|
غرفة بلا نوافذ مسرحية الفلسفة الميتافيزيقية
عقيدي امحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 06:57
المحور:
الادب والفن
عندما كنت أشاهد العمل المسرحي غرفة بلا نوافذ أخذتني ذاكرتي إلى قول الكاتب الروسي أنطون تشيخوف حين قال إن المبدع يموت نصف موت ، لأن روحه الحية تظل من بعده في أعماله . لقد رحل عنا الفنان عيسى الجرموني ، وترك لنا رصيد هائل من الأغاني التي إلى حد ألان يتغنى بها شبابنا في كامل أنحاء المعمورة ، ورحلوا عنا العديد من الفنانين ولازلنا نتذكرهم بأعمالهم . وتكريما إلى روح كل الفنانين جاء هذا العمل الفني الجميل ، الذي اقتبس نصه وأخرجه قارح عبد الرزاق ، وأدى الأدوار فيه جملة من الشباب الموهوبين الذين أستطاعوا في ظرف وجيز جدا الوصول إلى مراسمه مخرج المسرحية ، حيث وأنت تشاهد العرض المسرحي تكتشف الانسجام في الأداء والايقاع ، وعندما تتسع البؤرة الضوئية المتعددة الألوان لتشمل اكبر مساحة على الخشبة ، وعندما يخيم الصمت الرهيب القاعة ، يخرج الراوي ( حميد اعراب) في جو حميمي شاعري يقول : ( قد يكون كل واحد منا سعيد بما يفعله ، وقد يكون أكثر شقاء ، هلموا بنا لنعرف سر هذه الغرفة التي تغلق كل المنافذ أمام عالم ، ومؤلف ، وموسيقار، وراقصة ، وطفل صغير ، يملؤه الحزن واليأس ) هكذا كانت بداية العرض المسرحي الذي يبحث فيه الفنان والعالم ، والموسيقار ، والراقصة ، والطفل ، على النور الذي طالما انتظروه مستعملين كل الطرق التي تجعلهم يصلون اليه ، محاولين بين الحين والأخر كسر الجدار ، وبين كل هذه الأشياء يتطور الحدث الدرامي ، لنكتشف فيما بعد سعادة الراقصة وشقاء الطفل والموسيقار ، وسر سعادة العالم ، وبين هذا وذاك يمزج المؤلف بين السعادة والشقاء . وعلى الرغم من جدية المضمون الفلسفي للمسرحية ، أستطاع المخرج معالجتها بأسلوب درامي يجذب أنتباه المتلقي عن طريق عرض الأفكار بشكل متسلسل ، ومثير للدهشة ، وداخل إطار من الأحداث الدرامية المتوالية بسرعة والمثيرة للتأمل والتفكير ، ومن أبرز ما يتمتع به المخرج حرفيته وتقنيته العالية المستوى في رسم إطار عام تتحرك داخله شخصياته التي وظفها جيدا على خشبة المسرح ، بارزا للمشاهدين عالمين ، الأول أمامهم ، والثاني مجهول ، ومن هذه الفلسفة الميتافيزيقية تنبعث العديد من الأسئلة في نفوس المتفرجين عن سر العالم المجهول ، وهل هناك بداية العالم أم نهايته ، ربما لاتكون النهاية ، ولكن أحلام وأمال الممثلين قد تنتهي عند اكتشاف هذا العالم المجهول وتعد مسرحية غرفة بلا نوافذ من الأعمال الميتافيزيقية الرائعة التي تعتمد على الخيال ، وهذا النوع من الأعمال يجعل المتفرج يقف وجها لوجه أمام أعمال الكاتب الذي يحسن الكتابة الى المسرح الفرنسي البير كامي ، الكاتب المتمرد الذي كان دائما في كتابته يحاول ان يقارن بين عالمين لا مقارنة بينهم . ويمثل هذا العرض الزاخر بالأفكار الجادة ، كل من الممثل ( خضار لزهر) في دور الموسيقار ، والممثلة (فرياك يسمين) في دور الراقصة ، والممثل (خنفوف مصباح) في دور العالم ، والممثل (عدلان تريعي) في دور المؤلف ، والممثل الواعد (عراب تاج الاسلام) في دور الطفل ، وتحكم في أجهزته التقنية كل من (باديس مراد) ، و(عيسو عبد الرشيد) في الاضاءة ، و(منير مذكور) في الموسيقى ، و(عيسو اسماعيل) السينوغرافيا . وجاء هذا العمل تكريما لكل الفنانين بولاية ام البواقي ويعد في نفس الوقت فرصة لإبراز قدرات الممثلين الفنية في مجال التمثيل ، حيث حاول المخرج أن يمسك بخيوط الحدث الدرامي وبالتالي إيقاعه فكان أثار التحول من مكان إلى أخر واضحا في السيطرة على الزمن الممتد عبر مشاهد سريعة دارت على الركح . ونظرا لطموح الممثلين تم بلورة الفكرة بمهارة ، لتوصيل نية المخرج إلى الجمهور ، والمسرحية جاءت باللغة العربية الفصحى هذا الصراع الذي تحول إلى جدار سميك يحجب عنا الاهتمام بفنية المسرح وقدرته على أن يشكل حيوية اجتماعية تعطيه أهمية بين النشاطات الإنسانية الإبداعية كافة ، حيث كانت أهميتهم بالغة في أعداد العرض بالفصحى ، وهذا حتى يتلقى استجابة واسعة داخل وخارج الوطن ، وخاصة عند النخبة المسرحية ، وهذا ما جعلهم يحافظون على الفصاحة الدرامية في الحوار الذي وصل إلى الجمهور فكانت الافكار تتجلى بهذه الفصاحة المسرودة بصورة تثير التساؤل ، وهذا ما أعطى للنص أهمية وقدرة في طرح جملة من القضايا المدهشة ، وأنها لجرأة من أعضاء الفرقة المسرحية أن يتبنوا عملا من هذا النوع ، وهذا ما يجعل العرض المسرحي غرفة بلا نوافذ في الخط المناضل لتوصيل الأفكار والصراعات إلى كل المثقفين بولاية ام البواقي ، وهذا كشحنات كهربائية تحمل الطاقة الفنية إلى بطاريات المولعين بالفن المسرحي .
#عقيدي_امحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرقصات الشعبية بتوات
-
الفنون الشعبية في توات
-
دراسة حول عرض مسرحية المنتحر
-
التجربة المسرحية في الجزائر
-
مسرحية التمرين بين العرض والنص
-
دراسة نقدية حول مسرحية الكترا
-
المسرح المدرسي فضاء لاكتشاف المواهب وترسيخ الاسس التربوية
-
دور الموسيقى الشعبية في ترقية المجتمع التواتي
-
توني موريسون روايتها تجسد السخرية المأساوية
المزيد.....
-
الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو
...
-
تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري
...
-
وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب
...
-
“أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m
...
-
فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش
...
-
أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا
...
-
الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود
...
-
“نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|