أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الرحمن علي غنيم - النزاعات الداخلية في القانون الدولي الإنساني















المزيد.....


النزاعات الداخلية في القانون الدولي الإنساني


عبد الرحمن علي غنيم
كاتب وباحث

(Abdulrahman Ali Ghunaim)


الحوار المتمدن-العدد: 6303 - 2019 / 7 / 27 - 02:37
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


المقدمة
من أهم السمات البارزة في التطور المعاصر للقانون الدولي العام بزوغ فروع جديدة، مستقلة ومتميزة، لهذا القانون بما يواكب التغيرات الحادثة في شتى مجالات الحياة الدولية، حيث يمتد جذور القانون الدولي الإنساني إلى زمنٍ بعيد في التاريخ الإنساني الذي شهد الويلات والمآسي نتيجة الحروب والنزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية.
ومن فروع القانون الدولي العام في سياق هذا الدراسة هو القانون الدولي الإنساني الذي يتعلق بتنظيم القواعد المستمدة من العرف الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها، ومنها اتفاقيات جنيف الذي سيتم من خلالها دراسة موضوع النزاعات المسلحة غير الدولية في إطار عملي ونظري بما يتعلق بموضوع نزاع مسلح غير دولي بين القوات المسلحة الحكومية وبين قوات الثوار والمتمردين في الدولة.
سوف أقدم في هذا البحث عرض مفصل وذلك من خلال التطرق إلى ماهية النزاعات المسلحة غير الدولية في نطاق القانون الدولي الإنساني، من خلال الجهود التي عملت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومدى حظر استخدام الأسلحة الكيماوية والأسلحة النووية وتنظيمها، ومدى حماية المدنيين من الأطفال والنساء في حالة النزاع المسلح داخل حدود و إقليم الدولة، وما هي المبادئ الأساسية المتعلقة بقواعد القتال وسلوكه، بحيث تهدف إلى إيصال المعنى العام لهذه الدراسة.
المطلب الأول
النزاعات المسلحة غير الدولية
مما لا شك فيه أن النزاعات المسلحة غير الدولية، تعد قديمة قدم الدولة، فهذه الأخيرة كثيراً ما تجد نفسها في نزاع مسلح داخلي تغذيه أسباب عديدة، أو حرب أهلية تهدف إلى القضاء على النظام القائم وتغييره بآخر، أو نزاع مسلح بين جماعتين متعارضتين أو أكثر، تريد الوصول إلى سدة الحكم، وغيرها من النزاعات المسلحة غير الدولية، التي تختلف صورها وتتعدد، ولكنها تشترك في الوحشية وثقل الحصيلة من الضحايا، التي عادةً ما تخرج بها هذه النزاعات، نظراً للطبيعة الخاصة التي تتميز بها، من معرفة المقاتلين لبعضهم البعض، والحقد الذي يكنه كل طرف للآخر، والاعتماد في القتال على حرب العصابات والشوارع في أغلب الأحيان، إضافة إلى مشاركة كل من العسكريين والمدنيين فيها، مما يجعل جبهاتها غامضة المعالم.
وغالباً ما تكون الصراعات المسلحة الداخلية لأسباب متشابهة بين الدول للعديد من المنازعات في القرن الحادي والعشرين مستغلة الاختلافات العنصرية والعرقية والدينية والثقافية والسياسية، لتحريض طائفة ضد أخرى، وفي مثل هذه الظروف يرجح أن يستخدم العنف ضد المدنيين بشكل خاص كسلاح للحرب، فقد يصبح المدنيون الذين ينتمون إلى جماعة عنصرية أو عرقية أو دينية معينة أهدافاً للعنف الذي يستهدف سلامتهم الجسمية والتشريد وقدرة النساء الإنجابية، على اعتبار أنهن يحملن الهوية الثقافية للجماعة، ويقمن بإعادة إنتاج مجتمعهن وقد كانت بعض الصراعات غير الدولية أشد مرارة وقسوة إذ يتعرض المدنيون للقتل والتشريد والتدمير.
وينصرف اصطلاح النزاعات المسلحة غير الدولية- كقاعدة عامة- إلى النزاعات المسلحة التي تثور داخل حدود إقليم الدولة بين السلطة القائمة من ناحية وجماعة من الثوار أو المتمردين من جانب آخر.
وكان من شأن تزايد النزاعات المسلحة غير الدولية أن لحقها قدر من التنظيم الدولي يمكننا رصده من خلال المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع، الصادرة في عام 1949م التي عبرت بقولها "في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية":
1. الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزين عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة، أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
أ‌- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
ب‌- أخذ الرهائن.
ت‌- الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
ث‌- إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً. وتكفل جميع الضمانان القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2. يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.
يجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.
وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقيات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها.
وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.
ثم من خلال البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، التي عبرت بقولها المادة الأولى:
1) يسري هذا الملحق "البروتوكول" الذي يطور ويكمل المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف المبرمة في 12 آب/ أغسطس 1949م دون أن يعدل من الشروط الراهنة لتطبيقها على جميع المنازعات المسلحة التي لا تشملها المادة الأولى من الملحق "البروتوكول" الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/ أغسطس 1949م، المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة الملحق "البرتوكول" الأول والتي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة، وتستطيع تنفيذ هذا الملحق "البروتوكول".
2) لا يسري هذا الملحق "البروتوكول" على حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية الندري وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة.
المطلب الثاني
الأسلحة الكيماوية والأسلحة النووية في القانون الدولي الإنساني
يوماً بعد يوم تتقدم وسائل الإنسان التدميرية، وبالمقابل تنشط المنظمات الدولية لتجنيب الجنس البشري ويلات هذه الأسلحة المدمرة ومنها الأسلحة الكيماوية والنووية. ونظراً للآثار الوخيمة التي تنتج عن استعمالها لا بد التطرق إلى ماهية هذه الأسلحة من جهة، وإلى نطاق خطرها من جهة أخرى. وهذا من خلال الفرعيين التاليين:
الفرع الأول
الأسلحة الكيماوية
يقصد بالأسلحة الكيماوية تلك الأسلحة التي تصنع من مواد كيماوية وتكون لها خاصية التسميم والقتل مثل الغازات الخانقة وغاز الأعصاب الذي يؤدي إلى شلل الأعصاب.
وقد عرفت المادة الثانية من اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة بمصطلح "الأسلحة الكيميائية" ما يلي، مجتمعا أو منفردا:
1) المواد الكيميائية وسلائفها، فيما عدا المواد المعدة منها لأغراض غير محظورة بموجب هذه الاتفاقية ما دامت الأنواع والكميات متفقة مع هذه الأغراض.
2) الذخائر والنبائط المصممة خصيصا لإحداث الوفاة أو غيرها من الأضرار عن طرق ما ينبعث نتيجة استخدام مثل هذه الذخائر والنبائط من الخواص السامة للمواد الكيميائية السامة المحددة في الفقرة الفرعية (أ).
3) أي معدات مصممة خصيصاً لاستعمال يتعلق مباشرة باستخدام مثل هذه الذخائر والنبائط المحددة في الفقرة الفرعية (ب).
القاعدة 74 يحظر استخدام الأسلحة الكيميائية ينطبق حظر استخدام الأسلحة الكيميائية الواردة في اتفاقية الأسلحة الكيميائية في كل الظروف، بما في ذلك النزاعات المسلحة غير الدولية, بالإضافة إلى ذلك، تتضمن عدة صكوك أخرى تتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية هذا الحظر. وتنص عدة كتيبات عسكرية تنطبق، أو جرى تطبيقها، في النزاعات المسلحة غير الدولية على حظر استخدام الأسلحة الكيميائية. وتتضمن تشريعات دول عديدة أيضاً هذا الحظر. أن حضر استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاعات المسلحة غير الدولية جزء من القانون الدولي العرفي.
وأكدت اللجنة الدولية ضرورة احترام المعايير القانونية والأخلاقية القائمة من طرف الدول، والالتزام بما جاء به القانون الدولي الإنساني من حظر لهذه الأسلحة.
إذا بحثنا في نطاق حظر الأسلحة الكيماوية، نجد ورود كثير من المعاهدات والمواثيق الدولية تتعلق بهذا الموضوع. وترجع جذور هذا الحظر إلى مؤتمر السلام الأول المنعقد في لاهاي عام1899م.
وفي 13/1/1993م جاءت اتفاقية باريس لتبين حظر الأسلحة الكيماوية بصورة شاملة، أي منع تصنيعها وتخزينها واستعمالها، كما نصت الاتفاقية على الالتزام بتدمير تلك الأسلحة، وعلى تكوين منظمة لحظر الأسلحة الكيماوية يكون مقرها بلاهاي، وعضويتها مفتوحة لجميع الأطراف المتعاقدة.
وقد نصت المادة الأولى على الالتزامات العامة من الاتفاقية بشأن حظر استحداث وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة على ما يلي:
1) تتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بألا تقوم تحت أي ظرف:
أ‌- باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو احتيازها بطريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها.أو نقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي مكان.
ب‌- باستعمال الأسلحة الكيميائية.
ت‌- بالقيام بأي استعدادات عسكرية لاستعمال الأسلحة الكيميائية.
ث‌- بمساعدة أو تشجيع أو حث أي كان بأي طريقة على القيام بأنشطة محظورة على الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية.
2) تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر الأسلحة الكيميائية التي تملكها أو تحتازها، أو تكون قائمة في أي مكان يخضع لولايتها أو سيطرتها، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية.
3) تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر جميع الأسلحة الكيميائية التي خلفتها في أراضي أي دولة طرف أخرى، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية.
4) تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر أي مرفق لإنتاج الأسلحة الكيمائية تمتلكها أو تكون في حيازتها أو تكون قائمة في أي مكان يخضع لولايتها أو سيطرتها، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية.
5) تتعهد كل دولة طرف بعدم استعمال عوامل مكافحة الشغب كوسيلة للحرب.
الفرع الثاني
الأسلحة النووية
ترى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن استعمال الأسلحة النووية يشكل أخطر التهديدات لبقاء البشرية، ويجد بعض قضاة محكمة العدل الدولية أن تلك الأسلحة تلغي معنى للضرورة، وقد جاء في احد قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة: أن المرء لا يسعه أن يقيس إلا ما هو قابل للقياس.
"إن محكمة العدل الدولية تتعمق لأول مرة في تحليل القانون الدولي الإنساني الذي ينظم استخدام الأسلحة، إننا نري مع الارتياح أنها أكدت من جديد بعض القواعد التي وصفتها بأنها "غير قابلة للخرق"، وبخاصة الحظر المطلق لاستخدام أسلحة تصيب بطبيعتها دون أي تمييز، وكذلك حظر استخدام أسلحة تسبب آلاما مفرطة لا داعي لها. كما نلاحظ مع الارتياح أن المحكمة تؤكد أن القانون الإنساني ينطبق على كل الأسلحة دون أي استثناء، بما في ذلك الأسلحة الجديدة. ونحرص في هذا الصدد علي التأكيد أنه لا يوجد في أي استثناء لتطبيق هذه القواعد في أي حال من الأحوال. فالقانون الدولي الإنساني يمثل في حد ذاته الحاجز الأخير لأعمال الوحشية والفظائع التي بإمكان الحرب أن تجرها بكل سهولة. وهو ينطبق علي نحو مماثل وفي كل وقت علي جميع أطراف النزاعات.
وبالنسبة إلى طابع الأسلحة النووية، فإننا نلاحظ أن المحكمة استنتجت على أساس البراهين والأدلة العملية المقدمة أن القوة التدميرية للأسلحة النووية لا يمكن احتواؤها في حيز أو زمن.
المطلب الثالث
حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني
القاعدة 6 وبمقتضى المادة 13/3 من البروتوكول الإضافي الثاني، للمدنيين حصانة من الهجمات المباشرة "ما لم يقوموا بدور مباشر في العمليات العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور" وترد هذه القاعدة في صكوك قانونية أخرى تتعلق أيضاً بالنزاعات المسلحة غير الدولية.
نصت المادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية على ما يلي:
1) يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية ويجب لإضفاء فاعلية على هذه الحماية مراعاة القواعد التالية دوماً.
2) لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون محلاً للهجوم وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
3) يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية التي يوفرها هذا الباب، ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدي الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور.
واهم فئة في السكان المدنيين هي فئة (النساء، والأطفال فضلاً عن العجزة). أما الفئات التي تنضوي ضمن الأشخاص المدنيين فهي عديدة، منها على سبيل المثال (موظفو الخدمات الإنسانية، والأجانب، واللاجئون، والصحفيون).
ومن القواعد العامة المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية، المنطقة أثناء المنازعات المسلحة غير الدولية ما يلي:
1) التمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين الالتزام بالتمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دوليين وتحظر بخاصة الهجمات العشوائية.
2) حصانة السكان المدنيين حظر شن أية هجمات على السكان المدنيين بصفتهم هذه أو على الأشخاص المدنيين هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي. وأعمال العنف التي تستهدف أساسا إشاعة الرعب بين السكان المدنيين هي أيضاً محظورة.
3) حظر الآلام التي لا داعي لها حظر الآلات التي لا داعي لها هو قاعدة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي، وتحظر بخاصة اللجوء إلى وسائل القتال التي تضاعف دون جدوى عذاب الأشخاص العاجزين عن القتال أو التي تجعل من موتهم أمرا محتوما.
المطلب الرابع
المبادئ الأساسية المتعلقة بقواعد القتال وسلوكه
تشكل هذه القواعد بمجموعها سواء كانت عرفية أم اتفاقية, المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني, وهي في الحقيقة نتاج تسويةَ بين مبدأين متعارضين وهما مبدأ الإنسانية ومبدأ الضرورة العسكرية, ويحكم هذين المبدأين مبدأ ثالث يعمل على التوفيق بين تلك الاعتبارات الإنسانية والضرورة العسكرية وهو مبدأ التناسب, وهذا ما سنحاول بيانه من خلال ثلاثة مبادئ كالآتي:
أولا: مبدأ الإنسانية
أخذ قانون النزاعات المسلحة غير الدولية بهذا المبدأ و أكده, إذ ألزم أطراف النزاع المسلح غير الدولي أن يعاملوا الأشخاص المحميين في جميع الأحوال معاملة إنسانية من دون أي تمييز مجحف يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل أخر.
كما نصت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م سالفة الذكر والمادة رقم 4/1 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية والتي تنص "يكون لجميع الأشخاص الذين لا يشتركون بصورة مباشرة أو الذين يكفون عن الإشراك في الأعمال العدائية سواء قيدت حريتهم أم لم تقيد الحق في أن يحترم أشخاصهم وشرفهم ومعتقداتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية ويجب أن يعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز مجحف. ويحظر الأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة.
ثانياً: مبدأ الضرورة العسكرية
أخذ قانون النزاعات المسلحة غير الدولية بمبدأ الضرورة العسكرية, فقد أشارت المادة (15) من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م, إلى حظر مهاجمة المنشآت المحتوية على قوى خطرة حتى لو كانت أهدافاً عسكرية, إذا كان من شان ذلك أن يلحق خسائر فادحة بالسكان المدنيين, كما حظرت المادة (17) من البروتوكول ذاته الترحيل القسري للمدنيين, ما لم تبرره الضرورات العسكرية الملحة.
وأخذ بهذا المبدأ أيضا الإعلان المتعلق بتسيير الأعمال العدائية أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية لعام 1990م في الفقرة (8) منه , التي تلزم أطراف النزاع باتخاذ تدابير احتياطية عند شن أي هجوم.
ثالثاً: مبدأ التناسب
يعد مبدأ التناسب, أحد المبادئ الجوهرية التي يجب تطبيقها أثناء النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أم غير دولية, لأنه يهدف إلى الحد أو التقليل من الخسائر و أوجه المعاناة المترتبة على العمليات العسكرية سواء بالنسبة للأشخاص أو الأشياء.
أن مبدأ التناسب لم يرد في الأحكام المنظمة للنزاعات المسلحة غير الدولية بشكل صريح, لا في المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م, ولا في البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977وانما ورد بشكل ضمني, غير انه تم دمجه في نصوص أخرى تنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية, إذ ورد المبدأ المذكور في الفقرة (8) من الإعلان المتعلقة بتسيير الإعمال العدائية في النزاعات المسلحة غير الدولية الصادر عام 1990م.
جاءت الفقرة (8) تحت عنوان "تدابير احتياطية عند شن أي هجوم" وقد نصت على أن (القواعد العامة التي تلزم بالتمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين وتحظر شن هجمات على السكان المدنيين بصفتهم هذه أو على الأشخاص المدنيين فتلزم ضمنا , لكي يمكن تنفيذها , اتخاذ كل التدابير الاحتياطية الممكنة عمليا لتفادي إصابة السكان المدنيين بالجروح أو الخسائر أو الأضرار).
أهم النتائج:
 أن قواعد القانون الدولي الإنساني تقوم على فكرة الإنسانية، والتخفيف قدر الإمكان من ويلات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وآثارها.
 إن القانون الدولي الإنساني قام على مبدأ الإنسانية وقيده بمبدأ الضرورة العسكرية, ويعد المبدأ الأول من المبادئ العامة بالقانون الدولي الإنساني ويتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة, أما المبدأ الثاني فيمثل مبادئ خاصة يتعلق بظروف النزاعات المسلحة, ولتحقيق التوازن بين هذين المبدأين أوجد القانون الدولي الإنساني مبدأ التناسب, الذي يعد من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني.
 إن اغلب القواعد المتعلقة بوسائل القتال وأساليبه أثناء النزاعات المسلحة هي قواعد عرفية.
 أن حظر الأسلحة العشوائية في القانون الدولي الإنساني يجد أساسه في لائحة لاهاي لعام 1907م, التي تقضي بأن حق أطراف النزاع في اختيار وسائل القتال وأساليبه هو حق مقيد.
 يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.

المراجع
1. سلوان جابر هاشم، حالة الضرورة في القانون الدولي الإنساني، المؤسسة الحديثة للكتاب، الطبعة الأولى، سنة 2013م.
2. اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة.
3. جون- ماري هنكرتس، لويز دوزوالد- بك، القانون الدولي الإنساني العرفي، "المجلد الأول القواعد"، جامعة كامبريدج، سنة 2007م.
4. د. احمد سي علي، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار الأكاديمية، الطبعة الأولى، سنة 2011م.
5. د. حيدر كاظم عبد علي، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والإنسانية، العدد الثاني/ السنة الرابعة، بدون دار نشر.
6. د. سيف غانم السويدي، المسؤولية الجنائية للقادة والرؤساء والدفع بأوامرهم أمام القضاء الجنائي الدولي، أكاديمية شرطة دبي، مركز البحوث والدراسات، الطبعة الأولى، 2013م.
7. د. مصلح حسن احمد عبد العزيز، مبادئ القانون الدولي الإنساني، دار الحامد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، سنة 2013م.
8. د. هشام بشير، الأستاذ، إبراهيم عبد ربه إبراهيم ، المدخل لدراسة القانون الدولي الإنساني، المركز القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، سنة 2012م.
9. المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة العاشرة، العدد 53، كانون الثاني/ يناير- شباط/ فبراير، 1997م.
10. وائل أنور بندق، موسوعة القانون الدولي الإنساني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، سنة 2004م.



#عبد_الرحمن_علي_غنيم (هاشتاغ)       Abdulrahman_Ali_Ghunaim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آليات تنفيذ وتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الرحمن علي غنيم - النزاعات الداخلية في القانون الدولي الإنساني