هذه الأنشودة الصاخبة بقوله: " إن أمريكا هي البلد الذي عادة ما يأتيه المستقبل قبل غيره وإذ نحن نعاني من انهيار مؤسساتنا القديمة، فإننا أيضاً رواد حضارة جديدة". وإذا كان كتاب " هنتجتون " " صدام الحضارات " قد آثار موجات عاتية من ردود الأفعال الناقدة والرافضة والمستنكرة، فإن توفلر في معظم كتبه هو أخطر بكثير من هنتجتون في تبرير وشرعنة الصدام الحضاري الراهن.إذ يرى أن العالم اليوم يصطف اصطفافاً حضارياً مختلفاً في ثلاثة أقسام متناقضة ومتنافسة في ثلاث موجات حضارية متمايزة. الموجة الحضارية الأولى:التي كانت ولا تزال، مرتبطة ارتباطاً لا ينفصم بالأرض. و أياً كانت الأشكال المحلية التي تتخذها، أو اللغات التي تتكلمها شعوبها، أو الديانات والمعتقدات التي تؤمن بها، فإنها نتاج الثورة الزراعية. وحتى ايامنا هذه، وما زالت أقوام كثيرة تخربش أديم الأرض بحثاً عن الرزق، كما كان آباؤهم وأجدادهم منذ قرون. والموجة الصناعية الثانية:التي تضم كل الشعوب والدول التي لا تزال تتدافع وتتزاحم لتبني مصانع صلب وسيارات ونسيج ومواد غذائية، وسكك حديدية، أي كل الدول التي تحتاج إلى التصنيع بغض النظر عن اختلاف قومياتها ولغاتها ودياناتها وثقافاتها.والموجة الثالثة: تضم مجتمعات ودول التقنية العالية مثل أمريكا واليابان وأوروبا. أذن هناك ثلاث حضارات متصارعة الأولى التي لا تزال يرمز إليها بالفأس، والثانية بالمصنع  والثالثة بالكمبيوتر. وفي هذا العالم المنقسم على ثلاث موجات حضارية يحدد توڤ---لر وظيفة كل حضارة في العالم الجديد.إذ يرى أن قطاع الموجة الأولى يقدم الموارد الزراعية والمنجمية وكل المواد الخام، ويقدم قطاع الموجة الثانية العمالة الرخيصة والإنتاج الجمعي والثقيل. بينما يصعد قطاع الموجة الثالثة الذي يتوسع بسرعة – ليحقق السيادة المؤسسية على الأساليب الجديدة التي يخلق بها المعرفة ويستثمرها.إذ تقوم أمم الموجة الثالثة ببيع المعلومات و الإعلام والمبتكرات، والإدارة، والثقافة الرفيعة والفنون الشعبية، والتكنولوجيا المتقدمة، ولسوفت وير (برامج العقل الإلكتروني Software و التعليم، و التدريب المهني، والرعاية الطبية، والخدمات المالية وغيرها للعالم. ومن بين تلك الخدمات الأخرى يمكن أن تقدم أيضاً الحماية العسكرية القائمة على امتلاكها لقوات عسكرية متفوقة تنتمي إلى الموجة الثالثة.( وهذه في الواقع، هي التي قدمتها دول التكنولوجيا المتقدمة إلى الكويت والمملكة العربية السعودية في حرب الخليج، وسوف نلاحظ فيما بعد بعض أوجه الشبه بين توڤ---لر ومنظري ما بعد الحداثة أمثال ليوتار في كتابه ( الوضع ما بعد الحداثة ).خصائص حضارة الموجة الثالثة:يرصد توڤ---لر مظاهر وتجليات الحضارة الجديدة في جملة من الخصائص الأساسية يمكن الإشارة إلى أهمها و أكثرها جوهرية  في النقاط الآتية:
أولاً: المعرفة: يعرف توڤ---لر المعرفة تعريفاً عاماً بعدها تشتمل على البيانات، والمعلومات، والإعلام، والصور، والرموز، والثقافة، والأيديولوجية، والقيم، وهي المورد المركزي لاقتصاد الموجة الثالثة. والمعرفة بهذا المعنى الواسع هي " البديل الجوهري " عن القوة الطبيعية الممثلة في الأرض التي سادت في الحضارة الزراعية، وعن القوة الصناعية الممثلة في  المصنع التي سادت حضارة الموجة الثانية.إذ يرى توڤ---لر أن كل الأنظمة الاقتصادية اليوم تقوم على أساس " قاعدة معرفية (معلومات، بيانات، حسابات أرقام ... الخ ) وتعتمد المشروعات المعاصرة جميعها على الوجود المسبق لهذا المورد المبنى مجتمعياً. وإذا ما أدركنا أنه يستحيل أن يدور دولاب عمل إذا لم تكن هناك لغة، وثقافة، وبيانات، ومعلومات، ومهارات وخبرة مدربة وذكية، فإن الحقيقة الأعمق هي أنه من بين جميع الموارد اللازمة لخلق الثروة، تتميز المعرفة بأنها متعددة الجوانب والاستعمالات أكثر من أي شيء آخر.لقد تحققت نبوءة فرنسيس بيكون ( بأن المعرفة هي القوة أو السلطة)و إذا كانت قوى السلطة في الماضي تتمثل في العنف والمال والمعرفة، هذه المصادر الثلاثة للسلطة والسطوة والسيطرة، ظلت على مدى التاريخ الإنساني الطويل تحتل المكانة الأرفع بين إمكانات أخرى لا متناهية العدد، و اتخذت صوراً شتى في لعبة السلطة، وكما كانت السينما والتمثيل الغربي عموماً تتمحور حول هذا اليالوث الرمزي " العنف والمال والمعرفة " وكذا يمكن التعرف على تاريخ القوة في الشرق في السيف والمال والقلم، ففي الأسطورة اليابانية تذكر الأشياء الثلاثة المقدسة المقدمة إلى آلهة الشمس الكبرى بالسيف والجوهرة والمرآة، التي لا تزال إلى يومنا هذا رموز السلطة الإمبراطورية وبعد أن يورد توڤ---لر كثيراً من الشواهد التاريخية بشأن القوى التي استخدمت في الماضي كمصدر جوهري للسلطة ويحلل ويفسر خصائص كل رمز على حده ينتهي إلى أن السلطة ذات الجودة العالية هي حصيلة استخدام المعرفة.. إذ أن المعرفة هي أعظم وسائل السلطة لأنها الأكثر قدرة على التلاؤم، والإسراع إلى رفع قيمة الدولار، وهي تصلح للعقاب كما تصلح للمكافأة، وتصلح للإقناع، كما تصلح لتطوير النفوس. وفي وسعها أن تجعل من العدو صديقاً وحليفاً، ثم إن المعرفة عامل مضاعف للثروة وللقوة.حتى زمن قريب ، كانت القوة العسكرية مجرد امتداد لقوة القبضة، قبضة اليد، أما اليوم فإنها كلها تقريباً في يد " الذكاء المختزن، وما الطائرة المقاتلة الاحاسوب طائر وحتى الأسلحة " الخرساء هي نفسها إنما يتم إنتاجها بفضل حواسيب وعناصرها إلكترونية مؤنقة إلى أبعد مدى.لقد حدد البتاجون الأمريكي مشروع تصور منظومة من الأسلحة، قادرة على القيام " بمليون استنتاج منطقي في الثانية "وينتهي توڤ---لر إلى تأكيد أن الهيمنة على المعرفة، سيكون العنصر الحاسم في التنازع على القوة، على المستوى العالمي، ذلك التنازع الذي سيقوم عما قريب داخل كل المؤسسات الإنسانية."كان نابليون يقول ششيئان يحيرانني؛ هما صراع السيف والعقل، فعلى المدى الطويل سينتصر العقل على السيف. في الواقع أن توفلر لم يكن هو صاحب ذلك الاكتشاف الرائع لوضع المعرفة في العالم الراهن،بل سبقه إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار في كتـــــابه ( الوضع ما بعد الحداثة  تقرير عن المعرفة ) إذ يعد أول من بحث هذه المسألة وشخصها وحللها تحليلهاً ضافياً من وجهة نظر منهجية فلسفية ما بعد حداثية إذ ذهب إلى أن وضع المعرفة قد تغير منذ دخول المجتمعات الصناعية عصر ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة منذ نهاية الخمسينات" ومن السهل ملاحظة أن توفلر قد نقل فكرة ليوتار نقلاً حرفياً فكرة " أن المعرفة ستظل تمثل رهاناً رئيساً في المنافسة العالمية على السلطة فمن المتصور أن الدول القومية ستحارب بعضها يوماً من أجل السيطرة على المعلومات، مثلما تقاتلت في الماضي من أجل السيطرة على الأرض وبعدها من أجل التحكم في الوصول إلى واستغلال المواد الخام وقوة العمل الرخيصة" ويضيف ليوتار:" لقد تم فتح مجال جديد أمام الاستراتيجيات الصناعية والتجارية من جهة والاستراتيجيات السياسية والعسكرية من جهة ثانية. وفي تحليله لأنماط المعرفة المتمايزة حدد ليوتار ثلاثة أنماط للمعرفة الإنسانية في ثلاث مراحل تاريخية وبدا وكأنه يعيد صياغة قانون المراحل الثلاث عند عالم الاجتماع الفرنسي اوغست كونت إذ أشار فرانسو ليوتار إلى أن هناك ثلاثة أنماط من المعرفة هي:- نمط المعرفة الحكائية التي تعود إلى المجتمع القبلي البدائي، وربما الزراعي الرعوي وهي معرفة سحرية أسطورية خرافية.
- نمط المعرفة " الميتا – حكائية " – أي ما بعد الحكاية، وربما قصد بها المعرفة الفلسفية التي تعود إلى المجتمع الحديث إذ تسود فيه ما يسمى بالحكايات الكبرى "العقل – والقومية – والتقدم " وهي المنظومات الفلسفية المتنافيزيقية الشمولية التي شهدها العصر الحديث عند كانت وهيجل وماركس.
- نمط المعرفة العلمية:  التي تميز المجتمع ما بعد الحداثي الراهن إذ تتحول المعرفة إلى سلطة عليا تختفي معها كل السلطات الأخرى، المشروعية المرجعية والغائية والتقدم والتنوير، إذ " تبدو نوعاً من ألعاب اللغة المستندة على قواعد محددة فورية تنبع من طبيعة اللعبة ذاتها وتمنحها عقلانيتها وشرعيتها" هكذا نرى أن الإحساس المتزايد بسطوة التقدم المعرفي العلمي النظري والتطبيقي وما أفضى إليه ذلك التقدم من نتائج مذهلة على صعيد التفوق التقني وثورة المعلومات والاتصالات و الإنترنت كان إحساساً عاماً بين الشرائح المثقفة الاوروأمريكية.إذ يتفق الجميع في المبدأ على أن المعرفة أصبحت على نطاق واسع القوة الرئيسية للإنتاج  و الثروة والتوزيع والمنافسة، ويختلفون في تشخيص هذه الظاهرة في نتائجها القريبة والبعيدة وابعادها المختلفة، و هذا ما يراه الدكتور توفيق مجاهد في أطروحته " التحولات الفكري للعولمة " من اشتراك مجموعة من النظريات والنماذج الفكرية (نظرية ما بعد الصناعة أو " مجتمع المعرفة " عند دانيال بيل، وتصورات توڤ---لر حول المجتمع عالي التصنيع أو مجتمع المعلومات" وغيرها من التصورات الأخرى، التي تلتقي جميعها في أنها تعتبر التقدم العلمي والتقني المحور الأهم والمحدد لاتجاه تطور البشرية.ما يهمنا من هذه الاستشهادات المقارنة هو التحقق من مشروعية دعـــــوى توڤ---لر وخطورتها، والكيفية التي يعالج بها توفلر هذه الظاهرة – ظاهرة المعرفة الإنسانية-.ربما يختلف توڤ---لر مع ليوتار في زاوية النظر المنهجية في تشخيص ظاهرة المعرفة بما هي محور الموجة الحضارية الثالثة، ففي حين ينطلق ليوتار من منهجية فلسفية أكاديمية، نرى توڤ---لر يغلب عليه المنهج التطبيقي، إذ  نظر توڤلر إلى المعرفة في بعدها التقني والعملي في الممارسة الاجتماعية والسياسية المشخصة وهو بذلك جمع بين الماركسية والبرجماتية، في إلحاحه على النتائج الاقتصادية من جهة وعلى النتائج العملية المتحققة أو التي سوف تتحقق جرى انتصار ثورة الموجة الثالثة.إذ يرى صعود اقتصاد الموجة الثالثة عالية الترميز لا يفسرها الإفراط في استخدام الكمبيوتر أو مجرد المناورات المالية للتأثير في الأسعار، وإنما يجد تفسيره في الفوران الهائل في القاعدة المعرفية للمجتمع. ويرصد توڤ---لر نتائج ثورة الكمبيوتر في حياة المجتمع ما بعد الصناعي في عدد من المظاهر والتجليات في مختلف أنساق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والأسرية أي أن كل شيء في حياة الإنسان أخذ يتغير بعنف، وكل من سيقدر له أن يعيش على ظهر هذا الكوكب في هذه اللحظة المتفجرة سيشعر بالصدمة الكاملة للموجة الثالثة في حياة هذا الجيل. فالموجة الثالثة ستجيء بأسلوب حياة جديدة تماماً، يتأسس على: مصادر طاقة متنوعة ومتجددة، وأساليب إنتاج تجعل خطوط الإنتاج في المصانع أشياء عتيقة انتهى زمانها، وأسر وعائلات جديدة غير نووية، ومؤسسة من نوع جديد يمكن أن نسميها " الكوخ الإلكتروني " ونرى مدارس وشركات ونقابات مختلفة مستقبلية تختلف عن المألوف حالياً اختلافاً جذرياً، وتخط لنا الحضارة البازغة قواعد جديدة للسلوك، وتحملنا إلى ما بعد التنميط والتزامن والتمركز بعيداً عن تركيز الطاقة والمال والسلطة.هذه الحضارة الجديدة لها رؤيتها المميزة للعالم، وطرقها الخاصة للتعامل مع الزمان والمكان والمنطق والسببية ولها مبادئها الخاصة لسياسات المستقبل. بيد أن المثير للفزع في رؤية توڤ---لر لبزوغ الحضارة الجديدة يكمن في كونه لا يرى في ما يشهده العالم الراهن من صراعات وتمزقات وأزمات وحروب- إلا مظهراً من حالات المخاض و الآم الوضع للجنين القادم، إذ أنه لا يعير أهمية تذكر لمشكلات حيوية متفاقمة كمشكلات: الفقر ومشكلة التخلف والأمية والهيمنة الأمريكية والتسلح النووي، والقيم الاستهلاكية، وتفكك المجتمع والتفسخ الأخلاقي، ونتائج العلم والتقنية لا سيما في الثورة البيولوجية وعلم الوراثة والاستنساخ على حياة الإنسان المعاصر وغيرها، وهي المشكلات التي يرى فيها آخرون أمثال ( روجيه جارودي ) وجاك دريدا، وناعوم توشوفسكي، تهديداً قوياً للحضارة الغربية الأمريكية.  



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات الجامعة مع الدكتور نمير العاني
- الليلة الهوية ومداراتها في أمسية تدريبية بالقاهرة
- لمحة من ملامح النهضة الأوروبية وتعليم المرأة
- البحث العلمي والتنمية ؛ الصين انموذجا وأشياء وأشياء أخرى
- ملاحظات عابرة من وحي ندوة الفلسفة والموسيقى بجامعة القاهرة
- فلسفة التقدم ولادة الفكرة وسياقات المعنى
- من وحي مؤتمر القوة الناعمة ومركزية اللغة
- ليلة فكرية خولية في ساقية الصاوي الثقافية
- في تأمل الحياة والعقل والتاريخ وضرورة النقد والتجديد
- في نقد التسوية في الهوية وعلاقة اللغة بالتفكير
- كيف نقرأ رواية ولدت لتوها ؟ من وحي رواية نادي الانتحار
- تأملات في فلسفة الحب والحكمة عند العرب واشياء آخرى
- شكرا لجامعة المنوفية وفلاسفتها
- في منصة عرض الأفكار بجانب الفيلسوف محمد مدين
- في الفرق بين العلم والاعتقاد!
- اليمن السعيد؛ تنوع طبيعي وثقافي تليد وخراب سياسي بليد
- جاءني نملة 🐜 فعاد نحلة 🐝
- موعدنا الليلة في ساقية الصاوي مع السؤال الفلسفي
- فيما يشبه التفسير لمعنى الكلمة ذاتها
- فيما يشبه الاحتفاء بحوارية الروح والجسد


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - قاسم المحبشي - في تأمل المعنى الفلسفي لفيروس كورونا