أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل سكران - ساحة الاعتصام















المزيد.....

ساحة الاعتصام


اسماعيل سكران

الحوار المتمدن-العدد: 6410 - 2019 / 11 / 16 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
بــدت الريــاح بــاردة عند الفجر ، انها أيام تشرين الثاني ، تمـر عبر سلسلة من الخيــام المتزاحمة في قلب ســـاحة التحرير وفي حديقة الأمــة وتحت نصب الحرية الخـالد ، خيام متلاصقة موشحـة بقطـع من اللافتــات البيض التي تصـرخ بالاحتجـاج والثـورة والغضب ، (( نريد وطناً )) (( نازل أخذ حقي )) (( ماكو وطن .. ماكو دوام )) ، خيــام مخصصة لأطباء بلا حدود لإسعاف الجرحى والمرضى من المحتجين والمتظاهرين وأخرى لعشائر عراقية أعلنت عصيانها وتمردها وتضامنها مع المتظاهرين ، منظمات جماهيرية ونقابات ، معلمون ، محامون ، عمال ، مهندسون ، فلاحون ، وأساتذة جامعات مع طلابهم نصبوا خيــام الأعتصام في تلك الســاحة العظمى غيرهم افترشوا أرضية المطعم التركي ولن يغادروه ، كرنفال غاضب ، مئات الخيم تنطوي على آلاف المحتجين على ظلم وفســـاد السلطة .
ذلك الصباح البارد ، دفعت الدكتورة الشابة (( سها )) بطانيتها عن بدنها بعد أن شعرت بحركة غريبة وعنيفة عند مدخل باب خيمتها ، أطباء بلا حدود ، صخب لا يتناسب مع هدوء الساحة في كل صباح ، بعد ليلة صاخبة وعنيفة ، ايقظت زميلاتها اللائي يشاركنها المبيت في خيمة أطباء بلا حدود ، المتطوعات كمسعفات للمصابين والجرحى والمرضى ممن توسدوا ساحة الأعتصام منذ اسبوعين ، نهضت الدكتورة (( سها )) لتستطلع الأمر ، ايقظتها تماماً تلك الأصوات عند باب خيمتها القماشية المغلقة ، صاحت بصوت واهن :
- من هناك ؟
- لدينا جريح افتحي الخيمة رجاء .
نهضت سريعاً ، كانت بكامل قيافتها الطبية ، الصدرية البيضاء ، حذائها الرياضي الأبيض ، دفعت غطاء باب الخيمة جانباً وسمحت للمصاب بالدخول ، كان مصاباً في رأسه بعبوة غاز مسيل للدموع وقد أمضى الليل بطوله تحت جسر الجمهورية دون أن يفطن إلــى غيابه أحـد من رفاقه وعند الفجر وجدوه وهو في حالة أغماء ، طلبت من رفاقه وضعه فوق بطانية افترشتها فوق أرضية الخيمة فيما سارعت زميلاتها لأحضار الاسعافات الأولية .
ليلة أمس هاتفت والدتها لتعلمها بعزمها على المبيت مع زميلاتها في ساحة الأعتصام مع المفرزة الطبية ، فهي مرهقة وليس بوسعها العودة إلى المنزل بعد يوم دوام ومرهق لكثرة الاصابات في صفوف المتظاهرين .
خلسة تحركت العجوز ، وفتحت باب غرفة نومها بهدوء وروية ، لا تريد ازعاج ابنها ولا تود أن يشعر بقلقها فيقلق هو الأخر . جلست فوق الكنبة في الصالة عند الشباك قريباً من الباب علها تسمع صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب ، لكن الصمت لازم الشـــارع واستقر فوق جثته الهامدة ، الظلام في الخارج ، والصمت يغلف الحيــاة من حـــولها انها الليلة الثانية لابنتها (( سها )) في ساحة الأعتصام ، لم تتأخر في العودة إلى البيت كل يوم منذ اسبوعين ، لكنها الأن تضطر للمبيت في خيمة الأطباء . كانت قد هاتفت والدتها نهار هذا اليوم مؤكدة لها عودتها إلى البيت هذا المساء ، لكنها لم تعد للأن ، همست الأم فيما كانت أصوات الأعيرة النارية تشوه صمت الليل قادمة من أمكان متفرقة من بغداد ، وهي تقرأ آيات من القرآن الكريم وهي مسمرة فوق الأريكة عند شباك الصالة ، من المفترض ان تصل (( سها )) قبل ساعة من موعدها الذي حددته لوالدتها في التلفون ، لكنها لم تعد ، قلب أمها الأن مثل كرة تتدحرج أو مثل بندول الساعة المعلق الذي لا يستقر ، انه يعلمها بأن خطباً مـــا قد حدث لابنتها المسعفة (( سها )) .
فشلت (( سها )) وزميلاتها في انقاذ الشاب ، لقد تأخر كثيراً ، ثمة دخان يخرج من انفه وفمه ، بقايا من سموم مسيل الدموع القاتل الذي يستخدم في العادة في مكافحة الأرهاب وليس التظاهر لقد أصابها الوجوم ، لا سبيل لانقاذه وتأكدت من انها أخفقت في انقاذ حياته .
عادت العجوز أم (( سها )) إلى غرفة نومها ورأت النور مضاء في غرفة نوم ابنها الذي كان يخفي قلقه هو الأخر على شقيقه فكان يتصنع محاولات التقاط اشارة النت الذي تعرض للقطع من قبل أجهزة اتصالات الحكومة ، فقد تردد صدى صرخة العراق في كل انحاء العالم .
شعرت (( سها )) بالحزن بعد اخفاقها في عملية انقاذ الشاب ، لقد فارق الحياة ، جسده كان بارداً وملامحه لم تزل فتية ، غطت جسده بملاءة بيضاء وظلت قابعة في خيمة المفرزة الطبية حتى مساء ذلك اليوم الحزين ، تقدم خدماتها للمحتجين وهي ساهمة وقبيل انتصاف الليل وبعد ان خف عملها في الخيمة ، استــأذنت من زملائها الأطبــاء لتنصرف عائدة إلــــى منزل أهلها
لم تنته الحرب بالنسبة للعجوز أم (( سها )) انها تندس في كل مكان وكل زمان ، تعيش مع حياتها تتقاسم عمرها ، لقد أخذت الحرب فيما مضى ، حرب عابرة ، زوجها . قتل في واحدة من سلسلة الحروب الغبية التي حطت على قلب الوطن ، اعتاد قلب العجوز على تحمل الصدمات ، واجهت الحياة بمفردها ، ابنها وابنتها كانا البديل الجميل عن خسارتها لزوجها ، استقرت حياتها بهما ، تفرغت لهما كلياً صارا عالمها الوحيد ، واحــة وسط صحراء حياتها الجافة ، لكن الحرب لم تنته بعد ، انها ما فتئت تلتهم ضحاياها ، لم يزل أوارها متقداً يقيناً لم تنتعه الحرب بالنسبة للعجوز .
وصلت (( سها )) وهي مرهقة سيراً على الأقدام إلى مرآب السيارات الذي ركنت سيارتها فيه ، استقبلها عامل الكراج وسلمها بصمة السيارة نقدته مبلغاً وانطلقت فيما كانت الأنوار الليزرية تشع من المطعم التركي (( جبـــل أحــــد )) .
العجوز المسنة غفت فوق أفريز النافذة ، لقد وضعت رأسها هناك توسدت الأفريز وهي تنظر وتنتظر وتحترق قلقاً بانتظار أوبة (( سها )) أعوامها الحزينة لم تعد تحتمل السهر ولا القلق لقد أتعبها الانتظار فنامت على حافة الشباك والحزن يغفو معها ، ابنتها الطيبة الشابة ، المسعفة في المفرزة الطبية لم تكن تمتلك أي رؤية عما يخططه لها الخارجون عن القانون تحت غطاء القانون الذي يحكم البلاد ، لقد تعقبتها سيارة مدنية تضم مجموعة من الوحوش الكاسرة ، لم تكن (( سها )) على علم بما يجري ، كانت مطمئنة فهي لم تؤذ أحد بل العكس . الشــوارع مكتظة رغم تأخر الوقت ، السيارات تدور والزحام على أشده ، شيء واحد كان يشغل بالها ، انها تعلم كم تسببت بإثارة حالة القلق والخوف لدى امها انها على يقين من انها ستتلقى التقريع بعدم تكرار ذلك منها ، ستبدأ ، هكذا فكرت (( سها )) (( باستجوابي وحين تنتهي منه ، توجه انذارها النهائي لي بعدم التأخر والا ستحرمني من الذهاب إلى ساحة الأعتصام )) .
عند منعطف شارع فرعي ، وحين أبطأت سرعة سيارتها البيكانتو الحمراء ، انقضت عليها السيارة التي كانت تتعقبها وفوجئت بمسدس مصوب إلى رأسها ، وفي لحظات ، وبسبب خبرة هؤلاء في عمليات الخطف ، كانت في سيارة الخاطفين وفي غضون ثوان ، تعرضت للتخدير وغابت عن الوعــــي .
لا شيء في بغداد هذه الأيام أكثر شيوعاً من حالات الخطف الممنهج ضد الناشطين المدنيين المتواجدين في ساحة الأعتصام ، جهات ملثمة مجهولة تشكل الأذرع السرية للسلطة والتي تسميها السلطات جزافاً جهات خارجة عن القانون لغرض التعتيم لا غيــر .
وصلت السيارة الخاطفة إلى بيت كبير في منطقة نائية مخصص لاحضار المخطوفين . ادخلت (( سها )) إلى احدى غرف ذلك المنزل الواسع وغابت هناك إلى الأبـــد .
انتصف الليل بالنسبة للعجوز ، انه وقت متأخر جداً بالنسبة اليها فهي تأوي إلى سريرها في وقت مبكر ، قلبها الأن أكثر قلقاً يخفق ويترنح مثل بندول الساعة ، ليس بوسعها تحمل صدمة أخرى لم تعد قادرة على تحمل فقدان عزيز آخر من أسرتها ، تموت ولا تفعل ذلك .



#اسماعيل_سكران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل سكران - ساحة الاعتصام