أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رجراحي عبد الرحيم - رمضان...شهر للتذكير بالحرية الدينية














المزيد.....

رمضان...شهر للتذكير بالحرية الدينية


رجراحي عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 6224 - 2019 / 5 / 8 - 00:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رمضان...شهر للتذكير بالحرية الدينية
عبد الرحيم رجراحي

كلما حل شهر رمضان، إلا وتبدأ معه كثرة الجدال عن الصيام والقيام، وعن تبادل الاتهامات بين الممسكين عن الطعام وبين المتذمرين من حرمانهم من الأكل والشرب في واضحة النهار؛ بين من يريدون تطبيق شريعة الفقهاء وبين من يعترضون على أية وساطة بينهم وبين من يتربع عرش سبع سماوات؛ بين من يسعون لتغيير ما يرونه منكرا بألسنتهم بل بأيديهم خارج القانون وبين من يحذرون من أن يتحول من يزعمون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى حفار قبر سلطة الدولة وهيبتها؛ بين من ينادون بالأوامر الإلهية وبين من يذكرون بحكمة القوانين الوضعية. والحال أن هذه الجدالات الحامية الوطيس التي يندلع لهيبها ويتطاير شرارها ويتردد صداها كلما أهل شهر رمضان ليست إلا نقاشات جزئية لإشكال عام هو إشكال الحرية الدينية، وهو ما سيكون موضوع مقالنا، لا لنقول فيه الكلمة الفصل، فهذا مما لا يسمح به المقام، وإنما لكي نذكر ببعض المبادئ الأساسية التي يؤدي نسيانها أو تجاهلها إلى حروب مدمرة لا تبقي ولا تذر.

اعلم أن الحرية الدينية ضرب من ضروب الحريات التي يتحقق بفضلها التعايش بين الناس، وتنشب بانعدامها الحروب بينهم؛ لذلك فهي حرية لا غنى للمجتمعات البشرية عنها للعيش في سلام ووئام، ولا سيما أن الواقع، القديم أو الحديث، يشهد على أن انعدامها يكرس التعصب والعداء وما يستتبعهما من عنف وحرب مدمرين؛ ولعل هذا ما يفسر اهتمام المفكرين، قديما أو حديثا، في الغرب أو في الشرق، بمسألة الحرية الدينية، والنضال من أجل تحقيقها، ضدا على كافة أشكال التعصب الديني والسياسي والعرقي والاجتماعي وهلم جرا. فما هي حسنات الحرية الدينية؟ وما عوائق تحقيقها؟ وكيف يمكن التأسيس للحرية الدينية على مستوى النظر من جهة والعمل من جهة أخرى؟

إن الحرية الدينية من شأنها أن تؤسس لثقافة التعايش والاختلاف؛ ذلك أنها تقوم على أسٍّ مفاده أن الأصل بين الناس هو الاختلاف وليس الاتفاق؛ يترتب على هذا المبدأ أن الإنسان من حقه أن يمارس ما شاء من الطقوس الدينية، دون إكراه ولا إجبار، وهو ما يتناسب مع مبدأ وارد في القرآن مقتضاه "لا إكراه في الدين"، ما دام الإنسان لم يتعد على حقوق الآخرين؛ الأمر الذي يعني أن الحرية الدينية للإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، قياسا على تحديد جون بول سارتر لمفهوم الحرية بصفة عامة، بل إن الحرية، هاهنا، تعني، من جملة ما تعنيه كذلك، احترام الحدود، أي حدود الذات تجاه الآخر.

يترتب على منظورنا هذا للحرية الدينية أن تكون هذه مدخلا من مداخل تحقيق التعايش، بما هو اعتراف بالآخر المختلف عني، وصيانة حقوقه بالقدر الذي لا أرضى لنفسي أن يسلبني أحد حقوقي، بما فيها الحق في الحرية الدينية، ما دام هذا الحق حق ذاتي يخصني؛ إذ أنا وحدي، وليس آخر سواي يعلم بما من شأنه أن يحقق طمأنينة نفسي من معتقدات وطقوس، وهو ما عبر عنه فولتير في مؤلفه حول التسامح بالقول: "قد أختلف معك، ولكني على استعداد لكي أموت دفاعا عن حقك في الاختلاف"؛ فالاختلاف الديني إذاً لا يفسد للود قضية، ولا سيما أنه سنة كونية، بل هو إرادة إلهية كما ورد في القرآن؛ إذ لو شاء الله لجعلنا نعتقد في إله واحد، ونسلك الطقوس نفسها لتوسله وحمده وشكره على نعمه، غير أنه أجاز الاختلاف، فطفق كل ذي عقل يختار لنفسه شرعة ومنهاجا، وهذه لعمري حكمة لا يدركها إلا من أعمى التعصب بصيرته.

لكن تجدر الإشارة إلى أن البعض يزعمون أنهم يدينون بالدين الأصح على الاطلاق، ويحملهم هذا الزعم على إكراه الآخرين بالاعتقاد في معتقدهم واقتفاء أثرهم، ولاسيما أن المنطق الذي يحكم زعمهم هذا منطق ثنائي القيم، منطق يكرس ثنائية ميتافيزيقية مفادها أنهم مؤمنون وما عداهم كفار؛ وهو المنطق نفسه الذي يسوغون به لأنفسهم التشنيع والتعريض بأغيارهم، والحال أن منطق التمييز والإقصاء والإبعاد هذا يتعارض مع مبدأين دينيين أصيلين وردا في القرآن كذلك: يقر الأول بحرية الاختيار بين الايمان والكفر؛ ويوسع الثاني من هذا الاختيار ليشمل مختلف سبل العبادة والتدين، بدعوى أن الله هو العليم بمن هو أهدى سبيلا، ولا أحد يملك سلطة الفصل في معتقدات الناس الدينية، اللهم إن أراد أن يستغل اسم الله، لقضاء مآرب شخصية ما أنزل الله بها من سلطان؛ الأمر الذي يحدوه للتعصب للرأي الواحد، وإغلاق باب التحاور، والمصادرة على المطلوب، والمبالغة في تقدير نظرية المؤامرة، وإساءة الظن بالآخر، مع سابق العلم أن الأصل في الدين هو إحسان الظن.

يتم صيانة الحرية الدينية إذاً بالنهوض بعملين: الأول نظري، والثاني عملي؛ فأما الأول فيتمثل في التأصيل للحرية بصفة عامة، والحرية الدينية بصفة خاصة، لبيان مدى كونها ضمانة من ضمانات التعايش والاختلاف، وحسن تدبيرهما بما يتناسب مع الحقوق الإنسانية الكونية، وما يقتضيه واجب الاعتراف بالآخر الذي بقدر ما يشبهني، بقدر ما يختلف عني. غير أن هذا الجانب النظري على الرغم من أهميته، فإنه لا محيد له عن جانب عملي لا يقل عنه أهمية، ويتمثل في جعل هذه الخلاصات النظرية ملزمة على مستوى الواقع، من خلال ترسيمها في القوانين التي تنظم علاقة الفرد بالمجتمع، وتضمن لكل ذي حق حقه.

يتحصل، بناء على ما سبق، أن الحرية الدينية شرط من شروط التأسيس لمجتمعات متعايشة، تؤمن بالاختلاف، وتحسن تدبيره، وتنتفض ضد كل من سولت له نفسه التحديق به، من أجل فرض الرأي الواحد، وإذكاء نار الفتنة بين الناس، لقضاء مصالح شخصية ترهب بني البشر، وتحول دون طمأنينتهم وسكينتهم، وحرية معتقداتهم وتدينهم؛ لذلك حري بنا النضال على تحصينها من كافة أشكال الإكراه المحدقة بها، وهو نضال يزاوج بين النظر والعمل، لكي لا يبقى القول في الحرية الدينية، مجرد شعار للاستهلاك السياسوي أو لحاجة في نفس يعقوب، بل قولا تظهر نتائجه العملية على مستوى الواقع المعاش.



#رجراحي_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ماهية التعاقد الاجتماعي
- الحرية الدينية
- الخطاب الماركسي بين الانغلاق والانفتاح


المزيد.....




- كتاب مثير لساركوزي: هكذا عشت بالزنزانة وعرفت أهمية الجذور ال ...
- كتاب مثير لساركوزي: هكذا عشت بالزنزانة وعرفت أهمية الجذور ال ...
- دعوة إلى إضراب عام في سوريا.. الطائفة العلوية تتحتج على سياس ...
- أندريه زكي يواصل جولته بالأردن: حوارات موسّعة حول واقع الكني ...
- قرى مسيحية بالشمال السوري تستقبل أهلها من جديد بعد سنوات الن ...
- من القاعدة إلى محاولة اغتيال السيسي.. كيف وظف الإخوان العنف؟ ...
- عودة المسيحيين إلى قراهم في شمال سوريا بعد سقوط نظام الأسد
- مسؤول لجنة التفكيك: الإخوان يسيطرون على الدولة السودانية
- نحمان شاي: إسرائيل مطالبة بإعادة تقييم علاقاتها مع يهود الشت ...
- دول عربية وإسلامية تستنكر خطة صهيونية في رفح


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رجراحي عبد الرحيم - رمضان...شهر للتذكير بالحرية الدينية