فلسفة هاروكي موراكامي

نورالدين خنيش

الحوار المتمدن-العدد: 6248 - 2019 / 6 / 2 - 08:02
المحور: الادب والفن
    

BURNING TRAILER المستوحى من إحدى قصص الكاتب الياباني هاروكي موراكامي يغوص بنا هذا الفيلم في غياهب النفوس الهشة التي تتناثر في الواقع وتتسم بالطموح وضعف الشخصية من هذا الفيلم تدرك أهمية العامل النفسي وحجم الإرادة التي يحتاجها الإنسان من أجل مواجهة الحياة
فالبشر الذين يغمرهم الطموح قد يفعلون أي شيء لأجل تحقيق أهدافهم ويستندون لأي شخص يمنحهم شعلة تنير دربهم وفي نفس الوقت هم ملزمون بتقديم تنازلات تتسبب بإحتراقهم في نهاية المطاف شبههم هاروكي^ بالبيوت البلاستكية ^ في صورة بلاغية منمقة ، هاته البيوت البلاستكية هن فتيات مراهقات يتسمن بالهشاشة والضعف مما يسمح لأي كان باستغلالهن وتصفية طموحهن و إنهاء حياتهن وقد تتعدد النهايات لكن المغزى واحد!!
في رواية 1Q84 استهل هاروكي موراكامي روايته بهذه المقولة *لا تدعي المظاهر تخدعك* تتناسق هاته الجملة وفكرة الفيلم الذي يشّرح العالم الغارق في الزيف هاروكي موراكامي دوما ما يخوض في المواضيع التي تثير جدلا كبيرا سواء على المستوى التاريخي أو السياسي لبلاده كالمجموعات المتطرفة التي تطرق إليها في روايته و 1Q84 وتتسبب أعماله في فتح جروح إندملت رغبة منه في تصحيح الواقع وابداء رأيه في تاريخ قد يكون مغلوطا،لا يفوتني أن أتحدث عن الثيمات التي يعتمدها هاروكي فهو يتعمد في أن يجعل لها دورا بارزا في رواياته كالقطط والفتاة صاحبة الميولات الغريبة موسيقى الجاز التي تعد شغفه في رواياته و غيرها من الأمور
للقطة دورا بارز في الفيلم كما أن البطلة أوكلت مهمة رعايتها للبطل وكانت القطة هي مفتاح اللغز في الفيلم إن دورها كان هاما جدا وبارزا هاته السمة يمكن لأي مطلع على أعمل هاروكي أن يجزم بأن قصة الفيلم مستوحاة من الروائي هاروكي الذي يخلق فنا جديدا ويعمل على تطوير فن الرواية ببراعة
علم النفس في أعمال هاروكي
الموسيقى ، القطط، العزلة ثلاثة تعويذات يستدعي بها هاروكي الإلهام ليدخل إلى عالم الإبداع إذ يقول بأن بين العالم الحقيقي وعالم الإبداع بوابة ولكن يجب أن تصل إلى مرحلة متقدمة جدا من السلام الداخلي لكي تفتح تلك البوابة وتنطلق ، يركز هاروكي على نفسية شخصياته كاراوي فيحاول أن يعكس الأزمات النفسية التي تختلج البشر وهذا ما يتجسد في أحلام شخصياته وذكرياتها و أفكاره :
أكثر ما يُخيفني هو أنا ... أخافُ ألا أعرف ماذا* سأفعل ... أخافُ مما أفعلُهُ الآن.
والمقولة التالية في رواية سبوتنيك الحبيبة مثال قاطع عن أهمية توضيف الأحلام لدى ششخصياته-
▪"ثمَّـة مناطِقٌ خطِـرَةٌ في الذِّكريَـات، وكلَّمَـا صادفنَاهَـا نتخلَّـى عنِ البحثِ ونصعــدُ إلى أرضٍ أعلَـى بحيويَّـة.
لهاروكي فلسفة خاصة في الكتابة يعكس من خلالها شغفه بكافكا كما جاءت إحدى رواياته العبقرية بعنوان * كافكا على الشاطيء و وجورج أوريل الذي وضف أحداث رواية 1984 في رواية 1Q84 كما يعكس الثقافة اليابانية في كل أعماله لكنه يركز على العامل النفسي فأغلب الأحداث التي تقع في رواياته تكون داخل الشخوص بينها وبين ذاتها تلك أعظم رواية يمكن أن يكتبها الإنسان وهي الحرب التي تدور داخلنا حرب خفية لا نعلمها إلا نحن خفية على الآخر وان نبلغ الذروة لكي نتمكن من الكتابة عنها كما فعل موراكامي تلك قمة الهيمنة على العقل والقلم لينتج لنا إبداع فذ موراكامي لا يخرج أبدا عن التقاليد فالملاحظ أن كل أسماء الشخصيات تكون يابانية وهذا ما يؤكد الرابط الوثيق بينه وبين وطنه اذ لا تجده يستخدم أسماء غريبة عن مجتمعه فهو محافظ على كل ما هو يباني في الشخصيات لكنه يعتمد على ما هو إنساني في باقي المجالات كالموسيقى والسيارات وغيرها
عندما تفتح كتاب هاروكي موراكامي أنت تخوض رحلة لاكتشاف الذات ستجد نفسك في كل ورقة تطويها كل جملة ستترك فيك أثرا عميقا يستفحل داخل قلبك هاروكي قاتل الملل في إبداعاته اذ لا يمكنك أن تترك عملا دون ان تكمل قراءته في صميم عالم هاروكي يكمن سؤال الحب وكيف نجده وكيف نمسك به عندما تنتهي من إعمال موراكامي ستجد نفسك في عالم موازي غير هذا الذي تعيش فيه عالم تسكنه روحك انت من تصنع قواعده ستكون فيه فيلسوفا وراهبا واماما تقود صفوف المسلمين وملحدا تكافح من اجل فهم الطبيعة والبشرية ستفجر روحك لكي تبحث عن قالبها الجديد بعيدا عن جسدك المرهق، هاروكي يجعلك تسبح في عالم لزج غير متماسك يسلمك فيه دفة القيادة لتغوص في الأعماق كلما رميت النرد مقامرا على نفسك في التحكم بهذا العالم ستكتشف ذاتك وتتحكم بها لتعكس سيطرتك على الآخر عندما تفتح كتب هاروكي انت تفتح ذاتك وعندما تلج عالمه انت تسيطر على عالمك كتب موراكامي في رفوف المكتبات هي جوهر البشرية فهل انت مستعد لتطلع على جوهرك ؟؟

#نورالدين_خنيش (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات