أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض الإيمان الفلسفي لدى كارل ياسبرز















المزيد.....

نقض الإيمان الفلسفي لدى كارل ياسبرز


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 6367 - 2019 / 10 / 2 - 07:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نقض الإيمان الفلسفي لدى كارل ياسبرز
هيبت بافي حلبجة
لعل أجمل قول فلسفي غرابة هو الذي يؤكد إن المذهب الوجودي منقسم على ذاته مابين فلاسفة ملحدين ، جان بول سارتر ، ومارتن هيدجر ، وفلاسفة مؤمنين ، جابريل مارسيل ، وكارل ياسبرز ، وكإن الإيمان والإلحاد صفتان أو خاصيتان تضفيان على المذهب الوجودي وجوديته ، أو كإن كل واحد منهما يمتاز بمجاله الأصيل في تقويم الأبعاد الحقيقية لهذا المذهب . واليقين هو إن المذهب الوجودي يتشكل وبتشاكل خارج الدائرتين ، الإلحاد والإيمان ، ولايتأصل في مفاهيمه على أي قاعدة في مفهومية الإلحاد أو في مفهومية الإيمان . ومن هنا تحديداٌ فإن جان بول سارتر يعالج القضايا الوجودية في مؤلفه ( الوجود والعدم ) كما هي ، كما ينبغي أن تكون في مبادئها وجذورها ، وكذلك يفعل الآخرون ، وكذلك يتصرف كارل ياسبرز في مؤلفه ( الفلسفة ) في أجزائه الثلاثة ، وفي مؤلفات أخرى ، حينما يمايز مابين المعطيات الثلاثة التالية ، الإيمان الفلسفي ، الإيمان اللاهوتي ، الإيمان العلمي . معالجاٌ المفارقة مابينها من خلال ما جرى تاريخياٌ على يد محاكم التفتيش لكل من جوردانو برونو ، وغاليليو ، حيث الأول تمسك بإطروحاته لإن قضيته كان قضية ( الإيمان الفلسفي ) في حين إن الثاني لم يتمسك بإطروحاته لإن قضيته كانت قضية علمية ( الإيمان العلمي ) ، وحسب ياسبرز يمكن التضحية بالإيمان اللاهوتي وكذلك بالإيمان العلمي ، لكن من الصعب جداٌ التضحية بالإيمان الفلسفي، ويؤكد ياسبرز إن الإيمان العلمي هو أن يؤمن الإنسان بمفهوم العلمي الشامل ، أو أن ينغرق في مجال الخرافة والجهل والأسطورة ، فهو إما إما أو أو ، فلاثالث لهما ولاوسط بينهما ولاعلاقة مابين الحدين ، وكذلك الإيمان اللاهوتي ، فهو إما اللاهوت أو العدم ، فلاثالث لهما ولاوسط ولاعلاقة مابين الحدين ، فهو إما إما أو أو ، في حين إن الإيمان الفلسفي هو تجلية مابين السائل والسؤال والنتيجة وجملة قضايا نجملها في القضايا الآتية وهي ستة :
القضية الأولى : إن محتوى السؤال ، وهذه هي الفكرة الأساسية لدى ياسبرز ، يتحول إلى مفهوم الإفهوم ، أي يرتقي إلى مستوى الإفهوم ، ويتحول الجواب عن ذلك السؤال إلى مفهوم التابع الرياضي ، بتعبير فلسفي إن السؤال هو سؤال وجودي في حين إن الجواب هو فكرة تعبر ، بالضرورة ، عن ذلك السؤال الوجودي ولايهم مضمونه ولامحتواه ، وبتعبير سوسيولوجي إن السؤال هو القيمة الحقيقية للفلسفة وبالتالي للوجود وإن الجواب هو، وبغض النظر عن مضمونه ، قد يكون هذا وقد يكون ذاك ، وهذا هو المنطوق الأصلي لمفهوم الإيمان الفلسفي ، في حين إن الإيمان اللاهوتي والإيمان العلمي يعكسان العلاقة الفعلية مابين السؤال والجواب ، أي يجعلان من الجواب ماهو الصحيح بالمطلق في حين كان السؤال هو مجرد أداة . ومن هنا تحديداٌ يتمتع السؤال بأربعة خصائص جوهرية ، الخاصية الأولى هو إن السؤال ليس إلا جملة أسئلة مقذوفة في الوعي البشري ، كامنة في جوهر العلاقة مابين الإنسان والوجود ، وكإن السؤال هو جوهر السر البشري والمصير البشري والوجود البشري . الخاصية الثانية هو إن السؤال ليس إلا جملة من الأجوبة هي موجودة في الوعي البشري ليست على شكل الضرورة أو الأسبقية إنما على شكل إرتقاء وتمظهر في إدراك علاقة الإنسان بالإنسان بالوجود بالكون بالمستقبل . الخاصية الثالثة هو إن السؤال ليس إلا جملة حقيقية من الإمكانيات بالمعنى الفعلي والدقيق لمآلاتها ، ولولا هذه الإمكانيات ماكانت الأسئلة وماكانت الأجوبة وماكنت الفلسفة وماكان الإيمان الفلسفي لدى ياسبرز . الخاصية الرابعة إذا كان السؤال يتمتع بتلك الخاصيات الثلاثة فهو يتمتع حتماٌ وبالضرورة بخاصية مفهوم القضية بمعنى إن السؤال ليس سؤالاٌ إنما هو قضية ذات إشكالية معقدة تحتاج وتقتضي جملة من الإمكانيات وجملة من الإجوبة وجملة من ذاك ( السؤال ) .
القضية الثانية : إن السؤال هو الذي يجعل من المستحيل الغائب بالمطلق ممكناٌ كموجود يتحقق ، وذلك من خلال مفهوم المكاشفة ، أي ليس فقط تجلي الواقع والغائب والميتافيزيقي في موضوعاتها إنما في تمظهر كل ذلك أمام إفهوم السؤال في موضوعه هو تحديداٌ ، وهكذا يترآى لنا ثلاثة أبعاد فعلية ، الأول هو الإحساس الشامل بالوجود في علاقة الإنسان ( الفردي ـ لإنه صاحب السؤال)بكل ما عداه ، الثاني إن الوعي البشري ( الفردي ) هو شرط الضرورة في قياس عمق العلاقة مابين تلك الخصائص الأربعة الأسئلة ، الأجوبة ، الإمكانيات ، القضية ، الثالث هو إن البعد الأول والثاني لايكتملان في بعدهما التجريبي إنما هما يتكاملان في حدود نسبية حيث يتكاملان أكثر في تجربة لاحقة دون أن نصل ، نحن ، إلى غايتنا في التكامل على الإطلاق وبصورة أبدية ، ومن هنا يترآى لنا دحض ياسبرز وفنده لمفهومي الإيماني اللاهوتي والإيمان العلمي لإنهما يهدران جوهر هذه القضية ، بمعنى إنهما يزعمان إننا نحن ، وهما ، قد بلغنا التكامل المطلق وبصورة نهائية ، وكإن التجربة البشرية أو التجربة الوجودية قد إنتهت عند هذا الحد وهذا مستحيل ، حسب ياسبرز ، وغير تاريخي ولايعبر عن مضمون ماهية الوجود ولاعن ماهية الوجود البشري .
القضية الثالثة : إن السؤال هو الذي يسلب عن المطلق مفهومه ويعريه تماماٌ أمام حقيقة واضحة وجلية وهي إن الإنحراف يبدأ من لحظة إدعاء عنصر من العناصر إنه هو الثابت اللامتغير، فإذا وجد هذا الثابت اللامتغير أنتهى ياسبرز وفكرة الإيمان الفلسفي ، لذلك ـ حسب ياسبرز ـ المطلق مستحيل الوجود وكذلك واجب الوجود ، فمجرد الإعتقاد بوجود هذا العنصر كائناٌ من كان هو يدحض مفهوم الإمكانيات وعلاقتها مع تلك الأجوبة ومع تلك الأسئلة ، وبالتالي تغدو تلك الأجوبة وتلك الأسئلة مجرد أدوات لإبراز مفهوم هذا المطلق الذي يشكل ـ حسب ياسبرز ـ حالة إستحالة في المعنى وفي الوجود وفي الواقع ، وهذا هو التمايز الآخر مابين الإيمان الفلسفي من جانب ، ومابين الإيمان اللاهوتي والإيمان العلمي من جانب آخر ، فهذان الأخيران يلحفان على مفهوم الثابت اللامتغير في حين إن الأول هو المتكشف المستمر وفقاٌ لشرط الوعي البشري ، ذلك الوعي البشري الذي يتآلف في وحدة منسجمة مع نفسه ومع مفهوم قضية السؤال ومحتوى الإيمان الفلسفي .
القضية الرابعة : إن الإيمان الفلسفي وكذلك مفهوم السؤال لايتمظهران حقيقة إلا من خلال علاقة ماهو ممكن مع ماهو كان ممكناٌ ، أي مضمونهما معاٌ في الماضي ، فلا قيمة فعلية بالمعنى الياسبرزي لكارل ياسبرز نفسه إلأ من خلال قيمة الإيمان الفلسفي لهيجل وماركس وكل من سبقوه من المفكرين والفلاسفة ، فالإيمان الفلسفي ليس ثمرة أن تسأل أنت نفسك الآن ( ذاك السؤال ) إنما هو نتاج تعاظم مضمون كل التجارب ( فيثاغورث ، هيراقليطس ، بارمنيدس ، سقراط ، إلى ياسبرز ) من خلال تعاظم كرة الثلج ، أي بتعبير آخر أنت لا تسأل نفسك سؤالاٌ وتجيب عليه كما كنت تود أن تقول ( إن ذلك الشيء هو ذاك الشيء ) لا أبدأ ، فأنت حينما تسأل نفسك ( سؤالاٌ ) فأنت الوريث الشرعي لكل مفهوم ( الماضي ) ، ولولا هذه العلاقة الحميمية البنيوية مابين الماضي ومابينك أو مابين ياسبرز لكان الإيمان الفلسفي مثل الإيمان اللاهوتي والإيمان العلمي مفهوماٌ معدوم القيمة ، معدوم المعنى ، معدوم الإدراك بالمعنى المنطقي له .
القضية الخامسة : إن جوهر هذه القضية يتلخص في إن التناقض الحقيقي مابين الإيمان الفلسفي من جهة ، ومابين الإيمان العلمي وكذلك الإيمان اللاهوتي من جهة ثانية ، يكمن في إن الأول يكره الجواب الثابت عن أي سؤال كان بعكس الإيمانين الآخرين ، كما إنه يرفض مبدأ هذه هي الإيجابة الأكيدة ، أو هذه هي الإيجابة النهائية ، أي بتعبير آخر إن الإيمان الفلسفي يرفض بالمطلق مبدأ التقابل الموازي والمتساوي مابين السؤال والجواب ، لإن الجواب هنا هو جواب تراكمي تاريخي غير ثابت غير منغلق وكأنه يجاوب عن نفسه وليس عن السؤال ، أو كأنه موجود وفي قيد التطور بغض النظر عن طبيعة السؤال الحالي لإنه يترقب طبيعة السؤال القادم ، ومن هنا تبدو العلاقة الحميمية مابين مفهوم الإيمان الفلسفي ومحتوى الصيرورة الموازية لها ، تلك العلاقة التي هي غائبة في أصولها مابين الصيرورة ومابين الإيمان العلمي والإيمان اللاهوتي .
القضية السادسة : إن الإيمان اللاهوتي ، تماماٌ مثل الإيمان العلمي ، يحتسب إن الحرية وكذلك القلق من مفاهيم إنسانية سوسيولوجية ، في حين إن الإيمان الفلسفي يحتسب الحرية وكذلك القلق هي إفهومات وجودية ، أي بتعبير دقيق ، إن الإيمان اللاهوتي يعتبر إن الحرية قيمة تعبيرية عن الحياة وتنضاف إلى الفرد من خلال مفهوم إنه يتمتع بها كما يتمتع بأي شيء آخر ، وفي الفعل ، وحسب الإيمان الفلسفي فإن الحرية هي جوهر الموجود البشري ، أي إنه لايتمتع بها إنما يختص بها ، فهي من خاصية خصائص الموجود البشري ، لذلك يقول جان بول سارتر ( نحن محكومون بالحرية ) ، وفي الحقيقة هو يقول لولا الحرية ماكنا نحن ، ولولا الحرية لكان وجودنا وجوداٌ آخراٌ ( طبعاٌ هذه الجملة تقتضي مقالاٌ خاصاٌ بها لإنها تفضي إلى نتائج وإستنباطات جد مميزة ودقيقة ، قد نتعرض لها في المستقبل ) . وكذلك فإن الإيمان اللاهوتي يعتبر إن القلق هو مجرد حالة شعورية بشرية مثل كل الأحاسيس ، فالقلق هو شعور بشري مثل أي شعور آخر ، أي إن الإيمان اللاهوتي ( مثل الإيمان العلمي ) يضفي إلى الفرد البشري ماهو معبر عنه بمفهوم الإحساس ، فالقلق والحرية تأتيان إلى الوجود البشري من الخارج حسبهما ، في حين إن الإيمان الفلسفي ، وبالتناقض معهما ، يعتبر القلق والحرية حالتين وجوديتين من الداخل ، فإذا ما كنت أنا موجوداٌ فذلك لإني أقلق ، ليس لإن القلق حالة ضرورية بل لإنه من جوهري أنا ولاوجود له خارجي أنا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، لإن الحرية هي أنا ، فلا أنا خارج الحرية ، ولاحرية خارج أنا ، فالثالوث ( أنا ، الحرية ، القلق ) هو أنا الوجودي هو الواحد في الثلاثة ، هو الإتحاد في الوحدة ، هو الإتحاد في الوجود ، هو الوجود ، هو الأنا . وهكذا تتضح المفارقة جلية مابين الإيمان الفلسفي ، والإيمان اللاهوتي وكذلك العلمي ، فهذان الأخيران يحتسبان إن أنا هو أنا ، وإن القلق والحرية هي مجرد صفات تلحق ب أنا .
والآن لامناص من أن نعترض على هذا التصور الياسبرزي بالمآحذ التالية :
المآخذ الأول : إن الإيمان اللاهوتي ( المسيحي والإسلامي على حد سواء ) يشل ، في الفعل ، حركة الأشياء في الفكر كما يصادر منطق الفكر في إدراك الأشياء ، ويجسد حالة سلبية وجامدة وعقيمة في مفهوم حالة العلاقة ، أي علاقة كانت ، سواء في علاقة الموجود الشخصي بالكون ، سواء في علاقة الكون بالطبيعة ، سواء في علاقة الطبيعة بمحتوى طبيعتها ، سواء في علاقة المفاهيم بعضها ببعضها ، لكن الإيمان العلمي ، على النقيض من ذلك ، هو يجسد حركة الأشياء في الفكر ويجسد منطق الفكر في إدراك الأشياء ، كما إنه يفسر جوهر العلاقة ، أي علاقة كانت ، وهنا لامندوحة من إبراز أوجه المفارقة مابين تلك الأنواع الثلاثة من الإيمان في الحالات الآتية :
الحالة الأولى : إن الإيمان اللاهوتي المسيحي والإسلامي يفرض مفهوم الحل على صورة قطعية ومباشرة وحتمية ، هذا هو هذا ، وغير هذا هو العدم هو العبثية الأبدية ، فلابديل ولاتغيير ولاجدال إنما تسليم وأستسلام تام ومطلق ، في حين إن الإيمان العلمي والإيمان الفلسفي هما يجسدان حالة الوعي البشري في تلك المرحلة ، أي مرحلة كانت ، ولايقفان وقفاٌ غبياٌ إزاء مضمون ذلك الوعي البشري ، إنما يتجاوزاه إلى وعي أشمل وأرقى وأكثر موضوعية .
الحالة الثانية : إن الإيمان اللاهوتي المسيحي والإسلامي يفرض ، وبصورة أبدية ، من الأزل إلى الأبد ، محتوى العقل الإسطوري على محتوى مفهوم العلاقة ويسفه مضمون العقل البشري ، وعلى النقيض من ذلك فإن الإيمان العلمي وكذلك الإيمان الفلسفي يصبوان إلى أن يسترد العقل البشري جذوره الأصيلة في تجربته وفي محتوى تاريخه ، وبالتالي هما يحاربان هذا العقل الإسطوري ، ليتحرر العقل البشري من سطوته وإستبداده .
الحالة الثالثة : إذا كان الإيمان اللاهوتي المسيحي والإسلامي يقضي على الإيمان الفلسفي فإن هذا الأخير لايستطيع الإستغناء عن الإيمان العلمي والعكس صحيح أيضاٌ ، على الأقل في هذه الحدود الثلاثة ، الحد الأول إن الإيمان الفلسفي بدون الإيمان العلمي قد يتوه ويغيب في مجالات غير محمودة ، الحد الثاني إن العلاقة الأصيلة مابين الإيمانين هي التي تجعل من الإيمان الفلسفي أن يحافظ على مضمونه التاريخي الفعلي وأن يتربع على عرشه على طول الخط ولولا ذلك لأصبح عائقاٌ أمام التطور الفكري والتجربة البشرية مثل الإيمان اللاهوتي المسيحي والإسلامي ، الحد الثالث إن مفهوم التطور في الإيمانين يتكامل في حدود تقويم جوهر كل منهما ويتماثل في حدود طبيعتهما .
الحالة الرابعة : إن الإيمان اللاهوتي المسيحي والإسلامي يصادر محتوى الإشكاليات كلها وينسبها إلى آلهة من المستحيل أن تكون موجودة ، لأن وجودها يمثل قمة العبثية المطلقة ، وقمة اللاعقلانية في تحديد جوهر الوجود ومحتوى الكون ومضمون التجربة البشرية ، في حين الإيمان العلمي كما الإيمان الفلسفي يسعيان ، بكل موضوعية وحيادية ، إلى تأصيل تحديد جوهر الوجود ومحتوى الكون ومضمون التجربة البشرية كما هي هي .
المأخذ الثاني : في علاقة الإيمان الفلسفي بماهو ذاتي وبماهو موضوعي يؤكد كارل ياسبرز إن بعض الفلاسفة إعتمدوا على الذاتي كما إعتمد البعض الآخر على الموضوعي ، أماهو فقد إعتمد على ( الدمج ) مابين الذاتي والموضوعي ، وحسبه إن الإيمان نوعان ، الإيمان الذاتي والإيمان الموضوعي ، والأول هو الشخصي والمتورث كما هو ، والثاني هو المقذوف العام هناك أي المتجاوز لما هو شخصي ، ويقول إن الإيمان الفلسفي الفعلي هو الإيمانين معاٌ ، أي الإيمان الذاتي والإيمان الموضوعي ، لكن في الحقيقة إن ياسبرز لم يدرك جوهر الإيمان الفلسفي في هذه القضية ، التي تعود في حقيقتها الأصلية للفيلسوف كانط الذي يؤكد إن التصور الشعوري بدون التصور الإدراكي هو تصور أعمى ، كما إن التصور الإدراكي بدون التصور الشعوري هو تصور أجوف ، أي إن ماهو ذاتي وماهو موضوعي لايمثل أي منهما حالة مستقلة ، إنما هما معاٌ حالة واحدة ، أي لايوجد هنا لا تطابق أو لا دمج إنما حالة معية في التأصيل ، فكانط ، في سياق منظومته الفلسفية ، لايمايز مابين الذاتي والموضوعي إلا لتوضيح المغزى الفعلي للفكرة ، بينما ، لدى ياسبرز ، هو يمايز مابينهما كجوهرين مستقلين وهما يمثلان ـ حسبه ـ حالة تطابق في حدها الأعظمي . وحالة التطابق هذه ، من زاوية مغايرة ، لاتنسجم البتة مع مدلولات المذهب الوجودي الذي يقتضي ، من جملة ما يقتضي ، الحالة البنيوية مابين تلك المدلولات .
المأخذ الثالث : من الواضح إن الإيمان الفلسفي لدى ياسبرز منفصل عن محتواه ، وهذا يخلق ثلاثة إشكاليات ذات مضامين متناقضة :
الإشكالية الأولى : إن الإيمان الفلسفي يملك فقط فكرة الإيمان الفلسفي ، ولايملك مطلقاٌ معايير ثابتة ومحددة تفصل بشكل راديكالي مابين الإيمان الفلسفي والإيمان اللاهوتي ، وماكان بمقدور ياسبرز أن يحدد العلاقة مابين الإيمان الفلسفي والإيمان اللاهوتي وفقاٌ لمعايير ثابتة لإن هذا الأخير ليس لاهوتياٌ صرفاٌ إنما يحتوي ، أيضاٌ ، قضايا وإطروحات فلسفية جدية مثل جدية الإطروحات في مؤلفه ( فلسفة بأجزائها الثلاثة )، لذلك ثمة منطقة عائمة مشتركة مابين الإيمانين ، ونلاحظ ذلك بوضوح لدى الكثيرين من الفلاسفة أمثال ، الإمام الغزالي ، الفارابي ، القديس أنسلم ، القديس أوغسطين ، القديس توما الأكويني ، وفي الحقيقة إن ياسبرز كان يكره خدمة هؤلاء القديسين للكنيسة .
الإشكالية الثانية : إن فكرة الإيمان الفلسفي بهذا الشكل تدل على نفي الصراع الفلسفي في مستوى التاريخ البنيوي ، وهذا ما لا يرضاه ياسبرز نفسه ، سيما على مستوى الحرية الوجودية والقلق الوجودي ، والصراع الفلسفي ، سواء من داخل البنية التحتية أم من داخل البنية الفوقية ، هو الذي يميز مابين قوة الصراع التاريخي مابين التيارات الفلسفية المختلفة ، الماركسية والبرجوازية مثلاٌ ، وإلا لأمسى التاريخ فارغاٌ من مضمونه ، حتى من هويته ، ولتحول إلى تاريخ للأحداث ، ولأنتهت التجربة البشرية بإنتهاء قواعد الإرتباط مابين حركتها وحركة الفكرنفسه .
الإشكالية الثالثة : إذا كان الوعي البشري هو شرط الضرورة للإيمان الفلسفي كما يؤكد ياسبرز ، فإن الإيمان الفلسفي ، وهو منفصل عن محتواه ، يجعل منه شرطاٌ عاقراٌ ، لإن الوعي البشري ، هنا تحديداٌ لاقيمة ضرورية له خارج محتوى الإيمان الفلسفي ، فالعلاقة الصائبة هي مابين الوعي البشري كمفهوم تاريخي ومابين محتوى الإيمان الفلسفي كمفهوم بنيوي ، وإذا ما زعم ياسبرز إن العلاقة الصائبة هي مابين الوعي البشري ومابين الإيمان الفلسفي مباشرة ، لأصبح مفهوم الإيمان الفلسفي مفهوماٌ فارغاٌ من محتواه الوجودي ، ولقذف ـ بضم القاف ـ بياسبرز إلى خارج دائرة المذهب الوجودي . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والسبعين .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم الدازاين لدى هيدجر
- نقض مفهوم الإيديولوجيا لدى ألتوسير
- نقض العود الأبدي لدى زينون الرواقي
- نقض متناقضات زينون الإيلي
- نقض مفهوم فلسفة التاريخ لدى هيجل
- نقض محتوى الديمومة لدى برجسون
- نقض مفهوم الحقيقة الإلهية لدى إبن عربي
- نقض أساس الكون
- نقض الحسية المثالية لدى بيركلي
- نقض مفهوم العقل لدى الغزالي
- نقض الفلسفة الإلهية لدى الكندي
- نقض مفهوم الوجود لدى الشيرازي
- نقض مفهوم التداعي لدى هيوم
- نقض مفهوم الإغتراب لدى هيدجر
- نقض المنظومة الفلسفية لدى لايبنتز
- نقض مفهوم الماهية لدى ابن سينا
- نقض وعي الضرورة لدى ماركس
- نقض مفهوم الإغتراب لدى هيجل
- في محددات الكون الفيزيائي
- الإنسان جزء من الطبيعة


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض الإيمان الفلسفي لدى كارل ياسبرز