أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جعفر جمعة زبون علي البهادلي - الخطاب الكوني العولمة (Globalization)















المزيد.....


الخطاب الكوني العولمة (Globalization)


جعفر جمعة زبون علي البهادلي

الحوار المتمدن-العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 18:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الخطاب الكوني العولمة (Globalization)
د. جعفر جمعة زبون علي البهادلي
- نشأة الخطاب الكوني (العولمة):
إنَّ مصطلح العولمة ظهر في نهايات القرن العشرين، وكانت الفكرة الأساس له هي زيادة التّرابطات الوثيقة بين الدّول أجمع، مثل ترابطات المبادلات في المجال الاقتصادي والخدمي والتّقني ومن سرعة تداول رؤوس الأموال وتوسع بث المعلومات وتسارع تدفقها.
ومن ناتج هذه التّرابطات موضوعا التّأثير والتّأثر بين القيم والتّقاليد والثّوابت الثّقافية بين الأمم، إذ اتخذت العولمة من المساعدات المهمة والطّرائق التّقنية لتداول المعلومة والثّقافة المنفتحة عن طريق وسائل الإعلام والشّبكة العنكبويتية وغيرها سبيلها الأمثل.. معتمدة بذلك على ما تم الإتفاق عليه في إتفاقية (الجات GATT)* ومن خلال هذه الإتفاقية تم إلغاء الحواجز المعرقلة بين الدّول وحتى الشّعوب والأمم والثّقافات وإلغاء الحكر الفكري على المنتجات، وهذا قد فتح الباب لسيطرة الدّول الغربية وأمريكا بالفكر والثّقافة والمنتجات على كل العالم، ونشر ثقافة الحقوق ومنها حقوق الإنسان وحقوق الدّيمقراطية والمواطنة وغيرها.
فالفكر العولمي بأبسط صوره الهيمنة الفكرية الكلّية على العالم، وهذه الهيمنة تتم من خلال هيمنة الدّول المركزية المتسيدة في النّظام العالمي الواحد، مما يزيد من غربة للأقليات والقوميات والعرقيات الأخرى وتضعيفها ، كذلك من خلال محو فكرة الدّولة الوطنية وصياغة ثقافة عالمية موحدة ذات توجه عام لتضمحل مقابلها الخصوصية الثّقافية للدّول، فالنّمط المتسيد الآن هو العولمة الأمريكية أيْ أمركة* (Americanization) العالم وسيادة الفكر الأمريكي على غيره من الأفكار.
بهذا المفهوم والخطاب الجديد للعولمة فإنَّنا نجد البعض متماهياً مع العولمة والآخر مناهضاً لها ونحن نوصي بأنْ يكون تعاملنا مع هذا الخطاب متوسطاً بين التّماهي–الإستجابة- والمناهضة، لأننا نحن المسلمين أو العرب بصورة خاصة لم تكنْ لنا ذات يوم أسلمة أو عوربة أبداً، ولم يكنْ لدينا منهجٌ نقديٌ ذو رؤية واضحة وآليات إجرائية معينة، ما خلا البلاغة وقد استلبت منا وعادت إلينا إسلوبية غربية، فنرجح أنْ تكون الإستجابة مع العولمة تماشياً والواقع العالمي، مع الحفاظ على المرجعيات الثّقافية والتّاريخية والوطنية.
وانطلاقاً من الفكرة القائلة بأنَّ فكرة العولمة هي الهيمنة على جميع الكرة الأرضية فكرياً وثقافياً فمن الممكن أنْ نُرجع نشأة فكرة العولمة إلى مراحل المبادلات الاقتصادية البسيطة بين البلدان أيْ ما يعرف بالمقايضة، أو إلى الاستكشافات التي بدأ الإنسان بها وإنْ كانت بسيطة، أو إلى مرحلة تكون الإمبراطوريات وما جرى من توسع عسكري لهذه الإمبراطوريات على المجتمعات المجاورة أو الإمبراطوريات الأخرى، وكل هذا الكلام يشير إلى الهيمنة والسّيطرة والإخضاع إلى سلطة المحتل وقيمه وثقافته وقد يكون إلى إعتقاداته أيضاً.
ومن هذه الإمبراطوريات الإمبراطورية الصّينية والامبراطوريات التي نشأت في العراق كالسّومرية والأشورية والكلدانية والبابلية وبلاد فارس وكذلك الفرعونية والرّومانية وغيرها... فالفكرة واحدة وإنْ إختلف التّطبيق ونتاج هذا التّطبيق وإنْ إختلفت الآليات السّاندة لها.
ترتبط العولمة بهواجس الإنسان وما يعتريه من نزعات فطرية وإكتسابية، ولاسيما تلك النّزعات المحكومة بحب الذّات والتّملك والسّيطرة على الآخر، ومن ثمَّ نزعة الهيمنة على العالم والتّدخل في أغلب الأمور إنْ لم تكنْ كلها والتّحكم بها، مثل التّدخل في حياة المجتمعات وطريقة القوانين السّائدة عندها، مما جعل اعتبار هذا الأمر يشكل اعتداءً على حرية الأفراد والجماعات وقد تنشأ الحروب والغزوات من خلال الفهم الخاطئ لهذه التّدخلات ولن تنأى أيُّ بقعة على وجه الأرض منها.
وحينما عرف الإنسان الزّراعة إهتدى إلى السّكن والوطن وبعد ذلك إلى الحضارة، وترك حياة التّرحال والبحث وحياة الكهوف والخوف، فهو بمعرفته للأعمال الزّراعية والنّشاط العملي الجماعي ذي الأهداف التي توصله إلى معرفة غاية جوهره الإنساني، استطاع أنْ يكون كائناً عاملاً منتجاً وهذا النّتاج الصّادر عن الإجراء الواعي الهادف لغرض معين هو ما يمكن أنْ نسميه مصدر الثّقافات بكل صورها.
لقد تعامل الإنسان القديم مع الطّبيعة وتفاعل معها وأراد أنْ يحكم السّيطرة عليها قدر المستطاع، وأنْ يخضعها له للتّحكم بها وأنْ يستثمر قواها ليجعلها أداة في عمله الجماعي البشري وليأمن شرورها.
والإنسان حيوان بالأصل وبالطّبع، لكنه أراد أنْ يكيف الطّبيعة والبيئة بالممكن، وأنْ لا يتكيف معها كما تفعل باقي الحيوانات؛ لأنَّ الإنسان يمتلك عقلاً هداه إلى أنْ يصنع طبيعة مصغرة خاصة به من خلال عمله الفردي والجماعي، وهو بهذا قد كوّن طبيعة هيأت له الخصائص والقدرات التي نمت بها طاقاته وفجرت لديه بعض الإمكانات.
كما أنَّ الإنسان لم يكنْ يكيف الطّبيعة فحسب بل نجد أنَّه أراد أنْ يهيمن على الآخرين أيضاً، من خلال الأعمال التي يقوم بها أو من خلال ما يقوم به من أعمال بسيطة، فالعمل الإنساني قد غير مجرى حياة الإنسان وأفكاره وأهدافه وغاياته، وهذا الإجراء بنوعيه الفردي والجماعي، وأفضلهما الجماعي؛ لأنه يخلق ترابطات اجتماعية يكون فيها النّاس كمجاميع وهم يعملون لينتجوا من خلال عملهم الجماعي ترابطات اجتماعية بسيطة مصغرة.
وعندما بدأ الإنسان بعملية المقايضة مع الآخرين ومع القبائل الأخرى أو مع المجتمعات الأخرى تكونت لديه أنظمة إقتصادية بسيطة ومصغرة بالوقت ذاته، ولكن هذه الأفكار هي أفكار رائعة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الفكر والعقل وبعد مراحل مهمة من الإستكشاف الإنساني لما حوله.
بعد ذلك استطاع الإنسان أنْ يهتدي إلى بعض الحيوانات أو يصنع الأشياء التي تخدمه في مراحل السّفر والتّرحال في البر والبحر، وهنا بدأت مرحلة مهمة في حياة الإنسان وهي الإستكشاف الأوسع، وهذه المرحلة إستطاع بها أنْ يكتشف أراض جديدة وقبائل أخرى ولغات أخرى وعادات وطبائع أخرى، فبدأ التّأثير والتّأثر في كل شيء، لكن هذه الإكتشافات وإنْ كانت بادئ الأمر موسعة ببساطة، إلا أنَّها فتحت الطّريق أمام منهج الإنسان للسّيطرة والإستحواذ فبدأت مرحلة جديدة ألا وهي الحروب والغزو وبالنّهاية القتل، ويمكن أنْ نصف هذه المرحلة ببدايات الاستعمار أو الهيمنة والسّيطرة.
والهيمنة على الآخر ذات نتائج مهمة وغنائمها المادية والفكرية تجعل المسيطر أكثر قوة، فالهيمنة ستولد جيلاً من العبيد الذّين يعملون بالنّيابة ونساء جاريات تؤدي التّربية واللّهو وإدارة البيت... إلخ، وتولد جيلاً أكثر ألفة مع تقادم الزّمن وذي منهج متوحد بسبب إنصهار الأفكار وتلاقحها في بوتقة المنتصر المسيطر والمهيمن، سواء رضي بهذا المُسيطَر عليه أم لم يرضَ.
ويمكن القول بأنَّ الثّقافة الموجهة في الوقت الحاضر هي العولمة المعلوماتية؛ لأنَّ المعلومة أصبحت أكثر قيمة من الذّهب في يومنا هذا، فالعولمة المعلوماتية هي التي توجه المعلومة للنّاس كافة، وعلى الجميع تصديقها سواء أكانت هذه المعلومة كاذبة أم صادقة، عبر الفبركة أو ما نستطيع أنْ نسميه كما في مفاهيم العولمة بالصّورة الزّائفة، أو من خلال إكتساب المعلومة من النّاس، وهنا تأتي الهيمنة والسّيطرة على العالم، وهذا ما تسعى إليه الدّول وأصحاب الحضارات التي ترى أنَّها يجب أنْ تهيمن على العالم أجمع لما تملكه من مرجعيات فكرية وثقافية وحضارية وتقنية تكنولوجية. فمفهوم الهيمنة الفكرية والثّقافية هي ما تسعى العولمة بصورة خاصة وعامة أنْ تجعله سائداً على الجميع لتستطيع الهيمنة به.
وهذا التّطبيع يهدف إلى إستبدال مجالات الثّقافة والفكر الأمريكي والأوربي بدلاً عن الثّقافات العالمية المتنوعة وعوضاً عنها وذلك من خلال محاور أساسية: وهي الدّيمقراطية وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وغيرها من الحقوق والأحلام التي هي بالأصل حق مشروع لكل إنسان، وقد تجابه بالرّفض والمقت عن طريق المناهضة والسّرد المضاد.
ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرين وقد أصبحت العولمة حرباً خفية مستترة، جنودها التّقنيات، وسلاحها التّكنولوجيا، وأهدافها المعلومة، ونتاجها الإستهلاك، وغنائمها السّيطرة على العقول والأموال، وكلنا قد خضع لهذا الأمر سواء بإرادته المحضة أم لا، فاليوم جميعنا نمتلك جهازاً ذكياً أو جهازاً لوحياً أو جهازَ حاسوب، ونمتلك الإنترنيت والصّحن الفضائي، وكلّنا نتعامل مع التّطبيقات والبرامج الإلكترونية وحتى الألعاب، ونستخدم مواقع التّواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية، كل هذا وذاك يسمح للمسيطر الوحيد على الشّبكة الإلكترونية العالمية (World Wide Web) وهي بالطّبع الدّول الغربية أو بالتّحديد أمريكا، من التّتبع والسّيطرة على المعلومة الشّخصية الدّقيقة، حتى أنَّها باتت تعرف بصمات الأصابع العشر وقرنيتا العينين، وتعرف كل ما يتعلق بالحسابات الإلكترونية من خلال ما يهبوه للمستخدم من مساحة إفتراضية مجانية تقدر بـ(1 تيرا بايت)، إذ يضع المستخدم فيها كل الأسماء لجهات إتصاله وصورهم الشّخصية، وملفاته المهمة وحتى كلمات المرور (الباسوردات) للحسابات وغيرها، ويضع أيضاً كل رسائله الإلكترونية وأبحاثه وكل ما يرتبط ببريده الإلكتروني من تطبيقات وألعاب وخرائط لأماكن قد زارها، وصوره الشّخصية الخاصة والعامة، كل هذا بمحض إرادته، فأصبح لا يستطيع التّخلي عن كل الإفتراضات الإلكترونية أو الواقع الإفتراضي.
أصبح الإنسان في الدّول النّامية حصراً، لا يفكر في صنع شيء معين ولو أبسط الأشياء وهو (إبرة الخياطة) أو (مفك البراغي)، أو أيَّ شيء آخراً لأنَّه سيجد كلّ شيء جاهزاً وبأسعارٍ زهيدة، فعندما يحتاج إلى شيء ما مثلاً شاشة إلكترونية (بلازما) يذهب ويشتريها بكل بساطة وبسعر مناسب جداً، ولو أرادَ جهاز إستقبال فضائي (ستلايت) يذهب ويشتريه ببساطة كذلك، وفي كلا الجهازين يوجد موجه عن بعد (ريمونت كونترول) كي لا يتحرك من مكانه ويكون أكثر خمولاً، ويستقبل مجالات واسعة من الثّقافة الموجهة له من خلال الفضائيات والإعلام المفبرك والأفلام بأنواعها ونشرات الأخبار الكاذبة، ولا يفكر في صنع أيِّ شيء إلا شيئاً واحداً فقط وهو الإستهلاك والتّبعية العمياء للدّول الغربية، وهذا ما تبتغيه العولمة.
فاليوم نحن نعيش العولمة ولكن ليست العولمة الكاملة وإنَّما هي صراعات النّضوج العولمية المضطربة التي لا تستطيع أنْ تسيطر على نفسها بعد، فما يجري في العالم الآن بصورة أعم إنَّما هو إضطراب غير مسيطر عليه من جميع النّواحي السّياسية والاقتصادية والثّقافية والدّينية.
فأمريكا تريد أنْ يكون العالم في إنشغال دائم بمسائل وهمية أو واقعية مصطنعة هي الواضع لها وعندها الحل المسبق لذلك، كي تبقى هي المسيطر الوحيد والأوحد، وتنفذ كل شيء في أيِّ مكان وبأيِّ زمان تشاء وبأيِّ طريقة تريد.
حتى أنَّ باستطاعتها التّجسس على جميع أجهزة النّقال (Mobiles) في أيِّ مكان بالعالم، فما عاد للخصوصية من خصوصية، وقد تجرأت أمريكا وبكل إستهزاء، وأخبرت العالم بأنَّها تتنصت على جميع المكالمات ولاسيما المكالمات المتعلقة بالقيادات العسكرية والرّؤساء والوزراء في أوربا وآسيا وأفريقيا واستراليا وأمريكا الشّمالية واللّاتينية، وهي بهذا الإجراء تريد أنْ تقول للعالم أجمع بأنَّي أنَا المسيطر، وقد تجسستُ على مكالماتكم فما هو ردكم؟ كل ذلك قدمته للعالم على شكل لعبة مفبركة، من خلال أحد موظفي السّي آي أيه (CIA) وهو (إدوارد سنودن)، ونشر (سنودن) هذه المعلومات في موقع إلكتروني يطلق عليه (ويكيليكس)، فهل من المعقول أنَّ أمريكا تبعث أقماراً ومركبات فضائية إلى الفضاء، وتصنع الأجهزة و(السّريفرات) الخاصة بالشّبكة العنكبويتية وتسوقها وتهيمن عليها كلياً، وتتجسس على كل العالم، ولا تستطيع أنْ تغلق موقعاً إلكترونياً بسيطاً ينشر أسرارها، وهي المسيطر على جميع الأمور التّقنية والتّكنولوجية المخصصة بالمواقع و(سيرفراتها). ولو حتى من خلال (هكر) خبير حاسبات وبرمجة يعمل لصالحها.
لعلنا نعيش صراعات نضوج العولمة لما هو ناتج عن فهم العولمة نفسها فهي تسعى ظاهراً إلى أنْ يكون المجتمع كله واحداً، قرية واحدة، فكراً واحداً، إقتصاداً واحداً، لا يوجد فيه فقير أو غني، ولا يوجد فيه كافر أو متدين، ولا يوجد فيه جاهل أو عالم، وإنَّما على الجميع أنْ يستخدموا مجالات الثّقافة المقننة والموجهة التي يضعها من هو أكثر استحواذاً على العالم وأكثر هيمنة، وهذا لا يمكن حدوثه فليس بالإمكان أنْ يتوحد العالم كله على ثقافة واحدة أو لغة واحدة، بسبب بسيط هو أنَّ من يمتلك حضارة عريقة أو ذات بعد تاريخي قريب نسبياً، لا يستطيع أنْ ينسف كل القيم الحضارية والثّقافية ويترك الأمر للعولمة ومن ورائها في تثقيف أبناء حضارته وفي بلده، كما لا يمكن أنْ يتحدث كل العالم بلغة واحدة فقط كاللّغة الإنكليزية مثلاً باعتبارها لغة العولمة، أو بلغة موحدة يعرفها الجميع، فالدّراسات تشير إلى بقاء عدة لغات في عام 2050م من ضمنها الإنجليزية والصّينية والعربية والبرتغالية والفرنسية والإسبانية والألمانية بسبب أعداد المتكلمين بهذه اللّغات*.
فأمريكا تريد أنْ تخلق أنماطاً ثقافية تهدف إلى وضع ثقافي واحد يحكم السّيطرة على دول العالم الآخرى، كي تستطيع أنْ تخلق مجتمعاً عالمياً له تقاليد وسلوك وذوق واحد في جميع دول العالم. فهي بذلك تريد أنْ تمحو الخصوصية المحلية والإقليمية لمجتمعات دول العالم ولاسيما دول العالم الثّالث والعراق من ضمن هذه الدّول، فأمريكا تريد أنْ يكون الجميع تحت سيطرتها السّياسية والعسكرية والاقتصادية والثّقافية والعلمية والتّكنولوجية.
لكن بعد أنْ أصبحت العولمة ذات فكر حقيقي له تفرعاته الخطرة توسع الإحساس بها وتوسع خطرها على الكرة الأرضية، وحتى على مستقبل البشرية، لما بدأ يُفرض من العولمة تباعاً من تغيرات جوهرية في طبيعة العلاقة الرّابطة بين الإنسان وتاريخه الحضاري وواقعه الحياتي بما في ذلك أسلوب التّعايش والقيم والسّلوك والتّرابطات مع الآخرين.
نسبياً وفي التّرتيب الزّمني للإشارات التي حصلنا عليها وفي مقولة ليست بالدّقيقة إنَّ أول من أشار إلى مصطلح العولمة معرفياً هو عالم السّوسيولوجيا الكندي (هربيت مارشال ماك لوهان) (Herbert Marshall McLuhan) أستاذ الإعلاميات في جامعة تورنتو استناداً الى ما أشار إليه سيار الجميل: " لم يظهرْ أحد من الفلاسفة والمفكرين على تفرع القرون المتأخرة من دعا إلى العولمة أبداً بالشّكل الذي تبرز فيه اليوم وإن أول إشارة واضحة لمفهوم (العولمة الكونية) نجدها عند مارشال ماك لوهان الذي كتب كتاباً عند نهاية عقد السّتينات أسماه (القرية الكونية) تنبأ فيه بثورة المعلومات، وأعطى فيه إشارة متنوعة لما يمكن أنْ يؤديه من وظائف للإنسان الذي سينتصر على بعض قوى الطّبيعة ويسخرها لبناء قريته الكونية، فضلاً عن صياغة للكونية من خلال نجاحه المثير في وسائل الإعلام التي تطورت كثيراً، ولم يكن لها أي وجود كما هي عليه اليوم قبل ثلاثين سنة" .
ونحن لا نرجح ما ذكره الجميل عن أولية من أشار إلى مصطلح العولمة إذ نجد "أنَّ مرحلة الأربعينات شهدت البدايات الأولى لاستخدام هذا المصطلح، إذ وردت كلمة عالم واحد في الكلمة التّمهيدية المكرسة لمؤلف كتاب (عالم واحد Global one) (وندل ويلكي)(Wendell Wilky) الذي صدر في الأربعينات" ، ونرجح الكفة في أولية الاستخدام أو الإشارة إلى المصطلح للعالم (وندل ويلكي)، فصدور كتابه كان في الأربعينات من القرن العشرين أما (مارشال ماك لوهان) فقد صدر كتابه في السّتينات بعد ذلك بدأ استخدام المصطلح يتسع نسبياً خلال مرحلة السّبعينات وما بعدها.
وسواء انتبه العالم لأفكار (ويكلي أو لوهان) أم لم ينتبه فإنَّ الأمريكيين هم أول من التّقط الفكرة ليس لترويجها ثقافياً فحسب، بل ليحاولوا إخضاعها لمصالح سياسية وإقتصادية وإعلامية وثقافية وغيرها.
كل ذلك تغير خلال التّسعينيات "إذ بدأ مفهوم العولمة يزداد تداولاً وانتشاراً في الشّرق والغرب، وفي الدّول النّامية والمتقدمة، وفي المراكز والهوامش ولدى الجمهور العام والخاص، وتغلغل إلى كل التّخصصات بما في ذلك العامل الاقتصادي ومجالات السّياسة ومجالات الثّقافة والاجتماع" .
كان المخاضُ صعباً لولادةِ العولمة الأولى؛ لأنَّها لم تكنْ قادرةً على تحقيق الأهداف التي وضِعت لها بسبب قصور الأدوات المستخدمة والرّفض القاطع من المتلقين، وهذا وارد؛ لأنَّ كلَّ منهج أو نظام أو تيار أو حركة جديدة تجابه بالرّفض من المناهضين وتتلاقف بالأحضان من المناصرين.
شاع استخدام مصطلح (العولمة) في مجال العلوم الاقتصادية والسّياسية والإعلامية بشكل ملحوظ مطلع التّسعينات في الإشارات السّياقية لواقع جديد بدأ بفرض وجوده كقوة فكرية على العالم وذلك تقريباً بعد ما انهار جدار برلين في عام(1989م)، وما تم الإعلان عنه بالإنتصار للرّأسمالية اللّيبرالية كنظام مهم في الاقتصاد والاجتماع والسّياسية على الشّيوعية الماركسية، وإنَّ هذا النّظام –العولمة- قادر على الجدة والثّبات في حل الأزمات والمشكلات الاقتصادية العالمية على العكس مما كان متوقعاً سابقاً من أنَّ هذا النّظام سوف ينهار وينتهي، مما جعله النّظام الوحيد ذا المؤهلات العالية كي يعمم على المجتمعات كافة ليوحدها على الرّغم من وجود الإختلاف الثّقافي والحضاري بين الشّعوب.
وفي أواخر الثّامنينات ومطلع التّسعينينات استطاعت العولمة أنْ تظهر بأدوات كاملة ومفاهيم مقبولة ودعم تقني تكنولوجي لتشير إلى بدء مرحلةٍ جديدة في حياة البشر حتى عدَّ (فوكوياما) في اطروحته أنَّ تطور البشر وصل إلى نهايته، وهو الآن وحسب أعتقاده استقر على الدّيمقراطية اللّيبرالية الرّأسمالية، باعتبارها الشّكل النّهائي للحكومة الإنسانية ، وبالطّبع فإنَّ السّيطرة على المجالات التي تقرر المحافظة على الحقوق والحريات وعدم العنصرية وإشاعة السّلام والضّمان الأمني والفكري والدّيني وغيرها يجعل من العولمة المتسيد والمتربع على عرش الأنظمة أجمع.
لكن بما أثارته العولمة من إهتمامات في مجالات مختلفة وأوساط فكرية متعددة على الصّعيد الأقليمي والعالمي، سرعان ما أصبحت المواقف منها متباينة بين الشّعوب بين مناصر ومناهض ومندفع ومتردد، بسبب الطّرح الجديد للمفهوم ومن المفيد منه من الدّول القوية العظمى، وكان للتّأثيرات الدّولية الرّافضة للعولمة ذلك الوقت أثر كبير في التّشاؤم والرّفض له لعدم استيعاب ما يجري من أحداث في العالم عن طريق تغير الصّيغ والعوامل بين التّرابطات الدّولية ككل تحت مظلة العولمة وكان الخوف بادياً على المستقبل أيضاً.
يجب أنْ نشير إلى الحداثة النّسبية والتّقريبية لتداول مصطلح العولمة وشيوعه هذا المصطلح الذي نعده سائلاً لا يمكن حده، وهو ممتد في تصورنا إلى مراحل تاريخية سابقة كما أثبتت بأنَّ "العولمة هي جزء من إجراءات تاريخية، أرجعها بعضهم إلى خمسة قرون" ، وقد تعود إلى المرحلة الأولى من بدء الصّناعات الأوربية في عصر النّهضة . مع هذا التّفاوت في تحديد الإنطلاقة الأولى أو التّاريخية للعولمة فإن أغلب البحوث تتفق على البعد التّاريخي الموغل لها.



#جعفر_جمعة_زبون_علي_البهادلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرّواية بين التّحولات الفكرية والعولمية


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جعفر جمعة زبون علي البهادلي - الخطاب الكوني العولمة (Globalization)