أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم زهوري - مؤانسة














المزيد.....

مؤانسة


إبراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 6482 - 2020 / 2 / 4 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


من يفاعة طفولتي رأيت دموع أمي تنهمر تباعا ً مثل حبات خرز ملون تتدحرج ببطئ شديد على وجنتيها وكأنها في حضرة مأتم جليلي وكنت أسأل نفسي لماذا تجهش أمي بكل هذا البكاء النبيل ولماذا يسكنها ثقل هذا الهم الهائل متبوعا ً بحزن عصور غابرة كلما صدح صوت المغني العراقي ناظم الغزالي من جهاز المذياع الضخم المرفوع على رف خشبي مدعوما ً بأذرع من الصفيح الصلب على شكل مثلث قائم الزاوية حيث تغطي وسطه من الأعلى وجانبيه قطعة قماش بيضاء مزينة بنقوش خيوط ذهبية خشنة وناعمة تتشابكان في تودد ٍ واضح ٍ ليّن لتشكلان آية قصيرة من الذكر الحكيم ، هذا المذياع بوقاره المتجهم يتموضع عاليا ً على جدار غرفة " البركس " في مهجع 52 القريبة من ساحة الخزان الشاهق ( الحاووظ ) حين فضل أبي إختيار الغرفة لتكون بيتنا ولعلها تصبح سترا ً وغطاء محتشما ً لأخواته البنات بدلا ً من الغرفة المطلة على الشارع الرئيسي للمخيم وزحمته من الجهة الأخرى ،
وأنا بدوري كنت أرتعد أيضا ً من صوت هذا الجهاز حين يجهر المذيع فجأة كل مساء لازمة نشيد البرنامج الإذاعي اليومي وكأنه في قلب معركة حامية الوطيس حتى أن الثقوب المخرمة بشكل دائري للسماعة تهتز بشدة وكأنها مصنوعة من جلد طبل في حفل عرس ريفي ،
" هنا صوت فلسطين من دمشق "
- حيث عرفت لاحقا ً أنه صوت الشاعر يوسف الخطيب - ويتبعها بمطلع لابد منه ينادي فيه على كل الثائرين في بطاح الكرمل وربا الخليل بالتجهز والتحضير والإستعداد المبكر لخوض معركة الحرية وتقرير المصير مما
يدفعني إلى مناجاة خاصة يشوبها تفاؤل طفولي حذر مع مخيلتي الفقيرة البريئة بأن العودة إلى بيت أمي وأبي القديم عند سفح الجبل هناك قريبة جدا ً وأنها ليست مستحيلة ، كان الكلام أشبه بقارب نجاة إلى أن وقعت في أتون إلفته رغم بساطته لذلك حفظته عن ظهر قلب وصرت من مريديه وواحدا ً مشاركا ً في جوقة الشرف الوطني مما أنساني مراوغة السؤال عن أسباب الأسى الذي يلف ظلال تفاصيل حياتنا اليومية وتحديدا ً حين يفرغ أبي من صلاته وينتصب مشدودا ً ليرفع يده اليمنى ويحرك إبرة المذياع ساهما ً في أعماق الصمت ويغرق ليأخذني ملتبسا ً من عاصمة إلى أخرى .
ويمر وقت ويتسع البيت ويذهب الأبناء ونبقى وحدنا أنا وأمي وأبي .
- الطبخ حيرة يا إبني !! ماذا سنطبخ اليوم ؟
هكذا تسألني وهي تجفف و تمسد حبيبات العرق المتفصد التي تنز من غرة جبينها بطرف لسان منديلها المعقود بإحكام حين عودتها من التبضع في السوق وأنا أجيبها من باب تسهيل الأمر
- صينية بطاطا !.
كانت تحرص دائما أثناء تجهيز وجبة الطعام الرئيسية في باحة الدار والدنيا دفء شمس في فصل الربيع أن أضع في آلة التسجيل ونزولا ً عند رغبتها شريطها المفضل والذي أتت به من مدينة حمص عقب وفاة أخيها الوحيد هناك لتستمع وتستحضر مرة أخرى سلاسل دموعها المتدفقة مثل موجات البحر وفي كل موجة حكاية ألم لا يذاع لها سر ، والمغناة رثائية طويلة بصوت المغني الشعبي أبو عرب يرافقه هديل عزف عود ويمامة حزن ناي , يرثي بها إبنه ومجموعة من رفاقه الذين تركوا مقاعد الدراسة الجامعية ولبوا نداء الدفاع عن الثورة والشعب "راحوا و ما رجعوا" كما تقول الأغنية ونال كل واحد منهم عرين مبتغاه من الشهادة في منطقة البقاع اللبناني أثناء إجتياح العدو الصهيوني لهذا البلد صيف عام"1982", هي غيبها الموت الآن بعد أن زرعت شجرة ياسمين وارفة عند عتبة باب البيت ولحقها أبي في مثواه الأخير بعد عدة سنوات وترك شجرة الليمون تظلل نافذة غرفته المكتظة بأجنحة الحمام وأنا الآن تسكنني حمى انتظار لم شمل عائلتي في صقيع البلاد الغريبة .
4.2.2018
Sommerach.Germany



#إبراهيم_زهوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في صدره ظنون العمر جمر الأناشيد
- لنكن مثل العشاق لا أكثر
- وحدي أزوج الغد خمرة حدس هزة الياسمين أفق أصداف
- غرب المنفى نهاية الأرض غلال سحر المدح


المزيد.....




- والدة هند رجب تأمل أن يسهم فيلم يجسد مأساة استشهاد طفلتها بو ...
- دواين جونسون يشعر بأنه -مُصنّف- كنجم سينمائي -ضخم-
- أياد عُمانية تجهد لحماية اللّبان أو -كنز- منطقة ظفار
- إبراهيم العريض.. جوهرة البحرين الفكرية ومترجم -رباعيات الخيا ...
- حصان جنين.. عرضان مسرحيان في فلسطين وبريطانيا تقطعهما رصاصة ...
- من بنغلاديش إلى فلسطين.. جائزة الآغا خان للعمارة تحتفي بمشار ...
- ملتقى الشارقة للراوي يقتفي أثر -الرحالة- في يوبيله الفضي
- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم زهوري - مؤانسة