أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسل سليم - قراءة في معرض الصديق جهاد العامري















المزيد.....

قراءة في معرض الصديق جهاد العامري


باسل سليم

الحوار المتمدن-العدد: 1560 - 2006 / 5 / 24 - 10:39
المحور: الادب والفن
    


لا أنطلق في حديثي عن معرض الصديق الفنان جهاد العامري من خبرة في النقد الفني وإنما من شغفي بالفن وبأعمال الصديق جهاد العامري ...
فالفرصة المهمة التي أتاحتها لي معرفة الفنان ، واطلاعي على بعض اعماله التي زينت معرضه ، وقدرتي المحدودة على ادعاء قراءتي لتجربته تبرران هذه المحاولة ..
إن المشاهد العادي مثلي لمعرض الفنان جهاد العامري في جاليري الاورفلي لا بد وأن ينطلق من الاشارة اللفظية التي قدمها الفنان لنا كمفتاح لقراءة معرضه حين يقول على الوجه الأبيض لغلاف كاتالوج معرضه " إلى أبي ...وحدك تعلم سر الحقل " ، وهو حقل كانت كلماته السوداء الصغيرة تؤكد على انه حقل متسع باتساع المساحات البيضاء في لوحات جهاد ، وهو حقل وإن كانت تمظهراته في المعرض تظهر أنه حقل جهاد العامري وحقل أبيه الذي كان وحده القادر على قراءته ومعرفة اسراره، إلا إنه حقل المشاهد أيضا ومساحات التفجر الذاتي لديه لدى لحظة المشاهدة .
إن هذا التقديم الذي وضعه جهاد العامري لثيمة معرضه يضعنا في شك مريب أن أية محاولة للمشاهدة لدينا والقراءة ممنوعة ومستحيلة إلا بعد بذل جهد فائق ، فالأسرار البصرية الكامنة في حقل جهاد العامري قصية وصعبة كمثل أسرار حقل أبيه ، ولا أمل لنا بإدراكها إلا اذا اسقطنا ما نراه في حقولنا الخاصة والذاتية على ما قدمه لنا جهاد من حقله الثر ...
فالسر الكامن في الحقل ، مضى مع والده في رحلة الموت ، ولكأن جهاد العامري في هذه المفارقة يقول لنا أنه يضعنا في طريق آخر طويل ، طريق معرفة ما عرفه والده الذي كابد مشقة الأرض والذي كانت الشمس الساطعة باللون الذهبي في لوحات جهاد ساعته الابدية لمعرفة الوقت ، لكأن جهاد العامري في ذلك الذهول الذهبي في احدى لوحاته يكشف عن بعض مما تكشف لوالده في علاقته الابدية مع الارض ولكأنه يقول لنا أن علائم الدهشة لن تتبدى لنا نحن أبناء المدينة السوداء وأننا بحاجة الى الكثير لنصل إلى سر لا يدركه إلا من غادر وأصبح جزءا من تراب الأرض واختلط بعناصرها وشابه لونه لون حقولها.
أما توظيف جهاد لعلاقات الابيض والاسود فهو تعبير عن علاقة لا تهدأ بين مكنونات الارض وعناصر الجو والهواء ، فالتلازم الدائم بين الابيض والاسود والخروقات العشوائية لكل من اللونين للآخر ،- وإن كان الابيض لديه هو بياض الخلفية – لتعبير شعوري وعاطفي مكثف عن علاقة حب خصبة ... فالأسود منسدل على الابيض وطافح وطائش ورغباتي إلى اقصى حد ، حتى لكأنك تكاد تسمع صوت تأوهات أنثوية صاخبة وتشتم رائحة المطر لحظة أول هطول ...
أما الابيض الذي لا لون له ، فهو تعبير قصي لدى جهاد عن نفس مفعمة ، ومساحة بيضاء ريفية قابلة ومقبلة على التلقي الناضج باستمرار ومثابرة .
والأسود لدى جهاد العامري ، مطر مدهوش ومعبر عنه بتلونات وتفجيرات مفاجئة وكأن المطر ، رمز الخصب والحياة سواد داهم وليلي ودليل على ابدية الحياة والموت وهو لون التجربة نفسها ولون فعل الانسان وتمرسه في الدورة الابدية للكون ، وانعطافات متدفقة من فعل الطبيعة ، وتعبير عن سواد حاد وادراك لأبدية الموت وسطوته ، وهو لون الحركة في اللوحة ، فهو تارة تعرجات حادة، وهو تارة انتثار عشوائي في المساحة وهو تارة نقط متبعثرة هنا وهناك كحبات العرق ، وهو زاخر بالتفاصيل حد الدهشة، لكأن الأسود لونه المفضل حد النهاية .
إن جهاد العامري الذي اخذ الأبيض والاسود الى حدود التعبير القصوى في لوحاته ، لا يخاف من أن يفاجئنا في بعض لوحات المعرض بتنويعات مدهشة أخرى وإن كانت خرجت عن ثيمته الاساسية في المعرض ...
فالذهبي عام ومنسفح كشمس الاغوار ، وهو ممتد على مساحات اللوحة ، و جهاد قادر على استخدامه بتنويعات الأصفر وكأن اللحظة التي يدخل فيها الى اللوحة هي لحظة اختراق لا تدع مساحة لأية ألوان أخرى ...
وهو قادر على استخدام الرمادي بعفوية فذة ، فهو هناك في اقصى المساحة وكأنه خلفية لوحة طبيعية صينية ، هاديء وسرمدي ، وعليه تمتد مساحات الصخب المفاجئة ...والأحمر في لوحة اخرى توقيع بالدم على الصخب العنيف وحقيقة الحياة ، والأخضر في لوحات أخرى متمكن وحقيقي كربيع مفاجيء ، والأزرق طاغي كأبدية الموت وهو قطع من امتداد السماء لحظة فجر ، وليس من الغريب أن تكون ألوان الأحمر والأخضر والأزرق تفصيلات وخلفيات للوحات أصغر حجماً. في حين أن الأصفر الذهبي والرمادي دخلا كخلفيات وكتفصيلات في اللوحات الممتدة. فجهاد لم يرد لغير تشكيلات الشمس المتمظهرة في الأصفر ولغير تمظهرات الغيم المجسدة في الرمادي أن تكون طاغية وهو تأكيد آخر على حضور عناصر الطبيعة المتبدلة والمتغيرة كالشمس والغيم في بيئة حقله.
ولا بد أن بعض مشاهدات جهاد لم تقاوم نفسها وافلتت على المساحات الواسعة للوحاته ، فتارة ترى نخلة فارعة في اصطخاب العلاقات بين الابيض والاسود ، وتارة تندهش لاكتشافك العجلة من جديد وهي وحيدة هناك في طرف المكان ، وتارة تحس باندفاعة الحديد في أرض السواد والبياض التي اعاد خلقها ، وتارة تحس بآثار قماشية وكأنها مزق خلفها من نزف العرق في الارض ... وهي كلها رموز لم تظهر بواقعية فجة ، بل باتساق وقدرة على إثارة فرحة المشاهدة بالاكتشاف لتفاصيله الصغيرة...
كما أن تعبير العامري جهاد عن مساحات الفراغ وعلاقات الاسود في هذا الفراغ تعبير عن تمازجات عنيفة ، فالأسود الهابط يلتقي مع الاسود الصاعد في صراع محموم تنتج عنه انفجارات ، وكتل السواد الداهمة تندفع من أطراف اللوحة لتلتقي في لحظة قصف وملامسة متناثرة ، وهو حدس لا شعوري لدى الفنان عن عناصر المفارقة والصراع في الطبيعة معكوسة بقوة على مساحة البراءة البيضاء لديه ، وكان ذاته المتلقية للحدث في الحقل امتصت جميع عناصر التناقض والتبدل الدائم فيها.
لا بد من القول أيضاً ان بعض التعبيرات أفلتت من العفوية التي امتزجت لديه مع التمكن من الأدوات ، فنرى بعض المقاطع التجريبية التي لم تنسجم مع الكل في المعرض ، وإن كان الأمر مفاجئا وصادما للعين التي اتسقت مع الثيمة الممتدة على مدى لوحات كثيرة إلا ان القطع في الرؤية وامتداد التلقي إلى مساحات التجريب لدى الفنان لدليل كبير على جرأة الفنان على مفاجئتنا بغير ما كنا نتوقع وهو دليل كبير أيضا على أن جهاد لا يني يبتكر في مساحات لم يطأها أحد من قبل.
إن المفارقة المدهشة في عمل جهاد العامري هو قدرته على استخدام اشد التقنيات صعوبة في التعبير عن أكثر الكينونات البصرية بساطة ، وفي ذلك قدرة واضحة لديه على طرح اشكالية تضعنا امام خيار صعب في اعادة النظر في كيفية رؤيتنا لأكثر الأشياء اعتيادية، وهي اشكالية قدمها جهاد العامري المفعم بالضحك و بحب الأغوار وامتدادات النظر إلى بيسان وفلسطين ، ليثبت في معرضه الاول على أنه اعاد خلق حقله الخاص واهتدى لأدواته الخاصة التي لا تثير فينا إلا الأمل في ان تكون خطواته التالية أكثر عمقا وابداعا.



#باسل_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وما قتلوه ولكن شبه لهم
- عن وحدة الشيوعيين الأردنيين : متى يتحقق الحلم
- عن الدور المقدس للمخابرات
- ثمة أصابع قذرة
- محاولات لاعادة اكتشاف القدرة على الفشل
- خبر في مزقة ورق وقع في يد فتى من غابات الأمازون
- مشاهدات الغراب في بلاد الفرنجة الأغراب
- لا أقول وداعاً
- تفاؤل حذر
- في الرد على تركي الربيعو وإشارته إلى ماركس
- مساهمة في حوار الماركسيين
- عن الموقف الأردني مما يحدث في العراق
- اسقاط الخرافة الاميركية
- تأميم النقابات وخصخصة الوطن
- الهروب من بيت الأسد
- عراق النار والدم
- حشيش هندي
- مقاربة بشرية حيوانية
- تأملات في كتاب الحريري
- الله أم اللاة ،الاضطهاد معكوسا : في الرد على وجيهة الحويدر


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسل سليم - قراءة في معرض الصديق جهاد العامري