أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الشبيبي - أيها الإنسان














المزيد.....

أيها الإنسان


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


الموضوع للمربي الراحل علي محمد الشبيبي
ويك أيها الإنسان! أيها المخلوق العجيب، يا مجمع المتناقضات! فيك العاقل والمجنون، والأمي والمتعلم، والفاضل والذميم، والحقير والعظيم، والمجرم والبريء، واللص والأمين، والتقي والفاجر، وذو الشره والقنوع، والأحمق والورع، والكاذب والصادق، والمرح والكئيب، والعامل والاتكالي، والخامل والنبيه، والحليم والسفيه، والكريم والبخيل.
فيك من يجزع لضرب حمار، ولكنه يهرق دماء أبناء جنسه ويتصدق على المساكين، ويمتص دمَ العاملين!. يبجل العظام الأموات، ويهين النوابغ الأحياء. ويلعن الحروب وويلاتها، ويهيئ -من حيث يعلم أو لا يعلم- مقدماتها ومسبباتها. يؤمن باليوم الآخر، ولا يهاب الوعيد. ويذم الدنيا وهو ثمل بخمرتها.
فقراؤك يخنعون، وضعفاؤك يتملقون، وأوساطك يخادعون، وأثرياؤك يتغطرسون ويتلصصون. وأحرارك وأخيارك يموتون كفاحاً على حد السيف وأعواد المشانق، في سبيل خلاصك ونجاتك، يجتازون هذه الحياة مطاردين مرهقين محتقرين، فإذا ما فارقوها، اتخذت من تأريخهم طريقة للتدخل، ومن مراقدهم وسيلة للعيش!
اختص كل حيوان بصفة. أما أنت؟ فقد جمعت كل الصفات. مكر الثعالب إلى صراحة الأسد، شراسة النمر إلى وداعة الحمل. تيه الطاووس إلى تواضع الدجاج. شجاعة النسور إلى جبن الزرازير. وصبر الحمير إلى حقد البعير. ووفاء الكلب إلى غدر الذئاب. ووداعة الحمام إلى شراسة الصقر.
لم تدع شيئاً يؤكل إلا أكلته، النافع منه والضار، والحلال والحرام. ولا شراباً إلا شربته، منعشاً أو مخدراً، حلواً أو مراً، حاراً أو بارداً، سائغاً أو منغصاً، ما يجلب الشفاء وما يزيد في توغل الداء. ولا تفتأ تقضي على داء، حتى يتسلط عليك داء أقوى، وميكروب أخفى.
بينما نراك تغوص في بحار العلم، باحثاً عما يسعد الجميع، إذ نراك تخترع ما يهدد الحياة بالدمار والفناء. وفيما أنت تؤلف جمعيات الرفق بالحيوان، وسائر الجمعيات الخيرية، إذا بك تعقد المؤتمرات للتآمر على حريات الشعوب الضعيفة. وتحشد الجيوش، وتدفع الملايين إلى الحروب، والصراع من أجل السطوة والسلطان!
افتقدت الإناث القوة، فاتخذت الأغراء بدلا منه سلاحاً فتاكا، وشباكاً لا تخطئ الصيد. فكنّ به أشد قسوة ونكالا. وملك الرجال القوة فكانوا أكثر غروراً، وأعظم زهواً وخيلاءً.
ولعبت الغريزة الجنسية، دورها في تحدي كل فضيلة تتغنى بها، وكُلَ مُثل تتشدق بها. حتى أضطر المشرعون، إلى وضع الحدود القاسية، والحواجز العالية. فلم تفت الفروق الطبقية أن تتخذ من تلك الحدود ميزاتٍ لها، وعناوين تشمخ بها على الطبقات الدنيا خيلاء، وتتيه إعجابا وتترفع كبرياءً، وتستفيد بواسطتها ربحاً وتجارة ...
ولقد فتنت بحب الحرب والصراع. حتى لم تدع منها سبيلاً إلا سلكته، ولا أسلوبا إلا أتقنته، فحرب السيف والكلام، والمكر والخداع، والاستثمار والاستغلال.
وهكذا أجاب الملائكة الله حين قال: (.. إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[1]).
(قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[2]. وجعلت حتى الدين لخدمة أطماعك، وأهدافك، فقال عظيمٌ (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم. فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون[3])
وهكذا حولته من وسيلة للتآخي والتعاون، إلى وسيلة للتفرق والعداوات؟
فرسالة أي نبي فرّعتها إلى مذاهب متعددة، وأحزاب مختلفة. فكانت الطائفية آفة المثل العليا، وبلاء على الإنسانية النبيلة. حتى لو أن نحاتاً أراد أن ينحت لربك تمثالاً حسب تعدد أديانك ومذاهبك، لكان أبشع تمثال، لكثرة ما له من وجوه وعيون، وأكف وسيقان!
ويك أيها المخلوق العجيب. ما أقواك وأضعفك، ما أقساك وألينك؟ ما أشقاك وأسعدك؟ أني اُقدسك وأكفر بك.
أقدس منك عقلك ومواهبك، وطموحك وهمتك. وأكفر بك لقسوتك وشراستك، وتقلبك وتلونك.
وجدتك تعتبر كل جديد بدعة، فتبدي ضده مقاومة وعناداً، حتى إذا مضى عليه ردح من الزمن، وثبَتَ أمام النقد والحِجاج، سار على نهجه بعض، وغض النظر عنه آخرون.
وما أكثر ما ترتكب في السر فعالاً، تعلن استنكارها دجلاً ونفاقاً. وتهاجم أفكاراً ترتضيها في قرارة نفسك، وتؤمن بها في عقلك.
إنك تحاول فيما ابتكرته من مخترعات، ودبرت من اكتشافات، ووصلت إليه من علم وفن أن تصل إلى السعادة، وطول البقاء، فإذا بك بسبب ذلك تقترب نحو الفناء!
أيها المخلوق العجيب، حقاً ما قيل فيك: ( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ[4])
المربي الراحل
علي محمد الشبيبي
الناصرية في 20/04/1955

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الآية 30 من سورة البقرة.
2- الآية 32 من سورة البقرة.
3- من خطبة للأمام الحسين(ع)
4- الآية 17 من سورة عبَس.



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين القبور*
- مع النفس والقلب*
- ذِكرياتٌ مُهمَلة*
- الناس*
- ثورة وسكون*
- خطيئتي*!
- صور*
- مُصَلّي وسكارى*
- مأساة فلاح عراقي*
- غرام*
- عريف المخفر*
- قلم*
- هذا من فضل ربي!
- حسون أفندي*
- القضية الوطنية أولاً!؟
- سرقة أم خطأ بريء يا سعد الزبيدي!؟
- نداء من أجل إنقاذ الوطن!
- مقاطعة الانتخابات!؟
- الانتخابات وشروط مقاطعتها!
- وداعاً أبا ظافر (جبار خضير الحيدر)!


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الشبيبي - أيها الإنسان