أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطية أغ محمد - تجليات الأناركية في دولة مالي















المزيد.....

تجليات الأناركية في دولة مالي


عطية أغ محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6442 - 2019 / 12 / 19 - 04:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التصاعد السريع للأحداث جعل قلمي يصوم عن تناول القضية الأزوادية أو المحنة المالية أو ... (عفوا لا أعرف حتى من ينبغي أن أنسب إليه القضية!)
حظيت في السنوات الماضية بدور المتفرج كي أفهم شيئاً لكن للأسف فقدت تصوراتي ومعتقداتي وتكهناتي، فقدت كل شيء في الضباب الذي التهم البلاد لمدة، فقدت حتى الثقة في البعبعات الإعلامية، فقدت حتى المقدرة على قراءة خبر عابر كامل، فأصبحت قارئ عناوين فقط لكن استطعت فهم جزء كبير غاب عن البعض، غاب عن مالي غاب عن أزواد غاب عن الجنود، عن المثقفين الفسابكة، وهو أنهم لا يفهمون ماذا يجري، الأمر أكبر من عقولكم، من أفواهكم، من أقلامكم، من حنكتكم السياسيه، من فوهات بنادقكم الخرساء، من تصوراتكم البريئة، من حلفائكم الخونة...
الأجندة الخارجية التي يضج بها البلاد باسم حفظ السلام باسم مكافحة الإرهاب باسم التعاون والتكافل، باسم العمل الخيري والتطوعي، باسم الصحة، باسم التعليم باسم تحقيق التنمية المستدامة كلها لم تفهموها، يا سادتي أنتم لا تفهمون الألغاز، والمعاكسات السياسية، أنتم أناس طيبون جدا طاردتم السطحيات دائما، وسعيتم وراء حركات التمرد؛ لأنها تحمل أسماء صريحة كالحركة الوطنية لتحرير أزواد، وسعيتم وراء حركات إرهابية كذلك ك الموقعين بالدماء...!
أنتم يا سادتي لا ترون غير الألوان، (أبيض، أسود)، ولا تحلق أنظاركم عنكم (نحن، قبيلتنا، أمتنا نحن الفلان، أمتنا نحن الطوارق، أمتنا نحن البامبارا...)، لم تقرؤوا غير النشرات الأخبارية، وأكاد أعتقد أنكم لم تقرؤوا لميكيافيللي شيئاً، ولا عن التشكيك الديكارتي شيئا ولا عن الماركسية البراغماتية شيئاً... كنتم كما خلقتم تربة خصبة لغرس فيروسات التفكير؛ لذلك سقطنا في الهاوية سقوطا أبديا سقوطا لن تنجو منه لا مالي ولا أزواد ولا شيء آخر!
الجميع سيتعب، ومن ثم يسحب البساط تحت أقدام مالي وأزواد معا، إنهما أنجبا الإرهاب أنجبا ماردا أكبر وأقوى منهما، ويجب أن يكون وريث العرش يوما ما، ربما كنتم على معرفة بهذا، لكن هل تدرون أنه لن يقدر أي أحد على الوقوف أمام هذا المارد لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد أحد يستهدفه، إنكم كلكم، وإنهم كلهم بمثابة مشيعيين للإرهاب، وإنكم كلكم أيها الساسة والشعب لا تدرون معنى الإرهاب، إنكم ترون إرهابا سطحيا و"وراء الأكمة ما وراءها"؛ فليس الإرهاب عبارة عن مجموعة "فلان" تهاوت بهم البطالة إلى حمل السلاح، ولا مجموعة من شباب طوارق استحالوا بموجب التهميش والجهل والجوع إلى قتلة، هذا ليس إرهابا، إنما الإرهاب أكبر منهم وأكبر من الذين يظنون أن هذا هو الإرهاب.
الإرهاب مشكلة صنعها العالم كله ولن يقدر حتى العالم على حلها؛ لأن صنع المشكلة أسرع مليون مرة من حل المشكلة!
إن مشكلة الإرهاب غدت أخطر مشكلة على الصعيد الدولي، وهي القوة الدافعة لسيرورة المشوار السياسي بكامله إلى درجة تجعل الجهاز الإيديولوجي للدولة بأسره مشتبها به ومشكوكا فيه، وإلى درجة تجعل كل الأجندة الخارجية وكل الضجة الأممية محل تمقّلٍ، وإلا فماذا تقولون لو سردت عليكم قصة وقعت في الماضي فقط، ربما سمعتم عنها لكني متأكد أنكم لم تسمعوها من قبل الدولة، وإذاعاتها الرسمية التي لا تغادر لا كبيرة ولا صغيرة، سأحكي لكم عن هجوم استهدف قرية تامكوتات في الأسبوع الماضي، وهي من أكبر القرى التابعة لغاو، ومن أكثرها نشاطا في المجال الاقتصادي، بواسطة استراتجيتها التجارية، وأكثرها نجاحا في المحافظة على السلام، وأكثرها تجنبا للسياسات والحركات والأحزاب... لكن ماذا جرى؟
جرى كل ما لا يتوقع، مورست على ساكني تامكوتات أقوى عمليات التهجير القسري على الإطلاق، فنزح منها ما يقارب على وجه التخمين ألف عائلة وخلفوا وراءهم قرية كاملة لا يغرد في مساجدها غير اليباب، وحطموا سوقا أسبوعيا يضر زواله المنطقة كلها، وأحرقوا مستوصفا طالما بعث لسكان القرية والضواحي بصيص أمل الحياة، نزحت المئات من الأسر البريئة دون وجهة، دون منجى، دون ملجأ، بعد تهيد ووعيد بالتصفية الشاملة...
قد تبدو القصة دون جدوى للقارئ الكريم البسيط، لكن عليه أن يقف على النقاط المستخلصة من الحدث:
1- قد تكون مالي ببعدها عن المنطقة، وبانسحابها من التغطية الأمنية للمنطقة قد تكون بهذا في مأمن عن الحيلولة خلف الحادثة، لكنها لم تفلح في مؤاساة النازحين الذين يحملون بالكلية البطاقات الوطنية، ولم تقل مالي الثرثارة أي شيء في خصوص الموضوع، فهل هذا السكوت سكوت متورط يعرف الأخبار مسبقا أم سكوت عاجز مقهور لا يستطيع أن يمد يدا للشعب؟ في الأولى تكون مالي إرهابية لتورطها، وفي الثانية تكون مالي إرهابية لأنها لم تعط الشعوب حق تحقيق أمنها بواسطته (الاستقلال).
2- الجزء الأكثر غموضا من القصة محذوف؛ لنقدمه متسائلين إلى القوات الأممية والفرنسية، لماذا يا سادتي شاهد سكان تامكوتات قبل الهجوم طائرة حربية ترافق المهاجمين حتى بدؤوا في عملية التنفيذ؟ هل هناك طائرات غير طائراتكم في المنطقة؟
ذكرت مسبقا أنني لا أفهم شيئا من ما يجري، لا أكاد أصدق كل ما يحدث، مع ذلك يا سادتي سأقول لكم شيئاً واحداً أخيرا إنكم كلكم ستنالون يوما هذا الذي ناله أهل تامكوتات، وإذا سألتموني لماذا سأجيب:
أولا: لأن التجمع الذي هجر قسريا هم التجمع الوحيد الأكثر مسالمة في شمال مالي.
ثانيا: هو التجمع الوحيد الذي نجا من النعرات التاريخية الدافعة إلى الحروب القبلية، وإثارة العدائية بين الشعوب.
ثالثا: التجمع من أبرز التجمعات في الحفاظ على البعد من المغامرات المشاريع المالية المثيرة للنزاعات بين الشعوب.
رابعا: شبه منكب على التعلم بعيدا عن التدخلات، والتبعيات، والتحالفات السياسية...
إنهم أنموذج حي للبحث عن تجنب الفتن، ولكن ماذا حدث؟ وماذا يمكن أن يحل بالتجمعات التي تورطت، وتورطت، وتورطت؟ إنهم مثال حي لدعم فكرة الاستقرار ولكن ماذا عن المزامير الشفونية التي تعج بها البلاد؟ إنهم نموذج حي للإسلام ولكن ماذا جرى؟
إن التموج الإرهابي ورطة عالمية؛ فيجب استصحاب الحذر في التعامل مع التدخلات الدولية، وهذا التموج يا سادتي ليس تموجا جنونيا كما يبدو إنه منظم أكثر من أي شيء، إنه يلعب لعبة "التطرف"، أي الهيمنة على الأطراف أولا، ثم القضاء على العواصم والمدن الكبرى ثانيا، وقد انتهت المرحلة الأولى بنجاح...! أعرف أننا شعوب دغماتيون ولكن اعلموا يا سادة أن بلادا تهجر فيها قرية كاملة تضم مئات العوائل كما حدث أمس القريب في تامكوتات وكأن لم يحدث شيء لم تكن دولة بأي معيار، واعلموا أن سلطة لا تسعف مواطنيها بالكلمة اللطيفة حتى ليست سلطة، إنها والجاني وجهان لعملة واحدة...
يا سادتي اليمينيين عذرا لكن هذا الحدث علمني كيف كنتم ديماجوجيين محترفين، وعلمني كيف أن اليسار نسخة في زاوية أخرى لليمين، ومع ذلك سأخصهم بالأسئلة، وسأخص منهم الحركات الإسلامية:
يا سادتي لماذا تكون تامكوتات أول قرية تهجرونها؟
يا سادتي ألم تقم الصلوات هناك يوميا؟
يا سادتي ألم يقرأ القرآن؟
يا سادتي هل رأيتم هناك ذخائر سلاح أم كتبا؟!
يا سادتي هل تمت مضايقتكم من قبل القرية؟!
يا سادتي ما ذنبهم يغادرون دون وجهة، دون منفى؟
يا سادتي هل ظلم أهل القرية أحدا؟ هل سرقوا؟ هل قتلوا؟ هل قطعوا الطريق؟ هل شهدوا بغير الله ربا؟
كل شيء من هذا لم يحدث، ولا شك أنها نتاج محض عن الأناركية التي تحولت إليها الدولة المالية، وليس الأناركية بمعناها السياسي، بل بمعناها الابستملوجي الطاغي المقيت، والذي لن ينجو منه لا مجرم ولا مسالم، سينال الجميع نصيبه من ثمرات الأناركية التي أضفت على المسرح السياسي المالي تعتيما منقطع النظير، والتي ستعقب أو أعقبت وخامة منقطعة النظير كذلك...
لهذا ولسواه أشرت مسبقا إلى جهلي البسيط لكل ما يجري، ولكل ما جرى من الأحداث الجنونية الطائشة التي تتباين مع أهداف اللاعبين على المسرح، والتي تمثل طقما جنونيا لا يكاد يصدق، وجناية نكراء في حق أي متهم؛ فلا الحركات الإسلامية ينبغي لها، ولا الحركات التحريرية، ولا السلطات الحاكمة، ولا الدخلاء الدوليون...
إن أوضاعا كهذه تجعل الحياة بلا معنى، حيث ينصهر الجميع في طبقة واحدة، فلا ارستقراطية، ولا بورجوازية، ولا بروليتاريا، كما لا جاني ولا بريء، الجميع مساق إلى المقصلة، الدولة بأسرها تتلاشى، المؤشرات كلها تحمر للانفجار الكبير، وصدقوني أيها السادة نحن تائهون عن الحل، إلى درجة تجعل حلولنا جزء من المشكلة، فدعوكم من هذر الحوارات الوطنية فلن تربحوا فيها غير اتساع الفجوات بينكم، كما حصل؛ لن تربحوا غير إظهار جنونكم للعالم كما حصل أمس القريب!...



#عطية_أغ_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات الأناركية في دولة مالي


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطية أغ محمد - تجليات الأناركية في دولة مالي