أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - ماذا يريد سفاح السودان الجديد















المزيد.....

ماذا يريد سفاح السودان الجديد


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 6321 - 2019 / 8 / 15 - 23:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان واضحا منذ بداية المفاوضات في السودان بين المجلس العسكري ووفد المدنيين من جبهة الحرية والتغيير أن الأول دخل العملية التفاوضية لغرض محدد وهو إعادة الاستقرار للسودان وليس لتحقيق مطالب الثوار العادلة ونقل الحكم للمدنيين. ولكن ما لم يدركه المجلس العسكري هو أن ما ينشده من استقرار سوف يكون هشا للغاية فالاستقرار الدائم لا يقوم إلا على العدل.

وفي هذا نتسآل دائما هل يمكن أن يعقد ذوو النيات الطيبة أي اتفاق جيد مع الشيطان؟ لو طبقنا منطق الديالكتيك فإن مثل هذه الصفقة تكون مستحيلة لإن الشيء ونقيضه لا يجتمعان وبناءا عليه لابد أن تكون أي صفقة مع الشيطان سيئة أو شيطانية. والسبب أن الكروموسومات الخاصة بالشيطان تجعل منه كائنا سيئا بالسليقة ولذلك فإن مهمته الأساسية في الحياة هي شيطنة كل ما حوله ونشر الشر والأذى، وحتى عندما يبدو الشيطان واعظا في لحظات معينة فإنه يكون في مرحلة التخطيط لخداع فريسته والهجوم عليها في الوقت المناسب. إنه كملقي الحب للطير لا ليطعمها ولكن ليصيدها به.

أتحدث عن الفريق أول محمد حمدان دقلو القائد غير الرسمي للمجلس العسكري في السودان والمشهور بحميدتي، وكان هو رئيس وفد المجلس العسكري في مفاوضاته مع وفد الحرية والتغيير الذي كان يمثل الثوار والمعارضة المدنية دون تفويض رسمي بهذا.
وبعد مفاوضات صعبة شهدت تعنتا شديدا من جانب حميدتي توصل الطرفان إلى اتفاق الإعلان الدستوري الذي سينظم المرحلة الانتقالية في السودان والتي يفترض أن تنتهي بنقل صلاحيات الحكم من المجلس العسكري إلى
حكومة مدنية.
وقبل أن نوضح بعضا من أهم الثغرات الخطيرة في الإعلان الدستوري لابد أن نتعرف على شخصية السيد حميدتي الذي يبلغ من العمر 43 عاما ومعروف عنه أنه لم يكمل تعليمه وليس لديه أي خبرة في المجالات العسكرية سوى قتل المدنيين العزل. وكان تاجر جمال ناجح في دارفور. ولحماية إبله وحماية التجار الآخرين من القبائل المختلفة كون عصابة مسلحة قوية لحماية القوافل التجارية. وقد لفتت قوته وقوة علاقاته بالقبائل الأخرى انتباه البشير فقام بتكليفه بسحق تمرد إقليم دارفور عام 2003 الذي أدى إلى مقتل وتشريد مئات الألوف من أبناء الإقليم. وكانت هذه المذابح بداية صعود حميدتي هرم السلطة في عهد البشير عن طريق العنف والقتل والتدمير.

وبسبب هذه المذابح أصدرت محكمة العدل الدولية أمرا باعتقال البشير للمثول أمام المحكمة بتهمة الإبادة الجماعية ولكنه لم يمتثل للأمر وهو رئيس بحجة أن المحكمة لم تحاكم توني بلير وجورج بوش على جرائم مماثلة أثناء غزو العراق، والبشير الآن في حماية العسكر.
وبعد هذا قام البشير بمنح حميدتي رتبة الفريق في غفلة من الزمن وقربه منه ثم قام بتحويل عصابته إلى قوات نظامية تابعة للحكومة بمسمى قوات الدعم السريع لحماية نظام حكمه وأصبح حميدتي بمثابة الذراع اليمنى للبشير. ويصل حجم هذه القوة الآن إلى حوالي 30 ألف مقاتل وهم مزودون بأحدث الأسلحة والمعدات وهي مدعومة من كل من الإمارات والسعودية وتقوم ببعض العمليات العسكرية لحساب من يدفع في كل من ليبيا وتشاد وربما اليمن.

وعندما اندلعت الثورة ضد البشير رفض حميدتي أوامر الأول باستخدام العنف ضد المتظاهرين ليس حبا في المتظاهرين أو إيمانا بالثورة ولكن لرغبته في استغلال الثورة كسبب لخلع البشير والاستيلاء على السلطة. وقد ظهر الوجه الحقيقي للرجل عندما قامت قواته بفض اعتصام الثوار السلميين أمام مقر الجيش السوداني في يونيو 2019 وهي العملية التي أفضت إلى مقتل حوالي 150من المعتصمين هذا غير الجثث التي تم إلقاءها في النيل. ولم يحاسب أي أحد على هذه الجرائم حتى الآن.
وعودة إلى السؤال الذي طرحته في بداية المقال وهو هل يمكن الوثوق وعقد اتفاق مع سفاح دموي مثل السيد حميدتي؟ أتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئا وأن يخذلني الفريق حميدتي بأن يكون صادقا في وعوده للثوار وأن يلبي مطالبهم المشروعة في حياة حرة وكريمة يسودها العدل والمساواة والديموقراطية ودولة القانون، عندها سيضع السودان على طريق التقدم والازدهار ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه ولا يوجد ما يمنع السيد حميدتي من أن يغير مسار حياته الدموية ويأخذ هذا المنعطف الجديد.

أما بالنسبة للثغرات التي ذكرنا أنها موجودة في الإعلان الدستوري الذي تم التوصل له بحسب رأينا المتواضع فإن من أهمها ما يلي:

- أن المجلس السيادي والذي سيكون إعلان سلطة في البلاد سيتكون من ١١ عضوا، خمسة من أعضاء المجلس العسكري وخمسة من المدنيين. أما العضو المرجح فسوف يكون مدنيا ذو خلفية عسكرية! وهذا يعني في رأينا أنه سيكون عضوا عسكريا ولكن بلباس مدني لأن العسكري لا يغير عقيدته أبدا أيا كان اللباس الذي يرتديه. وتقوم هذه العقيدة في عالمنا العربي البائس على مبدأ أساسي وهو أن العسكري أعلى شأنا من المدني وأنه من العار أن يتلقى العسكري أي أوامر أو توجيهات من هذا المدني الوضيع. ومعنى هذا ببساطة أن العسكر سوف يسيطرون على المجلس السيادي وعلى كل قراراته.

-كما إن مدة الفترة الانتقالية هي 39 شهرا " لا أدري لماذا 39 وليس 40 شهرا مثلا!" المهم أنه سوف يتم خلالها تناوب السلطة بحيث يرأس أحد الممثلين العسكريين المجلس السيادي لمدة 21 شهرا ثم يعقبه أحد الأعضاء المدنيين لمدة 18 شهرا. وحسب وجهة نظرنا فإنه كان من المفروض أن يرأس العضو المدني الفترة الأولى لحصول المدنيين على فترة حكم أقل. وحسب توقعاتنا فإن العسكر سوف يكون بمقدورهم تقديم تشريعات وقوانين في مدتهم الاولى تحد من قدرة المدنيين على إجراء أي تغيرات ذات معني في فترة ولايتهم الثانية.

-الأخطر من هذا هو أن قوات الدعم السريع سوف تتبع القائد العام للقوات المسلحة أي السيد حميدتي وهو ما يترك الأعضاء المدنيين دون أي غطاء أو حماية. ولا أدري كيف سيتعايشون مع هذه الأوضاع الصعبة والتي قصد منها على ما يبدو إحداث شقاق بين قوى المعارضة عن طريق الإبقاء على كل الأوضاع على ما كانت عليه قبل الثورة ووأد أحلام شباب الثورة الذي قام بواحدة من أعظم الثورات في تاريخ العرب تعرضوا خلالها للقتل والسجن والاغتصاب والتعذيب واستمرت ثورتهم لأشهر طويلة رغم شراسة قوات حميدتي والظروف الاقتصادية والمناخية الصعبة ووسط تجاهل عربي ودولي غريب.

أعرف جيدا أن المدنيين الذين تفاوضوا على هذا الإعلان الدستوري بذلوا أقصى جهدهم للحصول على اتفاق أفضل ولكنهم فشلوا ولذلك رضوا بالفتات بدلا من لا شيء، ولكنني من المؤمنين أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ تمتد آثاره إلى سنوات عديدة ويتطلب تغييره ثورة أخرى.

لا أدري إلى متى ستظل المنطقة العربية حاضنة تفريخ خصبة للسفاحين واللصوص والنصابين والدجالين والمعتوهين.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد العقل الأيديولوجي
- المشكلة الكبرى في الاقتصاد العالمي
- تطور هام في نظام التحويلات الدولية
- هل ستصمد الصين أمام ترامب؟
- صراع أهل القرآن وأهل الأحاديث
- هل يمكن أن نضع عواطفنا في جيوبنا؟
- محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية ...
- البشير من الاستبداد إلى الجنون
- الرب الذي يطلب منا إثبات وجوده
- آفاق الاقتصاد العالمي والعربي ٢٠١٩
- كيف شوه المتدينون الآلهة والاديان
- هل يمكن إصلاح الرأسمالية؟
- التقدم والتخلف في قصة قصيرة
- من مصائب الثورة الصناعية الرابعة
- هل انتشر الإسلام بالسيف؟
- من غرائب اقتصاديات السلوك الإنساني
- العلمانية المظلومة عند العرب
- من عبقريات ماركس وإخفاقاته
- الأديان وحرية السؤال والتفكير
- (2) أهم مراكز الفكر في العالم


المزيد.....




- كاميرا ترصد مشهدًا طريفًا لأسد جبلي وهو يستريح على أرجوحة شب ...
- فيديو يظهر إعصارا مدمرا يسحق منزلًا في تكساس.. شاهد ما حدث ل ...
- نتنياهو: قررنا إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية في إسرائيل
- البطريرك كيريل يهنئ الرئيس بوتين بعيد الفصح
- بحث أكاديمي هولندي: -الملحدون- في المغرب يلجأون إلى أساليب غ ...
- شاهد: الرئيس الروسي بوتين يحضر قداس أحد القيامة في موسكو
- الصين تكشف عن نموذج Vidu للذكاء الاصطناعي
- كيف يؤثر التوتر على صحة الأسنان؟
- الحوثيون: إسرائيل ستواجه إجراءات مؤلمة
- زيلينسكي مهنئا بعيد الفصح: -شيفرون بعلم أوكرانيا على كتف الر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - ماذا يريد سفاح السودان الجديد