|
رِقة فيروز في اغانيها تنبعثُ كألحان روحية الى اخر المدى..
عصام محمد جميل مروة
الحوار المتمدن-العدد: 6415 - 2019 / 11 / 21 - 17:47
المحور:
الادب والفن
في البداية كانت القصة الاولى مع سيدة الغناء اللبناني وجارة القمر وسفيرتنا الى اعلى مستوى النجوم . نهاد الحداد او فيروز كما اطلق عليها ذلك الاسم الجميل والرائع والكامل في وسامتهِ كتعبير جدى للمنظر وللصوت الذي احدث تغييراً جدرياً في غرف الإذاعة اللبنانية في النصف الاول لعقد الخمسينيات من القرن الماضي. بعد الدعوات المتتالية للفرق التي كانت تستعد للأحتفالات اللبنانية المتعددة الاوجه والمناسبات منها عيد الاستقلال ومنها أعياد الميلاد المسيحية المجيدة ومنها مناسبات اخرى في مواسم الصيف لما لها جماليات .كان الاستاذ "محمد فليفل " هو اول من صادفهُ ذلك الصوت القادم من الصفوف الخلفية لفرقة الكورال التي كانت تضم صبايا وشباب من الجيل الصاعد بعد إداء جماعي لكن فيروز او نهاد الحداد كانت عند كل وصلة تترك اثراً غير طبيعي لنهاية الوصلات مما حذى بالإستاذ محمد فليفل ان يتصل بالملحن "حليم الرومي "الذي وجد جوهرةً من نوع ماسيّ قد لا يستطيع أحداً يتنافس معهُ في إفساح المجال امام تلك الفتاة التي سوف تُصبحُ اهم مطربة ومغنية لبنانية على الإطلاق .وهذا يعني الكثير بالنسبة للأذاعة آنذاك بعد الانضمام والتعرف على الآخوين "عاصي ومنصور الرحباني " الذين شكلوا "ثالوثاً الاهياً " جديدا على الطريقة اللبنانية والمحكية والدارجة .ومنذ التسجيلات الاولى لأغنيتها الشهيرة "عتاب" في الإذاعة اللبنانية ووصلت الى قلوب وأفئدة كل السهرانين والعاشقين والتائهين في غمار العتاب من الحب وطول الانتظار .كانت فيروز والأخوين الرحباني يُجددون الإعجاب والحب لدى مستمعيهم حيث كان يصلُ الأثير للأذاعة اللبنانية.لكن تواصلت الفتاة صاحبة الصوت المسموع في الإنتشار السريع نتيجة الأختيار للأغاني والكلمات "السهلة الممتنعة"للقصائد على طريقة متنقلة كونها تحاكى الواقع الشعبي، في وصولها سريعاً دون حواجز تفسير للغة الى الناس العاديين قبل المثقفين وكان الفقراء اكثر من اهتموا بالحديث عن شجن الألحان والأغنيات التي قُدِمت قبل مطلع الستينيات من القرن الماضي. بعدما اصبحت فيروز مع الآخوين الرحباني ، والمطرب اللبناني صاحب الصوت الجبلي الرخيم "وديع الصافي" كانوا قد عملوا في إبداع غير مسبوق في الفن اللبناني المميز على ادراج مدينة بعلبك حيث تشكل منذ مهرجانات مدينة الشمس تلك اطلالة وجه لبنان الفني وعلو إرتفاع النغمات والألحان للموسيقي الفيروزية والرحابنية الخاصة جداً في اللهجة اللبنانية "المهضومة خصوصاً في الدلعونا والميحانا " و عُرفت لاحقاً " بالدويتو" ، بعد تناول الأدوار الأزدواجية للثنائية التي صارت تباعاً مع فيروز ووديع الصافي كذلك مع المطرب الموهوب صاحب الصوت المرتفع والكامل في رجولة وهيبة جبلية وساحلية مختلطة "نصري شمس الدين "، بعد تقديم الاعمال والأفلام الثلاثة للسيدة فيروز ." بياع الخواتم وبنت الحارس وسفر برلك "، لكن الاعمال المسرحية التي تجاوزت العشرين كان لها الأثر الأكبر لدى الجمهور اللبناني لغاية وصولها الى خارج الحدود اللبنانية وكانت الاعمال الفيروزية الرحبانية بعد ما تم التسجيل في إذاعة دمشق في العاصمة السورية حيث تتالت الانتشار وصولاً الى القاهرة بلاد النيل الأزرق وكانت الألحان والأغاني المشتركة مع الاستاذ محمد عبد الوهاب بمثابة فجر جديد لصوت فيروز القادم من بلاد الأرز الخالد معانقاً اهرامات مصر . كما ان بغداد مدينة الشعراء لم تكن بعيدة عن منح فيروز أشعار رافدية لم تزل الى الان تتردد على السنة أهل العراق الأشم . كما ان احتفالات ومهرجانات الاْردن وباقي الدول العربية تعلقت بلبنان تحبباً بعد سِماع شدوّ صوت شبيه بالبلابل والحساسين والدوارى وطيور الحب. وفي فلسطين والقدس كانت سيدة الغناء قد الهبت الهمم من جديد بعد روائعها المبحرة عميقاً والمتحدرة والمتجذرة في الحنين والشوق والعودةُ الى فلسطين واجراسها التي قرعتها فيروز مع الأسف ولم يُستجابُ الى دعواتها نحو القدس العتيقة ودروب السلام قبل الغضب الساطع آتٍ. كما ان انطلاقتها من مسرح البيكاديلي الى نيويورك وباريس ولندن وأسبانيا كانت خطوةً نحو النجومية والإحتراف لنقل أعمالها ليس الي اللبناني في الاغتراب فحسب بل الى إيصال رسالة فينيقية إرجوانية الألوان من لبنان الى فضاء لا ينتهي. مع تطور الأزمات وبداية الحرب الأهلية اللبنانية"1975" كنتُ في مطلع مقتبل العمر وكنا نعيش في بيت متواضع ونعاني من فقر مدقع ونفتقد الى كل الحاجات المهمة في منزلنا المكون من "غرفتين لعشرة اشخاص " مع كل ذلك كان لدينا "راديو" صغير يعمل على البطاريات الغالية والثمينة لأنها كانت تنفذُ بأسرع وقت ممكن منذ الصباح عند الإستعداد للذهاب الى المدارس كان صوت فيروز اول ما نسمعهُ قبل اخبار الصباح ومع العودة وليالي المساء الطويلة كنّا نتقاتل من اجل ترك الراديو على صوت فيروز خصوصاً بعد رائعتها الشعبية "سألوني الناس عنكِ ياحبيبي" ،"1973"، وأغاني من المسرحيات للعشق الروحي . فيروز كانت معنا وما تزال أينما كان اتذكرها في ساعات حضورنا في الصفوف كان يدخلُ صوتها ملعلعاً من نوافذ وشبابيك المدارس في الأزقة الفقيرة كان صوتها متوزع عبر مكبرات للصوت يجرها الناس الذين يبحثون عن صوت وقضية، فيروز في كل مكان على شواطئ البحر على ضفاف وجنبات الأنهر وعلى الأسطح القديمة . فيروز امسنا ويومنا وغدنا. فيروز ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا . فيروز صوت الأرز وصوت حجر من طين فيروز صوت من نار لَهُ برودة المياه والشلالات الرقراقة في رقتها ولطفها الحنون.صوت فيروز كان مع الذين يقطفون مواسم الزيتون والبرتقال والتبغ وكان مع الحطابين الذين يُشحلون العرائش والسنديان واغصنة الزيتون على كافة ارجاء الوطن الحبيب لبنان وتنسيق وتقليم الورود في احواض البيوت المنتشرة على التلال والروابي المطلة على البحر والقمم المناطحة للغيوم والسماء الزرقاء الصافية. وسعي يا مطارح ويا ارض ركعي. فيروز تتجدد مع الأجيال في الداخل وفي الخارج حتى المغتربين اصبحوا يُرددون مطلع أغنيتها الشهيرة . "متل الغريب مرقت قدام البواب " كانت ولادتها في 21/تشرين الثاني 1935 " فيّ منطقة شعبية من مدينة الثقافة بيروت . لا يستطيع كاتب او اي ناقد بالغاً كان ام مبتدءاً إلا المرور عند التعبير والفصاحة عن سيرة فيروز ان يصفها بما يرتقي بها العظماء والعظيمات في بهاء عظيم مستديم وليس تملقا ً. في عيدُكِ ايتها الماسة الثمينة بزهدها وتصوفها بعد مرور العقود من العطاء ليس لدينا سوى الإشارة والتقدير والحب والترحيب بكل الإشارات والتلميح الى إبلاغ أهل الفن والشعر والطرب والغناء بإنكِ النجمة الأقرب ليس الى القمر بل الي قلوب العشاق الذين يسهرون على كلام شعراء لا يتعرف عليهم الناس إلا من خلال صوتكِ العذب الرقراق الى اخر المدى.
عصام محمد جميل مروة.. في 21/تشرين الثاني/2019/..
#عصام_محمد_جميل_مروة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ممنوع تصفية القضية الفلسطينية بالإغتيالات للقادة الميدانيين
...
-
اعتراض مرشد ثورةً ايران على فقراء العراق ولبنان انانية غير م
...
-
الحراك المدني والتظاهرات في مواجهة الطائفية السياسية قبل الف
...
-
غارات إرهابية على جُحر ابو بكر البغدادي الدموى
المزيد.....
-
كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص
...
-
قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس
...
-
الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
-
خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب
...
-
خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب
...
-
حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
-
إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا
...
-
براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
-
السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر
...
-
-البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|