محمد مجدى عبدالهادى
الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 12:01
المحور:
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
منذ اكثر من ستين عاما كتب تروتسكى مرة بأن التطور التقنى و تطبيقاته فى الانتاج ، والتى تؤدى الى الاستغناء عن مزيد من العمال ، ستؤثر فى المدىالطويل على وعيهم ؛نتيجة لاستبعادهم من الارتباط و الاحتكاك المباشر بعملية الانتاج
و الآن و بعد كل هذه العقود التى انجزت فيها البشرية بصفة خاصة ما لم تنجزه على مدى تاريخها كله،لا شك فى أن ما سبق و قاله تروتسكى أصبح اليوم واقعا متحققا أو على وشك أن يتحقق
فاليوم و فى خضم التحولات المتسارعة لحل أزمة الرأسمالية المتمثلة فى مزيد من تفاقمات تناقضها الأزلى بين القوى الأنتاجية التى وصلت الى مرحلة من القدرة شبه لا نهائية على الانتاج من ناحية ، و علاقاتها الانتاجية بآلياتها التوزيعية التى تقود الى الانكماش المستمر للسوق او الطب الفعال من ناحية أخرى ، نقول فى خضم هذه التحولات ، بدأت تحدث تغيرات كمية و كيفية فى الطبقة العاملة و المجتمع بصفة عامة
فمن جهةانخفض الحجم الكلى للطبقة العاملة بمعناها الكلاسيكى ، اى الطبقة العاملة الصناعية المشاركة فى عملية الانتاج، و ذلك نتيجة للتطور التكنولوجى ، و اتساع قطاع الخدمات ، الذى زادت العمالة به (سواء فى الدول المتقدمة او المتخلفة،و كلا وفقا لظروفه)، و من جهة اخرى ، زاد الحجم الكلى لجيش العمل الاحتياطى، ليس على المستوى القومى وحده ،بل على المستوى العالمى أيضا
كذا ادى التطور التكنولوجى الى مزيد من عمليات التنميط المستمرة فى عمليات الانتاج ، و التى طالت العمل الذهنى ايضا ، و هو ما ادى الى ظهور فئة جديدة من المهنيين ، من الصعب تصنيفها و تحديد طبيعتها بدقة ، فلم يعد معروفا هل هى برجوازية صغيرة جديدة كما كانت تسمى؟ ، أم هى طبقة عاملة جديدة كما يسميها البعض الان ، استنادا الى ما سبق و قاله انجلز من ان عامل المستقبل سيكون مهندس تنفيذ
اضافة الى تعزز اممية راس المال التى ليست بالجديدة ، و قد ساعد على هذا انهيار الاتحاد السوفيتى و دول اوربا الشرقية ،و ذوبان الحدود السياسية امام رأس المال ، و تقوض سلطة الدولة القومية فى مواجهة الشركات متعدية الجنسيات ، التى تقود التحول نحو ما سمى بالعولمة ، التى تحمل بين جنباتها الكثير من التحولات على جميع المستويات ،و لكن أهمها و لاشك هو هذه النقلة النوعية فى عمليات الانتاج ،و هى عمليات التكامل الانتاجى على مستوى العالم ، حيث يتم انتاج مكونات المنتج الواحد فى اكثر من مكان فى العالم ، تحت اشراف شركة واحدة هائلة الحجم و الموارد ،و هو ما اكد عليه الدكتور صادق جلال العظم عندما أشار الى انه اذا كانت الامبريالية قد حققت عالمية الرأسمالية على مستوى جهاز التبادل ، فان العولمة قد حققتها على مستوى جديد ارقى نوعيا ، هو مستوى جهاز الانتاج ، مؤكدا على خطأ لينين و تعجله فى الحكم بنهاية الراسمالية بالمرحلة الامبريالية ،و مخالفا بذلك قطع تروتسكى بتوقف الرأسمالية عن التطور؛و لأن الشركات متعدية الجنسيات هى التى تقود التحولات الجارية ، فانه يجوز لنا وصفها بأنها قاطرة العولمة
هذه الأممية التى يتمتع بها راس المال فى حركته الان،فى مقابل الحدود القومية لحركة العمل و نشاطه ، كذا تفاوت شروطه و ظروفه و انتاجيته و ثمنه ، اضافة الى التغيرات الهيكلية التى لحقت به ،هذه الأسباب مجتمعة اضافة الى اسباب اخرى ،لعبت الدور الأكبر فى انهيار التوازن السابق بين العمل و رأس المال ،حيث مالت كثيرا لصالح الطرف الأخير على حساب الطرف الأول ، الذى انهارت عائداته ، و تفتت نقاباته ، و سقطت احزابه
ان النظام الراسمالى نظام ديناميكى مرن ، يفوز فيه دائما الأكثر حركية و مرونة ، فبين الرأسماليين يفوز الأكثر ديناميكية و مرونة فى الاستجابة لمطالب المنافسة ، كذا على مستوى الصراعات السياسية و الاجماعية ينتصر من يتمتع بمرونة اكثر و قدرة تكيفية اكبر
لهذا فعلى الطبقة العاملة الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة بتجديد اساليب حركتها ، انطلاقا من فهمها للواقع الجديد ، الذى يؤكد أن عملية العولمة ليست مجرد تراجع عن مكتسبات سبق الحصول عليها أو محاولة من الراسمالية لتجاوز أزمة ، بل ان العولمة بحكم تضمنها لنقلات نوعية جديدة على مستوى عمليات الانتاج ،و على مستوى عملية التطور الاجتماعى نحو عالم أكثر اندماجا ، انما تمثل فى بعض جوانبها اتجاها تقدميا ، لا يجوز و لا يمكن مواجهته او رفضه ، فقط ما تجب مواجهته هو محاولات الرأسمالية استخدام العولمة كحامل لمصالحها ، على حساب الآخرين ، فالكفاح الأممى أصبح اليوم ضرورة أكثر من اى يوم مضى ، اذ يجب على البروليتاريا كسر الحصار القومى المفروض عليها ،خصوصا مع اتساع الحركات الاجتماعية الرافضة و الساخطة ، التى تحمل بذور التمرد على النظام الراسمالى بوعى او بدون وعى ، و ان كانت تفتقد للأمكانات الثورية لأسباب عيديدة ، أهمها بعدها عن عملية الانتاج –بخلاف الطبقة العاملة - و وضعها الاجتماعى العام ، كذا نوعية مطالبها
نقول ان الكفاح الأممى الذى فرضته العولمة فى هذه المرحلة ، يجب ان يستفيد من تمردات الحركات الاجتماعية الرافضة ، و لكن ليس لمناهضة العولمة ، بل للكفاح من اجل عولمة بديلة
لأنه اذا كانت العولمة بذاتها تحمل مكوناتا تقدمية ، من توحيد لاقتصاد العالم ،و تفكيك للدولة القومية-مع التحفظ بالطبع على النقطة الأخير فى ظل الوضع القائم فقط ، و ليس بالمطلق- ، فلا يجوز ربطها بالمضمون الرجعى للسياسات السائدة فى المرحلة الراهنة من تزايد معدلات الاستغلال و الاستقطاب الرأسمالى ،و التبعية لدولة المركز و غيرها ، بل يجب البحث عن أصول هذا المضمون فى البيئة الاجتماعية العامة و الظرف التاريخى الذى نشأت فيه العولمة ، فالعولمة بذاتها كعملية لتوحيد العالم لا تحمل بالضرورة المضمون الرجعى للسياسات المطبقة حاليا ، بل نشأتها فى احضان الامبريالية كواقع تاريخى سائد ، كذا فى ظل عدم التكافؤ بين رأس المال و العمل ؛نتيجة عدم التكافؤ فى درجة المرونة التى سبق و اشرنا اليه ، هو ما حملها بهذه السياسات التى لا ترتبط بها هيكليا ، و هذا بالطبع لا يعنى أن العولمة فى كثير من جوانبها لم تكن محاولة من الرأسمالية لحل تناقضاتها و مشاكلها ، فالعولمة مثلها مثل كل تحول اجتماعى ، ينجح الأكثر مرونة و قوة فى الأستفادة منه بأقصى درجة ممكنة، و تحويله لخدمة مصالحه على حساب الآخرين ، هذا اذا لم يكن له دور فى انشائه و فرضه
و قد استطاعت الراسمالية الاستفادة من وضع الاستقطاب الامبريالى السائد اساسا ، و الحدود السياسية ، و تمكنت بالتواطؤ مع السلطات السياسية من تقييد العمل ، و اطلاق راس المال ، و فى النهاية تحويل العولمة لحل مشاكلها ،و لمجرد امتداد للامبريالية السابقة
لهذا فما تجب مقاومته ليس العولمة ، بل العولمة الرأسمالية ، و بالتالى يتجه الكفاح نحو عولمة بديلة ، عولمة تقوم على معالجة الخلل فى البنيان الانتاجى العالمى ، و عدم التكافؤ فى علاقات التبادل و العلاقات بين رأس المال و العمل ، كذا عدم تكافؤ الانتاجية ، ان المسألة كما وصفها الاستاذ نزيه شعبان هى الكفاح من اجل تغيير شكل وحدة اقتصاد العالم ،و ليس العمل ضد وحدة العالم ذاتها ، و هو ما لا يمكن تحقيقه الا بنبذ الاستراتيجيات القديمة القاضية بفك الارتباط المستحيل، كذا بتسلح الطبقة العاملة بنظرة تقدمية لأخواتها فى الدول المتخلفة ، التى يجب ان تشاركها الحلم بمستقبل تسود فيه الاشتراكية العالم ، و التى ستحتاج عاجلا او آجلا لتعديل الهيكل الانتاجى فى العالم ، فضلا عن وحدته ، كما تحتاج الى الكفاح المشترك ،و هو ما لا يمكن أن يتحقق الا بوعى اممى حقيقى ، طبقى مع الطبقة العاملة فى الدول المتخلفة ، و لا طبقى مع الحركات الاجتماعية المصعدة لتناقضات الرأسمالية عبر تمرداتها على شروط الحياة التى تفرضها ذات الرأسمالية على جميع المستويات
و الكفاح الطبقى يستلزم عملا سياسيا منظما ، اى عمل حزبى ، فالعمل الحزبى ضرورة للطبقة العاملة ، وهو ان لم يخدمها فى بعض الأحيان ، أو حتى فى كثير من الأحيان ، فلعيوب فى الممارسة و أخطاء فى العمل ، و هو ما لا يقدح فى المبدأ ، فالتحزب ضرورة للطبقة العاملة ، و بغض النظر عن الواقع الراهن لأحزاب الطبقة العاملة ، و علاقاتها بالطبقة العاملة ذاتها ، كذا فشلها فى تأدية دورها فى الفترة الماضية ؛نتيجة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها هنا
فالحزب ضرورة للطبقة العاملة ، و التى تهدف للسلطة السياسية بالضرورة كهدف نهائى لكفاحها فى ظل الرأسمالية لا ينفصل عن كفاحها من أجل التنوير السياسى و الاجتماعى ، فليس هناك ثورة بدون تنوير ، و لا تنوير لا يهدف الى تغيير
#محمد_مجدى_عبدالهادى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟