أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نادر عازر - الإرهاب: دين وثقافة أم بنية اجتماعية-اقتصادية؟















المزيد.....

الإرهاب: دين وثقافة أم بنية اجتماعية-اقتصادية؟


نادر عازر
(Nader Azar)


الحوار المتمدن-العدد: 6211 - 2019 / 4 / 25 - 23:32
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تزايدت، مؤخراً، وتيرة تفسيرات ظهور التنظيمات المتطرفة والإرهابية في الشرق والغرب، التي تلصق المشكلة، سريعاً، بالدين والثقافة. معظم هذه التفسيرات سطحية ومتسرعة، ويبحث أصحابها عن إجابات مبسطة وشعبوية لمشاكل معقدة، تزيح عنهم عناء البحث عن الأسباب الحقيقية لظهور التطرف والإرهاب.
إحدى النقاط المشتركة التي تجمع الإرهابيين، سواء كانوا من تنظيمات إسلامية مثل داعش والقاعدة، أو مسيحية يمينية بيضاء أو نازية أو يهودية أو هندوسية أو بوذية، هي أنها انتقام من إرهاب "الآخر".
بحسب العديد من المحللين والتقارير، وكما بات معروفاً على نطاق واسع، فإن معظم قادة وأمراء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والعناصر المهمة فيه ينحدرون من الاستخبارات والجيش العراقي أيام صدام حسين، حيث فقد معظمهم كل ما كان لديهم بعد الحرب الأمريكية وعملية اجتثاث البعث، وكان العديد منهم غير متزمت دينياً على الإطلاق. إن الحرب الأمريكية على العراق ودمارها للبلد كان السبب المُمهِّد لظهور داعش، وإن الوضع الاجتماعي-الاقتصادي المتدهور في الدول الغنية، والدعاية الضخمة، تسبب في زيادة عدد منتسبيه.
أما تنظيم القاعدة نشأ إثر الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتلقى دعماً وسلاحاً من الولايات المتحدة والسعودية ودول وجهات أخرى، متمكناً من استقطاب عدد كبير من الشباب من أنحاء العالم، وخاصة العربي، بعد سنوات الهزائم والنكسات والديكتاتورية والوضع الاقتصادي المتدهور، التي شكّلت جميعها بيئة خصبة للتطرف.
في نيجيريا ظهرت حركة "بوكو حرام" بسبب الوضع الاجتماعي-الاقتصادي السائد، في بلد عانى من الاستعمار لعقود طويلة، وبعد استقلاله واستمرار الفساد والظلم تركزت الثروة في جنوب البلاد المسيحي، وأصبح 60٪ من سكان الدولة الأكبر اقتصاداً في أفريقيا تحت خط الفقر، يعيشون بأقل من دولار أمريكي واحد في اليوم.
وفي ظروف تاريخية مشابهة ظهرت حركة "الشباب" الإرهابية في الصومال.
في تقرير لمؤسسة Global Financial Integrity فإنه مقابل كل مليارين دولار تدخل إلى الدول الفقيرة، يخرج منها خمسة مليارات دولار، هذا يعني أن ما يحصل هو نهب مباشر للدول الفقيرة، كما أن تقارير المؤسسة تظهر أن الفرق في جودة الحياة بين سكان الدول الغنية والفقيرة لم يكن بهذا المستوى أبداً في التاريخ.
وبحسب مؤسسة أوكسفام فإن الثروة تواصل تراكمها، بشكل متسارع، لدى نخبة صغيرة جداً، فيما يزداد الفقراء فقراً.
إن ما قاد معظم هؤلاء الناس إلى التطرف لم يكن "صحوة دينية" مفاجأة نزلت من السماء، ولا "ثقافة سيئة" ظهرت من تحت الأرض، وإنما عقود طويلة من الإذلال التاريخي والاستعمار والنهب الممنهج لثرواتهم ومواردهم. وبعدها أجبرت دولهم على الالتحاق بالسوق الدولية "الحرة"، حيث تتنافس الدول النامية الفقيرة مع الدول المتطورة الغنية، ما أغرق الدول الفقيرة في دوامة ديون كونها تستورد أكثر بكثير مما تصدر، وفي النهاية يجري لوم الدول والشعوب الضحية على أنها "كسولة" وأنها مسؤولة بشكل مباشر عن فقرها.
ومع ازدياد تواتر الحروب واتساع رقع الدمار والتدخلات الخارجية في هذه البلاد، ومع استمرار الاستبداد والقمع والفساد من قبل الحكام الذي أدى لتصاعد الفوارق الطبقية وتدمير البنية الاجتماعية، ومع صعود نخب مرتبطة بالدول الإقليمية والكبرى المعتدية على دولنا، ومع تهاوي الطبقة الوسطى، وتواصل غرق الفقراء بالفقر وتوسع شريحتهم، ومع التدهور في جميع المجالات، تشكلت بيئة خصبة جاهزة لظهور المجموعات المتطرفة بمختلف ألوانها، ودرجة وحشيّتها، تمكنت بسهولة من استقطاب عشرات الآلاف من الشباب والشابات الفاقدين لأي أمل بحياة أفضل.
إن جذر الإرهاب ليس دينياً ولا ثقافياً وإنما يعود للبنية الاجتماعية-الاقتصادية السائدة على مدى فترات طويلة، قد تتوارث من جيل إلى آخر، تؤدي إلى غضب كامن ينتهي بانفجار اجتماعي. الإرهاب المعاصر تعود جذوره لسلسلة طويلة من النهب والحروب والظلم العالمي الذي مهدت له الدول الرأسمالية الغنية المعتدية علينا منذ زمن طويل، وأشعلته الليبرالية الجديدة بآلياتها الأكثر وحشية.
إن الثقافة والسياسة هما بُنيَتين كالمرآة تعكسان البنية الاجتماعية-الاقتصادية المتشابكة وتتغيران بتغيرها، فهما ليستا ثابتتين على الإطلاق، وبالتالي فإن وجود ثقافة أو دين "وحشي" أو "مسالم"، بشكل دائم، ليس أمراً صحيحاً، ولا ثابتاً عبر التاريخ ولا الجغرافيا، وإنما متغير بتغير الشروط الاجتماعية-الاقتصادية وظروف الحياة، وأمامنا تاريخ البشرية الواسع المؤكد، بمعظمه، لهذه الجدلية.
الثقافة والدين لا يمكن أن يكونا على الإطلاق جذراً مباشراً للإرهاب والحروب، فهما لطالما تم استغلالهما، عبر التاريخ، من أجل تغليف الأسباب الأساسية، لتجييش الناس وتعبئتهم.
يتغاضى العديد من المتسرعين عن الحقائق التاريخية، ويخلطون الأحداث، ويتجاهلون جميع الحروب المدمرة الأخرى التي نفذتها ما تسمى اليوم بالشعوب والدول الحضارية والديمقراطية والإنسانية، التي مرت بظروف مشابهة، وحطمتها الحروب الدينية الدموية بين الكاثوليك والبروتستانت (حرب الثلاثين عاماً) التي دخلت فيها معظم الدول الأوروبية، وحرب المائة عام بين فرنسا وبريطانيا، والحرب العالمية الأولى والثانية، وحتى الحرب الكورية واليابانية وحرب فييتنام والحرب الباردة، وقبلها بكثير كانت فترة استعمار العالم الجديد لأمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا ودولنا العربية، وكل هذه المعارك والحروب تسببت بمقتل مئات الملايين من البشر وخلّفت مآسي هائلة، لا تقارن بما يحدث الآن في بلادنا العربية، فهل حروبهم كانت نتيجة ثقافة أو دين؟ أم أسبابها الأساسية اقتصادية-اجتماعية؟ كان ورائها المنافسة والتوسع والهيمنة والبحث عن أسواق جديدة وأيدي عاملة رخيصة ومواد خام.
أما في الجانب الغني من العالم تظهر الأحزاب والحركات والأفراد اليمينيين المتطرفين رداً على تردي مستوى معيشتهم، الذي هو أصلاً جيد على حساب الدول الفقيرة. إن زيادة الفوارق بين الأغنياء والفقراء في الدول المتقدمة وفي زمننا المعاصر، عززته ما سمي بإصلاحات الليبرالية الجديدة، التي وعدت بحياة أفضل ورفاه لا مثيل له، إلا أنها أفقدت الآلاف وظائفهم ومساكنهم، ليتم في النهاية إلقاء اللوم على الضعفاء في مجتمعاتهم من مهاجرين أجانب وعاطلين عن العمل ومرضى. كما أن ما حفَّر الإرهاب اليميني المتطرف والنازي هو رد فعل على الإرهاب الذي نفذه متطرفو الدول الفقيرة، ما يتسبب بسلسلة لا تنتهي من ردود الأفعال، منشأها الأول والأساسي البنى الاقتصادية-الاجتماعية.
طالما بقينا هانئين قانعين تحت براثن الاستبداد والفقر ولم نعمل من أجل بلاد ديمقراطية تنهض نهضتها وتزيل عنها قرون الذل، ثم تنتقل إلى نظام اجتماعي-اقتصادي أرقى من الحالي، ليس ضرورياً أن نستغرب ظهور الإرهاب، الذي هو أساساً رد فعل على الظلم الداخلي والخارجي.
الإرهاب لا يحارب بالورود والحب ولا بالقصف والإعدامات، لإن ما يجب أن نحاربه هو المرض الاجتماعي-الاقتصادي نفسه وليس أعراضه.
نادر عازر - كاتب سوري.



#نادر_عازر (هاشتاغ)       Nader_Azar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نادر عازر - الإرهاب: دين وثقافة أم بنية اجتماعية-اقتصادية؟