أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الغبوري - بين ركام الوجود















المزيد.....

بين ركام الوجود


يوسف الغبوري
(Youssef El Ghabouri)


الحوار المتمدن-العدد: 6203 - 2019 / 4 / 17 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة تحت عنوان:
بين ركام الوجود
بقلم: يوسف الغبوري

في مكان ما حيث الضوء خفيف وبعض الأفراد يسيرون ف قلق مؤرق، التقيت بها هنا أكثر من مرةّ.. هل تعلمين؟ كنت أرى الوجع بكِ أكثر مما تشعرين به، بعد اللقاء صافحتني، وجلست بالقرب منّي، كانت عينايَ تراقب رقبتها والجزء العاري بينها وبين صدرها، تنظرُ في عيناي بلوم، نعم، لاحظت نظراتي لكنّها تجاهلتها، وذلك لم يمنعها لتغلق سلسلة "الجاكيط" التي كانت ترتديها بأصابعها النحيلة، تصرّفت وكأن لا شيء وقع، حتّى أنّه لم تستطع أن تُواري تلك الإبتسامة الممشوقة بزهور الربيع وأصرّت على نظراتي.
اللعنة..
اللعنة على كل من مرّ بجوارنا ولم يدرك أننا كنّا على موعد مع الحب.. بعد عودتي إلى البيت جلست متأمّلا تلك اللحظات العابرة، أحضرت سكّينا ووضعته على حافّة رقبتي بالقرب من صدري وشقتقه قليلا حرصا على أن لا أجرح الحرف الأول من إسمك... على نغمات تلك القطرات السائلة، أخرجت قلما وقصيدة لدرويش، تذكّرت وأنا أقرؤها ملامحك، شفتيك، نظراتك... أخذت القصيدة مسحت بها بعض الدماء المتبقّية فوق صدري ... ونمت.
في الحلم، وعلى ضفاف الذكرى، كنت أجلس وحيدا أُلمْلِمُ ذكرياتي مع تلك الفتاة التي قذفت في قلبي الذعر.. كل ما أحتاجه في هذه اللحظات؛ غرفة صغيرة بلون أخضر، بعض لفافات التبغ.. أحرقها حتى تحرقني، وكأس ماء وبعض الكتب. كل ما أحتاجه أنّني لا أحتاج أي شيء، فقط هي وغرفتها وبعض الهواجس المريحة، وخيالها الذي يطفوا حولي بين الفينة والأخرى.
على إيقاع ضوء خفيف في حلم عابر، جلسَتْ بالقرب مني، نظرَتْ للكتاب بين يديْ، لكنّها كانت منهكة لدرجة لم تستطع أن تمدّ يدها لتقرأ، أدارت وجهها حتّى لا ترهق نفسها بالنّظر إليه. حملت الكتاب بلطف ووضعته بين أناملها حتّى تُطبِق عليه، تكاسلتْ في ذلك لتنظر إليّ بعناد.. إرتعشت شفتاي من هول النظرة كاتما بذلك ابتسامة خفيفة وهمست في أذنها: "أحبّك يا مجنونة".
لم تستطع أن تداري ابتسامتها تحت وجل الحياء لتحمل الكتاب وتضعه على وجهها كاتمة بذلك ملامح الشفاه المبتسمة. وضعت يدي على ركبتي ونظرت لسقف البيت متظاهرا بالشّرود، وفي نفس اللحظة وضعت يدي على ركبتها أرسم دوائر وهمية، حينها تظاهرَتْ أنّها منشغلة بقراءة الكتاب حتّى تكتم عني رغبتها في أن أستمر، رفعتُ يدي، ووضعتها على ظهرها محاولا الدخول في لحظة عناق تعزِفُ لحنها دقّات القلب.. عندها؛ ودون علم منّي وضعَتِ الكتاب على الأرض بهدووء ووقفت ثائرة: أأنت مجنون؟
نظرْتُ لها دون جواب، بعض لحظات، جلست مُجيبة نفسها: حقّا إنك مجنون.
كانت يدها ترتعش وهي تغلق الباب خلفها، أغلقته، أغلقته بإحكام وحاولت بجهد أن تسيطر على أنفاسها المتحمّسة، كانت تفكّر؛ ماذا وكيف ستكون ردّة فعلي عندما أستيقض من "الحلم" وأجدها فِعلا أمامي بملامحها الطفولية؟ كانت في تلك اللّحظة تدرك أنني مختلف عن أي رجل عرفته في حياتها، وكانت تعلم جيّدا أن أول فخ من الممكن أن تسقط فيه هو أن تستهين بذكائي، وقفت في الوسط، هناك حيث الحب بلا سبيل والسبيل بلا حب، من شدة التفكير بدأت تستهلك روحها وتعاني بلا ملل، لم تمسِك نفسها إلا وهي جالسة بالقرب مني، كُنتُ أغُطّ في نوم عميق ولم أشعر بوجودها.
كان صوت الصّمت المُطبِق يطنُّ في أذنها بإيقاع ثابت، فهي تجلس في غرفة فارغة إلّا من شخصين يعيشان على ضفاف الحب، جلست مُنتظرةً أن يحدث شيءٌ ما، فجأة.. فتحْتُ عيني منبهِراً بحجم الكارثة.
كيف دخلتِ لغُرفتي؟
في اللّحْظة التي أحاول أن أتبيّن ملامحها أجابتني بهدوء: لقد تركْتَ الباب مفتوحا أيّها المتهوّر، لابأس، لقد أغلقته الآن بإحكام. استمرّت قائلة: منذُ أن أصبحت واعية وأنا أخاف من الوحدة، ومن فزع غير طبيعي من العناكب بالذات؛ فحملني الحنين إليك.
جلست مكاني، نظرْتُ للسّقف أتامّله، أمسَكَتْ يدي وتقدّمتْ نحوي بخطوات ثابتة، لم تفارقها تلك الإبتسامة الفادحة التي شاهدتها توًّا في حُلمي، ناولتني فِنجان قهوة ارتشفت منه رشفة خفيفة وقدّمته لي لتمسك بين يديها ورقة كتبت عليها قصيدة لدرويش لا زالت بقايا قطرات الدم عالقة بها، كانت تقرأ وتتأمّل الفراغ الذي بيننا باستنجاد، كنت أتأمّلها لحظة بلحظة: "ثياب خفيفة، يد قد زيّنتها حنّاء بدأ لونها يبهت، رائحة مسك، أقدام حافية، عين تتأمّل الفراغ.." بينما أنا غارق في تأمّلٍ لذيذ قفزت جالسة أمامي، قالت بأعين ضاحكة: ألا ترى أن كتابتك عن الشاعر درويش شبيهة بحياة الفيلسوف نيتشه؟ أأنت من كتبت كل هذا؟
نعم عزيزتي، لأنني أعلم أن الكتابة شيء يُمتعك أكثر من لذّة عابرة.
قالت: الأحمق (أي نيتشه)؛ لقد قتل الله بحثا عن الجنة. استويت مكاني: أرجوك؛ حدِّثِينِي عن طعم الجنّة؟
اقتربت مني، نظرت إليّ بِعمق، نزعت ثيابها وقالت: تذوّق.
على ضفاف سرير عابر، رميتُ بجسدي المُتعب في عالمٍ مُجرّدٍ صنعته الذكريات، في غُرفة امتزج فيها الظلام ببعض النور، لم أكن هناك وحيدا؛ لقد كانت ولازالت معي.
بعد أن ارتشفت بعض القهوة وسط فراغٍ مدقع، تمدّدت بقربي وكأن الحنين جعلنا نفترش بعض الحبّ والأرق اللذيذ، عزيزتي؛ لقد أَغْلقَتْ عيناكِ جميع الأبواب حولي، كلّ باب على بُعد نصف متر من جسدي، أبحث عن نفسي بين الفينة والأخرى أحاول فتح أيِّ باب، أعلم أنّها مُحاولات عبثية، فجمال عينيك حاصرني حتّى أنّني لم أشعر براحة مثل هذه من قبل.
حِصار دافئ.. هواء نقي بطعم القهوة التي لازال طعمها عالقًا بشفتيك، أريد أن أنجو من هذا الحصار، أغمضَتْ عيناها بعدما رفعَتْ وجنتيها مُعلنة عن ابتسامة تجعل الروح تسمو في سماء الحب، أرسلت لي علامات وكأنّها متأكّدة أنني سأفهمها أكثر من أي شخص آخر قابلته. نظرتُ بيننا، لا شيء يفصلنا سوى سُمك الثوب الخفيف الذي ترتديه، لكنّني أدركت في تلك اللّحظة أنني فوق كل شيء؛ فوق سمك الثوب، و رمزية العلامات، ورائحة المسك، وطعم القهوة، وصوت مارسيل خليفة الذي كان يكسر صمتنا بأغانيه الثورية، نحن الآن في نقطة أعلى من إدراكنا الفقير ومشاعرنا البسيطة، لقد كنًّا مذهولين أمام ما يحدُث. أشارت إليّ أن أنام في حضنها بينما هي ممدّدة قربي، تجوّلْتُ ببصري من أصابع قدميها إلى خصلات شعرها وكسرت زجاج الصمت بصوتي:
أيّتها الفاتنة.
نعم أيّها الأحمق.
الطريق من أصابع قدميك إلى خصلات شعرك، هل تعلمين كم يستغرق؟
لا.
يستغرق يوما كاملا.
لماذا؟
لشدّة جمال الأماكن التي سأقف عندها..
بعد ليل طويل على همس ذكريات لذيذة، تذكّرت مقدار تلك الرّغبة التي كانت تشدّني وتستحوذ عليّ وأنا ممدّد بدون حركة، تلك النظرات الملحّة التي تسيطر عليك وأنت ممسك بالسكّين التي تفكّر أن تغرسها في عدوّك، أو تلك الجزء من الثانية التي تعيشها وأنت مطلٌّ من شرفتك وتسأل: لماذا لا تقفز؟
وأنا أعيش هذا الهوس اللحظي الغيرُ مبرّرٍ لأشياء ليس لها أيّ هدف محدّد.. إذا بها تفتح عيناها على صوت أسئِلتي بعد ليلة قضيناها معا. تَجارب مهلكة نخوضها لإثبات أننا كائنات تعلم وتعِي تماما ما يحدث. كانت تنظر إليّ باستغراب وقد كانت لا تزال تلفُّ جسدها بردائها الأسود، خاطبتها:
أعتذر لإيقاظك بضجيجي، بأسئلتي التي ليس لها شأن بأيّ شخص، أوجّهها لنفسي فقط في لحظة تأمّلٍ أقترف فيها عناء السّؤال. نعم، أحبّ أن أتسائل كإنسان، عندها أتأكّد أنني أنتهج تفكيرا غير مبرّر في إطار كوني ليس له وجود إلّا في ذهني.
أمام شرودي، اقتربت منّي وأمسكت خذّي بأناملها الرقيقة، قالت بحنان مفرط: ألا تُدركُ أنّني موجودة في أحد أجزاء قلبك، وإن كُنت تتفوّه بهذا الكلام فأنا معك الآن، ببساطة شديدة؛ أنت بالنسبة لي جزء من ذلك الهوس الذي أعيشه، كلّ ما تمرّ به يا عزيزي مجرّد خدعة، الأمر كلُّهُ ــ وحياة حبِّنَا الأبدي ــ ليس سوى خذعة نُسجت على ركام الوُجود، إنها أكبر من أن يستوعبها شخص مثلك لا يزال يحبُّ بصدق.
بعد صمت طويل أجهشت كلماتي بنبرات حب: أين كأس القهوة؟ إنكبّت علي تعانقني تاركةً ردائها الأسود يعانق الأرض، لتقف مستسلما تُسائِلُ نفسك عن جدوى الحياة التي نُسِجَتْ لك بين رُكام الوجود.



#يوسف_الغبوري (هاشتاغ)       Youssef_El_Ghabouri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقليات الدينية المسيحية بالمغرب وإشكالية التأويل من داخل ا ...
- -إشكالية تغيير المعتقد بالمغرب بين تراجيديا الرفض الإجتماعي ...


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الغبوري - بين ركام الوجود