أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كمال انمار احمد - الفيلسوف الشهيد سقراط:لمحة في حياته و فلسفته















المزيد.....



الفيلسوف الشهيد سقراط:لمحة في حياته و فلسفته


كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة

(Kamal Anmar Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 01:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الممكن إن بَعضُنَا،قد سمع اسم سقراط هنا و هناك و من الممكن إن بَعضُنَا قد يعرف سقراط جيدا.و من المحتمل أيضا إن بَعضُنَا لم يسمع عن هذا الرجل إطلاقا ولأسباب مختلفة.فإلى هولاء و أولئك أقدم هذا المقال كلمحة بسيطة عن حياة هذا الرجل و فلسفته و مواقفه و آرائه.
*من هو سقراط:
سقراط اسم لامع لا يزال إلى اليوم يعطي ذلك الوهج المتمثل بالحقيقة لمن يطلبه من خلال فلسفته راسخة المبدأ و آرائه الخارجة عن التقليد و المألوف القاتل,فهي ملهمة و فيها الكثير من الدروس و العبر،و الاستنتاجات الجريئة. و إني لو سمعت هذا الاسم لأول مرة، لخمنت انه يعود إلى رجل عظيم.و هو بالفعل كذلك.دعونا الان نرى ماذا يوجد في خبايا هذا الرجل،انها خبايا مدهشة،و غريبة.دعونا نرى بعضا منها.
ولد هذا الرجل في أثينا عام ٤٧٠ق.م التي كانت ي ذلك الوقت مستقرة و في فترة اعمار بعد سنوات من القتال و الحروب،إي إن الأحوال السياسية في زمن نشأة سقراط تكاد تكون على ما يرام تقريبا.حيث هزم الأثينيون جحافل البرابرة و استطاعوا تحطيم القوات البرية و البحرية للملك زرزس،و تمكن الجيش الاسبرطي من إن يوقع الخسارة بالفرس و بالتالي ابعادهم عن التغلغل في الداخل اليوناني, و استطاع الأثينيون أيضا من استرجاع جزيرة ديلوس التي كانت بأيدي الفرس.و قد تم في هذه الفترة بناء الاكروبول و فيه البارثينون و اماكن أخرى لا تزال موجودة في اليونان إلى يومنا هذا. باختصار "كانت أثينا في قمة عظمتها السياسية و ثقافيا" كما يقول راسل.

ولد سقراط لاب يعتقد انه كان نحات و يعرف بسوفرنيسكوس,و لكن بعض المؤرخين يستعبدون فرضية إن والد سقراط كان نحاتا،لانهم يقولون إن مصدرها،لم يكن بمعنى ما،جدي بشكل كامل،بل جاء في احدى محاورات افلاطون كسخرية او ما شابه هذا الأمر،اي لم تأتي بشكل يمكن إن يستند عليه.اما أمه فتدعى فينار(او فينارت)من قبيلة انطيوشيد،و هي قابلة.و يبدو من إعمال أم و أبو سقراط إنهما كانا يعانيان نوعا من الفقر،قد لا يكون بتلك الدرجة من عدم التمكن و لكنه عموما يعد فقرا.لذلك فقد دخل في الجيش،في سلاح المشاة.و قد كانت هذه الفرقة يدخل فيها الفقراء فقط،لان سلاح الفرسان يتطلب حصانا و تجهيزات لا يمكن للفقراء إن يشتروها. و بالإضافة إلى فقره هذا،فهو لم يكن يفكر بالغد.إي انه لم يكن يريد بشكل من الأشكال إن يفكر عقله في الكيفية التي يمكن من خلالها إن يعيش،بل غلب على فكره التأمل و النظر في ماهية الإنسان،تاركا الحياة في دوامة أخرى،مختارا البحث عن الماهية،و البحث عن المعرفة بشتى الأشكال.
هذه الصورة هي ما يمكننا معرفته عن سقراط،كون الأخبار التي وصلت عنه،قليلة و متضاربة.إما بقية المعلومات عن حياته،فيعتمد المرخون لتحصيلها من خلال تلميذي سقراط:القائد العسكري زينوفان و الفيلسوف الرائع افلاطون.و الأخير يعتمد عليه في معرفة حياة سقراط الفلسفية أكثر من زينوفان.و لعل كتاب محاورات افلاطون هي خير مثال و دليل على مجريات حياة سقراط المختلفة،الفلسفية و الاجتماعية و السياسية.كما و يعتمد على على مسرحيات ارستوفان،و وصف بعض تلاميذه الآخرين الأقل شهرة ،مثل هافلوك و وانج.
و لعل تحوله من النظر الكوزمولوجي(إي البحث في الظواهر الكونية)إلى البحث في ماهية العقل الإنساني هو من المجريات المهمة التي غيرت منحى الفلسفة في عصره.و قد بدأ سقراط النظر الكوزمولوجي في بداياته،حيث كان منتميا لمدرسة"ارخيلوس"و هذا هو الذي خلف الفيلسوف اناكساجوراس في أثنيا،و بالإضافة إلى انتماءه إلى هذه المدرسة،فقد كان يتخذ من ديوجينز الابوليني و انبادوقليس كمصادر له في دراسته الكوزمولوجية.و قد قام سقراط بعد إن رأى عدم التناسق و الانسجام بين النظريات المختلفة للفلاسفة،بتغيير منحى تفكيره،إلى البحث في العقل الإنساني،ليحول الفكر إلى هذا الشيء الذي يمكننا إن نصفه بأنه أعظم ما يملكه الإنسان!
لقد كان الفكر السقراطي فكرا جديدا و نيرا. و اعتقد إن سقراط لم يكن مختلفا في فكره هذا و حسب,بل و حتى في افعاله اليومية و صحته وملبسه,حيث يذكر إن سقراط " كان معتدلا في كل مايفعله و لديه السيطرة على صحته "و بالإضافة إلى ذلك فانه كان حافي القدمين غير هياب و غير مهتم بملابسه،فقد كان يلبس ثوبا واحدا صيفا و شتاء و رداءه بالي قديم.و لكن هذا الرجل مما يبدو عليه كما استنتجنا انه لم يكن حتى ليهتم بملبسه او مظهره،فقد كانت هناك ثورة داخلية،ثورة فكرية حركت كيانه و غيرت كامنة,و قد قادته هذه الثورة إلى المعرفة الحقة.انها ثورة الفكر التي إن وجدت جعلت كل ما يبدو ظاهرا بالنسبة للشخص لا شيء!لان الظاهر أحيانا غير حقيقي تماما. و بما إن الثورة الفكرية قد حصلت لهذا الرجل،فلابد لها إن تظهر بمظهر معين.و هذا المظهر هو مظهر الحديث و التساؤل،و تعليم الناس كيف يمكنهم إن يتساءلوا و إن يبدئوا في طرح الاستفسارات عن كل شيء نألفه و نعيش بواسطته.و الدليل على حب سقراط للحديث،"انه كان يحب مناقشة أصدقائه و تعليم الشباب اليوناني الفلسفة.فيجتمع ولاء الشباب حول سقراط و يستدرجهم للحديث في احدى أروقة المعبد و يسألهم إن يحددوا و يعرفوا كلامهم".
الآن نحن نعرف إن هذا الرجل قد حصلت له ثورة داخلية،و انه قد غير مجرى دراسته من النظر الكوزمولوجي إلى النظر في الإنسان كنتيجة لتلك الثورة.و عرفنا إن هذا الرجل كان بعيدا عن الأبهة و الغنى،و التفاخر و التعالي،كما كانت لديه نظرة نقدية على أولئك الخطباء الذين كانوا بخطبهم يصبحون في أثينا،فوصفهم بأنهم "مذنبون باستخدام الفصاحة و إلقاء خطب مليئة بالمحسنات اللفظية". يمكننا بهدوء إن نقول إن هولاء الذين ينشدون الخطب و القصائد موجودون في كل زمان و مكان،و لكنهم يقلون حين يكون هناك نظام مستقر و ديمقراطي.و أيضا نماذج سقراط موجودة في كل زمان و مكان،فتتخذ منه مثال في قول كلمة الحق و تنوير الناس والنضال من اجل ذلك. هذا ما تعلمناه مما سبق.بقي شيء واحد عن حياة سقراط أود ذكرها و هي أحوال هذا الحكيم الزوجية.
أحوال سقراط الزوجية، معتمة نوعا ما،و لكننا نعرف انه قد تزوج من امرأة تدعى اكزانتيب(زنتيب) و يبدو انه قد تزوجها في اثناء الحرب البليوبنزية {و هذه الحرب قد حصلت بين أثينا و إسبارطة و هزم فيها الإثينيون و ادت هذه الحرب إلى تخلخل الوضع في أثينا،فقد قام كريتيا و هذا ا احد تلامذة سقراط بثورة ضد الحكم الديمقراطي٤٠٠٤٣٠ق.م،و فشله فيما بعد حيث انه قتل في ميدآن المعركة}و من صفات زوجة سقراط انها : كانت تحب الحديث و الحوار مثله.و لها مواقف مع سقراط،تدل على انها كانت غير متعلمة،و غير ذات نظر دقيق.و قد ولد لسقراط من زوجته هذه ثلاث أولاد،لامبروكيس و سوفرونيسكوس،و مينيكسينوس.

عن فلسفة سقراط:

لو أردنا معرفة فلسفة سقراط بشكل دقيق فإننا سنقع للوهلة الأولى في شبكة من الالتباس و التضارب المعلوماتي المنقول عن أشخاص نقلوا صورا معينة عن فلسفة سقراط وحيث انهم أخذوا من قيمه و عاشوا مع أسئلته،و تعلموا ماهية فلسفته،لكن هولاء الأشخاص المختلفين قد نقلوا إخبار مختلفة عن سقراط برغم أنهم كانوا بصورة ما قد عاشوا مع سقراط لفترة معينة.و ليس من المعقول إن يغير سقراط مبادئه خلال عقد او اقل،و لكننا نرى في كتابات من وصفوه من بعده شخصا مختلف الأهواء و الأهداف،حيث كانت كتابات كل واحد من هولاء التلاميذ مختلفة عن الأخر،بحيث تبدو انها لا تنبت من أصل واحد،بل و لا تمس جوهر القضية بشيء،كونها تعبر عن رأي أصحابها في الغالب و طموحاتهم و شخصياتهم و رؤيتهم الشخصية،بالتالي يمكن إن نقول " بما إن المعلومات عن مضمون فلسفة سقراط ،و ماذا يشكل سقراط أساسا،هي معلومات تبدو متضاربة،و غير منسجمة مع بعضها و لا تعط صورة مشتركة للرجل و فلسفته،لذلك فإننا سنكون حذرين في الدخول إلى هذه المنطقة,و فوق حذرنا هذا،سندخل في تخصص فلسفي معين،يتضمن ماهية الفكر السقراطي"لكن قبل الدخول إلى هذه الماهية الفلسفية لابد إن نرى مصادر المعلومات عن فلسفة سقراط أولا و نرى من هم أصحابها ثانيا،لنعرف كيف نجيب على السوال،التالي و هو: ما هي فلسفة سقراط إذا كانت الآراء متضاربة هكذا،و بمن سنثق أكثر.

و لنبدأ من محاورات افلاطون.و التي تمثل" المصدر المعول عليه بدرجة كبيرة في إظهار الجانب الفلسفي لسقراط.فإننا لو نظرنا إلى سقراط من خلال هده المحاورات فسنجده فيلسوف ميتافيزيقي من اعلي مستوى كما يقول نيكلستون.إما إذا اعتمدنا على كتابات زينوفون كالمأدبة و الذكريات،فسنجد سقراط أشبه ما يكون بالمعلم الشعبي،إي ليس له علاقة بالمسائل الميتافيزيقية،بل له علاقة معنية بالأشخاص الطيبين و الصالحين.و للملاحظة فان زينوفون يفتقر للاهتمام و القدرة الفلسفية،لذلك فهو قد قام بتصوير سقراط بشكل يبدو عاديا او مألوفا،إي كشخص عادي يعلم الناس ما تعنيه أقوالهم،فهو رجل يبدو حكيما لكن لا شيء غريب فيه.إما شهادة أرسطو((و هو تلميذ لأفلاطون يعتبر مؤسس علمي المنطق و الحيوان وواضع الأسس المنطقية للتفكير))تقول "إن سقراط لم يكن بعيدا عن الميتافيزيقا و لكنه لم يكن يعلم الناس نظرية المثل" ((هذه نظرية وضعها افلاطون اعتبر إن المثل" مضمون موضوعي لتصوراتنا الكلية عن شيء ما كالجمال او الأخلاق،و بما إننا ندرك الماهيات الموضوعية في تصوراتنا،فان افلاطون استخدم المثل أساسا كإشارة إلى ماهية الموضوع،و هذه تعني مصدر قضية ما في جميع الأشياء الجزئية مثل: مثل الخير)).إما اريستوفان فهو يصور أرسطو في مسرحيته السحب تصويرا هزيلا و هو لربما يهدف إلى الكوميديا لا الجدية.

باختصار شديد فان المصادر التي ذكرناها و التي تتكلم عن سقراط و فلسفته تبدو متناقضة مع بعضها باستثناء افلاطون في كتابه المحاورات.و للإشارة فحتى افلاطون يواجه مشكلات جمة و اعتراضات قوية على المحاورات الأخيرة من كتابه.ف توصف هذه المحاورات الأخيرة على انها من اختراعه،بينما هي واقعا قد نسبها لسقراط.كما و قد عد عالم الاجتماع العراقي العلامة الوردي المحاورات الأفلاطونية على انها تلفيق من افلاطون،و لا يجب إن تنسب إلى سقراط بالضرورة،و هذه التلفيق يعود إلى شهرة سقراط عموما و ذكر العلامة الوردي عدة اسباب تبين اسباب هذا التلفيق في كتابه مهزلة العقل البشري.

تفحصنا الان مصادر الفلسفة السقراطية ورأينا انه من الأفضل لنا تجنبا للالتباس و الدخول إلى مناطق وعرة شديدة التخصص،إن لا نذكر الاعتراضات على محاورات افلاطون التي اتخذناها كمصدر رئيسي لحياة سقراط الفلسفية.لكننا على العموم سنأخذ ما متفق عليه في المحاورات تاركين الجوانب التي يكثر فيها اللغط و الاعتراض.و بعد إن ذكرنا هذه الأشياء،أود إن نتوجه سوية إلى صلب الفلسفة السقراطية.

و هذه الفلسفة قامت على اسس معينة كما هو حال اية فلسفة ثورية فكرية,و كان من بين هذه الاسس التي سار عليها سقراط هو استخدامه للتعريفات الكلية و الحجج الاستقرائية.و نعني بالتعريفات الكلية هي"بلوغ تصورات محددة و ثابتة"حيث نجد من خلالها شيء دائم و ثابت و هذا التصور او التعريف يبقى ثابتا برغم اختلاف الأمثلة الجزئية المرتبطة به.فلو قلنا مثلا إن هذه قطعة من الخشب،فإننا بذلك نعني إن هذه القطعة هي قطعة خشب من حيث معيار معين،ولو قلنا إن هذا الشيء جميل او قبيح فإننا نملك بذلك معيار للجمال و القبح...و هكذا. ".و يمكن من خلال التعريف إن نصف واقع شيء ما بشكل محدد خال من الغموض و الالتباس و التعدد التفسيري بحسب المكان،و اقصد بالتعدد التفسيري بحسب المكان هو انه في الأزمنة القديمة و في اليونانية تحديدا كانت القيم مختلفة من مدينة إلى أخرى بحسب ثقافة كل قوم ،و تطورها،و بالتالي فان هناك اختلاف في القيم و التعريفات.فالعدالة مثلا في ذلك الوقت لم يكن لها تعريف محدد ،بل كان لكل مدينة تعريف خاص بها،ففي "تراقيا"كان تعريف العادلة يختلف عن أثينا،و في أيونيا تعريف العدالة يختلف عن إسبارطة. نستنتج مما سبق إن وظيفة التعريف هي التعبير عن الطبيعة الداخلية للشيء المعرف،و بالتالي ف"سيكون لدينا شيء نبني عليه"فلسفتنا و تصوراتنا و رؤيتنا للعالم،و بالطبع فان هدا الشيء لابد و إن يكون محددا و ثابتا لا يتغير باستمرار و إن تغير فان جوهره قد يكون واحدا،لا يتغير،فنستطيع حينئذ"الحكم لا على الأفعال الفردية فقط بل و على القواعد الأخلاقية".و من هذا المضمار الرحب اخذ سقراط يهتم بالمنهج العملي لتحديد التعريف.و هذا المنهج هو الجدل او المحادثة.

و المقصود و بالجدل او المحادثة هي الدخول في"نقاش مع شخص ما و و يتناقش الطرفان في موضوع معين.و هنا سقراط يبدأ بإيجاد موضوع معين لطرحه على احد مواطني أثينا او فلاسفتهم او احد ساستهم،او يقوم سقراط بانتزاع الموضوع من خلال سياق كلام احدهم،فإذا ذكر احدهم مثلا كلمة تقوى او ظلم او شجاعة بشكل عشوائي،فان سقراط يغتنم الفرصة ليبدأ في طرح أسئلته على المقابل.و عندما يجيب المتلقي على سوال سقراط،فان الأخير سوف يبدي رضاه عن التعريف المعطى،و لكنه يقول للمتلقي إن هناك نقطة او نقطتين في هذا التعريف غير متناسقة مع طبيعة الموضوع من أساسه،فالمحاورة التي جرت بين سقراط بوليمارخوس تلخص كل ما قلناه.

فلقد بدأت هذه المحاورة حين كان سقراط يقدم صلواته للإلهة في البيربوس(مكان للمناسبات و العبادة)و عندما عاد سقراط(و كان معه صديقه كلوكون)إلى المدينة رآهم بوليمارخوس و أرسل إليهم خادمه ليقول لهم إن بوليمارخوس يريد رؤيتهم،و حين جاء بوليمارخوس هذا تحادث مع كل من سقراط و صديقه،و بعد عدة أسئلة ذهبوا جميعا إلى بيت أبو بوليمارخوس(وهو صديق سقراط على ما يبدو)و تكلموا عن الشيخوخة،و الغنى.و في حديث أبو بوليمارخوس عن الغنى ذكر إن احدهم يقول"يعز روح من يعيش في العدالة و القداسة".و هنا سقراط يبدأ بطرح الأسئلة على أبو بلومارخوس أولا ثم ينتقل إلى ابنه.و جاءت إجابة أبو بوليمارخوس كتعريف للعدالة على انها"دفع الدين"و لكن سقراط يظهر بعض النقاط التي تنقض هذه الإجابة كتعريف للعدالة،ثم يعرف بوليمارخوس العدل مرة أخرى على انه"نفع الأصدقاء و ضررالاعداء و عمل الخير للصالحين و الأذى للأشرار"و يدحض سقراط هذا التعريف مرة أخرى.و على هذا المنوال تستمر المحادثة على نفس الطريقة لتنتهي نهاية معروفة نوعا ما،و هي عدم الخروج بتعريف معين للقضية المطروحة.و على الرغم من هذه النهاية التي تبدو غير جيدة،إلا إن محاورات سقراط عموما -حتى لو كانت نتائج محاوراته هذه سيئة-توقظ الذهن و تجبر العقل على التفكير أكثر في إيجاد تعريف محدد. و لهذه المحاورات إشارة معينة تبين إن سقراط لم يكن مجرد منطقي متحذلق و لا ناقد هدام بل مفكر رسالته هي الارتفاع بالخير و المجد لدى محاوريه.و إظهار الحقيقة لكل شخص. و لعمري فان هذا الرجل قد أيقظ الكثير من القدرة الفكرية الكامنة في الإنسان،محررا الفكر اليوناني من قوقعة العزلة و التصوف و النظر للطبيعة إلى مجرى جديد بكل كيانه،انه مجرى التفكير ،إي مجرى الفلسفة باختصار.

لقد وصفنا في العبارات السابقة المنهج العملي لسقراط المتمثل بالجدل و بطبيعته و أهدافه،و وجدنا إن هذا الجدل يبدأ بفكرة معينة،يقوم سقراط إما بطرحها او انتزاعها من كلمة المقابل،ليبدأ بطرح أسئلته عن تعريف القضايا مستخدما الحجج.و هذه الحجج هدفها هو الوصول إلى غاية سقراط إي إيجاد تعريف كلي حقيقي،فإذا سارت الحجة هذه من الجزئي إلى الكلي او من الأقل كمالا إلى الأكثر كمالا تسمى استقراء. إلى هنا نستطيع إن نقول إن المنهج العملي لسقراط قد انتهى و لكن اهتمامات الرجل لم تنتهي بعد و هي كثيرة و لكننا هنا لن نتوسع كثيرا.و سنقتصر في قولنا على رأي سقراط في المعرفة و الفضيلة بشكل مختصر.

كان سقراط يرى إن المعرفة ليست بعيدة عن متناول يده،فالمهم عنده إن يسعى الإنسان لأجل اكتسابها.و هذه المعرفة هي الأمر الرئيسي و المهم في تحديد اتجاهات الإنسان،حكيمة كانت أم حمقاء،خيرة كانت أم شريرة.فيقول سقراط ما معناه إن"السبب الذي يجعل الإنسان يرتكب الخطيئة هو افتقاره للمعرفة ولو عرف لما ارتكبها".و هنا اختلف مع سقراط في هذا الراي بعض الفلاسفة مثل نيكلستون و أرسطو معه.فنحن نعرف إن هناك أناسا يعرفون نتيجة أفعالهم السيئة و مع ذلك فهم يفعلونها لذلك نقول إن "سقراط نسي الجوانب اللامعقولة في النفس" ،و كيفية اتصالها مع الأحوال الخارجية،و نعزو سبب هذا التركيز على المعرفة في الفلسفة السقراطية،إلى إن سقراط كان متحررا من تأثير انفعالات النفس نظرا لأنه كان يتسم بالاعتدال و السيطرة في حياته و قراراته لذلك فهو مال إلى إن ينسب هذا الوضع الذي رَآه في نفسه إلى الآخرين ضانا أنهم مثله في التحرر من هذه الانفعالات.فكان ما تصوره إن يختلف كثيرا عما هو واقع!،كما انه لم "يلاحظ إن الضعف الأخلاقي"-و ليس قلة المعرفة-هو الذي يودي بالمرء إلى ارتكاب الخطيئة.و المقصود بالضعف الأخلاقي عدم وجود مبادئ أخلاقية متحكم بها من قبل الفرد،او وجود مبادئ معينة يمكن تسميتها بالأخلاقية و لكن لا تدعمها البراهين الداخلية،او التجارب الشخصية المؤكدة لنتائجها.

إما الفضيلة عند سقراط تشكل هي و المعرفة شيء واحد.حيث إن"الرجل الحكيم هو من يعرف ما الصواب".و الرجل الحكيم هنا هو الفيلسوف،المدرك الواعي العارف.الذي يمكنه إن يميز بين ما يفعله و إن يعي علاقاته الخارجية و الداخلية.و هو أيضا يستطيع تميز الصواب،و الذي يمكن إن نعرفه على انه "فعل له نفع حقيقي للإنسان"إي يمكننا إن نقول إن كل فعل له نفع حقيقي لا يودي إلى إيذاء النفس او ما سواها هو الصواب.و لكن هذا لا يعني إن كل فعل له نفع شخصي يؤذي النفس هو الصواب،كلا فهذا عين الخطأ.و هذا الرجل الحكيم المدرك لقيم الصواب،"ينمي سعادته الحقة،و هذه السعادة تلازم الرجل الأخلاقي أكثر من الرجل أللأخلاقي"و هذه النتيجة واضحة من حيث المعنى و البناء تماما.لأننا نعرف إن الرجل اللااخلاقي إي الذي لا يمتلك فلسفة شخصية أخلاقية ،هو رجل ابعد من إن يكون متزنا وقورا مسيطرا على مجريات أوضاعه،فهو كالتابع لا يعرف أين الطريق،و أين الصواب و أين المكمن الخاطئ،انه بكلمات أخرى يركب الموجة و لا يعرف العاقبة.و هذه السعادة الحقة عند الرجل المدرك لا تعتمد على وفرة الأشياء الخارجية،كالمال او الممتلكات الخاصة.فكثيرا من الناس يظنون انه بالمال يمكن إن تمتلك السعادة،و لكنهم ما إن يحصلوا على المال حتى يتأكدوا من أنهم كانوا خاطئين بجد.و بالفعل فان السعادة تتناقض كلما زادت الممتلكات الخاصة،و كما يقولون،فإنه كلما زاد ما امتلكه المرء زاد ما يجب إن احرص عليه.مع ذلك نقول إننا لا يجب إن نستغني عن المال او الممتلكات الخاصة،و لكن إن نجعل روتينا لها معتدلة بصورة ما.

لمحة من أقواله:
العلم هو الخير والجهل هو الشر.
بكل الأحوال تزوج ؛ لو حصلت على زوجة جيدة ستكون سعيداً ولو حصلت على زوجة سيئة ستصبح فيلسوفا
كل ما أعرفه أنى لا أعرف شيئا.
ذا أردت أن أحكم على إنسان، فإني أسأله كم كتاباً قرأت وماذا قرأت.
إن لم نكن في الأماكن التي نحبها ، فنحن غرباء.
الخير الوحيد في العالم هو المعرفة, و الشر الوحيد هو الجهل.
المرأة حرب لا هدنة فيها.
خير الأمور اوسطها.
المرأة مصدر كل شيء
كنت أفتش عن الحقيقة وأبحث عنها كما يبحث الجائع عن طعام، ليحفظ عليها حياته وليستمد منها الغذاء والقوة، ولم أستطع أن أقبل المشكلات من غير مناقشاتها، فلقد كنت في حاجة لكي أرضي ذلك النداء الملح الذي يريد من كل إنسان أن يجتهد للوصول إلى الحقيقة الكاملة، وها أنا إذاً، لا يهمني أن أكون مثلكم لا أملك شيئاً من علم ولكنني لا أريد أن أعاني ما تعانون من جهل.
لا يكون الشخص حكيماً حتى يتغلب على شهواته.
الجاهل من عثر بالحجر مرتين.
ماذا تريدونني أن أعلمه، إنه لا يحبني.
إذا ركلك حمار فلا تركله.

لمحة في مواقفه

في الشجاعة

عرف عن سقراط انه كان قادرا على تحمل الحر و البرد حينما كان في الجيش و حتى الاستغناء عن الطعام كما عرفت عنه شجاعته في القتال,"فقد تحمل مرة مخاطرة كبرى من اجل انقاذ صديقه الكبيادس الذي تهاوى على ارض المعركة جريحا.مما يدل إن هذا الإنسان العظيم لم يكن ليأبه بما قد يحصل له,فما الموت عنده إلا حياة خالدة انه اسهل الأشياء حقا.

في الثبات على المبدأ والنهاية العظيمة

في عام 309ق.م حوكم سقراط لاسباب عديدة من قبل محكمة من المواطنين.و بلغ عدد الافراد المشاركين في هذه المحكمة 500 شخص.و قد تمت ادانة سقراط ذلك الحكيم المعترف به من كاهنة معبد دلفي بالموت,"حيث حكم القاضي بالادانة على سقراط ب 280 صوتا ضده مقابل 220 و "بعد تهكمه بالمحكمة اصبح العدد 360 -قد ادانوه- مقابل 140.

كانت التهم الموجهة له من قبل"انيتو و مليتو و ليقون"هي في كون سقراط يعبد الهة غير الالهة التي تتخذها الدولة كآلهة لها,بينما اتهم في موضع أخر من انه كان ملحدا,و بهذا فالتناقض في هذين الاتهامين يبدو واضحا.اما الاتهام الثاني انه كان يفسد الشباب بدعوته الى التساؤل و الجدال و البحث,حيث انه"غرس فيهم نقدا للنظام القائم في اثينا أي الديمقراطية".

و لكن يبدو إن هذه التهم لم تكن تهما موجهة لسقراط على انها حقيقة,بل كان سياسيو اثينا يريدون ابعاد سقراط عن المشهد الاثيني لاسباب عديدة منها

1-"رفض سقراط محاكمة مجموعة من القادة بتهمة الاهمال في احد الحملات فذلك ضد القانون"و جاء هذا الرفض بعد إن كان سقراط عضوا في لجنة شيوخ اثينا.و هذا يدل على موقف الثبات و القوة,حيث إن القانون من وجهة نظر سقراط امر لا يجب البتة إن يخرق مهما كان الاسباب.

2-رفض سقراط طلب حكومة اثينا عام 400-401ق.م في القبض على احدهم لاعدامه من قبل السياسيين في اثينا"الاوليجاركيين".فهذا الطلب كان واضحا في مآله و هدفه,و هو ايقاع سقراط و الشخصيات المرموقة مثله في سلاسل الجرائم السياسية الخاصة بهم.

3-كان فلسفة سقراط قد قظت مضاجع السياسيين في اثينا بعدة اشكال.حيث إن اسلوبه في الاسئلة و الجدال قد جعل الفضلاء و ذوي المكانة في اثينا و كانهم لا يفقهون شيئا,لقد اصبحت مكانتهم في خطر بالفعل.

4-شكلت اراء سقراط الدينية امرا خطيرا على السياسة في اثينا,فهو قد قال انه يمتلك شيطانا خاصا به و هذا"الشيطان شبيه بالحدس.و بالتالي فهو يقيم اسسا جديدة للدين تختلف عما اعتاده الناس آنذاك.

هذه هي بعض الاسباب التي من الممكن انها هي المسبب الرئيسي للتخلص من سقراط و ليس أي من التهم الموجهة له.

بعد الادانة بالموت,خاطب سقراط المحكمة خطابا يظهر سخريته باعضائها,و كالعادة نرى في هذا الخطاب تلك النبرة من التهكم المستفز و اللامبالاة بالقرار الذي اتخذته المحكمة.بعدها بقي سقراط شهرا في السجن,و في اثناء هذه الفترة خاطبه اصدقائه بان يهرب من السجن لكن رفض رفضا قاطعا لان القرار الذي اتخذته المحكمة يمثل من وجهة نظره احترام القانون,و إن لم يكن ذلك القرار يمثل العدالة.و يقال انه قضى هذا الشهر الاخير من حياته في الحديث عن خلود النفس مع صديقيه"قيبيس و سيمياس".

و بعد انقضاء الشهر تجرع سقراط سم "الشوكران الابقع"و رقد و هو يحتضر قائلا كلماته الاخيرة لاقريطون "انا مدين بديك لاسكليبس فلا تنسى يا اقريطون إن ترد هذا الدين"."و عندما سرى السم حتى وصل الى القلب كانت هناك حركة متشنجة فكانت هذه الرقدة هي رقدته الاخيرة في رحلة الحياة هذه ......

المصادر انظر الى:
فريدريك كوبلستون,تاريخ الفلسفة ج1.ترجمة د.امام عبدالفتاح امام.الصادر عن المشروع القومي للترجمة.الطبعة الاولى سنة 2002
ويل ديورانت,تاريخ الفلسفة:من افلاطون الى جون ديوي.ترجمة د.فتح الله محمد المشعشع.الصادر عن شركة دار مكتبة المعارف الطبعة الثانية سنة 2017

بيرتراند راسل,حكمة الغرب ج1.ترجمة د.فؤاد زكريا.الصادر عن عالم المعرفة.
افلاطون.افلاطون المحاورات الكاملة.ترجمة شوقي داود تمراز.الصادر عن الاهلية للنشر و التوزيع,لسنة 1994
علي الوردي,مهزلة العقل البشري,الصادر عن دار الوراق للنشر لسنة 1959
سلوى ماجد حنان ظاهر,للاذكياء فقط,الصادر عن دار النوادر.

انظر الى
https://www.muhtwa.com/17730/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7/
https://xn--sgb8bg.net/%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7/

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85%D8%A9_%D8%B3%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7



#كمال_انمار_احمد (هاشتاغ)       Kamal_Anmar_Ahmed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كمال انمار احمد - الفيلسوف الشهيد سقراط:لمحة في حياته و فلسفته