أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثورة في لبنان، آمال ومخاوف














المزيد.....

ثورة في لبنان، آمال ومخاوف


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6396 - 2019 / 11 / 1 - 04:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


استطاع الثائرون اللبنانيون احتلال فضاءات عامة مركزية في العاصمة بيروت والعديد من المدن اللبنانية. هذا المعطى المكاني أساسى، أبقى الثورة اللبنانية خلال أسبوعين ونيف ملء البصر والسمع، يجري نقل فاعلياتها في الزمن الحقيقي. وأهم من ذلك أتاح أن يكون للثورة إيقاع يومي، وليس أسبوعياً خلافاً للثورة السورية في بواكيرها.
الثورة اللبنانية في انعقاد دائم إذا جاز التعبير، على نحو يُغني عن قيادة خاصة. الثورة تقود نفسها، إنها الجمعية العمومية لنفسها. وهي تحقق تقدما مستمراً بفضل شرطيْها المكاني (ساحات عامة) والزماني (إيقاع يومي)، ثم بفعل مساحة التماس الواسعة بين الثورة والمجتمع، أو النسبة العالي من اللبنانيين المشاركين في الثورة. لقد أمكن السير إلى الأمام خلال أسبوعين طويلين، وتحقق مطلب أول باستقالة الحكومة، مروراً بالتغلب على تهديدات حزب الله واعتداءاته المتكررة.
محرك الثورة الأول معيشي، يرتبط بتدهور دخول وفرص قطاعات متسعة من اللبنانيين، وبنهب فاجر من قبل الطبقة السياسية ومحظييها ومحمييها. وبأثر هذا المحرك سجلت الثورة انتشاراً جهوياً واسعاً من جهة، وكانت عابرة للطوائف من جهة أخرى. هذا غير مسبوق في تاريخ لبنان المعاصر.
ليس الطريق إلى إسقاط "العهد" والتقدم نحو نظام غير طائفي ممهداً، وقد يُسدُّ بالقوة والدم، لكن هذه أول مرة في لبنان يرى طيف وطني شعبي واسع ومتنوع، يخص بشتائمه ألأقذع السياسيين الأكثر طائفية، والتركيبة كلها: "كلّن يعني كلّن"! و"كلن" تعني النظام بوصفه نظام نهب وفساد وإفقار، كما تعني تركيبته الطائفية. الطائفية صمام أمان نظام النهب العمومي في لبنان، وهي التي توفر هوامش حرية ومناورة واسعة لطغم فاسدة عبر سهولة تفريق المنهوبين وتأليبهم ضد بعضهم وضربهم ببعضهم كما جرى في أوقات سابقة. إفشال هذا المسعى ليس جهداً ناجحاً ضد الطائفية فقط، وليس تضييقاً لهوامش لعب المركب النهبي الطائفي الميليشياوي فقط، وإنما هو الخطوة الأهم نحو استعادة ملكية البلد والمعالجة الجذرية للأزمة الوطنية الاجتماعية المتجددة.
"كلن" تعني أيضاً حزب الله من حيث أنه الميليشيا الحارس للنظام اليوم، القوة المسلحة التي شعرت قبل غيرها بتضيق مساحة مناورتها، فوضعت نفسها في مواجهة الثائرين، وأظهرت أن بقاء "العهد"، وليس تغييره، هو خيارها. تُعطل المشاركة الشيعية الواسعة عملية نزع وطنية الشيعة اللبنانيين التي يشرف عليها حزب الله عبر شبكة مالية عسكرية عقدية مشدود إلى إيران. لكن الامتلاء بالنفس الذي صدر عنه كلام حسن نصرالله منذ البداية يثير الخشية من مسالك دموية. عبر عقود رفع الحزب نفسه فوق شجرة عالية جداً، وجعل من النزول منها صعباً عليه وعلى أنصاره قبل الجميع. هناك مكون عدمي في تكوين الحزب وتفكيره، يظهر في ميله إلى التعامل مع الصراع الحالي كصراع وجود، مثلما خاض الصراع ضد الثورة السورية. وتبدو "تغريدة" خامنئي يوم 30 تشرين الأول بمثابة أمر عمليات تنفيذي، بالنظر إلى أن الرجل هو "الولي الفقيه"، المسموع الكلمة عند أتباعه، ومنهم نصرالله وحزبه. يقول المرشد الإيراني: "أوصي الحريصين على العراق ولبنان أن يعالجوا أعمال الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية". ما يلفت النظر ليس انتحال الولي الفقيه موقعاً "تقدمياً" لا يُعلم له سند فكري أو واقعي، بل عطف لبنان على العراق في كلامه، وما يضمره هذا العطف من موقع امبراطوري يصدر عنه خامنئي تلقائياً. هذا نذير أقوى بعدُ بمسالك دموية، لا يملك المرء حيالها إلا أن يأمل وجود أصوات عاقلة في بيئة حزب الله وبين صفوفه، أصوات تجد في انفضاض قطاعات مؤثرة من البيئة الشيعية عن سياسة نصرالله ما يشد أزرها في نزع إيرانية الحزب، وفي لبننته.
وفي مواجهة امبراطورية الجماجم الإيرانية، يعرض الوضع البناني اليوم خاصية لا يبدو أنها تنال ما تستحق من اهتمام تحليلي: ليس هناك سند أوربي أو غربي للثورة اللبنانية، ولا حتى تعاطف. القوى الغربية التي كانت تولي الاستقرار دوماً أولوية عليا في الشرق الأوسط، صارت توليه أهمية أعلى بعد. وهذا في ارتباط بكل من "الحرب ضد الإرهاب" و"أزمة" اللاجئين". هناك تحول بنيوي في "أوربا القلعة" وأميركا نحو المحافظة والتثبيت، بخاصة حيال منطقتنا. والتفضيل يتجه نحو ضامني الاستقرار، ولو ميليشات عنيفة مثل حزب الله، على أوضاع مضطربة، ولو في سياق ثورة سلمية تحررية. يستطيع حسن نصرالله ومرشده الإيراني وبشار الأسد زعم العكس، لكن القوى الغربية تفضلهم كحرس استقرار، وإن لم تحبهم.
على أنه يقف إلى جانب الثورة اللبنانية سوريون وعراقيون ويمنيون ومصريون... توحدهم خبرة "كلنا في الهم شرق".
بنظرة عن بعد، يرى المرء مشهد الثورة اللبنانية المتعددة الأصوات، الكثيرة الألوان، الواعدة بلبنان جديد والمفعمة بالأمل، ويلمح المخاطر القاتمة الأحادية الصوت، الداعية للاستسلام والحليفة لليأس تترصد الثورة بالشر. لا يستطيع السوري الذي هو كاتب هذه السطور أن لا يخشى كثيراً. لا تزال الدماء على إيادي الحزباللهيين في سورية، ولا تزال رائحة الدم في خياشيمهم، وتصور أنهم لن يكونوا دمويين في لبنان لا يبدو لي مما يمكن الركون إليه.
لكن إذا كان الحذر واجباً فإن استمرار احتلال الساحات والسير نحو العصيان المدني والإضراب السياسي العام هو السلاح الأقوى بيد اللبنانيين في وجه سلاح الوكيل الامبراطوري.
لا نعلم ماذا سنقول بعد أسابيع من اليوم أو شهور. الثورات تفاجئ وتخلق المفاجآت، وأعداؤها من ذوي العزم الفاشي قادرون على مفاجأتنا في التوحش. لكن رغم كل المخاطر التي تُخوِّف من الأمل وتشجع على اليأس، فإن الموقع الصحيح هو في الثورة ومع الثورة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيب والحكيم والسياسي
- رسائل إلى سميرة 14
- الأبد، الطوائف كأوابد والإبادة
- الإرهاب والإبادة والمنعطف -الجينوقراطي-
- تساؤلات وقضايا عن الطبيعة الإنسانية
- سوريا والسارين والعالم
- الانقلاب المديد: تحولات سورية طويلة الأمد
- حنّه آرنت في سورية: خواطر حول الشر السياسي
- عبد الباسط الساروت: مسار ثورة في مسار ثائر
- الاغتياب والتغييب والغيْب: نظرات في الديني السياسي
- الثورة السورية فشلت لأنها لم تتلق عوناً في مواجهة نظام إبادي
- القصة السورية: وقائع أساسية
- فاشي في دمشق، وأشرار آخرون
- رزان، الدور والقضية والرمز
- رسائل إلى سميرة (13)
- وهم -الإخوان- السوريين المضاعف
- من يملك الإسلام؟
- ... أو نحرق البلد: بخصوص إعادة الإعمار في سورية
- رسائل إلى سميرة (12)
- عن الزمن والكتاب: مدخل كتاب الامبرياليون المقهورون


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثورة في لبنان، آمال ومخاوف