|
مقدمة في الميثولوجيا
ميرفت فتحي المراغي
(Mervat Fathy Elmaraghy)
الحوار المتمدن-العدد: 6199 - 2019 / 4 / 12 - 20:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في بداية عرضنا لهذه السلسلة أود أن أعرض لمحة عن ماهية الميثولوجيا وتعريفها ونشأتها و أهميتها .. لنبدأ معاً رحلتنا في عالم الميثولوجيا و الأساطير : إذن ماذا تعني الميثولوجيا ? .. هي علم الأسطورة و تعنى بدراسة وتفسير الأساطير، و الأسطورة في اللغة العربية جاءت من السطر وهو الخط أو الكتابة و جمعه " أسطار " وجمع الجمع " أساطير " . وكان الفيلسوف اليوناني أفلاطون هو أول من استعمل تعبير " Muthologia " للدلالة على فن رواية القصص و بشكل خاص على ذلك النوع الذي ندعوه اليوم بالأساطير ومنه جاء تعبير " Mythology " المستخدم في اللغات الأوروبية الحديثة ، وهي مشتقة من الأصل اليوناني " Muthas " وتعني قصة أو حكاية . و يعرفها الباحث / فراس السواح في كتابه " الأسطورة والمعنى " بأنها حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون و الوجود و حياة الإنسان. كما يمكن تعريفها بأنها حكايا تقليدية عن الآلهة و أنصاف الآلهة و الأبطال تُصَاغ في قالب شعري فني أدبي مميز مما يساعد على ترتيلها و حفظها و تداولها عبر الأجيال. وترتبط الأسطورة بالدين فكما نعلم فالدين مكون من ( العقيدة و الطقوس و الأسطورة ) و الأسطورة تُعَبِّر عن شق الدين الاعتقادي الذي يستخدمها كأداة للمعرفة و الكشف والفهم ، فالإنسان منذ وُجِدَ على سطح البسيطة وهو يحاول فهم ما يدور حوله من ظواهر يعتريها الغموض و يحاول جاهداً إيجاد تفسيراً لها فقد راعته أحداث و ظواهر كثيرة كالموت والحياة ، و الخير والشر ، والبروق والرعود و الأمراض و غيرها من الظواهر التي حاول السيطرة عليها و التصدي لها و كشف حقيقتها و حقيقة العالم من حوله و إخضاعه لرغباته و مصالحه ، ومن هنا نشأ الحس الديني و الذي لجأ إليه الإنسان عندما عجز عن تفسير ما يحدث و أيقن أن هناك قوى ماوراءية خارقة تقف وراء تلك المظاهر المتبدية لهذا العالم ، قوى إلهية مفارقة له و فعّالة فيه ، فبدأ الإنسان يتأمل تلك القوى و يُجَسِم كل شيء خارق منها يحسه و لا يستطيع الوصول إليه فيجعله إلهاَ و يعمل على استرضاءه ، فالنار و الرياح و الشمس و القمر و النجوم كان ينظر لها الإنسان البدائي كآلهة و أخذ ينسج حولها القصص و الأساطير و يتناقلها خلفاً عن سلف ، فالأساطير هي التي ترسم صور الآلهة و تعطيها أسمائها و تكتب لها سيرتها الذاتية و تاريخ حياتها و تحدد لها صلاحياتها و علاقات بعضها ببعض، ومن هنا ظهر الدين ومن ثم ظهرت الأسطورة. وكما هو الحال في أى معتقد ديني فنجد أن الأسطورة تُخَاطِب الجوانب الانفعالية و غير العقلانية في الإنسان ، فهي تمارس سحرها الخاص و سلطانها الذاتي العميق على النفوس ، وكانت تتمتع الأسطورة بقدسية عظيمة وكان الكفر بها يعد كفراً بكل القيم التي تشد الفرد الي جماعته و ثقافته و فقداناً للتوجه السليم في الحياة. وترجع هذه القدسية و السطوة العظيمة التي تمتعت بها الأسطورة لارتباطها بنظام ديني معين و تشابكها مع معتقداته والتي في حال سقوط ذلك النظام تسقط بالتبعية الأسطورة و تنهار و تتحول إلى مجرد حكاية دنيوية خرافية كسائر الحكايات الشعبية . وليس للأسطوره فهي لا تَقِصْ حدث جرى في الماضي و انتهى بل تُعَبِّر عن حدث ذي حضور سرمدي دائم، فهي إما تُعَبِّر عن حقيقة أزلية كما الحال في أسطورة الخلق ، وإما تعبر عن حدث يتكرر على الدوام ويتجدد مع بداية كل عام حسب المعتقد ، كما أن ليس لها مُؤَلِّف معين لأنها ليست نتاج خيال فردي أو حكمة شخص بعينه و لكنها نتاج تأملات الجماعة و حكمتها و خلاصة ثقافتها . وتَكْمُن أهمية الميثولوجيا أو دراسة علم الأساطير و دراسة ما وصلنا من إرث ميثولوجي عظيم في معرفة و استقراء وفَهم الشعوب البدائية القديمة و سلوكياتها و حياتها الروحية و الفكرية و الثقافية فهي تعكس لنا كيف كانت تفكر تلك الشعوب و كيف انتهجت في عباداتها و معتقداتها و كيف تطور فكرها و كيف وصلت إلي كل تلك الحضارة والتقدم . كما تُعَدْ الأسطورة أصلاً للفن و الدين و التاريخ و تُعَدْ مرجع مهم و ثري للباحثين في شتى العلوم لاسيما العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع و النفس و الاركيولوجي ( علم الآثار ) و الانتروبولوجي (علم الانسان) و علوم التاريخ فهي تقدم لهم مادة قيمة و ثرية لا تقدر بثمن . وهكذا قارئنا العزيز فقد تعرفنا معاً على ماهية الميثولوجيا و علم الأسطورة و أهميتها العظيمة و كيف أنها ميراث ثقافي بشري مميز و عظيم ، و ستنال في المقالات القادمة عرضاً لأهم تلك الأساطير بداية من عصور ما قبل التاريخ وكيف كانت معتقدات و روحانيات إنسان تلك العصور مروراً بالحضارة الفرعونية و الإغريقية و حضارات بلاد الرافدين .. فإلى لقاء.
#ميرفت_فتحي_المراغي (هاشتاغ)
Mervat_Fathy_Elmaraghy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجية الجماهير
-
ماهية فلسفة سبينوزا...!!!
المزيد.....
-
“خروف العيد فين”!!.. نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي وعيش اللح
...
-
بالصور.. يوم عرفة بالقدس والمسجد الأقصى
-
متى موعد صلاة العيد في سوريا وطريقة حساب وقت صلاة العيد في م
...
-
شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف هدف إسرائيلي في
...
-
“فرحة الأطفال في العيد” استمتع بأجمل الأغاني والأناشيد مع تر
...
-
السيسي يهنئ قادة الدول العربية والإسلامية بعيد الأضحى
-
اختبار المساواة والتحديات الروحية من مزدلفة إلى العقبة
-
رئاسة شئون الكنائس: إسرائيل تغتال فرحة شعبنا بعيد الأضحى
-
أستعد للأجواء الروحانية… موعد عيد الأضحى في مكة المكرمة والم
...
المزيد.....
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
المزيد.....
|