اغتراب رسالة أيار في البنية الاجتماعية الأبوية

سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 6217 - 2019 / 5 / 1 - 11:26
المحور: ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي
    

اغتراب رسالة أيار في البنية الاجتماعية الأبوية -1
قبل عقود خلت كانت المهرجانات والمسيرات تنظم احتفاءً بعيد العمال وترفض الجهات الرسمية اعتماده عيدا؛ واليوم تعطل الدوائر الرسمية في الأول من أيار، وتندر المهرجانات والاحتفالات. لا يحتفل العمال بعيدهم. والطبقة العاملة ، كما يقول ماركس ، إذ تحرر نفسها ، فإنها تحرر المجتمع بأسره. رسالة أيار في التحرر الإنساني تبقى مجهولة او مغيبة. إحدى أبرز قيم أيار ، العلم المرشد للإنتاج ولمجمل حياة الجماهير الشعبية، وكذلك التنظيم والانضباط والرؤية المستقبلية هي من ثمرات النضال الطبقي لعمال الصناعات القائمة على مبدأ غدخال العلم في الإنتاج. إلا أن تفوق قوى المحافظة، التي تدير ظهرها للعلم وتتبنى رؤى ماضوية، على قوى التقدم في الجامعات الفلسطينية تشكل مفارقة تحمل دلالتين :الأولى قصور التعليم والتعليم الجامعي في إشاعة المعرفة العلمية بما يهبط بمنسوب الثقافة الاجتماعية ببين خريجي الجامعات ؛ والثانية قصور أحزاب التقدم في مجال التربية السياسية والثقافية لكوادرها ، خاصة بين الطلبة، بما يعوض تقزيم حيز الثقافة في مناهج التعليم وأساليبه. ثورية الحزب السياسي تتجلى في إنجاز مهمة نقل فكر التغيير الاجتماعي إلى الطبقة العاملة من خارجها. تخيل لينين الحزب الثوري يربط رسالة الحزب ارتباطا وثيقا بنظريته في الحزب الطليعي، ينصهر فيه العمال والمثقفون المحترفون السابقون في وحدة واحدة متماسكة. في رثاء ماركس قال إنجلز،" لقد علمنا الطبقة العاملة ان تعرف نفسها وان تعي ذاتها وإحلال العلم محل الأحلام" . فالحزب الثوري اكثر اقسام الطبقة العاملة وعيا وهو سلاح كسب السلطة السياسية وتدعيمها وامتلاك الفهم والمعرفة والبصيرة، كما قدر لينين.
يعكس تفوق المحافظة داخل الحرم الجامعي تفوق ثقافة المحافظة وأحلامها ونظرتها الماضوية بدل التطلع للمستقبل؛ وداخل المجتمع يترجم تفوق المحافظة في الواقع العملي ضعف ثقافة التحرر ، وفي الأساس والجوهر ، التحررمن احتلال إحلالي إقتلاعي ووقف اندفاعته في نهب الأرض والتوسع الاستيطاني وإعلان الأبارتهايد نهجا رسميا . بل إن المجتمع الفلسطيني حيال المخاطر المحدقة ينخرط في خلافات مربكة ومعطلة لجهود المقاومة الفعالة. ينطبق على المجتمع الفلسطيني المحتل ما ورد في مقالة للدكتور داود خير الله، الأستاذ المحاضر في القانون في جامعة جورجتاون، "قوى الدمار التي تدفع إلى التفكك المجتمعي وتلحق بالمجتمعات العربية الوهن والهزائم في الزمن الذي نعيش، لم تعد في الغالب قوىً وجيوشاً خارجية تصعب أو تسهل مواجهتها أو مقاومتها؛ بل هي قوى وغرائز كامنة في الذات العربية تدفع المجتمع نحو التدمير الذاتي، وكأنّما العدوّ قد نجح في عمليّة تنويم مغناطيسي بحيث أصبح المجتمع بلا وعي ولا إرادة ولا قدرة حتّى على مقاومة عمليّة التدمير".
ولكي لا نمعن في جلد الذات، دون أن نعفي أنفسنا من بعض مسئولية، نتلمس تفسيرا علميا لنشوء غرائز التدمير الذاتي لدى العلامة المصري، الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ علم النفس، تتجسد في ظاهرة خطيرة في مصر،والمجتمعات العربية كافة، " حيث يوجد فى الحيوانات والإنسان ما يسمى «المخ القديم» وهو عبارة عن أجزاء من المخ مسؤولة عن كل عمل اندفاعى يشمل القوة وإشباع الرغبات وعدم الاكتراث بالأخلاق وهذا هو سلوك الحيوان. والإنسان متميز عن الحيوان في عقله بما يسمى «الفص الأمامى بالمخ»، وهذا الفص مسؤول عن الضمير والقيم والتقاليد والأخلاق والإنسانية بمعناها الشامل، وهذا الفص لا يعمل إلا فى وجود الإطار القانونى وتوافر الأمن والأمان وهيبة الدولة؛ وفى حالة غياب تلك الأشياء كما هو الحال الآن تصبح النفس اللوامة معطلة أو بمعنى يصبح الجزء المسؤول عن أعمال الخير والضمير وأحكام العقل غائبا، ويصبح العقل الهمجى الذى لا يلتزم بأى قوانين هو القائم".
وضع الدكتور هشام شرابي إصبعه على البيئة الاجتماعية الحاضنة لفيروسات التدمير الذاتي ونقص المناعة الاجتماعية. هي بيئة نصح لينين ممثلي كادحي الشرق عام 1920، بوجوب التخلص منها اولا؛ إذ هي مجتمع ما قبل الرأسمالية لايحتضن ثقافة العلم ؛ ذلك أن "مجتمع ما قبل الرأسمالية"،الذي نعيشه ، و كما ورد في مؤلف الباحث الماركسي هشام شرابي" البنية الأبوية وإشكالية التخلف في المجتمع العربي" ، "ادى تغلغل الرأسمالية في الاقتصاد العربي الى نشوء رأسمالية تبعية ومزيفة. لم تظهر طبقة برجوازية ناضجة ، ولا طبقة عاملة أصيلة"(24)؛ بل نوع هجين من المجتمع /الثقافة ، أي مجتمع / ثقافة لنظام أبوي مستحدث نراه ماثلا امامنا في الوقت الراهن (22). البنية الأبوية المحدّثة للمجتمعات العربية ، هي بنية تشكلت مع اصطدام النظام الأبوي الممتد منذ قبلية ما قبل الإسلام، بحضارة الغرب. " لم يؤد الاصطدام الى استبدال القديم بنظام جديد؛ إنما فقط الى نقص المناعة الاجتماعية، المتمثلة في تحديث القديم دون تغييره جذريا ؛ فانبثق عنه النظام الأبوي المحدَّث (او المستحدث) وحضارته المخضرمة التي نعيش في ظلها"(ص16) . الوطن العربي ، سواء كان تقدميا او محافظا، لا يتيح حتى الآن لمفهوم الطبقة ان يكون المقولة التحليلية المركزية ..."(56). حلل الباحث النظام السائد في جميع المجتمعات العربية؛ وقدر التجانس تماثلا سطحيا وتشرذما من حيث الجوهر ، ليضع الإصبع على منطويات تخلفه " ليس تخلفاً اقتصادياً أو إدارياً أو إنمائياً ، بل إنه كامن في أعماق المجتمع العربي لا يغيب لحظة واحدة ، بل إنه يقبله ويتعايش معه ، ويتخذ هذا التخلف صفتين متلازمتين هما : اللاعقلانية والعجز ، الأولى تتجلى في عدم القدرة على التدبير أو الممارسة ، والثانية في عجزه عن التوصل إلى الأهداف التي يرنو إليها."(15). غياب العقلانية استحكم في العملية التربوية ، إذ لم يتم الاعتناء بتربية التفكير النقدي والبحث. .. "لم تتجذر في الشخصية العربية العقلية العلمية تفسر الظواهر بأسباب موضوعية تخضع للدرس والتجربة"(61). في ظل السيطرة الاستعمارية تشكل مجتمع مشوه ومزيف؛ فالمستعمر أشاع بين الشعوب المستعمَرة مظاهر الخوف وعقد النقص والخضوع واليأس، وكلها مناقضة للتنوير . وقد أشار ماركس الى ضرورة التخلص من الزيف والتشوه اللذين ولدهما الاستعمار في ظل التبعية المباشرة. ونكرر دعوة لينين الى انتشال المجتمع من تخلف العصر الوسيط اولا ، حيث تنعدم السبل في كتب الماركسية الموضوعة حتى ذلك الحين.
في مقدمته للترجمة العربية الصادرة في أيلول 1991، كتب الباحث، "تتمثل الذهنية الأبوية اول ما تتمثل ، في نزعتها السلطوية الشاملة التي ترفض النقد ، ولا تقبل بالحوار إلا أسلوب فرض رأيها فرضا. إنها ذهنية امتلاك الحقيقة الواحدة التي لا تقر بإمكانية إعادة النظر"(16)، وهي بطبيعة الحال ذهنية جامدة يقينية غير عقلانية، تناسلت مع تبدل الأنظمة والحكومات، واستشرت داخل الأنظمة الوطنية والتابعة. كان ماركس قد ميز الرأسمالية بالتحديث في سياق ثورة اعتمدت العقلانية في رواية الرأسمالية في مرحلة ثوريتها . الثورة البرجوازية ، كما نقل شرابي، "رفعت الحجاب عن الوهم الديني والسياسي، ونجحت في الكشف عن حقيقة العلاقات الاجتماعية ، فأماطت اللثام عن خيارات وآمال جديدة"(37). وهذا لم ينجز في المجتمعات العربية. "موهبة الإبداع تكون الضحية؛ إذ يسري هذا التأثير على الجامعات والمدارس والمستشفيات ووكالات الحكومة والتجمعات الحرفية ، إضافة الى بيروقراطيات المؤسسة العسكرية والدولة والحزب ‘الثوري’ . الأبوية المحدّثة (الأبوية المستحدثة ) هي السبب وراء كل محاولة يقوم بها المجتمع لردع الحداثة والحفاظ على الوضع القائم"(66). الجيل العلماني من المثقفين المتعلمين في الغرب يقوم بالانسلاخ عن الثقافة التقليدية ، لكنه سرعان ما يتضح له ان المهمة مستحيلة ولا يستطيع الإفلات من المبادئ التي تشربها أيام الطفولة من النخبة الأبوية المحدّثة، فبقيت تشكل الأساس الذي يواجه عملية التحديث ويحدد البنية العميقة للشخصية وتوجهها"(86). لم يسبق أن تمكنت الأحزاب القومية واليسارية من النفاذ الى الجماهير الكادحة وكسب تأييدها الواسع كما حصل مع الحركات السلفية . "أصولية البرجوازية الصغيرة أول عقيدة سياسية تقوى على تحقيق ذلك بعد قرن من قيام الأبوية المستحدثة(157). في هذا السياق يحذر ابن رشد " إذا أردت أن تتحكم فى جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف دينى".
يرجع الباحث ظاهرة عناد الأنظمة وتأبيدها الى محاذاة المجتمعات العربية للصحارى المترامية على الأطراف(35). في النظام المجتمعي الصحراوي البدوي قد يجف النبع ويموت الضرع فترتحل القبيلة بحثا عن موضع آخر يضمن العيش، فإن لم تجده خاضت صراعا صفريا ضد قبيلة أُخرى. قسوة طبيعية طبعت البدوي بقسوتها ورؤيته للموت شيئا اعتياديا، ظرفه يجعله مقاتلا كي لا يموت جوعا، وأن استمرار حياته لا يكون إلا بموت غيره . هكذا فرضت قسوة الطبيعة على القبيلة تماسكها العضوي في ظل قانون طوارئ دائم، كي لا تفنى، تحت إمرة نظام ابوي صارم. على المستوى الثقافي ترتبط القبيلة قرابيا وتنتسب لسلف صالح واحد يرونه خير أب لخير خلف، لا تعرف القبيلة شيئا اسمه الوطن ولا تملك انتماء ولا عواطف لأرض ولا تتفهم معنى المواطنة.
التخلف الثقافي المترسب في المجتمع جعله عرضة للاختراق وعطل التحرر الاجتماعي من التخلف والعجز، واوهن مقاومته لتطاولات الهيمنة الأجنبية. نمضي مع الباحث الاجتماعي الماركسي حيث يقول : رافق الاستقلال نوع مغاير وغير مباشر للاستعمار الثقافي ؛ إلا أنه كان أوسع انتشارا، لم يستمد هيمنته من السيطرة العسكرية – السياسية المباشرة ، بل من اختراق الثقافة الغربية للنخبة الأبوية الجديدة، مضافا إليها سيطرة وسائل الإعلام الغربية وشيوع قيم المجتمع الاستهلاكي وحاجاته... ومع أن الخريجين العرب من المعاهد التعليمية الغربية كانوا في معظمهم قوميين وطنيين في اتجاهاتهم السياسية ، إلا أنهم كانوا ثقافيا ونفسيا تحت تأثير الغرب مشكلين قطاعا منفصلا من اكثر قطاعات المجتمع تبعية للثقافة الغربية- مناوئة للماركسية ، يشكل الغرب في نظرها المعيار المعتمد لقياس كل أمر"(87) .
وتجاوب النظام الأبوي العربي مع نهج الليبرالية الجديدة في مجالي الاقتصاد والثقافة. ارتبطت الأنظمة الأبوية العربية بالليبرالية الجديدة وعولمتها التي فتحت الأبواب على مصراعيها للرأسمال المالي يدخل ويغرف الأرباح تاركا اقتصد كل بلد ولجه مدمر ا.من ناحيتها سعت الليبرالية الجديدة لترويج ثقافة تشيع الإرباك والاضطراب الذهني والتوتر الشديد. وفي مجال التعليم الجامعي عملت في بلدان منشئها على تقليص مناهج العلوم الفلسفية والاجتماعية والتركيز على الإعداد المهني للكوادر العمالية . أسفر نشاط الليبرالية الجديدة عن إيقاع قطاعات من الطبقة العاملة في شباك اليمين الفاشي، مدعيا محاولة إنقاذها من عواقب نهج الليبرالية الجديدة . في جميع الأقطار وحتى بلدان الرأسمالية المتقدمة كابد العمال البطالة وشظف العيش في ظل الليبرالية الجديدة؛ تحولوا ضد عولمة الليبرالية الجديدة ومضوا مع اليمين الشعبوي وتعصبه القومي يحاربون الأجانب المهاجرين هربا من البؤس الحاد الذي نثره الرأسمال الاحتكاري بنشاطه في البلدان الطرفية . تحول العمال من التطلع للاشتراكية والتضامن الأممي الى التعصب القومي والانجراف مع اليمين الشعبوي .
أنتجت الليبرالية الجديدة ثقافتها التبريرية لمظاهر الفقر وقسوة العلاقات الاجتماعية وإشاعة العنف والكراهية. تكاملت حصيلة التعديلات الاقتصادية الجائرة على الجمهور العريض مع ثقافة الليبرالية الجديدة تخرب الوعي الاجتماعي من خلال المدرسة والجامعة والإعلام . رودولفو اكونا أستاذ رئيس كرسي بجامعة الدولة نورثريدج في كاليفورنيا وله عشرون مؤلفا ومئات المقالات والأبحاث الأكاديمية . آخر كتبه في التاريخ "اميركا المحتلة" الذي منع نشره بولاية أريزونا الأميركية. اورد في مقال له ان هتلر أجمل استراتيجيته، فبذر بذور "الاضطراب الذهني وتناقض المشاعر والإرباك ثم التوتر الشديد.هل كان الشعب الألماني بمجموعه عييا، جاهلا او ببساطة اوغادا سخفاء؟ البعض كان ذلك كله. وظف هتلر رموزا مثل الصليب المعقوف بلون أسود داخل دائرة بيضاء ، ونسج صور لليهود تضعهم موضع الكراهية . وبالمثل يستخدم حزب الشاي في الولايات المتحدة العَلَم داخل دائرة من النجوم ورموزا اخرى تبعث على الخوف والكراهية. تشاهد مظاهرات حزب الشاي تتلاعب بالجمهور وتشوه مفهوم الوطنية . يلعب المتحدثون في المظاهرات على وتر الخوف من الأغبياء والجهلة والأوغاد. إنها نفس عملية "الاضطراب الذهني وتناقضات المشاعر والإرباك والتوتر الشديد" التي راهن عليها هتلر.
في الولايات المتحدة استولت مصالح الاحتكارات على حزب الشاي . ويجأر الرئيس ترمب بدعاية الكراهية للأجانب،خاصة المسلمين، ويروج للعنف في الداخل وعلى الصعيد رالدولي. وشان النازيين سخرت الميديا الصديقة ، مثل فوكس نيوز وشبكة إذاعات اليمين التي تذيع عشرات ابرامج الحوارية المنطوية على العشرات من دعاة الكراهية من مقدمي البرامج وضيوفهم.
فى عام 2011 قدم “جى ستاندينج” (البروفيسور فى مجال الدراسات التنموية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن) مفهوم " البريكاريات" او "الطبقة الخطرة الجديدة" اكثر شمولا من البروليتاريا. ورد ذلك في كتاب طبع عدة طبعات في عام إصداره. انطوت الأطروحة على أهمية فائقة فى انجلترا، وبالتبعية فى العالم كله، نتيجة استمرار نهج الليبرالية الجديدة. فى هذا السياق، سجل “جى ستاندينج” ردة فعل هذه الطبقة فى ظل القهر المتزايد لهم من قبل ليبراليى السوق وسيادة ما أطلق عليه “ثقافة القسوة".فسر لضحايا الليبرالية الجديدة مصدر معاناتهم في نشاط الرأسمال الكبير، ويتسمون بالعمالة المؤقتة، والحرمان من الكثير من الخدمات الأساسية والاحتياجات الطبيعية من وجبات غذائية، وامكانية العلاج، وتوفر فرص التعليم،...،إلخ. وهى كلها عوامل تؤدى إلى تبلور حزمة من المشاعر السلبية من عينة الاحباط، والاغتراب، والقلق، وانسداد الحراك الاجتماعى أمامهم، وانعدام اليقين.
حلل ستاندينج مستجدات البنية الطبقية للمجتمعات، المتقدم منها أو المجتمع الصاعد أو النامى أو المتخلف. وأوضح لضحايا الليبرالية الجديدة أن مشكلتهم تكمن في ما أسماه “السياسات الجهنمية” التى تفاقم أوضاع طبقة «البريكاريات» بحيث يبقى المجتمع فى ثنائية: «الطبقة السعيدة المترفة» فى مواجهة «طبقة البريكاريات» (الطبقة الخطرة الجديدة.).
فات قوى التقدم أخذ العبر والاستفادة من منجزات الفكر الاجتماعي الملازم للتطورات؛ إذ مضوا في بيات دام عقودا عدة؛ فلم يستوعبوا الجديد في العلوم الإنسانية الملتزمة بمنهجية المادية التاريخية، ولم يطوروا ادواتهم الفكرية. يختبئ الفكر في طيات الكتب، أو أسير صدور النخب ما لم تتوفر له حوامل اجتماعية و روافع شعبية تنقل النظرية إلى التطبيق تجسد الرؤى واقعا معاشا يمثل حقيقة مادية تتفاعل مع الحدث تصنعه و تخلق البيئات الملائمة لانتشار النظرية وسيطرتها .

توضح الخبرة العملية للحركات التحررية العربية في الزمن الراهن، ان الهيمنة الثقافية أخطر وأقوى نماذج الهيمنة، ذلك انها تقرر قيم الجماهير وتوجهاتها ، وبالتالي فهي تقرر في الداخل تناسب القوى بين التقدم والمحافظة وكذلك مدى استعدادها لرد التحديات الخارجية. هذه الحقيقة تملي على قوى التغيير الاجتماعي الاهتمام الجدي بموضوعة الثقافة التقدمية وترويجها من خلال النضالات السياسية. والخلل يكمن في كسل ذهني لم يتوقف عند عدم التفكير ، إنما أغفل معطيات العلوم الإنسانية ، فلم يصهرها في قوام الثقافة الوطنية التحررية. تداعيات هزيمة حزيران 1967 مكنت لأصولية هي مجرد غلاف ديني لسياسات تورط الجماهير المسحوقة في ما يعمق شقاءها.
يركز شرابي على هذه القصور ويعود له مرارا وتكرارا في كتاباته. يقصد بذلك القول أن العدوان الثقافي للامبريالية يحتم ان تكون الثقافة ميدان صراع. الثقافة تلعب دورا مقررا في حياة مجتمعاتنا ربما يفوق تأثير السياسة . والنشاط الاقتصادي بطبيعته يفرز ثقافته ويرسخها في الوعي الاجتماعي بقوة رهيبة ؛ العملية تتم بأشكال عفوية لا يعيها الجمهور المتلقي. احتضن النظام الأبوي الأصولية الدينية ، حيت تغلغلت في دوائر التعليم والجمعيات الخيرية في أوساط الجماهير وتمركزت في القضاء ، نقلت التدين البدوي الى الحواضر العربية وتصدت للإبداع الفكري و الفني وقمعت حرية البحث الأكاديمي. قدمت الأصولية منظومة أخلاقية استهوت الجماهير والزمتها القعود في معزل عن قوى التقدم الاجتماعي.
يتبع لطفا

#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات