|
سيرة حياة أليمة فان غوغ
محمد عبيدو
الحوار المتمدن-العدد: 1552 - 2006 / 5 / 16 - 17:47
المحور:
الادب والفن
إذا نظرنا إلى حياة فان غوغ من أي ناحية، سواء على أنها درامة تراجيدية أو وراثه نفسية، نرى حياته تتملك جاذبية الصاروخ الذي ينقض في سماء خريفية، غير أنه من هذه الحياة المنحوسة انبثق فيضان من لوحاته المشرقة الباسمة أضفى على حياتنا خطاًَ أوفر من السعادة. ولخص روجر فراي شخصية فان غوغ بقوله: «لقد كان شاباً متواضعاً منزوياً، ولكنه كان أيضاً قديساً.. كان ضحية لمعتقداته الثابتة الرهيبة التي قد تجنح بصاحبها إلى التمسك بالقيم الروحية، حيث تتلاشى جميع المبادئ الأخرى بجانبها. وقد تسبب إصراره على هذا المبدأ في تركه لمحل جوبل، والتماسه الإنجيل في دير بروتستانتي ثم انصرافه عنه، لأنه كان يبشر حرفياً بالكتاب المقدس، إلى التشرد والفن. وتلا ذلك ضغط عقيدته، وانفعال شخصية اللذين بعثاه إلى بيت المجانين، وأخيراً إلى الانتحار. ولكن هذا لحسن الحظ لم يكن قبل أن يعلم نفسه، في أيمان وإصرار، كيف يجد تعبيراً في الرسم عن الجوع الروحي الذي كان يعرفه، وكيف يترك مجموعة من الأعمال الفنية، كان من الممكن إنتاجها عبر عمر طويل، ولكنه أنتجها في خلال عشر سنوات قصار، مبيناً أولى محاولاته في تعليم نفسه كيف يرسم، ولكن في تعليق آخر لشخص عاطفي، هو تعليق أخيه ثيو، الذي عانى المشاق، وكان يفهم فان غوغ فهماً كاملاً، ويشاركه في بطولة قصة حياته... في هذا التعليق يقول ثيو: إن فان غوغ يبدو كأنه شخصان في آن واحد. أحدهما موهوب حنون ومهذب. والآخر أناني غليظ القلب، وكلاهما يؤدي دوره، حتى إنا لنستمع إليه وهو يتكلم بالروح الأولى، ثم بالثانية، ومناقشاته دائماً في الجانبين. ومن المؤسف أنه كان عدواً لنفسه، لأنه جعل الحياة صعبة ليس للغير فقط، ولكن لنفسه أيضاً. ثم لقد كان في طريقة كلامه ما يجعل الناس إما يكثرون من حبه أو يكرهونه بشدة. كان دائماً محوطاً بالناس الذين كانوا يفهمونه، ولكنه كان محوطاً كذلك بأعداء كثيرين. فكان لزاماً عليه إما أن يكون صديقاً وإما أن يكون عدواً. وحتى أقرب أصدقائه إليه، كان من الصعب أن يظلوا متفاهمين معه مدة طويلة، إذ كان لا يتجاوب مع أحد في شعوره. لقد كان فنسنت مثالياً لا يجارى. كان يخطئ بين الأفكار والحقيقة. كان مغمض العينين عن الحياة نفسها كما هي. كانت حوافزه الفياضة تدفق إلى الانطلاق، والأعمال الغريبة في حياته نتيجة لمحاولاته في تحويل هذا الانطلاق إلى تجربة واقعية. كتب روجر فراي عن إحساس فنسنت بالإنسانية، يقول: في كل صراع مضطرب في حياته الداخلية، كان الدافع الأعظم الذي يطغى هو حبه للكون. كان وفقاً للمبادئ المسيحية التي تدعو إلى محبة الجميع، يطلق هذه المحبة لكل الناس وكل الأشياء بلا تخصيص. ومن هنا كانت مأساة حياته، حتى لقد كان يجد في رسمه فقط، وسيلة للتعبير عن هذا الحب. وعندما كان يقترب من الناس كان إحساسه المتزايد هذا يشوه التعبير عن ذلك الحب، وبدلاً من جذب الناس إليه، كان يثيرهم عليه، وينفرهم منه. كان من الطبيعي أن يحس غوغ برغبة شديدة في التبشير. ولقد بشر بالفعل في العمل، في الدين، في الإصلاح الاجتماعي، وفي فنه. وفي غمار عاطفته التي زحفت به تهيأ له ميل إلى المبالغة في حياته وفي فنه. وقد غاظ ذلك أستاذه (موف) والفنانين الأكاديميين، ولكنه ساعد فنسنت على جعل فنه معبراً وعظيماً. ولقد أفضت به هذه المبالغة إلى مواقف ملتبسة.. في 30 آذار/ مارس سنة 1853، ولد فنسنت فان غوغ. ولم تكن أسرته تعاني من متاعب الحياة، بل على العكس، كانت أسرة تعيش حياة ناعمة هينة في القرية الهولندية الصغيرة جردت زوندرت كان فنسنت وهو صبي يميل على العزلة وعدم الاختلاط. كان يحب الطبيعة، ويحب دائماً أن يطوف بالحقول وحيداً. في السادسة عشرة من عمره قطع آخر مراحل تعليمة، ولكنه عوض ما ينقصه بقراءاته. كان يكتب ويتكلم الهولندية والفرنسية بطلاقه، وكان ممكناً أن يلقى عظاته بالإنكليزية. وفي هذه الأثناء وجد له عملاً كبائع في محل لتجارة الرسوم واللوحات في (لاهاي)، وظل كذلك مثال المستخدم الأمين المواظب على عمله مدة أربع سنوات، فأجاد الاتجار باللوحات، وأغرى شقيقه ثيو على أن ينهج أعماله ويتعاطى تجارة اللوحات، فعمل بنصحه وغدا بدوره بائعاً ماهراً لدى صالة (غوبل) في بروكسل. بدأت نقطة التحول في حياة (فنسنت) عندما قام برحلته إلى لندن كممثل للمحل التجاري الذي يعمل لديه، وهناك تعرّف على فتاة في ريعان الصبا، لكنها مخطوبة. شغف بها شغفاً شديداً، وأحبها من صميم قلبه.. ولكن (أزول)- وهو اسم الفتاة- قابلته بالصد والجفاء، فتملكه شعور باليأس قاتل، ساقه إلى نوع من الصوفية والعزلة، الأمر الذي قضى على كل أمل بالنجاح تعلقه عليه. لما لاحظ أهله ما حل به من سويداء، أرسلوه إلى باريس للترويح عن النفس، وللعمل في آن واحد في صالة عرض تاجر اللوحات (غوبل) المعروف آنذاك في باريس، يبد أن عمله التجاري في العاصمة الفرنسية لم يرق له، فعاد إلى هولندا، موطنه الأصلي، وظل طيف معبودته (آزول) يراوده في يقظته ومنامه، فعاد ثانية إلى إنكلترا، وهناك قبل بوظيفة صغيرة كمدرس وواعظ في مدرسة دينية. وخلال الأشهر القليلة التي قضاها بهذه المدرسة غاص في أعماق البؤس الإنساني، فالتلامذة الذين كان يدرسهم ويعظهم بلغة غير لغته الأصلية، ولا يجيدها كما ينبغي، كانوا من أبناء الطبقة العاملة الكادحة، تلك الطبقة التي كانت تعاني في مستهل عصر الثورة الصناعية آلام الفاقة والحرمان، وتعيش في ظل شروط معاشية قاسية رهيبة. ودفعه شعوره الديني الإنساني إلى مد يد العون إلى أولئك الأطفال التعساء، وبدأ يشعر بالكراهية والنفور من السادة الأثرياء الذين يتنافسون على اقتناء اللوحات الفنية ذات الألوان الخلابة، بأثمان خيالية باهظة، سواء أكان ذلك في (لاهاي) أم في (لندن) أم في (باريس). تخلى عن تلك المدرسة الصغيرة الحقيرة لينضم إلى جماعة دينية كمساعد واعظ، وحاول جهده أن يدخل الإيمان إلى قلوب أناس بطونهم خاوية، وهم يتضورون جوعاً، ففشل فشلاً ذريعاً، وعندئذ وزع عليهم كل ما يملك من مال قليل ثم غادرهم إلى مسقط رأسه لما عضه الجوع، هو بالذات، بأنيابه الحادة!. في أمستردام -18 آب 1877 كتب فان غوغ: «كنت قد نهضت مبكراً وشاهدت العمال يصلون إلى الورشة كباراً وصغاراً برفقه شمس رائعة. كان قد أعجبك بلا شك ذلك النهر الأسود. في البدء عند الزقاق الضيق مع قليل من الشمس، ثم في الورشة. بعد ذلك تناولت طعام الإفطار المكون من قطعة خبز وكأس من البيرة. لقد أوصى ديكنز بذلك للذين هم على وشك الانتحار، كوسيلة مناسبة لإقصائهم فترة عن مشروعهم. وحتى لو لم يكن المرء في مثل تلك الحالة النفسية فمن الجيد أن يجربه بين الحين والآخر مفكراً بلوحة (حجاج أيماوس)». في هذه الرسالة يذكر فنسنت الانتحار للمرة الأولى. ستراوده الفكرة مراراً حتى تتغلب عليه. في تموز 1878 يقضي بضعة أيام مع أهله ثم ينتقل إلى بروكسل برفقة والده والقس جونز الذي كان في زيارة لآل فان غوغ. واستجابة لرغبة فان غوغ الملحاحة استطاعا تسجيله في مدرسة التبشير الفلامانكية. بعد مضي ثلاثة أشهر على دراسته طلب إرساله إلى منطقة المناجم في بوريناج، لكن طلبه قوبل بالرفض ولم يمنح لقب المبشر. فيتها لك فان غوغ من القنوط. وبعده مساعي والده والقس جونز الذي عمل معه في إنكلترا استطاع الحصول على موافقة للسفر كمبشر حر- على حسابه ومتحملاً وحده المسؤولية – ليعمل بين عمال المناجم في بوريناج. في شتاء 1878 وصل فنسنت إلى هذا الجحيم الآخر، والتهبت مشاعره الدينية بين هؤلاء الناس البدائيين الذين كانوا يعيشون في ظروف غير إنسانية. وغرق كلية في مثل هذا التقشف. فلم يهجر مسكنه المريح نسبياً ليقطن في كوخ ينام متكوراً فيه إلى جانب الموقد فقط، بل خلع ملابسه العادية وتدثر بسترة قديمة وقبعة مهترئة. شعر فان غوغ بحاجة عارمة لتقليد المسيحيين الأوائل فضحى بكل ما هو غير ضروري للاستمرار في الحياة، حتى أنه كف عن الاغتسال وصار يلوث وجهه بالفحم ليزداد شبهاً بالعمال الذين استقبلوه استقبالاً حسناً. ومن ناحية أخرى، كان يرسم – ولما يتمكن بعد – العمال وزوجاتهم البائسات وهن يجمعن بقايا الفحم من الحثالة، مؤكداً في رسومه تضامنه مع كل ما هو بائس. ويكتب في رسالة لأخيه ثيو في نيسان 1879: ... «منذ فترة قصيرة قمت برحلة شيقة. قضيت ست ساعات في منجم هو أكثر مناجم المنطقة قدماً وخطورة ويسمونه ماركاس. لهذا المنجم سمعة سيئة بسبب كثرة كوارثه وقت الهبوط إليه أو الصعود منه وبسبب الهواء الخانق وانفجارات الغار، أو المياه الجوفية وانهيار الأنفاق القديمة، أنه يقع في مكان كئيب وكل ما يجاوره يبدو للنظرة الأولى شاحباً وجنائزياً. عمال هذا المنجم هم –بشكل عام- أناس مسحوقون وشاحبون بفعل الحمى، الإرهاق يعلو مظهرهم المهترئ وقد شاخوا وعجزوا قبل الأوان. أما النساء فلا لون لهن. حول المنجم تقع مساكن العمال البائسة. بينها بضعة أشجار ميتة وسوداء، صفوف من الأحراش، ركام من الزبالة والرماد، جبال من الفحم غير النافع، الخ... ما تيس كان يستطيع رسم لوحة رائعة». وطردت السلطات الدينية فان غوغ قبل أن يمر عام واحد على عمله مبشراً في المناجم، فلم ينل رضاها فيض هذه الحرارة العاطفية بداخله. وتلا ذلك فترة تعسة لم يكن فيها فان غوغ أكثر من متشرد (شتاء 1879-1880) كان إذ ذاك في السابعة والعشرين ووقع في هذه الفترة حادثان هامان، أولهما أنه بدأت تزول من خطاباته حرارته الدينية الدافقة، وما يحيط بها من تأملات وأفكار. وثانيهما أنه بدأ يرسم.. استبدل بفان غوغ المبشر، فان غوغ الفنان. وبعدما شعر أن الألوان تستيقظ في روحه دون غيرها، وراح يرسم، ويقايض لوحاته من أجل أن يأكل ويدفع أجرة البيت الذي سكنه، وكان له أن تعرف إلى امرأة حامل من رجل هجرها. «امرأة حامل.. كان لابد من أن تجوب الشوارع لتكسب عيشها بالطريقة التي تعرفونها. ولقد أخذت هذه المرأة كنموذج لي، وعملت معها طوال الشتاء، كنت لا أستطيع أن أدفع لها الأجر الكامل لـ«موديل» ولكن هذا لم يمنعني من أن أدفع أجر غرفتها. والحمد الله، لقد استطعت حتى الآن أن أحافظ عليها وعلى ابنها من البرد، وأشاركها في عيشي». كان اسم المرأة كريستين، ولكن فنسنت كان يسميها سين. وانغمس فان غوغ في الرسم، فأنجز عدة لوحات لم تلاق رواجاً بسبب اهتمامها بالكائنات الموحشة، والشخوص الفقيرة من جهة وبسبب اعتمادها على الألوان القاتمة من جهة ثانية، ولعل أهم لوحاته في تلك الفترة لوحته (آكلو البطاطا) التي أشارت بوضوح إلى فذاذته الفنية ونبوغ موهبته في الرسم، والتحكم بالألوان والضوء، والسيطرة على الكتل ووضعها في مكانها المناسب، وتوليد الإحساس من مجاورة الألوان وتنافرها. في تموز 1880 يكتب لأخيه ثيو: «... إنني رجل انفعالي، قادر على القيام بأفعال غير متعلقة ودون أن أندم تماماً عليها. ويحدث أحياناً أن أتكلم أو أعمل بتسرع بالغ ما يحس فعله بأناة أكبر. وأعتقد أن الآخرين يقدمون أحياناً على أخطاء مماثلة. ما العمل؟ هل أعتبر نفسي رجلاً خطيراً وغير قادر على الإتيان بشيء؟ لا أظن ذلك. القضية تكمن في أن نخرج، بكل الوسائل، بشيء ما مفيد من هذه الانفعالات. منها – على سبيل المثال – شغفي الجارف بالكتب رغم أنني بحاجة إلى الخبز. ولم يهدني الحنين، فقلت لنفسي: «الوطن في كل مكان». وبدلاً من أن أدع اليأس يجرفني اتخذت طريق الكآبة النشطة ما دامت قادرة على النشاط. أو بكلمة أخرى، فضلت الكآبة التي تنتظر، وتسمو، وتبحث، على المهزومة، المشلولة، اليائسة. لقد درست إلى حد ما وبجد الكتب التي تحت يدي كالإنجيل والثورة الفرنسية لميشيلية، وفي الشتاء الماضي شكسبير وقليلاً من فكتور هوغو، ديكنز، بيتشر ستو، ومؤخراًَ اسخيل وآخرين أقل كلاسيكية». «... هل يوجد تضاد بين كسولين؟ هناك كسل من الخمول وانتفاء الخلق، من وضاعة طبيعة الشخصية. بإمكانك، إذا شئت، أن تعتبرني واحداً من هذا النوع. ثم هناك كسول آخر، كسول على الرغم منه. تعتلج داخله رغبة العمل ولا يفعل شيئاً لأن ذلك مستحيل بالنسبة له، إنه سجين شيء ما، وينقصه ما يحتاج إليه ليصير منتجاً، ذلك أن قدرية الظروف تلقيه إلى هذا الدرك. كسول كهذا لا يعلم هو نفسه ما الذي يمكن أن يفعله، لكنه يحس به. إنني أنفع لشيء ما، وهذا ما يسوغ لي حياتي. أعرف أن بإمكاني أن أصبح رجلاً مختلفاً تماماً. ترى، لأي شي أنفع؟ أين أخدم؟ هل ثمة شيء في داخلي؟ ما هو؟. هذا كسول مختلف. بإمكانك، إذا شئت، أن تعتبرني واحداً من هذا النوع». ويرى فان غوغ أن باريس هي الفضاء الإبداعي الأمثل بالنسبة له جذبته باريس إليها، فكانت مرحلة أخرى من مراحل التيه بالنسبة إليه، وحط وهو في طريقة إليها في (أنفر) حيث استهواه مرفأها الذي كان ملتقى السفن الفاخرة من الشرق، فتلتقي عنده بمراسيها حاملة المنسوجات ذات النقوش اليابانية الغريبة الأشكال. ثم حل في باريس ليمضي الفترة بين 1886-1888، وينتج خلال تلك الفترة أحسن لوحاته وأشهرها على الإطلاق كما عاش حياة صاخبة بصحبة كبار الفنانيين في باريس أمثال سوراه وتولوز لوتريك، وبيسارو ورينوار. في عالم البؤساء والمتعبين نضجت مشاعر فان غوغ وموهبته كفنان، فمن الطبيعي إذاً أن يتوجه إلى مسار الواقعية، واقعية محددة، محملة بالمحتوى الاجتماعي، وشاعريته كانت دقيقة المعالم فهو يقول: « يد عامل أفضل بكثير من تمثال [أبولو] ذا الرؤية الجميلة» وكل جهده انصب على إيجاد الطريقة الأكثر تأثيراً لرسم تلك اليد، ومن الطبيعي بحال أن يختار أساتذته من أولئك الرسامين الذين منحوا أنفسهم لتصوير العمال والحرفيين وأناس من الشعب، ميلله، كوربية، دومييه، ديلاكروا، في هؤلاء الرسامين كان يرى النموذج، الدلالات الثمينة من أجل تحقيق ما كان يحسه.. ففي دومييه كان يعشق فوق كل شيء، الطريقة المنفتحة والبسيطة في اقتصاف ودون تردد مركز موضوعه المحدد، فبمناسبة إحدى تخطيطاته يقول فان غوغ: «يجب أن يكون شيئاً رائعاً التحسس والشعور بهذه الطريقة، العبور فوق كومة من التفاصيل، لكي يركز بطريقة أكثر مباشرة على الإنسان كإنسان، بدلاً من الحقول والغيوم». فمن دومييه كان يتعلم طريقة استقطاب مركز التعبير، عبر إعادة تشكيل الواقع، وعلوّ إبداعية هذا الفنان كانت تتكشف له عن وعي، ففي عام 1882 يكتب لأخيه «أود منك أن وجدت في السوق بعض تخطيطات دومييه المناسبة السعر، أخبرني عن طبيعتها لأني وجدت في هذا الفنان على الدوام المعاناة التعبيرية، وفي هذه الأيام ازداد اعتقادي بأهميته أكثر من قبل». كذلك الفنان ميلليه كان يثير اهتمامه، لخصوصيته «المميزة في شحن» الطاقة التعبيرية، إضافة إلى طريقة تفكيره فكان يقول والتعبير لميلله «من المستحسن اعتكاف الصمت على ضعف القدرة التعبيرية». وحتى هذه الأعوام كان فان غوغ يحاول أن يتتبع لوحات وتخطيطات تمتلك كسمة أولى «قدرة التصويب أما كوربية فكان يرى في أعماله قيمة اللون غير المستعمل بهدف ما يعاكسها في الطبيعة، وإنما بغاية تأثرية: «إن واحداً من الوجوه التي رسمها كوربيه هي ذات قيمة أكثر علواً، وحيوية، وحرية، منفذة بجملة من التدرجات اللونية الجميلة والعميقة الأثر، من الأحمر، القهواني، الذهبي، البنفسجي، الأكثر برودة من الظلال المرسومة الرسامين، واحدة من هذه الوجوه هي أكثر جمالاً من أي من تقترح الرسامين الذين حاولو تقليد ألوان الوجه الإنساني بدقة مرعية». وقد كان يعتبر الوجوه المرسوعة من قبل كوربيه، أول اكتشاف للقيمة الانتقالية للألوان، فيقول في عام 1984 «اللون يعبر عن خصائصه» وهو ما كان يبحث عنه بالضبط: كثافة التعبير، والتي من أجلها كان يضحي بأي شاغل آخر، التعبير عن الواقع، وعلى الدقة، التعبير عن الإنسان مضافاً إلى الطبيعة. هذا التفسير القديم للصنعة، كان قد استعاره فان غوغ وأضاف إليه تفسيراً روحياً غنياً: «لا أعرف تحديداً أفضل لكلمة الفن، إلا وهو الإنسان مضافاً إلى الطبيعة، الواقع، الحقيقة، مصحوباً بمغزى، بمفهوم وشخصية. هذا ما يعمل الفنان على استخراجه إلى حيز النور، مانحاً إياه قدرة التعبير اللازمة» والتعبير إذا كان بالنسبة له يتكون بالضبط من عملية «الاستخراج» المغزى الحقيقي للأشياء، وكان هذا المبدأ يؤدي به إلى درجة عدم خيانة ما هو واقعي، «قاعدة الانطلاق الصلبة» ولهذا كان يصر على مواجهة موضوع «آكلة البطاطا» وهنا كانت تشويهات دومييه تعينه في التبسيط والتركيب، منتقلاً من الكاريكاتير إلى التركيز المأساوي «لقد أردت عن وعي أن أعطي فكرة عن هؤلاء الفلاحين، الذين تحت المصابيح النفظية الخافته، يأكلون البطاطا بنفس الأيادي التي زرعت الأرض، وبشرف». بالإضافة لعلاقاته المتميزة مع فناني باريس، نشأت صداقة حميمة بينه وبين الفنان بول جوجان، وعلى الرغم من هذه الصداقة الوشيجة نشبت بينهما خلافات عديدة حول الرسم والسلوك. والفن عموماً. انتهت إلى سفر جوجان إلى تاهيتي من جهة، وإلى قطع فان غوغ لإذنه من جهة ثانية. وفي أثناء أقامته في باريس أتحف فان غوغ عالم الفن ببعض روائعه، كان شعوراً خفياً قد انتابه آنذاك بأنه لن يعمر طويلاً، إن أجله المحتوم قددنا، أو أنه أوشك، قاب قوسين أو أدنى من العدم. كان يرسم بغزارة، إلى الحّد الذي كان ينهي لوحة واحدة في اليوم الواحد، كان يرسم داخل بيته الواقع في إحدى ضواحي باريس، وخارج البيت، في الشارع، وتحت أروقة المحلات المغلقة ليلاً، كما شهدت تجربته الفنية حدس الناس تجاهه بأنه إنسان غير عادي، لربما تآخى والجن، لأنه كان يرسم بطريقة غريبة جداً، فيها الكثير من التوتر والعصبية، وفيها شرود وتأمل أيضاً، كان يضع الشموع المشتعلة على حواف قبعته القشية ويرسم، لقد اقتنع الناس أنه مجنون، وقد كانت همساتهم ووشوشاتهم وتقولاتهم تصل إليه، فتعذبة كثيراً، وتقض مضجعه لأن الناس لا يقدرون سلوك الفنان، ولا يتغاضون عن بعض التصرفات التي تصدر عنه وهو يرسم أو وهو يشرح طريقته في الرسم للآخرين، كانت حماسته عالية في دفاعه عن فنه وموهبته، وكان توتره شديداً إلى الحد الذي راح يشكو إلى أخيه ثيو بأنه وهو في وحدته، يسمع أصواتاً من حوله، وأنه راح يحاكي نفسه، وكأنها تناسخت إلى شخصيات عديدة. لقد غيرت باريس حياته، لكنه ظل يستلهم من طبيعة العنف في داخله تلك الألوان الحمراء والصفراء والزرقاء المتأثرة بانعكاسات الأنوار التي استأثرت بفنه، فيحسب من يراها أنها تسحق لوحاته سحقاً. وعندما ضاق ذرعاً بأجواء باريس سنة 1888، ارتحل إلى (آرل) في جنوب فرنسا. كانت شمس آرل المتألقة تنفذ أشعتها في روحه وفي لوحاته. لقد غزت إلهامه، وجعلت ألوانه أكثر صفاء. وأنتج مجموعة كبيرة من أهم لوحاته ومنها (جسر ليفي) و(درب اللبلاب) و(المقهى الليلي) ثم ذلك الرسم الذي عرف باسم (عباد الشمس) حيث سكبت ريشته عليه كل ما في الشمس من وهج الإقليم وحرارته. وتبدو لوحة «الليل ذي النجوم» التي رسمها فان غوغ عام 1889 وكأنها رؤية ليوم القيامة: إعصار من الكواكب والشهب مزاوجة السلام المتصاولة، في دوامة سماء تشبه مسخاً يمد أذرعاً ضخمة فوق جبال ساجدة وطبيعة مجنونة إنها ديكور للظهور الذي ذكر في كتاب «الوحي». وظهرت علامة كبرى في السماء، امرأة ملفحة بالشمس، والقمر على قدميها، وعلى رأسها تاج مؤلف من اثنتي عشر نجمة. كانت حاملاً، تصرخ لأنها كانت في حالة المخاض وآلام الوضع ظهرت علامة أخرى في السماء، وهاهي كانت تنيناً كبيراً أحمر بسبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى الرؤوس سبعة تيجان، كان ذنبه يجر ثلث نجوم السماء ويرميها على الأرض. وقف التنين أمام المرأة التي كانت تلد كي يلتهم طفلها حين ظهوره. وفي تحليله للوحة يقول روجيه غارودي: يبعث فينا فان غوغ الرعب والمأساة بدون أن يصور الممثلين، وذلك بقوة إيحاء لغته التشكيلية لوحدها. ففي حقل الزيتون – هذا، لا نرى صورة المسيح ولكنه كان فيها، موجوداً جسدياً في التواء الأشجار فوق قدرة البشر، وفي تشنجات السماء، وفي جهد شجرة الزيتون المؤلم والمنقذ هو نفسه، إنه مسيح نباتي يتقمصه وجود إنساني حقيقي. ولقد أحس الشاعر هوجو فون شتال بتلك العاطفة المأساوية عند فان غوغ مباشرة فقال: لماذا لا تكون الألوان أخوات الآلام فكلتاهما تجذباننا نحو الخلود؟. إن حياة الإنسان الذي صور هذا الليل ذا النجوم مهددة من جذورها. صور فان غوغ هذه اللوحة ثلاثة أشهر بعد إحدى نوبات الجنون الحادة التي أصابته وجعلته حبيس حجرة مجانين في مصح. وكتب إلى أخيه ثيو يقول: «إن لوحاتي هي صرخة قلق – ولكنه القلق الذي كان يجد للتغلب عليه في لوحاته نفسها- تجعلني رؤية النجوم، أحلم دوماً بالنقاط السوداء التي تمثل البلدان والقرى على الخرائط. لماذا لا نستطيع الوصول إلى هذه النقاط اللامعة مثلما نصل إلى النقاط السوداء على خريطة فرنسا؟ نأخذ القطار للذهاب إلى تاراسكو أوروان، فلنمط الموت لنذهب إلى النجوم» من رسالة مكتوبة في مدينة آرل، تموز 1888. وفي نهاية عام 1888 رغب فان غوغ بدعوة صديقة في الفن والفقر والكفاح إلى آرل، واستجاب «غوغان» لدعوته عليه ضيفاً بالبيت الصغير الذي طلا فان غوغ جدرانه باللون الأصفر، وبدأت بينهما تلك المناقشات التي انتهت إلى حالة غير عادية من التوتر. لقد كانت العلاقة بين الفنانين، على الرغم مما يسودها من صداقة متينة، تجنح إلى الشد والجذب اللذين كان غوغ يدخرهما في نفسه. كان كلاهما قوي الشخصية، له آراؤه، يميل إلى الجدل، وإنساب بينهما تيار خفي طبيعي من المنافسة. ولقد حاول كل منهما أن يعلم الآخر (والحق لقد علم كل صاحبه). وقد كتب فان غوغ يقول: «إن مناقشات مكهربة بشكل مزعج، كنا نخرج منها في بعض الأحايين وأدمغتنا أشبه بـ البطارية الكهربائية بعد أن تشحن». وكتب غوغان: «لقد كان بيننا نوع من النضال. فلقد كان كالبركان. وكنت أنا أغلي كذلك». وفي إبان حلول عيد الميلاد، كان العمل المستمر المرهق، وتعاطي الأبسنت في القهوة، والتدخين المتواصل، والمناقشات الطويلة، انتهت إلى حالة غير عادية من التوتر. وأدى ذلك إلى أن يتعقب فان غوغ ضيفه ذات ليلة بسكين ليقتله، ولكنه عاد فندم على تلك الفعلة فقطع أذنه بدلاً من أن يقطع عنق الضيف، وبعث بالإذن المقطوعة إلى فتاة في بيت من بيوت الدعارة في الحي المجاور. عاد غوغان إلى باريس، وتزوج شقيقه ثيو، أما هو فقد ظل وحيداً في عزلة قاتلة، وقد بدأ يشعر آنذاك بأنه يعاني فعلاً من الجنون والانهيار، وأنه لا شفاء له مما حل به من داء ولا علاج، ولذلك طلب هو بالذات دخول المصح في سان ريمي لكي يعرض نفسه على الأطباء هناك، ويجد حلاً لحالته، وفعلاً ذهب غوغ إلى مشفى الأمراض العقلية، وهناك عومل معاملة قاسية، حيث تم احتجازه في غرفته ساعات طويلة، كما أن الأطباء راحوا يعالجون هيجانه وتوتره بوضعه في أحواض الماء الدافئة بعد حقنه بالجرعات المسكنة، ومع كل هذه الظروف الصعبة التي عاشها في مشفى الأمراض العقلية كان يفكر بالرسم، بل لم يفكر إلا بالرسم، وقد زاره أخوه ثيو وتوسط لدى إدارة المشفى لكي تسمح لأخيه بأن يزاول الرسم (وهذه هي رغبته) داخل حديقة المشفى، فما من علاج يفيد حالة أخيه سوى الرسم والتعامل مع اللوحة، وهكذا كان فعلاً، فقد استجابت إدارة المشفى لطلب ثيو، وصار غوغ يخرج إلى الحديقة ويتأمل الأشجار والورود، ويرسم، وقد أنتج بالفعل حوالي سبعين لوحة داخل المشفى تعد من أهم أعماله الفنية، بعد مائه يوم قضاها في المشفى خرج فان غوغ وعاد لمزاولة حياته اليومية المعتادة ولكن بعد أن شاع خبر ذهابه إلى المشفى، لقد أحسست بأن كل من هم حولي ليس باستطاعتهم تحمل سلوكي وفظاظتي، حتى إيما لم يكن لديها الصبر لتحنو عليَّ، قلت لها سأذهب إلى المشفى، قالت: اذهب إلى الجحيم، قلت ربما قصدت المشفى بصفة الجحيم لذلك ذهبت، والآن تعافيت، شعرت بأني تعافيت، فخرجت، هكذا هو الأمر ببساطة). إن مرضه التي لم تتفق عليه الآراء بعد، لم يكن الجنون، وإنما كان نوعاً من الصرع (وهو ممكن علاجه اليوم). وبين فترات المرض التي كانت تعاوده، كان يبدو طبيعياً، ولكنه كان مهزوزاً مأخوذاً. وفي هذه «المهادنات» كان يرسم. في كتابه «العبقرية وداء الصرع» حلل الطبيب البروفسور هنري غاستو حالة ثلاثة مبدعين مصابين بداء الصرع هم فان غوغ وديستويفسكي وفولبير. والصرع هو الداء الذي لا نعرفه جيداً لأن فان غوغ قلما يتحدث عن نوباته في مراسلاته التي يقل حجمها كثيراً عن مراسلات فلوبير. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن عبقرية فان غوغ، على النقيض من عبقريتي فلوبير ودوستويفسكي، لم يُعترف بها في حياته، وما من أحد من معاصريه جهد ليترك لنا عنه ذكريات محددة. يرى هنري غاستو أن النوبات الحركية النفسية بدأت أو اعترف ببدايتها عندما كان فان غوغ في الخامسة والثلاثين من عمره. وهي تتسم بالنسيان أو فقدان الذاكرة تماماً، ولم نتعرف إليها إلا بالاستناد إلى الأوصاف التي تركها لنا شهود عرضيون. كان ذلك واقع النوبتين الأوليين اللتين حدثتا بمدينة آرل في شهر كانون الأول 1888، وقد وصفهما لنا فان غوغ في مذكراته التي خطها بعد خمس عشرة سنة. في أثناء النوبة الأولى رمى فان غوغ كأساً من الأبسنت في وجه غوغان قبل أن يأوي إلى فراشه وينام. ولدى الاستيقاظ في اليوم التالي لم يتذكر شيئاً على الإطلاق. وفي أثناء النوبة الثانية طارد غوغان وفي يده موس قبل أن يقطع شحمة إحدى أذنيه ويحملها إلى راشيل المومس ثم يذهب إلى النوم. هنا أيضاً استيقظ في صباح اليوم التالي من دون أن يتذكر شيء من الحادث. وجرى الشيء نفسه على إثر نوبته بنيسان 1889، وقد فاجأته بمشفى سان ريمي للمجانين، وضرب في أثنائها الحارس بوليه الذي كان يرافقه قبل أن يهرب راكضاً وهو يشتم. وكان هذه الآلية اللاإرادية، المتسمة بالعدوانية، والمطبوعة هذه النوبة بخصائصها، هي تعبير عن هلوسة تتعلق باستثارة الماضي: والواقع أن فان غوغ شرح في اليوم التالي لحارسه بوليه –وكتب بالتالي لأخيه ثيو- بأنه كان يعتقد نفسه مطارداً من قبل الشرطة وأنه أراد أن يدافع عن نفسه ضد جمهور غاضب، وهو ما حصل له فعلاً قبل شهرين من حدوث النوبة. وعن حالته المرضية العامة يقول هنري غاستو: من وجهة النظر الثقافية: كان فان غوغ يخطى بذكاء استثنائي ما من أحد استطاع أن يشك فيه، أضف إلى ذلك صواب حججه ودقة أحكامه ورهافة تحليلاته الاستبطانية التي عبر عنها في مراسلاته. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا نعجب بالسهولة التي تعلم بها أربع لغات واستعملها، حتى أنه توصل إلى أن يكتب باللغة الفرنسية حكماً وأمثالاً جديرة بكبار الأخلاقيين والشعراء الفرنسيين. وعلى العكس من فلوبير لم يظهر لديه قط أي اضطراب أو خلل في الوظائف الكلامية، وكان يعثر على الكلمات بسهولة حين يريد أن يعبر عن مشاعره في أثناء تعرضه لحالات خبلية خفيفة. ومن جهة النظر السلوكية وجد الدكتور غاستو ثلاث خصائص في فان غوغ أقرب ما تنسب إلى سلوك المصابين بالصرع من منشأ صدغي: 1- انفعالية في الحب أو «إلتصاقية»، وهي تدل على مدى التحامه عاطفياً بأقربائه (وبخاصة أخيه ثيو) وبأصدقائه (وخصوصا غوغان) وبالصبايا اللواتي تمنى أن يتزوج إحداهن (ابنة عمه كي واورسولا لوير...) وبالمتجمع المدني والديني أيضاً (نوبته الصوفية والسياسية المشهورة لدى رهبان البوريناج وقد اصطبغت بصبغة دينية مغرقة في الشدة والمرضية والتجهم كما اصطبغت بصبغة اشتراكية مغرقة في اللاإرادية. على أن الالتحام العاطفي لدى فان غوغ كان من الشدة والانفعالية بحيث نفَّر منه الكنيسة وأباه القسيس، كما نفَّر منه المجتمع والصبايا اللواتي كان يرغب فيهن، والأصدقاء وحتى أخاه ثيو، وقد قاده هذا النفور وما تلاه من إهمال تام من قبل الجميع إلى الانتحار. 2- اشتد في النزق المرضي عبر عنه بنوبات غضب عنيفة لا موجب لها – في إحدى هذه النوبات سبَّ طبيبة الدكتور غاشيه وهدده لأنه تأخر في تأطير لوحة للرسام الفرنسي الانطباعي غيومان (1841-1927)- كما عبر من هذا الاشتداد في النزق المرضي بانفعالية عدوانية، تذهب إلى حدود الجريمة، وذلك تجاه الآخرين (غوغان والطبيب الداخلي ري وقد هددهما بموس الحلاقة، وهدد الدكتور غاشية بمسدس) وتجاه نفسه (حرق يده على لهب شمعه ليبرهن عن حبه لابنة عمه كي، قطع إذنه وصار هذا القطع موضوعاً لعدة تفسيرات، وأخيراً انتحاره). 3- انعدام الرغبة الجنسية لدى فان غوغ كما لدى فلوبير، وقد ظهر بشكل خاص بعد توالي النوبات المرضية، واعترف فنسنت به لأخيه ثيو في شهر حزيران 1888: «هل تذكر لدى غي دوموبا سان السيد الذي أرهق نفسه وأضناها إلى درجة لم يعد يستطيع معها حين أراد الزواج أن يمارس الجنس مع زوجته... ومن غير أن تكون حالي كحال هذا السيد فيما يتعلق بإرادة الزواج، فإن وضعي الجسدي والنفسي قد بدأ يشبه وضعه»... نعود إلى سيرة حياته، فبينما هو يمضي أيامه الأخيرة في المصحة أتته رسالة تتضمن شيكاً مالياً قيمته أربعمائة فرنك محرراً باسمه، وذلك أكبر مبلغ من المال أتيح له أن يملكه مجتمعاً. مع رسالة من أخيه ثيو: «عزيزي فنسنت: أخيراً! بيعت إحدى لوحاتك بمبلغ أربعمائة فرنك! إنها لوحة (كرم العنب الأحمر) التي رسمتها في آرل في الربيع الماضي. وقد اشترتها أنابوك شقيقة الرسام الهولندي المعروف. مبروك أيها الصبي العجوز! سوف نبيعك قريباً في جميع أنحاء أوروبا. استخدم النقود المرفقة للعودة إلى باريس إذا وافق الدكتور بيرون على ذلك. التقيت مؤخراً برجل بهيج هو الدكتور جاشيت، الذي يملك منزلاً في بلدة (أوفير)، وهي لا تبعد عن باريس إلا مسيرة ساعة واحدة. وسبق لهذا الرجل أن استضاف جميع الرسامين المشهورين منذ عهد دوبيني، ومارسوا الرسم في منزله. وهو يدعي أنه يفهم حالتك فهماً دقيقاً، وإنه مستعد للعناية بك متى رغبت في القدوم إلى أوفير. سأكتب لك رسالة أخرى غداً- ثيو...». وفي المساء وصلته برقية من ثيو، يقول: «رزقنا بولد اسميناه باسمك. جوهانا وفنسنت في تمام الصحة». انقلب فنسنت بين عشية إلى رجل معافى، على أثر بيع اللوحة وكذا الأنباء المدهشة القادمة من ثيو. وفي الصباح ذهب إلى مرسمه باكراً، فغسل فرشاياته، وأخرج لوحاته ودراساته التي أدار وجهها من قبل إلى الحائط، وكتب: «إذا استطاع ديلاكروا أن يكتشف الرسم بعد أن سقطت أسنانه وانقطعت أنفاسه، فإنني أستطيع بدوري أن اكتشف الرسم بعد أن فقدت أسناني وفطنتي». ثم أنكب على العمل في ثورة صامته. فرسم نسخة عن لوحة ديلاكروا «السامري الطيب»، ونسختين عن لوحتي ميلليه «البذار» و«العزاق». وتملكه التصميم على أخذ سوء حظه الراهن بنوع من برود أهل الشمال. ألم يكن عالماً منذ البداية أن حياة الفن مجلبة للتمزق؟ فماله الآن يأخذ في الشكوى في هذه المرحلة المتأخرة؟. وبعد أسبوعين تلقى رسالة من ثيو مرفقه بنسخة من مجلة «ميركور دوفرانس» وفيها مقالة بعنوان «المعزولون» جاء فيها: «إن ما يميز جميع أعمال فنسنت فان غوغ هو فرط قوتها، وعنف تعبيرها. إنها تشف عن إيجابيته المطلقة تجاه الجوهر الأساسي للأشياء، وعن تبسيطه المتهور غالباً للأشكال، وعن رغبته الجريئة في النظر إلى قرص الشمس وجهاً لوجه، وعن العاطفة المتقدة في رسومه وألوانه، وفي ذلك كله تكمن بجلاء شخصية قوية، شخصية ذكر، شخصية جسورة تبلغ في بعض الأحيان مبلغ الوحشية، وترق أحياناً فتغدو في منتهى اللطف. إن فان غوغ يمثل الخط الصاعد لغرائز هائلة. إن واقعيته تسمو على الحقيقة التي عبر عنها أسلافه النفر العظام من صغار مواطني هولندا، الذين كانوا يتمتعون بصحة جسدية وتوازن عقلي بالغين. وما يميز لوحاته هو الدراسة الصادقة للشخصيات، والبحث الدؤوب عن جوهر كل موضوع، والحب العميق الذي يكاد يماثل حب الأطفال للطبيعة وللحقيقة. فهل سيحظى هذا الفنان الضليع ذو الروح المتوهجة بمتعة العرفان وإعادة الاعتبار إليه من قبل الجمهور؟ لا أظن ذلك، فهو من البساطة ومن الدهاء، في وقت معاً، إلى الحد الذي لا تفهمه روحنا البرجوازية المعاصرة ولن يفهمه الفهم الصحيح إلا أخوانه الفنانون. ح. البير اورييه». وبعد فترة، أرسل لأخيه ثيو رسالة فيها: «قل لي: ما أخبار الدكتور جاشية الذي حدثتني عنه قبلاً؟ وهل سيتولى حالتي بعنايته الشخصية؟». وأجاب ثيو على هذه قائلاً أنه تحدث إلى الدكتور جاشية ثانية، وأراه بضعة لوحات لفنسنت، فأصبح الدكتور جاشية متشوقاً لقدوم فنسنت إلى أوفير واشتغاله بالرسم في بيته. وأضاف ثيو: «إنه مخصص يا فنسنت، لا في الأمراض العصبية وحدها، وإنما في الرسامين أيضاً، وأنا واثق أنك ستكون تحت رعايته بين خير الأيادي. فما عليك إلا أن تبرق لي متى رغبت في القدوم.وسوف استقل أول قطار إلى سان ريمي». واستقل فان غوغ القطار متوجهاً إلى أوفير، حيث كان الدكتور جاشية في محطة. وهو رجل ضئيل الجسم عصبي المزاج خفيف الحركة قلق الهيئة، يسكن في عينيه حزن شفيف. استأجر فان غوغ غرفة في أوفير، وبدأ الرسم مباشرة: «كم هي جميلة بلدة أوفير.. إنها مشبعة بالألوان هنا».. ومن أبرز معالمها الكنيسة والبيوت الحجرية، والشوارع الضيقة وأسقف الآجر الأحمر، وتزين خلفيتها مزارع القمح والتلال... لقد رسم فان غوغ لوحة من أعماله الخالدة في كل يوم تقريباً من الأيام التي قضاها هنا... وفي يومنا هذا قد يكون ثمن هذا الكنز أكثر من مليار دولار. ظل الدكتور جاشية صديقه الوحيد في أوفير. وكان جاشية يقضي معظم أيامه في عيادة استشاراته الطبية في باريس، ويجيء في الليل غالباً مقهى رافو ليرى الجديد من الرسوم. وكان فنسنت يتساءل دائماً عن سر تلك النظرة الحزينة في عيني الدكتور، التي تنم عن قلب محطم. قام فان غوغ برسم لوحة للدكتور، بطاقيته البيضاء وسترته الرسمية الزرقاء، وجعل خلفية اللوحة زرقاء مخضرة، ورسم الرأس بدرجة لونية خفيفة فاتحة، والأيدي أيضاً بلون بلدي خفيف، أما وضع الجسم، فقد اختار فان غوغ للدكتور أن يقف منحنياً على طاولة حمراء ينظر في كتاب أصفر، وأمامه نبات بأزهاره الأرجوانية. وحين فرغ فان غوغ من اللوحة سره أن يرى أنها تشبه اللوحة التي رسمها لنفسه في آرل، قبل قدوم غوغان. ولكن هذه الصداقة مع الدكتور جاشية لم تخفف من تعاسة فان غوغ... «إنني لا أرى مطلقاً أية سعادة في المستقبل أمامي!»؟. ربما كانت الوحدة قاتلة، ربما ظن أنه يخسر أخاه بسبب المرض أو زواجه من جو، وربما قدمت الرسائل إيضاحاً غريباً... فقد كانا يوقعان رسائلهما بعبارة «المخلص لك» أو «تقبل سلامي» ولكن في السنة التي سبقت انتحار فنسنت كان ثيو يضيف إلى خطاباته أحياناً «من أخيك الذي يحبك». تستدعي كل لوحة لفان غوغ وجود وغياب. وكان التصوير بالنسبة له، العمل الحيوي للكشف عن هذا الوجود الذي يغمرنا وهذا الغياب الذي يصيبنا بالدوار. لكل شي تحت فرشاته وجه إنسان. كتب يقول: أريد أن أصور شيئاً ما له روح.. إن الذي ابحث عنه لأتعلمه ليس رسم يد، بل رسم حركة، ليس أساساً صحيحاً هندسياً، ولكنه التعبير العميق، وأخيراً الحياة. كل شيء في لوحاته أن كان شجرة أو كنيسة أو شمساً أو حذاء أو كتاباً مقدساً أو وجهاً إنسانياً، يبدو وكأنه ظهور افتتان وليس ظهور صورة. ونشعر باختلال في توازننا أمام لوحاته لأن ليس لنا نقطه ارتكاز، أو نقطة استدلال أو إطار مصنوع سلفاً لكي نتمكن من أن نتكئ عليه فنطمئن. إن هذه التجربة المذهلة تذكرنا منذ أيام هودرلين حتى هايدجر، بأن الوجود الإلهي هو من اختصاص الشاعر. إننا لنستشعر الخطر على فن فان غوغ من أن تنسينا أيام حياته المثيرة المليئة بالحوادث. لكن فنه هو الذي توج مجد حياته. وحوادث حياته أعانت على تكوين شخصيته، وقد عبر عن هذه الشخصية في لوحاته. كانت أفكاره مبتكره ، لأن شعوره كان خارقاً للعادة. وتعبيره عن هذه الأفكار في فنه كان لابد أن يكون شائقاً. كل ما كان رقيقاً رفيعاً في حياته، كان ينقله إلى لوحاته الجميلة الرائعة، على الرغم مما بها من ألوان صارخة، وخشونة «التكنيك». إذا اعتبرنا أن الانطباعيين أخذوا عن رسم الطبع الياباني طرائقهم التقنية: مطمشة –باليت- كاشفة الألوان ومفهوم جديد للمنظور ولتنضيد اللوحة، فإن فان غوغ يبدو وكأنه وجد من جديد بعضاً من مفاهيمهم عن الفن والحياة. فن يبدو له، كما كان يبدو لهم، ليس غاية في ذاته بل تجربة روحية. إن حركة القصبة وحركة الفرشاة تهدفان إلى الإيحاء بإيقاع الحياة العميق ووحدتها، وإلى التعبير عن تنفس الجبال، وانحناء جسد الإنسان وجذع الشجرة في خط منحن واحد، وعن خرير المياة وعويل الرياح، ونجد عند فان غوغ معنى وحدة الأشياء، والغائية لكل ما ينمو ويتطور حول موضوع اللوحة، وأبعد منها، وما يلف الإنسان في كل كائن حي. يقول في إحدى رسائله: «إذا درسنا الفن الياباني سوف نرى إنساناً حكيماً، فيلسوفاً وذكياً دون شك، ولكن كيف يقضي هذا الإنسان وقته؟ هل في دراسة المسافة بين الأرض والقمر؟ لا... هل في دراسة سياسة بسمارك؟ لا... إنه يدرس نبتة واحدة من الأعشاب والحشائش، ورقة وحيدة من أوراق النبات، ولكن هذه الورقة تقوده في النهاية إلى أن يرسم كل النباتات ثم الفصول والجوانب المتسعة الفسيحة للريف، ثم الحيوانات ثم الشكل الإنساني، وهكذا يمضي الفنان الياباني حياته، والحياة قصيرة بحيث لا تكفي لفعل كل شيء. إنني أحسد اليابانيين على الوضوح الشديد في كل أعمالهم، إنها ليست مرهقة أو مملة ولا تبدو وكأنها تمت على عجل. إن أعمالهم بسيطة كعملية التنفس، وهم يقومون بعمل الأشكال بلمسات قليلة واثقة بالفرشاة، وبنفس الراحة والبساطة التي تقوم بها بارتداء ملابسك البسيطة، إنني يجب أن أحاول إنجاز الشكل بلمسات قليلة، وهذا يجعلني مشغولاً طيلة الشتاء». اللون هو الوسيط الأقوى لهذه المشاركة وهذا البث. كتب فان غوغ لأخيه رسالة يتحدث فيها عن لوحة كان يرسم الليل فيها –مقهى في الليل- فقال: «ها هي لوحة أصور فيها الليل بدون لون أسود، لا أستعمل إلا اللون الأزرق الجميل والبنفسجي وما حول الموضوع، ساحة الشارع». ويقول في رسالة لأخيه ثيو: «إنني أعرف بالتأكيد أن لدي غريزة اللون، وإنها سوف تتزايد لدي أكثر وأكثر، فالتصوير هو عظامي ونخاعي، إنني أريد لعملي أن يصبح قوياً ثابتاً، جاداً وإنسانياً، أن يبدأ المرء من «البالته» الخاصة به، ومن معرفته الخاصة بتناسق الألوان، وهو أمر مختلف عن قيامه بتتبع الطبيعة بطريقة ميكانيكية... إن الكثير يعتمد على إدراكي للتنوع الهائل للنغمات اللونية بدرجاتها المختلفة، والألوان تعبر عن شيء ما بذاتها، ولا يستطيع الفنان أن يعمل دون هذا وعلى المرء أن يستفيد من الجمال الكامن في الألوان». ويقول في رسالة أخرى: «إنني أكون دائماً واقعاً بين تيارين من التفكير، الأول يتعلق بالصعوبات المادية المحيطة بي، والثاني خاص بدراسة اللون، إنني أطمح دائماً أن أقوم باكتشافها كي أعبر عن الحب بين اثنين من المحبين من خلال التزاوج بين لونين يكملان بعضهما، من خلال امتزاجهما وتعارضهما، توافقهما وتنافرهما، وأيضاً من خلال الاهتزازات الغامضة للنغمات المتقاربة، وأطمح أيضاً أن أعبر عن فكرة أو شكل الجبين أو الطلعة من خلال إشعاع النغمة اللونية في مقابل الخلفية المعتمة أو الداكنة، وأن أعبر عن الأمل بنجمة ما، وعن توق الروح وطموحها بشعاع شروق الشمس، وبالتأكيد ليس هناك شيء فيما أقوله من المجاز أو المبالغة اللفظية أو المجافاة للواقع». حصل فان غوغ على بندقية، استعارها أو اشتراها، وبعد ظهيرة يوم 27 تموز عام 1890 خرج إلى الريف. أراد أن يقول كلمة الوداع، فقد كان العالم الذي عاش فيه عالماً طيباً على الرغم من كل شيء، وكان غوغان على صواب بقوله «إذا كان السم موجوداً، فإن الترياق موجود». إن فان غوغ إذ يفارق العالم. الآن يريد أن يقول له وداعاً، وداعاً لجميع الأصدقاء الذين ساعدوه في تشكيل حياته، وداعاً لا ورسولا التي كان لإزدرائها إياه أثره في التحول عن الحياة التقليدية إلى حياة المنبوذين. وداعاً لمنديس والوستا الذي غرس فيه الإيمان بأنه لابد سيعبر عن ذات نفسه أخيراً، فيكون في ذلك التعبير مبرر وجوده. وداعاً لكلي فوس التي قالت له: «لا، أبداً! أبداً!» فانحفرت عباراتها على صفحة روحه بحروف من نار. وداعاً لأمه وأبيه اللذين أحباه بكل جوارحها. وداعاً لكريسين التي شاءت الأقدار أن تكون المرأة الوحيدة التي يعاشرها بين سائر النساء. وداعاً لموف الذي كان إستاذاً له خلال بضعة أسابيع حلوة. وداعاً لأعمامه، الذين وصموه بوصف النعجة السوداء بين آل فان غوغ. وداعاً لمارجو، المرأة الوحيدة التي أحبته وحاولت قتل نفسها في سبيل حبه. وداعاً لجميع أصدقائه الرسامين في باريس، بمن فيهم لوتريك الذي أودع مشفى المجانين ثانية ليقضي أيامه الباقية، وجورج سورات الذي مات في سن الحادي والثلاثين متأثراً بإفراطه في العمل، وبول غوغان الذي انتهى إلى التسول في بريتاني، وروسو الذي تأكله العفونة في جحر قريب من الباستيل، وسيزان الذي انسحب إلى نسكه المرير على قمة تل في بلده أكس. وداعاً للأب تاتغي ورولان، اللذين رأى في بساطة روحيهما كيف يكون الفقراء ملح الأرض، وداعاً لراشيل وللدكتور أي اللذين منحاه عطفاً كان في حاجة إليه، وداعاً للدكتور غاشية، الذي آمن أنه رسام عظيم، ووداعاً بعد ذلك كله لأخيه الطيب ثيو، الذي طال عناؤه كما طالت محبته. غير أن الكلمات لم تكن واسطة فنسنت المختارة للتعبير. فليرسم «وداعاً» بالريشة واللون. كلا، إن الوداع يستعصي على الرسم. أدار وجهه عالياً نحو السماء. شد البندقية، مسدداً إياها إلى نفسه، وأطلق النار في أعلى بطنه... وجر نفسه إلى حجرته، وتمدد وحيداً... ينزف... تماماً كما فعل حينما قطع أذنه... وبدأ القلق يساور أسرة صاحب الفندق حينما لم ينزل للغذاء. ولاسيما أنهم رأوه يترنح أثناء عودته من الخارج، صعدت مديرة الفندق لتطمئن عليه، فوجدته في هذه الحالة، وجاء الطبيب غاشية... ولكنه لم يكن بإمكانه أن يفعل شيئاً. حضر ثيو في الصباح التالي وبقيا لوحدهما لمدة 12 ساعة لا أحد يعلم ماذا قالا لبعضهما. ليموت فنسنت يوم 29 تموز 1890، ووجدت في جيبه رسالة لم يتمكن من إرسالها... «هناك أشياء كثيرة أود أن أجلس وأكتب لك عنها... ولكني أشعر أنه لا فائدة منها».
#محمد_عبيدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كريستوف كيشلوفسكي :سينما الحوار و الشاعرية و الطرح الفلسفي
-
المخرج روبرت التمان : افلامه تصف امريكا العالقة بالوحل ، لاي
...
-
يوسف شاهين تجاوز الثمانين ومازال في شباب نشاطه
-
ستانلي كوبريك : سيرة حياته وأعماله
-
مشاكسات الورود
-
أحلام السينما وتمرد السوريالي لويس بونويل
-
تمارين العزلة
-
السينما الجزائرية بعد الحرب..
-
اضاءة على السينما الصينية
-
افلام السيرة الذاتية
-
الصهاينة و- الهولوكوست - سينمائيا
-
السينما والتاريخ العربي
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|