أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ















المزيد.....

سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 6454 - 2020 / 1 / 3 - 05:03
المحور: الادب والفن
    


هو أستاذٌ مغشوشٌ، مشهودٌ له بالخواء المعرفي والقيمي، ذو وجهٍ "بلاستيكي" لا يستحي أن يحاضر به في شتى ضروب العلم، أو يكتب به في مختلف أنماط المعرفة. له جَبْهَةٌ تفوق جبهات التحرير، حيث تنكسر عليها أعتى صخور الكلس وحجر واد الفرات. إنه ببساطة باحثنا الألمعي "بوزريويطة".
لقد أدرك "بوزريويطة" في سنٍّ مبكرةٍ نسبياً، أنه والتفوق الدراسي أمران لا يجتمعان؛ لذا عوض أن يصل اللّيل بالنّهار، ويقوّس الظّهر، ويثني الرّكب، عساه يلحق بقافلة المتفوقين من زمرته وخلاّنه، قرّر أن يسلك طريق المتمسكنين حتى يبلغ مقام المتمكّنين. وبعد أن نمّى في ميتا-معرفته كل أشكال الحقارة وألوان الحربائية، وتيقّن أنه الطريق الملكيّ للوصول في بلده، بدأ يشقّ بنجاح مساره الأكاديميّ.
لم يكن صاحبنا إلاّ "رجلا مضحكا"، بل كان مثار سخرية وتندّر وسط رفاقه، فخضوعه غيرُ محدودٍ، واستعداده دائمٌ لتقبّل الذّل والمهانة، وقابليته للانبطاح والتزحلق على البطن، كانت أهم ما يميز شخصيته.
أمام هذا المشهد الصفيق، اجترح "بوزريويطة" بثعلبيته الحقيرة مسلكاً مخالفاً. لقد اختار سبيل التقرّب من "شيوخه" عبر التملّق والوشاية والنفخ والتطبيل والتزمير...وهلم شرا. كان مُدركاً في قرارة نفسه أنه إنسانٌ حقيرٌ قادرٌ على فعل أي شيء من أجل نيل رضى "شيوخه".
هكذا اجتاز عقبة الإجازة، بعد مُقامٍ طويلٍ ومعاناة فيها، وعبر إلى سلك الدراسات العليا، بعدما تفوّق رفاقه في الولوج إلى سلك الوظيفة العمومية، وبات الفضاء أمامه فارغاً، ممن كانوا بالأمس يشكّلون عقدة نقصٍ لديه. كسُنّته التي دأب عليها في المرحلة السابقة، شمّر "بوزريويطة" عن سواعده، وأطلق العنان لثعلبيته، وصار ظلا لشيوخه، ومريداً لكلّ وليّ نعمةٍ. بل أدرك في هذه المحطة من الدراسات المعمّقة، أهمية تشبيك العلاقات، وتقديم الولاءات، وقضاء المصالح، وجمع أرقام الهواتف، إذ في كليته الخارجة عن التاريخ، والعصية عن أي تصنيف ضمن جامعات العالم، لا جدوى من البحث العلمي أو التحصيل المعرفي إن هو أراد أن يتقلّد بها منصب الأستاذية.
على هذه الشاكلة، كان "بوزريويطة" عارفاً من أين تؤكل الكتف، لقد فكّر مليّا، وتروّى كثيراً، ثم قال: "هذا شيخي له حظوة في الجامعة، ويا كم مرّة تزلّفت إليه وقضى حاجتي، لِمَ لا يكون هو مشرف رسالتي وموضوعها في الآن ذاته؟". حين أسرّ إلى شيخه الخبر، فرح الأخير فرحاً كبيراً، وأثنى عليه ودعا الرب بمباركته، وقال في نفسه: "الحمد لله لقد صرت شيئاً مذكورا".
في هذه السنين التي كان يحضّر فيها رسالته، والتي كان عمله فيها لا يزيد عن عمل حاطب ليْلٍ، حيث كلّ جهده كان عبارة عن "كولاجات" من بحوث سابقة يعمل على الوصل بينها، حتى وإن كانت غير قابلة للوصل. كان بموازاة ذلك خدوماً في تنظيم الندوات، ومبادراً في عقد اللقاءات واستدعاء أساتذة الجامعات، فصار المختبر بذلك نشيطاً، وحفلاته قدوة لكل المختبرات. كانت مناسبات عظيمة لباحثنا في خطب ودّ الجميع، وكلّ ذلك عنده مجرد حفلة تنكرية، هندس لها بثعلبيةٍ ماكرةٍ للحظة مناقشة أطروحته في علم التنجيم والغبار.
كم منّ النفس من أجل الوصول إلى هذه اللحظة، لحظة نيله شهادة الدكتوراه مع الميزة والتوصية بالطبع. كان يعرف تماما أنها مجرد مسرحية لا تنتهي حتى يضع رجله في محراب الجامعة مدرّساً بها، ومدركاً أن الأمر ليس مستحيلا في بلاده. لذا، استبق الزمن وسارع إلى تشبيك العلاقات، والانخراط في الأحزاب، وترؤس الجمعيات، وعقد اللقاءات في الصالونات، بحثاً عن مزيدٍ من الأضواء، حتّى يظهر بمظهر الحريص على الشأن الثقافي، والغيور على العلم والمعرفة.
بحقارته المعلومة، و حربائيته الممسوخة، نال باحثنا لقب "الدكتور"، وأضحى استاذاً جامعياً بعدما هُيئ له منصب على المقاس. بين عشيةٍ وضحاها صار يحاضر السيّد "الدك...تور" في علم الإناسة وتاريخ شمال إفريقيا، فضلا عن الألسنية وعلم العمران. في أولى حصصه التدريسية، أراد "بوزريويطة" أن يحدّث طلبته عن أهمية تحصيل المعرفة، وعن الصبر والتؤدة في أخذ العلم عن المشايخ، وأوصاهم بالوصايا العشر:
*ينبغي للمريد إن أراد أن يسلك في مدارج السالكين، من إيّاك نعبد إلى إيّاك نستعين، أن يسلّم أمره "لشيخه"، حيث لا يرى إلا ما رآه، ولا يسمع إلا ما أريد له.
*عليه أن يكسر شوكة نفسه، ويمرغ في التراب ذاته، وأن يصيّر نفسه الشريفة العاقلة عبدا لنفس سيده ومولاه.
*عليه أن يخلي نفسه من النقد والفكر والعزة، وأن يتحلى بالذل والانكسار والتملق والزحف على البطن، حتى تتجلى له المكارم ويظفر بالمناصب ويورّث السدة العالية.
*عليه أن يكثر من التزلّف لسيده، و يحمد نعمة مولاه عليه، آناء الليل وأطراف النهار.
*عليه أن يفاخر بشيخه أمام الملء، ويتباهى بمجالسته، ومرافقته في حله وترحاله، حتى يقول المريدون: "نعم هذا كبيرنا الذي علمنا العلم".
*عليه أن يقرأ علم "شيخه" حتى لو كان مقالا في "هسبريس"، ويعلق عليه بتعاليق التمجيد والفخر والاعتزاز، بل يدعو باقي المريدين إلى قراءته، نظرا لما فيه من فتح مبين.
*عليه أن يكون حارس معبد ولي نعمته، فما من صغيرة أو كبيرة إلا وينبغي أن يعدها عدا، ويسرها إلى سيده في دلج الليل، حيث يكون "الشيخ" المبجل في محراب "العلم".
*عليه أن يحمل أوراق الامتحان، ويوزعها على الطلبة، ويتفانى في الحراسة، حتى ينال رضى شيخه، ولما يكثر تأفف الطلبة من شدة حراسته، وفي غفلة من شيخه، "يطلق اللعب" لبنات آوى، عساه يظفر بالقديد المملح ليلا، وطبعا حسب جودة اللحم، إذا كان من طراز هولندا، فلا بد للشيخ أن يكون أول الفاتحين، و المريد يلعب دور"القوادة".
*عليه أن يتملق و يتملق و يتملق حتى يوم مناقشة "دكتورته"، يأتيه شيخه بلجنة لديها "علم لدني" من السماء، تقول له: "الآن أصبحت باحثا، فاذهب أنت إذاً من الطلقاء".
*عليه أن يواصل درب الوصول إلى المشيخة، وأن يخلف "شيخه" في تولي أمور الدين والدنيا، ويخلف قطيعا آخر من المريدين، يذودون عن حرمة الزاوية، ويدفعون عنها كل أذى.
أمام هذا المشهد الصفيق، حمل "دك...تورنا" الجليل محفظته المحشوة بالأوراق الصفراء، واخترق الجموع، وكل العيون مشدوهة إليه. كان يوقن في باطنه أنه نخْب هواء، ومجرد مهرّج لا غير. لكن، لم يعد الأمر مهمّا لديه، مقارنة بما يعني له رقم التأجير السمين. لذا، بدأ شيئاً فشيئاً يكتشف الفضاء الجامعي الجديد، وينقب عن المزيد من التحالفات، قصد تجذير العلاقات.
كان "بوزريويطة" على درجةٍ كبيرةٍ من الخبث، حقوداً على كل طالبٍ أصيلٍ، يرى فيه سمات الباحث الواعد. سعيه الدائم، هو إفراغ الساحة من كل منافسٍ حقيقيٍّ، واعتلاء المنابر والمنصات وحده. لذا، لا غرابة أن تجده يصدر بين الحين والآخر "إبداعات" أو "دراسات" ويحشر فيها جماعات من "المغشوشين" مثله، بغرض التطبيل والتزمير له ولمنتوجه. و هكذا، عاث صاحبنا في حقل الثقافة فساداً، بعدما دخله من باب "الصلاة على النبي"، والتملق والتسلق...بعد أن فُقِد المعنى وأقصي كل ألمعي نزيه في سياق يعرف الكل حيثياته.. وهذه فجيعة أخرى تفسر تفاهة ما نحن فيه من بوار وكساد وتشوهات.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ