أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رامي نصرالله - عن الذات والعزلة















المزيد.....

عن الذات والعزلة


رامي نصرالله
كاتب

(Rami Nasrallah)


الحوار المتمدن-العدد: 6410 - 2019 / 11 / 16 - 00:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تُعتبر الذات وباختصارٍ موجز فكرة وتصورات الإنسان عن نفسه. وفي حين يحيا الإنسان في مجتمعٍ يتفاعل معه ويساهم في تشكيله لذاته ومعايرة تصوراته حولها، يغدو لا وجود للذات خارج المجتمع.
لكن المجتمع التكنولوجي اليوم لا يكف عن رفع الحواجز بين أفراده والتدخل في حيثيات حياتهم الخاصة ومحاولة ضبطها وبرمجتها وتطويعها بما يناسبه، وبالتالي باتت الذات التي لا تجد نفسها خارج المجتمع غير قادرة إلى حدٍ كبير على إيجاد نفسها ضمنه أيضاً. حيث يمتد تدخل منظومة الإنتاج ليصبح كلياً، فلا يقتصر تدخلها على تحديد النشاطات والمواقف والقابليات التي تستلزمها الحياة الاجتماعية فقط، بل تمتد إلى تحديد الصبوات والحاجات الفردية في الوقت نفسه، إذ باتت التكنولوجيا بمثابة المؤسس للوجود الإنساني في مختلف أبعاده.
يرى هربرت ماركيوز أن "المجتمع المعاصر مجتمع لا عقلاني برمته، لأن تطور إنتاجه لا يؤدي إلى تطور الحاجات والمواهب الإنسانية تطوراً حراً، بل على العكس من ذلك تماماً، فإنتاجيته لا يمكن أن تستمر في التطور على الوتيرة الراهنة إلا إذا قمعت تطور الحاجات والمواهب الإنسانية وتفتحها الحر".
إن منظومة الإنتاج اليوم تنظم كل شيء، من الاقتصاد والسياسة إلى الثقافة والتربية والرغبات الفردية، وسيصعب مع ذلك وجود مقاومة لتلك المنظومة، لتصبح المقاومة عقيمة مع عدم وجود بدائل، ومع اضطرار الإنسان للتماشي مع الوضع السائد، بل والمرور عبره ليستمر.
من هنا فإن الإنسان سيغدو مقيد الذات وغير قادر دوماً على التحكم بها وتنميتها بحرية، إذ أنها ستصطدم أينما توجهت بحقيقة اعتلاء القيمة التبادلية على قيمة الحقيقة. لتصبح غاية الفرد هي تحقيق النجاح وفق تلك المعايير، أي معايير السوق وهيكليته، والمرتبطة بدورها بحلقة السياسة والإعلام والثقافة وصولاً إلى التربية والتعليم والتسلية.
وبذلك باتت سيطرة المجتمع التكنولوجي شبه شاملة وكلية تحكم كافة مناحي الحياة، وتلاحق الإنسان إلى خصوصيته، مزيلةً أية حواجز بطريقها، لتفرغ بذلك الحياة الخاصة من أية قابلية للإزدهار، وتتكسر روابط المجتمع وتتقسَّم مثلما يتقسَّم العمل ويتخصَّص، ويرتبط الفرد بروابط خطية مع المنظومة القائمة كالروابط التي تربط أفراد النظام القمعي بنظامهم، الأمر الذي لا ينتج أفراداً أحراراً ذوي ذوات متفتحة حرة، بل كتلٍ من أفرادٍ سلبيين منعزلين منهمكين في ذواتهم غاية الانهماك، مما يزيد من صعوبة التواصل والتعبير عن الذات، "فكلما زادت خصوصية النفس قل تحفزها، وازدادت صعوبة مشاعرها أو التعبير عنها" وذلك حسب تعبير ريتشارد سينيت.
يمكن تشبيه الموضوع بأعضاء فرقة موسيقية يعزفون مع بعضهم في الوقت نفسه، لكن يريد كل عازف منهم العزف على هواه. حينها لن نحصل على موسيقى متناغمة مهما كان أعضاء الفرقة مبدعين، بل لن يستمتع أحدهم بعزفه أيضاً على هذه الحال، وذلك إن استطاع سماع عزفه. وفي حين لا يتوانى أعضاء الفرقة في الإنفراد كلٌ بعزفه والانغماس به أكثر، تزداد المشكلة تعمقاً وضجيجاً.
في المقابل يظهر اليوم توجه الكثيرين نحو الروحانيات بمختلف أشكالها، أو نحو العدمية بتنويعاتها، فما الإرهاب سوى العدمية وقد تجلت في شخص إنسانٍ يردُّ إنكار ذاته بإنكار الواقع عبر قهره، لتأتي الروحانية مقابلها المنكر للواقع عبر تجاوزه. الأمر الذي يزيد مجدداً من ارتفاع الحواجز بين أفراد المجتمع، دون أن يزيل حجراً من بناء المنظومة المنتجة لذلك الواقع.
هنا نكون قد وصلنا إلى الحتم ومفرزاته، وضرورة الحسم ومساراته، فإقفال باب المنزل على مشاكل الخارج لم يعد حلاً، فالعالم بات كالغارق في بحر السلعة.
مع عدم قدرة الذات على إيجاد نفسها خارج المجتمع وداخله، وعدم إمكانية التهرب من تلك الحقيقة بأية طريقة، صار لا بد للذات من مواجهة واقعها وإيجاد الحلول له، أو أنها ستزداد غرقاً، وهنا يظهر سؤال هل يمكن إيجاد الذات على انفراد؟ أم أن شرط بحثها عن الحل يبدأ في المجتمع، أو بمعنى في الذات الإنسانية جمعاء؟
يحاول البعض الإجابة على هذا السؤال في الأفكار المنتشرة عن الحلول الفردية وتطوير الذات وبرامج التنمية البشرية والتي لا تلبث تقنع مريديها بأن الحل يكمن بداخلهم، وأنه بإمكانك أن تكون "أنت التغيير"، وفي حين تلمح تلك الأدبيات إلى قناعتها بقدرات الإنسان فوق كل شيء، لكننا نلحظ في عمق فكرتها أنها نابعة من فقدان الإيمان بالذات البشرية، ومحاولة إقناع الفرد النهوض والاستمرار في الواقع المعطى بتغيير نفسه لا واقعه، وكأن القضية هي ببساطة كيف تلعب اللعبة، فالإنسان بداخلك قد مات وما عليك إلا دفنه ومتابعة التقدم.
تلك الورشات التدريبية والإصلاحية التي تشبه ورشات صيانة الآلات وتطويرها، وكأنها الانعكاس الأصدق لحال الإنسان اليوم، فالآلة التي تريد تحقيق (ذاتها) جعلته كجزءٍ منها وعليه متابعة اللحاق بتطورها وصيانة وتطوير نفسه باستمرار بما يخدمها وإلا كان مصيره التنسيق إلى خارج المصنع، ليصبح الإنسان العصري يؤدي فروض الآلة وكأنها صارت هي الآلهة.
إذاً لم تستطع الوفرة تحرير الإنسان من حاجاته بل قيدته أكثر وبروابط غير مرئية، وتكمن المشكلة في وضع التكنولوجيا في خدمة الاستهلاك لا الإنسان، ولطالما الإنسان هو مسيِّر التكنولوجيا فقد صار هو نفسه في خدمة الاستهلاك ومتطلباته.
هو هوس الإنتاج إذاً، ثيمة الرأسمالية، فهل يكون حل تلك المعادلة تقنياً، أم فلسفياً وسياسياً؟
يستعين القادة السياسيون اليوم بجمهور عابر لتحقيق دعمٍ عابرٍ لسياساتهم، جمهور سلبي يشاهد ولا يقوى على فعل شيء خارج شروط اللعبة السياسية المتَّبعة، والتي بات سياسيوها كمدراء الشركات والناجح فيهم من يزيد إنتاجية الشركة بأقل تململٍ لعمالها. وفي حين لا يقدم اليساريون سوى مصطلحات وتوصيفات تفتقد مقابلها الواقعي الملموس، يمسي خطاب اليسار بلاغياً قادماً من تمظهرات زمنٍ ماضٍ أكثر منه تقدمياً يوصف ويحلل الزمن الحاضر وبأدواته، حيث تُقدَّم الماركسية كنظرية جامدة لا كمنهج معرفي.
فالبروليتاريا لم تعد ملموسة الوجود في أوروبا على النحو الذي يوصفها به ماركسيو اليوم، بحيث أن مقولات كالفرد والطبقة والأسرة باتت مصطلحات وصفية فاقدة لمضمونها النقدي، في نظام يعيد إدماج كل شيء ضمنه، وتمييع الحدود بين كل شيء ضمنه. في المقابل لا يتجاوز مطلب قسم آخر من اليسار توسعة (حقوق الصيانة).
أخيراً، لطالما كان الإنسان كائناً سياسياً، وقد صادر المجتمع التكنولوجي السياسة منه، مثلما يصادرها النظام القمعي من جماهيره، فيغدو الأمر عليه في البحث عن الهدف الجماعي لا البحث عن مزيدٍ من الفردية، في البحث عن هدفٍ توافقيٍّ عام يؤطر طاقات وقدرات الجميع ضمنه، يُنتج الاقتدار وهو ما يفوق مجموع قدرات البشر المشكِّلين له، ويختفي بتفرقهم الذي لن ينتج إلا عزلةً لا حل لها.
في المقابل لا زال أمام الإنسان متسع من الحرية، التي يمكنها أن تمنحه قدرةً على مقارعة المنظومة القائمة، وربما تكون بداية طريق تحقيق الذات عبر هذه المقارعة عينها ورفض ذوبان الذات في مجرى المنظومة، ولا زال التاريخ مفتوح على التناقضات، بل بات يضج بها، فهل ستعلو على صوت الآلة؟



#رامي_نصرالله (هاشتاغ)       Rami_Nasrallah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رامي نصرالله - عن الذات والعزلة