أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - قصة الطائر















المزيد.....

قصة الطائر


سوسن السباعي الجابي

الحوار المتمدن-العدد: 1568 - 2006 / 6 / 1 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


الطائر
أفاق الطائر صباحاً والناس مازالوا ينسلون من نوم هادىء أو قلقٍ أو... خرج الطائر من عشه إلى النبعة القريبة، تبلل انتفض، طار يبحث عن طعام بينما انشغلت العصافير بتراتيلها اليومية.
رأى الطائر الحاج أبا محمود ذا اللحية الورعة بجلابيته البيضاء وعكازه الأسود، وإلى جانبه أبو جابر يتمسح به طالبا بركاته. ضحك الطائر " أبو جابر موظف أتخمته الرشاوى وفوائد الربا فاستحق بذلك أن يكون من وجهاء المدينة. لقد ضربني البارحة بقشرة موز حين رآني أرفرف عند شباكه أثناء الدوام الرسمي. لا أعرف لماذا يكره الطيور بينما يحب الحاج أبا محمود كثيراً "...
- ادع لنا يا سيدي
سعل أبو محمود وتابع أبو جابر:
- اطمئن شيخ سأرسل لك بعد قليل مع الخادم ما يليق بمقامك.
- وفقك الله يا بني وبارك في رزقك...
صفق الطائر بجناحيه وخرج شيء من قفاه وحط على راس أبي جابر، امتعض أبو جابر وسبّ الطائر قليل الأدب فهدّأه الحاجّ:
- لا عليك يا بني ستأتيك هدية مباركة.
انفرجت أسارير أبي جابر وتخيّل رزمة من المال التي سيحصل عليها اليوم مقابل أن يدفع المناقصة التي أعلنتها الشركة. ودّع الحاج وهرع مسرعاً إلى عمله لكي لا يتأخر عن الدّوامِ وتطير الرزمة إلى يد موظف غيره فالبركة ما أكثر الذيت ينتظرون رزم المال. بينما كان الطائرُ يتابع مشاهداته في الشارع الطويل من أوله إلى آخره. حيث الشارع يرتفع صخب إيقاع شيئا فشيئاً.
ابتعد الطائرُ قليلاً ناظرا إلى نافذة يعرفها جيدا " متى تستيقظ هالة؟ " وتكوّم على زاوية النافذة العليا التي فتحتاه أم هالة وهي تقول: بنات آخر زمن ياالله قومي وراءك شغل. ها هي هالة تثاءبت نهضت بقلق متجهة فورا إلى المطبخ لتضع ركوة القهوة على النار كعادتها. انتقل الطائر إلى شباك المطبخ ليرى هالة وقد وضعت فمها فوق المغسلة وهي تتقيأ بقرف.
أوه يا هالة منذ أسبوع ,انتِ على هذه الحالة وترفضين زيارة طبيب.
ارتجفت هالة عندما تذكرت كلمة " طبيب " وقالت إنه مجرّدُ برد، فالطقس هذه الأيام لا يستقرّ على حال.
كانت القهوة قد اكتملت. حملتها هالة ناظرةً إلى نافذة المطبخ فرحت لوجود طائرها الجميل. رمت له فتات خبز مبللٍ بالماء " آه لو يستطيع هذا الطائر مساعدتي... لو يحملني إلى بلاد الحكايا البعيدة لأهرب من إثمي وكآبتي... آه لو..." دخلت بالقهوة إلى غرفة الجلوس حيث أخوها الأكبر رامي جالس بين والديه.
- صباح الخير. قهوتكم جاهزة. أنا تأخّرت عن شغلي
وراحت ترتدي ثيابها من جهة وترتشف بين لحظة وأخرى من فنجانها. وحاولت الخروج من قلقها فارتدت ثياباً جميلةً وتعطرت خلسةً وغادرت.
قال رامي:
- شي حلو. بطّلناها من المدرسة لتشتغل خياطة وتكثر مشاويرها
رد أبوه:
- اتركها يا ابني هل نحبسها في قمقم ؟ البنت تتسلى بشغلها اتركها.
كان الطائر وحده يعلم أن هالة لن تعمل اليوم. فراح يحلق فوق رأسها حتى تصل غلبى بيت مازن الذي ما إن رآها حتى أشار أنه فتح الباب الخلفي فانسلّت مسرعةً. تمنى الطائرُ اختراق هذه النافذة لتستأنس به صديقته، لكنه لم يجد غير الشجرة " يبدو أنه ليس إلا أعالي الشجر وهمسات تتسلل من البيوت "
- لم أعد أحتمل. أؤكد لك أني حامل. كل يوم استفراغ وغثيان وسوف يظهر بطني بعد فترة. أرجوك افعل شيئاً
- قلت لك لا تتوهمي. مجرّد برد...
واقترب منها يريد ضمها، ولكنه فوجىء بالطائر ينظر إليه من النافذة فأغلقها... " لماذا يكرهون الطيور؟ هل يخافون مني لأني أرى كل شيء ؟ صحيح أنني أرى ولكن ماذا أستطيع أن أفعل ؟ هل تكفي ريشات منهكة ومنقار صغير ؟ "
حين غادر الطائر مخبأه وطار يحاور النوافذ المختلفة، لم يكن منتبها إلى فتيان معهم بنادق صيد
- يا الله ما أجمل هذا الطائر
- طائر كبير سيكون عشاؤنا عامرا. طيور ورز. يا سلام.
- يا له من طائر غبي يقترب من النوافذ كل هذا الاقتراب. هيا صوّب...
أطلق أحدهم النار فأطلق الطائر جسده بسرعة عالياً حين سمع شجرة تقول له بهمس: أنا شجرة اختبىء يا صديقي.
حين أخفى الطائر جسده في أوراق الشجرة حدّق من بين الأغصان فرأى أنه رامي هو الذي أطلقَ النار " ما أقسى ملامحه " وتذكر ملامح وجه هالة البريئة. وعلى غفلة منهم ارتفع عاليا وبسرعة انعطف نحو الجهة الأخرى. تبعوه، ضيّتعهم، وهيأ لنفسه طريق الرجوع إلى الشجرة، كان متعبا، فنام.
" كان أن سمع ضجة فانتبه إلى جنازة ملأت الشارع. قيل أبو جابر صرعته شهواته. وهمس أحدهم (نوبة قلبية من أكل اللحم) وهمس آخر (لقد سلب نقودي ولم أستنفد شيئا من المناقصة شيئا، عليه اللعنة) بينما علا صوت الحاج أبي محمود محوقلاً مكبّراً ويده تعبث بمسبحة ذهبية أهداها له المرحوم أبو محمود ثم قال (كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الله يرحمه) أسقط الطائر من قفاه شيئا معروفاً على رأس الحاج الذي غضب وسبّه ولوح له بعصاه مهدداً. ابتعد الطائر إلى آخر الشارع وفوجىء بهالة تخرج من بيت مازن بحذر وخوف. حيث لمحت من رامي طالعا من بين صفوف الجنازة متوجهاً نحوها بصدر مضطربٍ ووجهٍ متلوّنٍ وعينين تنبئان عن وقع الكارثة حالاً. ولمح الطائرُ سكينا تلمع... ثم زالت الفروق بين هالة والخروف... عويل يصعد، دم يصعد، وضمير غسل العار ونام راضياً مرضيا.وبكى الطائر كثيرا فلم سمع أحد بكاءه..."
عند الفجر حاول الطائر تصديق أن ما رآه لم يكن غير كابوس مزعج، لكنه وفي غبش الظلام استطاع تمييز أشباح خارجة من بيت هالة. هذا رامي وأبوه يحملان جسد هالة المنتهي. ليس لهالة جنازة. لأنها من جنس كلما انخفضت كمية طاعته انخفض عدد من يمشون في جنازته... فلتشيعها أحزان هذا الفجر. ولتشيعها بصقة الحاج أبي محمود العائد من صلاة الفجر : " تفو بنات عاهرات إلى الجحيم وبئس المصير "
بكى الطائر وحلّق إلى منزل مازن. نقر على نافذته بحدّة لكن مازن نهض متثاقلاً نظر على الشاع فرأى جثة حبيبته محمولةً. بصق هو الآخر وتثاءب لاعنا الضجة التي أيقظته في هذه الساعة. وعاد إلى سريره يخطط لهالات جديدة...
بعد أن احتضن التراب جسد هالة هبط الطائر فوق التراب منهكاً يملؤه اليأس والقهر وراح يرفرف ويطوف حول التراب حتى هوى دفعة واحدةً.
حين افاق أهل الحيَ تحدث الأطفال منهم أن الطائر الأبيض وجد فوق قبر هالة ميتا،وقد تحول إلى طائر أسود مخيفٍ برزت له أنياب حادة واستطال منقاره وهو يحدق بعيون تحجرت فيها الدموع.
1990



#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزهة مسائية
- من كلام امرأة بامتياز
- يقظة سميراميس وقصائد أخرى
- آخر الأوراق القديمة
- أوراق قديمة أخرى
- موسيقى ونصوص أخرى
- أوراق قديمة
- زورق في نهر الملل
- إن... ونصوص أخرى
- شمس ونصوص أخرى
- ضياع ونصوص أخرى
- حكمة أنثى القصيدة
- لعنة ونصوص أخرى
- ليلة رأس السنة
- طيور الليل
- ليلة من مطر
- رباعية الرعد
- أحوال امرأة تتحوّل
- أمل وغربة اخرى قصائد قصيرة
- عالم في كفي


المزيد.....




- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - قصة الطائر