أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يونس أثري - زمن الرماد














المزيد.....

زمن الرماد


يونس أثري

الحوار المتمدن-العدد: 6337 - 2019 / 8 / 31 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


أتمرغ في كومة من الرماد. كل شيء رماد. الشجر احترق ليصير رمادا. البحر جف فكشف عن قاع كصحراء من رماد. رمال الصحراء الذهبية تغير لونها فصار رمادية. خسف القمر. سقط على الأرض. انشطر فسال منه لعاب جف فتحول لغبار رمادي. طائرة تحلق وتقصف الأرض بصواريخ عنقودية. لما تسقط تنبثق منها ألف شظية تنفجر لتغمر الجدران و المكان برماد بعد الإحتراق. أينني الآن ؟ في فضاء لانهائي من الرماد. شعري أشعث. الغبار يلفني، يحاصرني، ويلبسني إياه. أنفضه عني فلا تبرحني رائحته المقيتة. كانت أمي تسمي الرماد ب " ثنيفاس ". تهدمت اليوم جبال تمسمان. استوت بالأرض و صارت رمادا. هول مقيت . لون واحد. أصبح الرمادي إلها واحدا. يعبده الجميع. أكره وجود إله واحد. لو توفر إله غيره لعبدوه. السماء بدأ لونها يتحول بدوره إلى رمادي.
نهار أبدي. أشتاق لليل حتى لا ألمح لون الرماد. في الليل يطغى السواد. لكن أين الليل ؟ قالوا أن إله الرماد أناره بضوء رمادي يشع. نور على نور. الزجاجة في مصباح. في المصباح نار تحترق. ليبقى الرماد في المصباح. يكثر الرماد في الزجاجة. يتكدس. انطفأ نور الإله. لا يشتعل نوره بالرماد. انتهى المكان و ألغي الزمان. حتى الشمس انطفأت. صار رمادها بعد الإحتراق يطوف كرمل يسبح في الفلك بفعل الجاذبية. سباحة أبدية. ها أنا وسط الرماد بعد الحرائق و المآسي القديمة. أجمع كومة رماد. أصنع منها وسادة. أتدثر بالرماد. أنام و رائحة الرماد تعبق خياشيمي. أحلم أن الماء ينبثق من عين. يتدفق الماء. يغمر الوادي. يزداد انبثاق الماء. يهيج. يصير بحيرة، فبحرا. يزداد وقع تدفق الماء. يغمر البحر الرماد. تحيا السهول و الأشجار من بعد موتها. من على الأرض يرتفع القمر ليعود مكانه. يلتئم رمل الشمس لتعود للإحتراق من جديد. قلت : "الماء يحيي النفس بعد موتها". أصحو لاهثا. الرماد يتكدس من حولي. أعود لأنام. أرى رسولا قادما إلي من إله الرماد. جناحاه لا هما نار ولا هما رماد. أسأله : "بأي حطب تشتعل؟ ". بجيبني مهددا : "إحترق باسم رب الرماد !" أجيبه متحديا: "ما أنا بمحترق". يسألني : "هل تفدي جسدك حطبا لرب الرماد؟". أتعرق. يزداد العرق تصببا. لا جواب ينفلت من بين شفتاي. أتمعن في جناحيه. الجناح الأول بحجم المغرب. الجناح الثاني بحجم المشرق. أصحو فزعا. أصيح. لا مجيب. أدعو. لا مجيب للدعوات. أقول لكومة الرماد: " دثريني، دثريني".
تذكرت أني نائم نهارا. لا ليل إلا النهار( يستحسن : اليوم كله نهار فلا ليل فيه). كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. ألمح ملاكين. يقتربان. يغشى عليّ من شدة نور أحدهما. يشقان صدري. ينتزعان منه عرقا. لا أنزف. لا أتألم. يطيران بي. هل فوق أم تحت؟ لا أدري. في بيت لا هو بيت المقدس و لا هي أرض تشبه أرض ابراهيم الخليل في الجليل. أؤم هناك بالبشرية. أتلو لا أدري ما أتلو. فقط شفتاي تتلوان. يطيران بي مجددا. يحطان بي في برزخ. أكواب ممروقة. أنهار جارية، ومن تحتها أنهار جارية. خمر جار. لبن جار. كل ما تشتهيه الأفئدة و الأبصار. حور عين شاهقات الجمال. لهن فتحة تفور. لما تستعرضن جمالهن عقلي يدور. شيئي يثور. خيمة تنتصب في سروالي. نهدان مدوران منتصبان طريين. لكني لا ألمس أي واحدة. أسأل عن حبيبتي التي لم تكن تحبني في الأرض: "أين هي؟". لا يجيبون ولا يتكلمون. صم بكم لا يحاورون. أعبر بابا ضخما. أسمع صياح المحترقين. دخان الحرائق يخنقني. نار وقودها الناس و الحجارة. أقترب من حافة. ألمح طبقات. درك تحت درك. في كل درك بشر يحترقون. في الدرك الأسفل النار أكثر إحراقا. صياح المعذبين يقززني. سلسلة من 77 حلقة كُبل بها عبد غير شكور. يساق للمحرقة. ملائكة غلاظ لا يرحمون. لتوسلات المساق لا يسوقون إهتماما. لمحت أبا سفيان. مسيلمة الكذاب. يهود خيبر. بني قريضة في درك واحد يحترقون. سارتر، شكري ، سيوران في الدرك الأعلى و الأخف احراقا معا يحترقون. يتعذبون و لا يتعذبون. سألت عن مصيري فقالوا أنه غفر لي ما تقدم و ما تأخر. حسبتني بين منزلتين في خط رفيع أقف. على صراط أقف. يتهاوى الكافرون. يكمل الطريق المؤمنون. أعاد إلى الأرض بعد أن طهرت من الذنوب و الخطايا. أنا اليوم وسط بقايا الذاكرة و حرائقي القديمة. لا حب يدفئني، أو ينير عزلتي. وحيد في هذا المدى اللانهائي من الرماد. سئلت : "كيف تشكل الرماد من حولك؟" ، أجبت : "أنا سجين الذاكرة. أنا انبثاق الروح من بقايا زمن غابر تناسيته"



#يونس_أثري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد الوعي الديني، و الإسلام، و الإسلام السياسي في عصر الإمب ...


المزيد.....




- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يونس أثري - زمن الرماد