أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميرفت فتحي المراغي - مقدمة في الميثولوجيا - الحلقة الثالثة















المزيد.....

مقدمة في الميثولوجيا - الحلقة الثالثة


ميرفت فتحي المراغي
(Mervat Fathy Elmaraghy)


الحوار المتمدن-العدد: 6207 - 2019 / 4 / 21 - 19:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سلسلة حلقات عن الميثولوجيا :
الحلقة الثالثة :
معتقدات ما قبل التاريخ ( عصر الباليوليت الأعلى ) :
تناولنا فى المقال السابق معتقدات الإنسان البدائي و إنسان النياندرتال في بداية العصور الحجرية ( العصر الحجري القديم و عصور الباليوليت الأدنى و الأوسط ) و اللذان يمتدان في الفترة بين 500,000 سنة وحتى 40,000 سنة ق.م .
و سنعرض سويًا في هاته المقالة لمعتقدات انسان الباليوليت الأعلى ( 40,000 – 12,000 سنة ق.م ) .
شهد الباليوليت الأعلى انقراض انسان النياندرتال بشكل مُفاجيء و ظهر الإنسان العاقل و الذي تميَّز بتطوره و بولادة الحس الفنى و الجمالي لديه و كذلك تطور حسّه الروحاني ، و قد تمثّل ذلك الحس الجمالي و ظهر في صناعة انسان ذلك العصر للحُليّ و قطع الزّينة المزخرفة مثل الأساور و الأقراط المصنوعة من الخرز أو من العاج أو الطين و التي أُكتشِفَت في مقابر الباليوليت الأعلى حيث كان موتى ذلك العصر يُدفَنون بكامل لباسهم و زينتهم ، كما كانت تُطلى أجسادهم باللون الأحمر المصنوع من المغرة الحمراء و ذلك إشارة إلى القوة الحيوية الكامنة في الدم مما يدل بشكل قوي على اعتقاد إنسان ذلك العصر بالبعث بعد الموت و الحياة الآخرة .
و تتجلى النهضة الجمالية الفنية للباليوليت الأعلى في تلك الجداريات و الرسومات التصويرية التي اكتشِفَت في كهوف تقع على أعماق بعيدة من سطح الأرض و قد أطلق على تلك المنطقة اسم " الكهوف الكانتربرية " وهي المنطقة الممتدة بين جنوب فرنسا و شمال إسبانيا و هي أغزر المناطق بهذه الكهوف فقد تم حتى الآن الكشف عن مائة كهف أو يزيد و لعل أشهر تلك الكهوف هو كهف " لاسكو " الذي يقع في فرنسا و الذي تمتليء جدرانه برسومات و أشكال لا حصر لها من الحيوانات كالثيران و البيسون و الخيول البرية ، و تُظهر الرسوم تلك الحيوانات بصورة طبيعية و تُعطيها إيحاء بالقوة ، كما تظهر بصورة منفردة منفصلة من دون أي خلفية طبيعية أو عناصر أخرى تشترك معها في المشهد ، فلا وجود لشمس أو لقمر أو صخور , فهي أقرب إلى الأيقونات الرمزية .
إذن عزيزي القاريء ما دلالة هذه الرسوم ؟ و ما الذي توحي به و تعكسه من دلالات روحانية ؟ و فيمَ استخدمها إنسان ذلك العصر و لِمَ أنجزها ؟
حسنًا فإن لهذه الجداريات مدلولات عميقة ، فقد رأى بعض العلماء و الباحثون الدارسون لرسوم الكهوف أن هذا الفن أُنجِز سعيًا لغايات نفعية لا جمالية بحتة بمعنى أن هذه الرسوم الجدارية ليست سوى أدوات سحرية استُخدِمَت في طقوس تستهدف السيطرة على الطرائد و الإيقاع بها و ذلك استنادًا إلى مبدأ " السحر التعاطفي " بمعنى أن السيطرة الرمزية على صورة الحيوان تؤدي إلى السيطرة الفعلية عليه في حقول الصيد .
واستمرت هذه النظرة سائدة لمدة طويلة إلى أن قام الباحث " أندريه لوروا جورهان " بدراسة أكثر من ألفين رسمًا كهفيًا من رسوم الكهوف الكانتربرية بطريقة إحصائية و قد تبيّن له من خلال دراسته لرسوم الحيوانات أن الثور و البيسون يتخذان قيمة رمزية أنثوية أما الحصان فيتخذ قيمة رمزية ذكرية ، و أن القيم الرمزية الأنثوية تعادل القيم الرمزية الذكرية ، كما أن رسومات الحيوانات الجريحة و السهام و الحراب الموجهة إليها لها دلالات رمزية ، فالجروح ذات قيمة رمزية انثوية أما السهام والحراب فذات قيمة رمزية ذكرية ، وقد استنتج من هذه الدراسة قيام أيديولوجية دينية لدى الإنسان العاقل في الباليوليت الأعلى تعتمد جدلية المبدأين الذكري و الأنثوي في تعارضهما و تكافؤهما .
ومن هنا يتبين لنا أن هذه الجداريات الفنية ترمز إلى أبعاد روحانية و معتقدات دينية تمتع بها إنسان الباليوليت الأعلى ، فهي لم تكن مجرد رسوم فنية جمالية فحسب بل تحتوي على قيم روحية كبيرة تحاول التعبير عنها و تتصل بمعتقدات ذلك العصر .
إن الاستقراء الدقيق لهذه الرسومات و التي تشكل الحيوانات موضوعها الرئيس إلى جانب وجود بعض الرسوم التي تدمج الحيواني مع البشري يوحي ويعطي دلالات رمزية قوية تشير إلى قوة ماورائية حاول انسان ذلك العصر استحضارها و الوصول إليها ، وكما ذكرنا عندما تناولنا العصور الحجرية السابقة و رأينا كيف أن إنسان تلك العصور كان ينظر بقدسية لتلك الحيوانات ، فالأمر هنا ما هو إلا امتداد و تطور لتلك النظرة المقدسة و قد عبر عنها الانسان العاقل من خلال تلك الرسوم الجدارية ، إنه يبحث عن تواصل مع العالم الآخر عالم اللاهوت ، إن هذه الكهوف بما تحويه من رسوم تشبه المعابد و الكاتدرائيات ، إنها تنم عن بعد روحاني عقائدي عميق .
و إلى جانب فن الكهوف فقد كانت هناك شواهد أخرى فنية تدل على وجود تصورات دينية قوية لدى إنسان الباليوليت الأعلى ألا وهي " الدمى العشتارية الأنثوية " ، فقد عُثِر في مواقع عمل وسكن الإنسان العاقل على دمى حيوانية و كذلك عثر على دمى بشرية أنثوية .
ففي منطقة " لوسيل " بجنوب فرنسا وُجد نحت بارز يمثل هيئة أنثوية ترفع بيدها اليمنى قرنًا لثور البيسون و عليها بقايا من ألوان بمغرة حمراء و رأسها بلا ملامح ، و منطقة البطن و الحوض و الفخذان منتفخة بشكل غير اعتيادي ، كما عثر على العديد من الدمى الأنثوية الأخرى والتي تتخذ أوضاع مختلفة كوضع الولادة وغيرها ، و وجد العديد من الدمى بنفس الوصف في أماكن عديدة في أوروبا .
تشير هذه الدمى المنحوتة بصورتها المجردة إلى أننا أمام رموز أنثوية كان انسان ذلك العصر يحاول استدعائها و أنها ليست مجرد منحوتات تصور أو تحاكي الجسد الأنثوي في صورته الطبيعية ، فعدم الاهتمام بإبراز ملامح الوجه و التركيز على إظهار أماكن معينة في جسد الدمى كالأثداء الممتلئة و البطن المنتفخة لهو شاهد قوي على ان الغرض من هذه الدمى هو استحضار قوى رمزية و ذلك من خلال ممارسة طقوس معينة ربما تعلقت بمفاهيم الخصب بشكل أساسي و التي كانت تستهدف إحلال الخصب في الأرض .
إننا هنا أمام ظهور فكرة مجردة للألوهية و تطور في معتقدات انسان ذلك العصر ، وليس المقصود هنا مفهوم " الإله " المشخصن كما عرفته الديانات المتقدمة ، وإنما المقصود هو المستوى القدسي الألوهي بمعنى البعد الغير مرئي للوجود المادي ، أي البعد الماورائي و اعتقاد انسان الباليوليت الأعلى في وجود قوة سارية في الوجود تربط بين العالم المادي و العالم الماورائي و انه لجأ إلى هذه الفنون و الدمى المنحوتة للتاثير في هذه القوة وفي العالم الغير مرئي .
إذن عزيزي القاريء رأينا معًا كيف تطورت ميثولوجيا و معتقدات إنسان الباليوليت الأعلى و استقرأنا سويًا ما وصلنا من آثار و جداريات فنية و منحوتات قمة في الجمال و ما تنطوي عليه من دلالات و شواهد قوية على تمتع إنسان ما قبل التاريخ بفكر روحاني و ثقافة مميزة .. و سوف نستكمل معًا في حلقاتنا القادمة من هذه السلسلة و الرحلة الممتعة في عالم الميثولوجيا عرضنا لتطور معتقدات انسان العصر النيوليتي .. فإلى لقاء



#ميرفت_فتحي_المراغي (هاشتاغ)       Mervat_Fathy_Elmaraghy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة عن الميثولوجيا - الحلقة الثانية
- العلم في مصر القديمة
- عن الحرية ل جون ستيوارت مل
- مقدمة في الميثولوجيا
- سيكولوجية الجماهير
- ماهية فلسفة سبينوزا...!!!


المزيد.....




- كمين بيت حانون يعيدها إلى الواجهة... ماذا تعرف عن كتيبة نتسا ...
- فرنسا تشدد قبضتها على الإخوان.. هل بدأت المواجهة الفكرية؟
- الرئيس الفرنسي يعلن إجراءات جديدة ضد جماعة الإخوان
- طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة المفضلة للأطفال بجودة هائلة ...
- -هل وضع النبي محمد حجر الأساس لدولة سياسية دينية؟-- في صحيفة ...
- منع ناشط يهودي من دخول إسرائيل إثر لقائه وزير خارجية إيران
- تطبيع جديد.. مشايخ من الجاليات الإسلامية بـ5 دول أوروبية تلت ...
- تحدث عن المذهب الجعفري.. رغد صدام حسين تثير تفاعلا بفيديو لو ...
- هآرتس تنشر تقريرا صادما حول معاملة الأسرى الفلسطينيين بسجن إ ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميرفت فتحي المراغي - مقدمة في الميثولوجيا - الحلقة الثالثة