أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم عبدالله الزبن - ما قبل الهروب...














المزيد.....

ما قبل الهروب...


هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث

(Hashem Abdallah Alzben)


الحوار المتمدن-العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 16:33
المحور: الادب والفن
    


عاش ثلاثين عامًا هُنا، واليوم هو هُناك في مكان بعيد وبارد لكنه "أفضل من هُنا" من كل النواحي.

وُلد "ن" في بلدة نائية، سُرعان ما تغيّرت وتضخمت، المباني والشوارع والناس جميعهم تغيّروا... أمضى طفولته كأي طفل تلقى تعليمه المدرسي في مدارس حكومية، وفي أسرته كان الإبن الأوسط غير المُدلل، وكان يمتلك إرادة وتصميم ذاتي ليكون ناجحًا وله دور مُعتبر في مجتمعه وفي وطنه... وبالفعل مرّت السنوات، ليُنهي الثانوية ناجحًا ولكن... ليس نجاحًا يُؤهله للدراسة في جامعة حكومية، لذلك سجّل في جامعة خاصة وكان يعرف حجم التكلفة التي سيدفعها ثمنًا لدراسته، ولكن لا ضير...

بدأ الدراسة في تخصص "الهندسة الكيميائية". إختار هذا التخصص بناءً على رغبته الشخصية، فقد بدأ حلمه بدراسة الهندسة الكيميائية منذ الصف العاشر، ففي تلك المرحلة التي تتميز بـ"البدايات"؛ بداية الوعي الذاتي، وبداية التمرد والسعي نحو المكانة، وبداية الغرق في الأحلام الوردية بما يخص المستقبل القريب والبعيد(الدراسي والعملي والإجتماعي) في ذلك الحين، لم تكن توقعاته مُرتفعة جدًا، فهو لم يزل "غُرًا" في كل شيء... منذ بلوغه وحتى عامه التاسع عشر، كان يتطور معرفيًا وعقليًا ببطئ، وكانت الأحكام المُسبقة والصور النمطية تُشكل وعيه بشكل عام، وتتسرب إلى وعيه قطرات جديدة من الواقع؛ ليبدأ وعيه "يتسمم" بالواقع وحقيقته المُدهشة والفجّة ... وبدأت الأسئلة تنمو في ذهنه، وتتضخم وتقسو، وبدأ وهو في ذلك السن يشتبك بأفكاره الطرية والناضجة للتو والضعيفة مع الأحداث الكبيرة والصغيرة، القاسية والأقلُّ قسوة...
كانَ دائمًا في قَلق يتفاوت في حدته، بينما المخاوف تتراكم وتتمدد لتملأ عالمه الصغير، ويُصبح عالمًا مُمتلأ-مُحتقنًا يكاد ينفجر أو ينهار... لم تكن رغباته/أحلامه كبيرة وكثيرة، وحتى تساؤلاته لم تكن وليدة هواجس وأوهام أبتدعها ذهنه... كان يرغب بأن يكون مُنتجًا-فاعلًا، وقبل ذلك مُتعلمًا علمًا مفهومًا، يمسُّ الواقع ويتعلق به، لا مُجرد دراسة تتجسد في التلقين والحفظ وإفراغ المحفوظات على ورقة مصيره "العلمي" يحتكم إليها، لينجح في مساق حفظه جيدًا، ويرسب في آخر لم يستطع حفظه، وهكذا تمضي دراسته الجامعية، جافة ومُملة وصراعية..
وكانت التساؤلات تعصف في عقله بديهية وعصيّة، مخاضُ ولادتها عسيرٌ جدًا، ليُولد التساؤل غالبًا مُشوهًا ومشلولًا... تدور تساؤلاته في فلك واسع، حول هويته الشخصية؛ من هو حقـًا؟
ومفاهيم مألوفة بَدت غريبة وتحتاج لإعادة نظر، كمفهوم الوطن والمواطن والمجتمع والنظام السياسي والحكومة والشعب والقضايا الوطنية والإقليمية و و... وهكذا كان "ن" يُصارع أشباحًا ووحوش، ويطمئن حينًا ليضطرب ويختلُّ توازنه المعرفي أحيانًا كثيرة، لم يكن يُفكر أو تخطر على باله فكرة الهجرة-السفر (البحث عن الحياة الكريمة خارج حدود الوطن)، وإذ ذاك وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، كان خياله المُستقبلي يتناول إستقراره العاطفي، وتخرجه بتقدير جيد أو جيد جدًا، ليجد عمل بصعوبة ليست بالغة، ويبدأ حياته الحقيقية عاملًا في مجال تخصصه، ويُصبح جاهزًا للزواج وللحياة بشكل طبيعي مثل الآخرين... نعم، كان "ن" لا يفهم ولا يتقبل نمط الحياة التقليدي، حيث يعيش الإنسان وفق قواعد إجتماعية حتمية ومرحلية، لكنه أيضًا لا يُريد الصراع مع الواقع والتميّز الوهمي،

و"ضربات القدر" كانت تصفعهُ.. لم تكن كثيرة، لكنها مُؤثرة جدًا، صدمات ثقافية ونفسية، ومشاعر خوف مُبهم وإغتراب... وفاة صديق، تقدم والديه في العمر، سعيه للحب وفشله، وفاة والده وهو في عام التخرج، عجز أمه، شعوره باللاجدوى واللافهم... وتمتصُّ تلك الضربات لحظات جمالية نادرة، تستنفر شعوره الكسول لينشط، وينتابه الشعور العارم بالحياة... ويختلط شعوره ذاك بطبعه الكئيب الذي أكتسبه من البيئة المُحيطة وجيناته الوراثية، ليكون الشعور النشيط والحي ناقصًا مهما بدى ضخمًا،

و"ن" من فئة المُناضلين في سبيل قضية "مصيرية" يجب أن تكون "إجتماعية"، ولابدَّ أن تتأثر القضية بأمور شخصية، ومع هذا المزج المُحرم، كان يخوض نضاله في مُحيط رتيب وكسول، وتعترض نضاله الحركي والتنظيري صعوبات جمّة، يحاورها، يشتبك معها، ينتصر ويخسر، في داخله قوّة كانت قوية جدًا تتسرب طاقتها مع الوقت، تضيع الطاقة وتترك فراغًا من تعب، يتسع الفراغ... وهو يشعر بذلك.

المُعيقات التي تُعيق المناضل، بأنواعها ودرجاتها المُختلفة، بعضها لا يُمكن تجاوزه... فالمناضل قد يملك مُعيقات ذاتية لا يُدركها، وتتحد بمُعيقات الخارج التي تتطلب الكثير من المرونة والصلابة لمواجهتها، وإلا سينغمس المناضل في أوحال المُعيقات ويغرق هُناك... و"ن" وجد نفسه "مشلول الإرادة"، طاقتهُ تذوي وتذبل، ومع نهاية عقده الثالث كان قد "هُزم تمامًا".

وحينها توقف. لم تكن "هزيمته" قد إكتملت، لكنها كانت هزائم صغيرة كثيفة وثقيلة، باتت عبئ داخلي وخارجي، ينأى بحمله... وللوهلة الأولى أحسَّ بالوهم، بأنه كان "واهم" جدًا، وضيّع وقته في اللاشيء، صارت السنوات الماضية مشاهد يراها ولا يعرف حقيقتها... في ذهنه إزدحمت الأشياء التي عايشها، والوجوه والأصوات والأحداث والأفكار وكل شيء تمامًا، شكّل عاصفة تدويّ هبّاتها في رأسه... وأمام المرآة لم يعرف هذا الشخص الواقف إزاءه!...



#هاشم_عبدالله_الزبن (هاشتاغ)       Hashem_Abdallah_Alzben#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم عبدالله الزبن - ما قبل الهروب...