أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد العيادي - الجسد الثقافي: الرجولة تحت مجهر النقد.















المزيد.....

الجسد الثقافي: الرجولة تحت مجهر النقد.


رشيد العيادي

الحوار المتمدن-العدد: 6404 - 2019 / 11 / 10 - 19:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كل استعمال للجسد هو استعمال ثقافي واجتماعي ، فهو يتحرك في فضاء تؤطره خلفيات ومعطيات تصل تحركه بمعنى ،وهكذا فإن قراءة الجسد جعلنا نفهم الرابط والعلاقة بين الفرد والمجتمع أو بشكل أكثر تحديدا بين الجسد وجزئية الرجولة كقيمة . وذلك عبر تخطي هذا الجسد واقعه البيولوجي ليصبح مركز ورمزا اجتماعيا وثقافيا تُبنى عليه العديد من التمثلات وترتبط به جملة من القيم . فالجسد هنا ليس قيمة في حد ذاته بقدر ما تنبع قيمته من إضفائنا عليه دلالات ورموز تجعله أو تعطيه قيمه وأدواره ،

من هذا المنطلق سأحاول استغلال الفرصة لأقوم بقراءة نقدية لمفهوم الرجولة باعتباره مفهوم غير محايد كما الكثير من المفاهيم . فالرجولة تخضع للسياق التداولي لكل جماعة، فنفس اللفظة يُصوَّتُ بها أو تقال بطرق مختلفة ؛ نجد في اللغة في الفرنسية "Virilité" وفي اللغة الانكليزية "Virility" وفي اللغة الإسبانية "virilidad" وفي العربية كما نعلم "الرجولة" . هنا في هذه المرحلة قد نلاحظ الفوارق الصوتية محدودة ، وهي عادة تكون فوارق تعسفية واعتباطية، شاء القدر الاجتماعي عند العرب أن يسموا قيماً وأدواراَ معينة بالرجولية وشاء الفرنسيين كذلك أن يسموها "Virilité" وشاء الانكليز أن يسموها "Virility" وشاء الاسبان أن يسموها "virilidad" وقس على ذلك في جميع اللغات ، بل حتى على مستوى لغة واحدة فإن اللهجات يتحكم السياق في مدلولها . المسألة إدن مسالة اعتباطية على مستوى التسمية واللفظ لكن على مستوى المدلول والمعنى فإن الأمر بعيد كليا عن الاعتباطية . فعندما يتعلق الأمر بالمدلول فإننا نكون أمام مسائل ضاربة بجدرها في أرض الثقافة والتصورات الأخلاقية والمجتمعية ، وهنا مربط المصائب وتبعاتها. يأتي شخص يوجه كلاماً لشخص آخر قائلاً مثلا " أنت امرأة" "أنت لست رجل " ، فتنبعث شرارة الاحساس بالاحتقار ويغضب هذا الذي وُجِّهت له هذه العبارات ، وتبدأ مشاكل ربما لا تغسل إلا بالدم . في ثقافة أخرى ، مثلا الثقافة الفرنسية فإن عبارة من قبيل toi c est pas un homme أو toi c est une femme لا تصل إلى ذلك الحد من تأجيج الاحساس بالإهانة بل يمكن تقبُّل هذه الكلمات بصدر رحب ، وقد يتلقّاها البعض على أنها نقد إيجابي ويقول لك شكرا استفدت منك . هكذا يتبين بأن المسألة ليست وقف على التسمية ، المسألة تقف على المفاهيم. وبالتالي فإن استقصاء نشأة المفاهيم التي تهيمن علينا هو المدخل الأول لعملية التحرر منها . "إلا أن المسألة أكثر تعقيدا من هذا بكثير .
سأقول فقط إن تاريخ الفرد ، مهما كان متفردا حتى في بعده الجنسي يبقى محكوما اجتماعيا . وهذا ما توضحه جيدا مقولة كارل شوركس " لقد نسي فرويد أن أوديب ملك" . إلا أن فرويد لم ينسى فقط أن أوديب ملك كما قال بذلك سوركش ، لقد نسي أيضا – في ما يبدو لي- كلمة لقيط التي وُصف بها أوديب من طرف رجل مخمور مما جعله يسير إلى قتل أبيه من دون أن يعلم بأن من قتله أباه. هكذا فسلطان كلمة لقيط هو الذي جعل سلطان المُلك يتحرك ويحدث هذا كله .يبدو أننا نسينا المخمور وتشبتنا بالملك. المفاهيم والتسميات والصفات أمور معقدة جدا، فهي تأتي لتضع البصمة على عالم مفهومي ، ومن هنا خطورتها ، إدن هي ليست محايدة بل تجد منتهاها وجدورها في عالم المفاهيم ، هكذا فنحن نتعاطى معها ومع عوالم ووقائع مفهومية وليس مع وقائع مباشرة ، يمكن أن نقول بأننا نتعامل مع واقع الواقع . وإذا تحقق الفهم بهذا الأمر ، حينذاك سنفهم كيف لا يشكل العناق والسلام عبر الوجه بين الرجال العرب أي إشكال ، بل على العكس من ذلك يفهم على أنه محبة وتقبل للشخص ، في حين قد يأخذ نفس السلوك معناه في سياق آخر قلّة أدب .
أجسادنا إذن مبنية اجتماعيا وثقافيا ، وهذا البناء يجعلنا نكبت اتصالنا مع ذواتنا الحقيقية بحيث يخلف لنا ذوات زائفة ، نصدق أنها نحن ؛ لقد صدّقنا بأننا رجال !!ماذا تعني الرجولة خارج الثقافة ؟ أو بالأحرى كيف تبدأ الرجولة ؟ تبدأ منذ الصغر كما أسلفنا سابقا : الطفل لا يولد هكذا بهذه الهوية ، الطفل يولد بخبرات جسدية بيولوجية تواصلية مع العالم والكون، إن الاتصال والتواصل يأخذ مباشريته وواقعيته عند الطفل مع الأشياء والأحداث ، وإلى حدود هذه اللحظة التي يأخذ فيها الطفل أهم لحظاته في التفاعل مع العالم باستقلالية عن كل مرجعية . تأتي لحظة من اللحظات يقولون له بأنه رجل ، ويتم تعريفه بتلك الهوية غير المحايدة ، ويعامل على ذلك الأساس ، ضمن مؤسسات تقوم بحفض ذلك النمط من الوجود عن طريق تجسيدها في هذا الطفل كلاماً وفعلاً عبر جسده لتصبح نمط وجود maniére d être . طبعا نحن لسنا تلك الكلمة أو تلك الصفة ، فأنا أنا كما ولدت ، تماما مثل ذلك الكأس الذي تم مَلأهُ بنوع من أنواع المشروبات ومنذ مَلئِه أصبحت سيرة الكأس في خبر كان. إن هذا الكأس ليس هو ذلك المشروب وليس حتى لونه ولا الشكل الذي أخذه ، بل هو ذاته . لكن المشروب وشكله ولونه تَحُولُ دون أن يُدرك في ذاته . إن الوظيفة التي تلعبها المشروبات والشكل واللون هو ما يلعبه المجتمع ؛ المجتمع الآن يعطي الأسماء والسمات والأوصاف ، أي لابد أن نصف ونسمي. لكن بين الفينة والأخرى يخرج أحد الأطفال عن هذه التسميات والأوصاف ،وهم أولئك الذين يكونون أكثر ثورة على التنميط ، في البداية يخضعون بعض الخضوع لهذه التسميات ، وبعد ذلك يبدؤون يتحدثون عن أسمائهم التي ارتبطت بها هويتهم . كأن يقول أحدهم ، يوسف جَاءَ ، بدل أن يقول أنا جئتُ ، فهو غير مستوعب أن يكون يوسف الذي أراده المجتمع . الأسماء تخلق لنا هويات جديدة وأنا جديدة ، عادة ما تكون شبيهة النّحن الجماعية . لكن الطفل قد يثور على هذه النحن كما ثار عليها أخي الصغير يوسف يوماً عندما قالت له أمّي بالدارجة القروية " راه غادي إضحكو عليك إلى خرجتي بهاديك الحالة" ، فكان أن ردّ عليها مهدّما هذا الطرح الذي دائما يستحضر النحن المجتمعية المراقبة والمتحكمة في سلوكياتنا وأفعالنا بقوله : " آش بغيت أنا الناس ، واش وجهي بحالهم ، واش هضرتي بحال لهضرة ديالهم " . بهذا القول نسف أخي جحيم سارتر وحتمية بورديو وأعوانه ، لينتصر لمفهوم الفرد كما هو عند رايمون بودون . لكن هذه الفترة وجيزة تمر بسرعة فيعود الطفل إلى سالف عهده ، فيبدأ يتماهى مع الخطة وبعد ذلك يتورط أكثر فأكثر ، ويبدأ يدرك أن هويته الرجولية التي أُلصقت بأناه تتبعها أشياء وملحقاة كثيرة ، تسقطه في فخ هوياتي مبني سلفا بطريقة مبالغ فيها كثيرا تفوق الإمكانيات العادية للفرد . الإشكال ليس هنا ، الإشكال هو عندما تنكسر هذه الهوية الرجولية أو عندما يعرّض بها ويحيد عنها الطقس الاجتماعي ، يشعر الفرد بمعاناة شديدة . لقد أفهمهُ المجتمع أنه تلك القيمة الرجولية إذا كسرت أو فَقَدتْ أحد ركائزها فكأنما كُسر هو ، ويضل يقاتل على تحقيق عمّا أوهوموه أن هو. في كلمة. إن الرجل لا يعيش رجلا بل يموت وهو يحاول.
قد نُعد أونُنعت بأننا شادّين أو خارجين عن المعايير أو المألوف ،لكن على الأقل قلنا ما أردنا قوله ، تحت شرط الوعي العلمي بما يهيمن علينا ويتساقط على رؤوسنا ؛ نحن لسنا ألقابنا.



#رشيد_العيادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرض الجسد في الحياة اليومية
- الحرية والحب الرومانسي


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد العيادي - الجسد الثقافي: الرجولة تحت مجهر النقد.