أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جري جاسم - ارتهانات الطفولة بين عقدة الماضي وقتامة المستقبل قراءة في قصة زيارة غير متوقعة لهيفاء شرف















المزيد.....

ارتهانات الطفولة بين عقدة الماضي وقتامة المستقبل قراءة في قصة زيارة غير متوقعة لهيفاء شرف


محمد جري جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 6479 - 2020 / 2 / 1 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


تبدأ القصة بمواجهة حوارية بين المؤلفة وقارئ قصتها الذي تجذب اهتمامه بتصريحها أنها ستكشف له سر إضمار الكثير من النفوس للحقد الدفين فيها.. وهذا السر هو الركيزة الأساسية التي تنطلق منها القصة متحددة بالبدايات الأولى لحياة الشخصية الرئيسة فيها، أو الشخصية البطلة في القصة. تسلط هذه البدايات الضوء على مرحلة الطفولة للشخصية التي تحتل حيزاً ملحوظاً في النص السردي، لاسيما في القسم الأول منه- فالقصة تقوم على ستة أقسام مرقمة- إذ ستحدد هذه المرحلة العمرية من حياة الشخصية مستقبلها لاحقا، كما أنها تستجلي في الوقت نفسه دواخل الشخصية وترسم عالمها المكبوت بعناية ودقة، فالمعلومات التي تسرد في بداية القصة من خلال استرجاعات الشخصية، تقدم صورة أولية عن الشخصية، ماتلبث أن تكبر شيئاً فشيئاً، حتى تتكامل الصورة لدى المتلقي في نهاية القصة تماما، وبذلك تتحول مرحلة الطفولة في هذه القصة من مجرد مرحلة عمرية، إلى نسق تداولي وترميزي في الآن نفسه، كونها – الطفولة- الجزء من حياة تلك الشخصية الذي لا يزال يُسْتَذْكَر حينما تخلد الى نفسها، وتغور في أعماق ذكرياتها، ولمَّا كانت تلك الذكريات مؤلمة وقاسية، حتماً إنها ستترك ثأراً دفيناً تجاه واقعها الذي مارس عليها سطوته وقساوته منذ الصغر، فتركها منكمشة على نفسها تميل إلى الانطواء والعزلة خوفاً من الاقتراب من واقعها المجتمعي الذي يذكرها بنقصها، ويحرمها من الاندماج فيه، فتستذكر هذه الشخصية على الدوام طفولتها المُعذَّبة: ((لقد ابتلعني العذاب منذ الصغر.. كنتُ انطوائي، فوجهي قبيح وجسدي نحيل.. أتلعثم بالكلام، هذا ما جعلني محط سخرية لأقراني، ومثال سهل على لسانهم القبيح، فوق ذلك كله كان فقري ما يزيد مصيبتي أكثر، ملابسي دوماً مضحكة [...] بدأ موسم الألقاب من جديد، ينعتني كل واحد منهم بلقب جديد وينتصر الآن لقب بنوكيوا)) . هذه الاسترجاعات لبطل القصة تحدد بدقة أهم أسباب بؤس هذه الشخصية وشقائها منذ الصغر، كما تحدد أيضاً مدى صراحتها مع نفسها، تجاه واقعها المرير والآخرين من حولها الذين سببوا التأزم لها وخلقوا محنتها الذاتية: ((أنا كائن جديد عجن من الدمار والحقد والهستيرية ومن غبار الأزمان، من التراب الذي داسته مئات الأقدام)) . من أجل كل بؤسها، ولكي تساير لعبة الأقدار التي جعلتها مداس مئات الأقدام، تحاول هذه الشخصية لملمة ما تبقى من رفاتها وتنهض من بؤسها لتغير مصيرها، وترسم لها حياة مختلفة: ((لقد غيرت كل حياتي، اجتهدت ودرست التجارة والاقتصاد وتفوقت على جميع أقراني، أصبحت غنياً خلال سنوات قليلة، والتفتُ لمظهري فغيرت ملامح وجهي ببعض عمليات التجميل، وصنعت من جسدي جسد هرقل الجبار، وأطلقت لساني متكلما كأحد أولاد النبلاء أو الشعراء فقاموسهم صار بين يدي)) . هذا التغير ربما يبدو واضحاً بِعَدِّه رَدَّ فعلٍ طبيعي على إقصائه وتهميشه، غير أنه في الوقت ذاته يحقق إشارة ترميزية لوعي الشخصية بموقعها، ورغبتها أيضاً في تحقيق تميزها على الآخر الذي تجذرت عدائيته في قناعات الشخصية، أي أن الشخصية وهي إزاء ما أحدثته من تغيير لم تكن تتوق إلى تحقيق الاندماج ضمن الكل المتماثل في مجتمعها الذي طالما عمل على تهميشها واقصائها، فهي لازالت تحمل في دواخلها حقداً دفيناً، وعدائية مكبوتة تجاه محيطها الذي تتضخم سطوته عليها كلما تقدم بها العمر، فعندما مارس قهره عليها في الصغر، هو الآن يعمل على تشييئها بجسد هرقلي وملامح جديدة ببعض عمليات التجميل، فتغييرها هذا لم يكن لرغبة عفوية أو ذاتية للشخصية، وإنما وجدت أن محيطها يريدها أن تكون هكذا، لذلك كان التغيير قد لحق بالمظهر الخارجي للشخصية، بينما داخلها المظلم لا يزال باقٍ على ظلاميته، والحقد لا يزال دفيناً، والرغبة في الثأر باتت ملحَّة: ((ما زلتُ أحمل ذلك الطفل في داخلي.. الطفل المظلوم. المُنهار، الحاقد على الجميع. لأنهم ظلموني)) . إلى الآن والقصة تحاول إثبات سبب أنغمار النفوس بالشرور والأحقاد، فرغم محاولات التغيير التي حققتها هذه الشخصية، إلَّا أنها لا تزال تحمل تلوثات الماضي التي تغذيها بالحقد تجاه واقعها الشرس، من أجل ذلك يكون الانتقام خير سبيل للإحساس بالسلام الداخلي، ولكي يحقق _البطل _ بعض الاندماج أيضاً، أو على الأقل الاحساس بالتماثل مع الآخر، يعمد إلى الزواج بفتاة من واقع أكثر بؤساً وشقاءً من واقعه الذي لا يزال يسترجع قساوته في مخيلته، فهو ظاهراً قد انتشلها من كل ذلك البؤس والشقاء، لذلك كان يرى انقاذه إياها مبرراً ليمارس هو عليها سطوته وقهره، كما أنه لا ينفك يذكرها بأنه هو البطل والفارس الذي أزاح عنها جحيمها، فعليها الخضوع له، كي يمارس استعباده إياها.. غير أنها تتركه بمفرده يعاني شقاءه من جديد، ليجد أن خلاصه من محنته بأن يرضخ لذلك الاقصاء الذي يشعر به، فيعمل هو أيضاً على إقصاء نفسه بحفرة قبر يجهزها لنفسه: ((لقد دفنت جسدي و أنا حي، جسدي في التراب ككل القبور التي حولي لكن روحي ما زالت في جسدي عكسهم، ما زالت في وعائي المادي.. أتخبط كالمذعور من وجودها فهو الموت الآن!!)) . هذه العزلة في حفرة قبره التي احتفرها لنفسه، قد لا تختلف عن عزلته وانطوائيته في صغره، والسبب من وراء هاتين العزلتين هو محيطه المجتمعي القامع له. لقد باتت الحفرة الآن ملاذه الآمن، والمكان الذي من الممكن أن يوفر له الراحة التي فقدها في صراعه كي سيبق الآخرين ويتفوق عليهم.. لقد مثَّلت هذه الحفرة انطباق المحنة عليه إلى درجة التوق إلى الموت، بل هي موت ترميزي يحيل إلى تطلعه للخلاص أو الفرار من أوهامه التي أثقل بها كاهله، فتركته حبيس زنزانات الحقد والشر.. وفي لحظة ابتعاده تلك، يشعر بجمال الحياة، وتدب بين أوصاله طاقة للخلاص من كل هذه القيود والاسوار والحبس الانفرادي، غير أن الأوان قد فات عليه، وهو يشعر بالوهن والضعف في حفرته بعيدا عن الآخرين الذين لا يتوقع منهم مساعدته، طالما كانوا هم أنفسهم سبب هذه العزلة، وفوق ذلك كله، ليس له مفر من ألسنة النار التي بدأ لهيبها يتعالى في الحشائش التي تحيط بالحفرة.. في هذه اللحظة تتحدد مفترق الطرق، إمَّا أن يحيا من جديد ويتبدد كل بؤسه ومعاناته إن تمَّ إنقاذه، أو يموت بما يحمل من حقد دفين تجاه واقعه.. في تلك اللحظة تنبري دلالة العنوان لترمي بثقلها الدلالي وزخمها الترميزي على نهاية النص التي تتشظى معانيها لدى المتلقي، كي يتكفل هو برسم خاتمة لها، لا سيما إن كانت تلك الزيارة غير المتوقعة هي مجيء الآخرين لنجدته: ((وبسرعة يأتون بالفعل، ويتم انقاذي...)) . وبذلك تكون هذه النهاية بداية حياة الشخصية التي يرسمها المتلقي في ذهنه خارج النص، بداية حياة تخلو من ارتهانات الماضي وعبئه، ومتحررة من كل التأزمات؛ أي إن هذه النهاية كانت كفيلة بخلق نصٍ آخر أو قصة أخرى ستظل تستمر في تكاملها خارج المساحة السردية لنص القصة، مما يسهم بشكل كبير في انفتاحها وعدم انغلاق القصة على حدودها السردية.



#محمد_جري_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جري جاسم - ارتهانات الطفولة بين عقدة الماضي وقتامة المستقبل قراءة في قصة زيارة غير متوقعة لهيفاء شرف