أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس سالم - إعلانُ حرب ضدّ السرطانات الفكرية والثقافية في -وصايا الغبار-















المزيد.....

إعلانُ حرب ضدّ السرطانات الفكرية والثقافية في -وصايا الغبار-


إدريس سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6204 - 2019 / 4 / 18 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


يستعين الروائي السوري "مازن عرفة" ببنية سردية قوية وتقنيات روائية عديدة، في أولى رواياته التي نشرها عن دار "التكوين"، كالتعبير بأسلوب ساخر غريب عن التشتت النفسي والوجع الروحي وعوالم داخلية وخارجية، وبفانتازيا مرعبة امتزج من خلالها بين الحياة الواقعية وبين الخيال، وتقطيع الزمن واختلاطه بأزمنة حقيقية وأخرى ما خلف الطبيعة، وأحلام اليقظة وتيارات اللاوعي، التي أوجزت انكسارات الأجيال الستينية ومراراتها.

تنقسم رواية "وصايا الغبار"، الصادرة عام 2011م، إلى تسعة وعشرين فصلاً، كُتبت في (664) صفحة، فهي رواية جريئة بإسقاطاتها الكنائية المجازية، ومثيرة بأبعادها السيكولوجية، إذ كسرت كلّ المحرّمات الوهمية والمقدّسات الهلامية، وتحدّت السلطات التقليدية في الشرق الأوسط، بأفكار مجنونة، ضربت كلّ الحقائق السماوية المتوارثة. رواية لعوبية عبثية فوضوية، تصويرية حضارية عقلانية متحرّرة من القيود الكلاسيكية.

يمسك الكاتب من خلال السارد – الراوي (صاحب الشخصية الرئيسية في الرواية) زمام سرد الأحداث والوقائع والعوالم الماورائيّة والخيالات والاستيهامات، إذ يعود البطل الذي كان قد أنهى الدراسات العليا في سلومانيا حالماً مولّهاً بذات العيون العسلية، فهو موظّف مشرف في المركز الثقافي، يحبّ الموسيقى والمطر، مهووس بالأوهام والكوابيس والخرافات التي أثبت العلم أنها غير موجودة، يتناول الثقافة الاجتماعية بطوائفها ومشاكلها، كان يحاضر عن العوالم الداخلية، وله كتاب بعنوان "أكاديمي من الطراز الأول"، وفي النهاية يدخل إلى مشفى الأمراض العقلية بإرادته، معلّلاً ذلك في أنه عاقل.

الرواية مليئة بالعديد من الشخصيات الإشكالية، وغالبيتها شخصيات فوضوية معقّدة من حيث البناء النفساني والجسماني والروحاني والأخلاقي والجنسي، والتي حاور بها الكاتب في أكثر من فصل وحدث، ابتداءً من شخصية السارد – الراوي، والتي هي شخصية مصابة بانفصام تعدّدي يبعثره إلى عشرات الشخصيات المتناقضة، كلّ منها تنتمي إلى أحد العوالم الغريبة، داخلية – ما ورائية – استيهامية.

في "وصايا الغبار" هناك أكثر من سبعين شخصية، ولكلّ شخصية دور ومهمّة موكّلة إليها، حيث أسقط عليها رمزاً شخصياً، أو ثقافياً أو اجتماعياً، أو سياسياً، شخصيات لها عالمها الداخلي وواقعها المعاش بحوارات وعُقد غرائبية، استطاع مازن عرفة – بذكاء عفوي بسيط – أن يستحضرها ويوظّفها في مجمل ما جاء في الرواية من مواقف سياسية وثقافية ودينية ومجتمعية.

يعطي عرفة أهمية كبيرة للحياة الأدبية وروّادها ومفكّريها، حيث يقول لصديقه في الفصل الثالث من الصفحة (52): "تكتسب الحياة معناها وتجدّدها عندما تدور حول ثالوث مقدّس، الشعر والعشق والنبيذ، وعندما تنتعش أنت بالأمل تستطيع أن تمنحه لمَن حولك". وفي السياسة هناك ثالوث ورُباع وخُماس… مقدّس، لدى تجّار الحروب ورجالات أجهزة حفظ الاستقرار الوطني، من فوضى المعارك وتشرّد وجوع وقتل واعتقال وفساد.. وإرهاب.

يطالب الكاتب مجتمعات الشرق الأوسط – خاصة الأوساط الثقافية – بأن يتركوا الأحلام الثورية القديمة، أيّ الأفكار والعادات والتقاليد البالية بخرافاتها وأوهامها وتعاويذها، ومواكبة الحداثة والتطوّر، القادران على استرجاع إنسانية الإنسان وكرامته، واستنهاض وضعه الاقتصادي والتربوي والتعليمي والأخلاقي.

يثبت عرفة في فصل "خدوجة البكر"، من خلال قصصها ومواضيعها وشخصياتها، والتفاعلية القوية بين المواضيع والشخصيات من قضايا الإيمان بالخرافات والتعاويذ على أيدي الشيوخ ومريديهم، أن الشيوخ – أصحاب الفتاوي النظرية – هم موجّهون ومدعومون من قبل الأجهزة الأمنية للأنظمة العربية، وذلك لنشر الفوضى والجهل بين الناس، وإعمائهم عن الحقائق والواقع. هؤلاء الرجالات الأمنية الذين اتخذوا من المؤسّسات والدوائر والمراكز الحكومية مزارع واسطبلات وزرائب لأنفسهم وعملائهم، من الشيوخ والجهلاء وأشباه المثقّفين.

فالسكرتيرة "هالة" مثلاً، وهي أفضل مدرّبة في الأعمال السكرتارية، مارست الجنس مع المدير "بهلول" من خلال الوضع الأول – وجهاً لوجه – بشرط توظيف أختها في المؤسّسة، لتمارس معه في الوضعية الثانية – جانباً – بشرط توظيف أخاها، وفي الوضعية الثالثة – احتكاك بالمؤخّرة على الركب – بشرط توظيف ابن عمّتها وخالتها، وهكذا في الوضعية الرابعة والخامسة والسادسة…، وبهلول – الغبي والشاذ – الذي تمنّى لو يوظّف كلّ أبناء قريتها، مقابل حصوله على كل إثارات الأوضاع الجنسية.

إن مَن ينتهي من الرواية فربّما يعتبرها رواية "إيروتيكية – بورنوغرافية سكسية"، إلا أن ما فيها من إسقاطات كنائية أو مجازية كافية لأن نعتبرها رواية بعيدة عن المفهوم الجنسي، إذ يحاول الكاتب من خلال الممارسات الجنسية الشعورية والحسية أن يفتح أبواب الفساد الاجتماعي والثقافي والتربوي والسياسي وحتى الاقتصادية، مجتمعياً ومؤسّساتياً، فالجنس في الرواية هو علاقة الإنسان التشاركية المتبادلة بين ذاته ورغباته، أيّ أنه أراد أن يصل إلى نتيجة مفادها أن غالبية الخلافات العقائدية والدينية والسيكيولوجية قابلة للحلّ أو الانحلال عن طريق الجنس أو المال، وأنه لا ثابت ولا مطلق أمام جبروتهما.
فوصف وطريقة ممارسة الشيخ محمود للجنس مع السيدة سهام كانت محكمة ومحبكة، والأهم إسقاطات تلك العملية ومجازاتها على الحياة الإنسانية للمواطن السوري، وما يلاقيه من السلطة الحاكمة.

جاء في الرواية بفصلها "تالة 1" المعنون في الصفحة (600): "... أين هي الحدود بين الأوهام والوقائع، هل نصطنع نحن البشر أوهاماً ونزيّنها لنهرب من أنفسنا ومن مواجهة الواقع، أم هي الحاجة لإيجاد معنى لأفعالنا وتصرّفاتنا ولو من خلال الاستيهام؟". أتساءل هنا هل السلطات الحاكمة في الشرق الأوسط تعمل عبر مراكز دراسات استخباراتية خاصة على خلق حياة وهمية لشعوبها من أجل أن تبقى هذه الشعوب بعيدة عن الوقائع الحقيقية والمرّة؟

يعاتب مازن عرفة في "وصايا الغبار" على الوصف الطاغي والسرد الكثيف والحشو المكتنز في فصول عديدة، مثل (سهام – المُذرة – بهلول – البدوي)، والانتقالات الحوارية والفصلية المفاجئة والسريعة، من موضوع إلى آخر بفجائية معقّدة، ومن فكرة إلى أخرى بفوضى منظّمة، وكأنه يلعب بالرواية وقارئها.

ختاماً، من حقّنا أن نسأل بعضاً ممّا في دهاليز الرواية من استفسارات وإسقاطات، منها، مَن هو المنقذ الأمريكي الذكي؟ ما الجدلية والفكرة المراد إيصالهما للقارئ من خلال شخصية "أبو رعد" الغبية وشخصية "السيد لؤي" الذكية؟ الشيخ حسني والشيخة حسنية مَن يمثلها واقعياً؟ ما المقصود بالآنسة المقدّسة المباركة؟ لِم استخدم الكاتب عبارة "الشيوخ الأفاضل" عند استقبال "بهلول" الوفد الديني في مكتبه وهو مَن يعرّيهم ويفضحهم في الرواية؟ ما الكنايات التي قصدها في رجل الصحراء؟ "الحاج خليل" كسّر كل زجاجات الخمر، ثم اللبن، والحليب والعصير باستثناء "الكوكا كولا" لماذا؟ ماذا يريد أن يقول عبر هذا المشهد الدراماتيكي؟ والكثير من الأسئلة الفوضوية المعقّدة والعميقة.



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتقام من الزعيم الجنرال في رواية -الغرانيق-
- تير شتيغن.. جدار برلين العظيم
- رشيد جمال: العمل الأدبي الذي يعتمد على بساطة اللغة يكون أكثر ...
- بشير مسلم: الغرق في تفاصيل العمل الفنّي متعة بحدّ ذاتها
- سيميائية العنوان واللغة في ديوان «رسائل منسية على هوامش الحب ...
- جافيا علي: المجتمع الكوردي يتعامل مع أشخاص -ذوي الإعاقة- على ...
- «بافي بروسك» مثقّف ليبرالي علماني ومُخلص في المسار القومي وا ...
- لن يتّحد الكورد في غربي كوردستان
- غريق يستنجد بغريق
- رقصة الفيل الأمريكي
- مضمون تغريدة ترامب
- محمد رمو: الحرب إن لم تصنع منك كاتباً فأنا أشكّ بشعورك وعمل ...
- الرجل الناقص في المكان الكامل
- نقاط المراقبة في شرقي الفرات.. مَن يراقب مَن؟!
- لهذا دعمت السعودية الأكراد.. وهكذا سترد تركيا
- أوكِ كوكل
- الكورد في سوريا.. أمريكياً وروسياً
- ريزان صالح إيبو: ابتكرت أبجدية كوردية بطريقة «برايل»، والإعل ...
- سوبر كلاسيكو.. بوكا للفقراء وريفر للأغنياء
- ناقدون رُعاع.. واستئسادٌ فيسبوكي


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس سالم - إعلانُ حرب ضدّ السرطانات الفكرية والثقافية في -وصايا الغبار-