أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رفيف رشيد - تمثل المغتربين لبد الإقامة و علاقته بالاندماج. 3/4 الاندماج















المزيد.....



تمثل المغتربين لبد الإقامة و علاقته بالاندماج. 3/4 الاندماج


رفيف رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 1534 - 2006 / 4 / 28 - 10:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الاغتراب مصطلح شديد العمق و عريق الأصل, إذ يعود إلى تلك اللحظة التي نزل فيها
آدم من الجنة و اغترب في الأرض.
و منذ ذلك الحين بدأت الاغترابات, في كل الأزمنة و الأمكنة, فكثرت الهجرة. و تكون حالة
سفر أو رحيل الأفراد من بلدهم الأصلي إلى دولة أخرى, و السكن و العيش فيها لمدة
طويلة, قد تدوم سنوات أو العمر كله, لعدة أسباب كالحالة الإقتصادية للبلد الأصلي, أو
السياسية, أو الاجتماعية....
و قد يكون الفرد راغبا في السفر أو العيش في دولة أخرى مغتربا فيها عن بلده الأصلي, و
عن تقاليده و عاداته و أهله و ذكرياته... و ذلك لغاية في نفسه, إما لتحسين ظروف عيشه
الاقتصادية, أو لعدم ملاءمة الجو الاجتماعي... أي أنه في هذه الحالة يكون قد اختار نظام
و طريقة عيش أخرى غير طريقة و نظام عيش بلده الأصلي... (لكن حتى لو اختاردولة
قريبة من بلده الأصلي في التقاليد و اللغة... فلا بد أن هناك صعوبات التأقلم و التي تكون
داخل الدولة الواحدة, بين مدينة و أخرى. فما بالك بدولة أخرى).
لكن هناك حالات يضطر فيها الفرد إلى الاغتراب و العيش في دولة أخرى غير بلده
الأصلي, و ربما أن الأسباب السياسية تحتل المرتبة الأولى في هذه الحالة, من التسلط
السياسي, أو كثرة الحروب... أي أنه أجبر على مغادرة بلده, و على محاولته الاندماج في
بلد الاغتراب, أو بلد الإقامة..
و من المعروف أن لكل فرد هويته الخاصة به, و أفكاره و ذكرياته و طباعه, و مستواه
الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي... و الفرد المغترب يحمل معه كل هذه الخصوصيات إلى
مكان غربته, إلى الدولة التي اختار أن يسكن فيها, و هنا تطرح المشكلة في كيفية الحفاظ
على تلك الخصوصيات, و في نفس الوقت, محاولة التأقلم و الاندماج, و البدء من جديد في
بناء مستواه الاجتماعي و الثقافي, و في إقامة علاقات اجتماعية, و التعود على نمط عيش
قد يكون مختلف تماما عما كان فيه بلده الأصلي.
لكن إحساس الغربة أو الوحدة إحساس مؤلم, و قد يؤدي بالفرد إلى عدة صراعات و حالات
مرضية كالاكتئاب أو العصاب أو العنف (سواء الموجه نحو الخارج أو نحو الداخل, أي
نحو المجتمع أو نحو الفرد نفسه) و قد يساعد الشعور بالاغتراب الفرد على الابداع
كطريقة للتعبير عما يعانيه, بكيفية مباشرة أو غير مباشرة, كالرسم و الشعر والكتابة...
إلخ.
فالمشكلة بالنسبة للمهاجرين و المغتربين عن وطنهم, هي اندماجهم و تأقلمهم في بلد
الإقامة, و علاقة ذلك بصورة بلد الإقامة لديهم, و الفروق الموجودة بين تقاليدهم و
عاداتهم و مفاهيمهم الأصلية, و بين تقاليد و عادات و مفاهيم بلد الإقامة....
فكيف يرى و يتصور المغترب الجانب الثقافي و الاجتماعي لبلد الإقامة؟ و ما مدى
مساهمة هذا التصور أو الرؤية للجانبين الثقافي و الاجتماعي في اندماج الفرد في بلد
الإقامة؟ و هل عدم قبول الفرد المغترب لإحدى هذين المجالين يحول دون اندماجه بشكل
ناجح في بلد الإقامة؟ و تأثير قبول الفرد المغترب و مستوى اندماحه في بلد الإقامة على
الجانب النفسي و الاجتماعي للمغترب؟ و من الطبيعي أن تواجه الفرد المغترب بعض الصراعات
بين تقاليد و عادات بلده الأصلي و تقاليد و عادات بلد الإقامة, فكيف يتصرف
الفرد و يواجه تلك الصراعات؟ و علاقة ذلك بمدى اندماجه في بلد الإقامة؟

و من المعروف أن عملية اندماج المغترب عملية مهمة في محاولته مقاومة الاغتراب...
و قد يأتي الشعور بالاغتراب من طرف مجتمع بلد اقامة, أو من طرف المغتربين من جالية الفرد المهاجر..
و في هذه الحالة يكون الاحساس أكثر حدة و ضياعا

التعريف اللغوي:
كلمة "اندماج" في العربية معادلة لكلمة
Intergration
في اللغتين الإنجليزية و الفرنسية, و تتخذ المعنى نفسه في كل منها.
و من خلال الرجوع إلى معاجم اللغة العربية, يلاحظ وجود اتفاق فيما بينها حول المعنى
الاشتقاقي لكلمة "اندماج" أو "دمج" فمحمد بن أبي بكر الرازي يقول في مادة "دمح" :
دمج الشيء, أدخله في غيره و استحكمه فيه, و بابه دخل و كذا اندمج و دمج بتشديد
الدال, و أدمج الشيء لفه في ثوبه.
و يقول جبران مسعود في مادة "دمج": دمج الشيء في الشيء دخل فيه و استحكم. اما
المنجد في اللغة و الإعلام في مادة "دمج": دمج دموجا في الشيء دخل فيه و استحكم, و
الأمر استقام دمجه في الشيء أدخله فيه.
أدمج الشيء في الثوب: لفه فيه
اندج و أدمج الشيء: دخل فيه و استحكم
و يقول أحمد رضا في نفس المادة: دمج دوموجا في الشيء دخل و استحكم فيه و التأم,
فهو دامج. دمج أمرهم: ملح و التأم.
و يقول المؤلف نفسه فس مادة الاندماج: اندمج في الشيء دخل و التأم. فالاندماج أو
الدمج, يعني اشتقاقيا دخول شيء في شيء آخر, أو جزء في كل و الانسجام أو التلاؤم
معه, و يرى البعض أن كلمة
intergration
تعني اشتقاقيا و لغويا: عملية ادخال جزء في الكل

_ مفهوم الاندماج:
تتم عملية الاندماج عندما يتم الاحتفاظ بالهوية الثقافية للبلد الأصلي, و في نفس الوقت يتم
تبني المعايير الثقافية لبلد الإقامة. و هذا الدمج ما بين مكونات الهويتين / معايير الثقافتين
لا يعني أبدا أن المغترب قد اندمج بشكل كامل. و ما لا يجب تغييبه ضدا عن النزاعات
الاختزالية, هي الدلالات المتعددة التي يحملها مفهوم الاندماج, فهناك:
- الاندماج مع المحيط التشريعي: بمعنى "الاستفادة من سوق العمل و كذلك من فضاءات
العلاقات الاجتماعية و التعليمية و الصحية و السكن"
- الاندماج الثقافي: بمعنى "معرفة استخدام المعايير الثقافية للمجتمع المستقبل مع إبراز
المعايير الثقافية للبلد الأصلي.
و في هذا السياق يعرف
Giminez
مفهوم الاندماج ب:"سيرورة التكيف المتبادل لمسارين سوسيوثقافيين, من خلال توحد الأقلية (المغتربة) في
مساواة مع مواطني مجتمع بلد الإقامة على مستوى الحقوق, و الواجبات و فرص العمل,
دون فقدان ثقافة البلد الأصلي. و من خلال قبول الأغلبية و توحدها في التغييرات القاعدية
و المؤسساتية و الإيديلوجية الضرورية, لأجل أن يصبح التوحد السابق الذكر ممكنا.
و في نفس السياق يؤكد
Salt
على ضرورة تضمن سيرورة الاندماج لثلاث مسارات
فرعية و هي:
- تكيف المغتربين مع بلد الإقامة.
- تكيف بلد الإقامة مع المغتربين.
- تنمية التواصل الاجتماعي و الثقافي المناسب ما بين السكان المغتربين و السكان
المحليين من جهة, و من جهة ثانية ما بين كل منهما و بين الحكومة المركزية و
الحكومات المحلية.
و بهذا المعنى, فالاندماج يطرح كسيرورة لبناء علاقات جديدة ما بين مختلف الجماعات, و
كما يقول
Perotti
"مفهوم الاندماج يتناقض مع مفهوم الاستيعاب. و هو بذلك يشير
إلى القدرة على المواجهة و على تبادل القيم و القواعد و نماذج التصرف سواء من طرف
المعتربين أو من طرف السكان المحليين, يتم ذلك في وضعية متساوية و مشاركة. و هكذا
فالاندماج هو سيرورة متدرجة تبيح للمقيمين الجدد الوصول إلى وضعية مشاركين و
فاعلين في الحياة الاقتصادية و الدينية و الثقافية لبلد الإقامة."
و هناك مرادف لمصطلح الاندماج و هو مصطلح التوافق و قد استخدم مفهوم التوافق في
المجال النفسي و الاجتماعي تحت مصطلح (تكييف, أو توافق, أو موائمة)
و يعني التكيف و التوافق في اللغة: التآلف و التقارب, و هي نقيض التخالف و التنافر و
التصادم, و التكيف في علم النفس هو تلك العملية الدينامية المستمرة التي يهدف بها
الشخص إلى أن يغير سلوكه, ليحدث علاقة أكثر توافقا بينه و بين البيئة, و بناءا على ذلك
الفهم نستطيع أن نعرف هذه الظاهرة بأنها القدرة على تكوين علاقات بين المرء و بيئته.
و التكيف مفهوم مستمد أساسا من علوم البيولوجيا على نحو ما حددته نظرية "تشارلس
دارون" المعروفة بنظرية النشوء و الارتقاء. فيشير هذا المفهوم عادة إلى أن الكائن الحي
يحاول أن يواءم بين نفسه و العالم الطبيعي الذي يعيش فيه, محاولة منه من أجل البقاء.
و وفقا لهذا المفهوم يمكن أن يوصف سلوك الإنسان كردود أفعال لعديد من عناصر البيئة
الطبيعية, كما أن الكائن الحي لديه في الواقع من القدرة مما يساعده على التكيف و التلاؤم
مع ظروف البيئة المادية و الطبيعية, و تهدف هذه العملية بأشكالها المختلفة التي تلاؤم
الفرد مع الظروف الطبيعية البيئية التي يعيش فيها بقصد البقاء, حسب النظرية البيولوجية
للتكيف.
و لقد استعار علم النفس المفهوم البيولوجي للتكيف و الذي أطلق عليه علماء البيولوجيا
مصطلح "مواءمة" و استخدم في المجال النفسي الاجتماعي تحت مصطلح "تكيف أو
توافق".
فالإنسان كما يتلاءم مع البيئة الطبيعية يستطيع أن يتلاءم مع الظروف الاجتماعية و
النفسية التي تحيط به و التي تتطلب منه باستمرار أن يقوم بمواءمات بينها و بينه. و
ظروف الحياة تدفعه إلى هذا التكيف, و يساعد على ذلك ما لدى الفرد من قدرة على
التطبيع الاجتماعي و الذكاء.
و من الطبيعي أن ينصب اهتمام علم النفس على البقاء السيكولوجي و الاجتماعي للفرد
أكثر مما ينصب على البقاء الطبيعي و البيولوجي حسب اتجاه علماء البيولوجيا, و من هنا
يفسر السلوك الإنساني باعتباره توافقات مع مطالب الحياة و ضغوطها, و هذه مطالب في
أساسها اجتماعية نفسية تتضح في صورة علاقات متبادلة بين الفرد و الآخرين و تؤثر
بدورها في التكوين السيكولوجي للفرد.
و يرى "فرويد" إن الشخص حسن التوافق هو الذي تكون عنده "الأنا" بمثابة المدبر
المنفذ للشخصية أي هو الذي يسيطر على كل من "الهو" و "الأنا الأعلى", و يتحكم فيها
و يدير حركة التفاعل مع العالم الخارجي, تفاعلا تراعى فيه مصلحته الشخصية بأسرها و
مالها من حاجات.
و كما أن كل إنسان مرهون وجوده بالمجتمع الذي يعيش فيه, فلا بد للإنسان كي يعيش,
من أن يعيش في مجتمع يتفاعل معه, يأخذ منه و يعطيه, يستفيد من نشاطه و يفيده من
مجهوده الخاص.
و يرى "شنيدر" أن علاقة الفرد المرضية بالبيئة هي جزء من التوافق, و إن كان من
الصعب تحديد معنى كلمة مرضية في هذا الصدد و نفس الشيء أيضا بالنسبة لتعريف
مفهوم التوافق بأنه تطابق مع البيئة, فهو مفهوم غير واضح و مضلل, لأن التطابق أو
المماثلة عندما تكون شديدة تؤدي إلى اضطرابات كثيرة في السلوك.

الاندماج و المستوى الثقافي
و من المعروف أن المستوى الثقافي للفرد و للأسرة دور في عملية التوافق أو الاندماج.
فماالدور الذي يلعبه العامل الثقافي في عملية اندماج المغتربين, و أين يتمثل ذلك
الدورباستحضاره؟ و هل يمكن وضع بعض الحدود لذلك الدور؟ و في حالة إن كان الجواب
إيجابيا ما هي تلك الحدود؟
هناك اتجاه يدافع على ضرورة محافضة المغتربين على خصوصيتهم الثقافية, و من
مخاطر هذا الاتجاه السقوط في وظعية الجمود و الانطواء الثقافي بوضع الثقافة كقيمة
أولية, و بتغييب أنها قيمة متغيرة و ليست ثابتة. فالثقافة ما هي إلا آلية من آليات التكيف
لجماعة بشرية ما مع محيط معين, بمعنى أن الثقافة تشكل مجموعة من المعايير المشتركة
التي تسهل عملية التنظيم الوظيفي للمجتمع, معايير تتشكل من مظاهر معرفية و قيمية و
معتقداتية و سلوكية. و هكذا, فالثقافة تشكل جزء من هوية الفرد, من جذوره, من انتمائه
إلى مجموعة بشرية و تاريخ مشترك. و عندما ينتقل الفرد للعيش في مجتمع له قيم و
مميزات ثقافية مختلفة عن تلك المتداولة في مجتمعه الأصلي, يبقى من الصعب أن تتم
عملية استيعابه, و ما يحدث هو تبني المغترب لقيم و تصرفات سكان بلد الإقامة دون ان
يتفاعل معها, لأنه من جهة, لا يستوعب رموزها و دلالتها, و من جهة ثانية لأنها تبقى
بعيدة عن نظامه القيمي. و هكذا يكتفي بالتقليد بمعنى أنه يفقد إطاره "الثقافي" المرجعي
دون أن يتمكن من الإطار المرجعي الجديد الذي انغمس فيه, و كمثال على ذلك, الملاحظ
وجود عائلات مغربية مغتربة في إسبانيا مثلا لديها الرغبة أن تصبح إسبانية كل ما أمكن,
لكن عقلياتها و ذهنياتها تبقى بعيدة عن سلوكياتها, كذلك هناك الكثير من المغاربة يبدؤون
بشرب الخمر عندما يحضرون إلى إسبانيا, لكنهم لا يشربون بالطريقة المرجعية الإسبانية,
و بالتالي فالشراب لديهم لا يحمل نفس الدلالات التي هي لدى الإسبان. فهو جزء من
الثقافة الإسبانية, و تعدي على الثقافة/المعايير التقليدية بالنسبة للمغاربة.
يحتاج الأفراد إلى أنظمة مرجعية ثقافية مقترنة بذهنياتهم, حتى تمنح لتصرفاتهم منطق و
دلالة معينة. و هذه الأنظمة المرجعية لا يمكن أن تنتفي بتغيير بلد الإقامة, في مقابل ذلك, لا
يمكن أن تبقى جامدة, بل ضروري أن تكون منفتحة على استقبال تغييرات متى اعتبرت
معقولة. و بمعنى أدق, فعلى الفرد أن يمتلك نظاما قيميا يحس بالتماهي فيه, و على هذا
النظام, أن يكون منفتحا و قابلا للتغير باستمرار. و المهم ليس الثقافة في حد ذاتها, بل
قدرة الفرد على الاندماج في محيطه الجديد مع الإحساس بالارتياح. و في هذا السياق يجب
أن يكون تفكير و ممارسة الكثير من المؤسسات الإسلامية مرنا, و ذلك يستدعي تفادي
اعتبار أي تغيير في سلوك المغترب المسلم تغييرا مؤذيا يبعده عن الإسلام.
على أي حال, تشكل الثقافة جانبا أساسيا من هوية الفرد و بالتالي فالتغيرات التي يتم
إدخالها عليها يجب أن تكون تدريجية و بقرار و رغبة منه. و من المهم الإشارة أن الكثير
من التعريفات التي تطرح حول اندماج المغتربين و المهاجرين, تشدد على ضرورة "ألا
يكونوا ملزمين على تغيير ثقافتهم" , لتفادي مخاطر التثاقف التي تتمظهر من خلال فقدان
أو غياب النظام في القيم المرجعية, أو الدفاع الذاتي, أي إعادة التشبث الجذري بالتقاليد, و
هي مخاطر كبيرة لكن يبدو أنه من الصعب تفادي خلائط (تشكيلات) غير واضحة و التي
يمكن تركيزها بطريقة مختلفة من طرف هذه الجماعة البشرية أو تلك. و في غالب الأحيان
و بقليل من المرونة يمكن ألا تنطرح مشاكل خطيرة. لهذا السبب, من اللازم الإشارة إلى
بعض النقاط المحسوسة التي تثير الجدل:

ضرورة تبني قيم حد أدنى بين المغتربين و بلد الإقامة:
يرى "أركون بومبين" 1990 في دراسة له صعوبة ترتيب مختلف القيم عندما يتم
الميل إلى سياسة احترام مختلف الثقافات, كما يشير كذلك إلى ضرورة بناء "قيم حد
أدنى مرجعية", و من بين القيم التي أشار إليها: الديمقراطية و المساواة في الحقوق
بين الرجال و النساء و تجديد المحيط الفردي للمعتقدات الدينية. غير أنه و أن كانت قيم
الحد الأدنى هذه تشكل الحد الأدنى في البلدان الغربية, فأنها قد لا تشكل الحد الأدنى في
بعض الحالات مثل ختان البنات عند الكامرونيين الذي أحدث ضجة كبيرة في كاطالونيا
كظاهرة مثيرة للتقزز
إذ أن ما يعتبر قيما مطلقة في الثقافة الغربية, يمكن أن يتحول قيما نسبية في إطارخطة
متداخلة الثقافات. و هكذا فالمظهر الأكثر تأثيرا على العرب و المسلمين عموما, هو كون
المساواة بين المرأة و الرجل في ثقافتهم له معنى مختلف, فليس للنساء و الرجال نفس
الحقوق و الواجبات, و من وجهة النظر هذه, ففرض التشريع الأوربي عليهم, يؤدي بهم
إلى تجذير بعض الممارسات الثقافية كالزواج المبكر للفتيات و تعدد الزوجات و نفس الأمر
بالنسبة لمساطر الإرث. ثم هناك مسألة الاحتفاظ بالأطفال عند الطلاق عند الزيجات
المختلطة, فالقانون الفرنسي مثلا يعطي الحق للأم و المغربي للأب, إذن ما هو البديل؟

_الاستعداد للتغير:
من بين الأدلة / المبررات المستخدمة بحدة ضد المغتربين كونهم "لا يريدون و لا
يرغبون" في الاندماج, و كأن إرادة الاندماج محتمة على أي إنسان غير مكان إقامته.
ذلك ما يشكل موضوع بعض الملاحضات:
عندما يغترب أو يهاجر الإنسان نادرا ما يفكر في الاندماج في مجتمع بلد الإقامة, و
بالأساس عندما يتعلق الأمر بالهجرة الاقتصادية, فمن المعتاد أن يحتاط من ثقافة المجتمع
الجديد المختلفة عن ثقافتهم, خوفا على نفسه و على عائلاته. فهناك ميل إلى احتفاظ
الأفراد بعاداتهم و قيمهم التي صاحبتهم على امتداد حياتهم. ذلك دون نغييب وجود علاقة
كبيرة ما بين سن المهاجرو المغترب و مستوى اندماجه, فالشباب بالخصوص المثقف
يندمج بسرعة و بشكل أفضل, و غالبا ما لا يتشبث بشكل جامد بقيمه بل يتبنى الكثير من
العادات و قيم المحيط الجديد, نظرا لأنهم يتمثلون الثقافة الجديدة كغنى و إثراء فردي.
عند التحدث عن أهمية استعداد بعض المغتربين للاندماج, لا يعنى أن البعض الآخر يظل
كما وصل, فالمحيط الجديد يلزمه بالتصرف, و التحديات المستمرة التي تواجهه تستدعي
استجابات جديدة. في المقابل فإن التشبث الجذري للمغترب بقيم و عادات بلده الأصلي هو
توجه تحكمه ردود الفعل و تأكيد الذات لا العقل, و كمثال على ذلك, المغربي الذي يرفض
تمدرس بناته و إن كانت الأم ترى عكس ذلك فهو يفرض رأيه بالعنف متجاهلا أن بلد
الإقامة يعتبر التمدرس إلزاميا بالنسبة للجنسين. و هناك كذلك, ما يمكن تسميته ب
"التعبير ذهابا و إيابا" كأن يتبنى الفرد قيما تقدم له كحل شامل و يرفضها عندما يتبين له
أن تبينها ينتج عنه آثار مضادة. و الواقع أن هناك قوانين "للجذب" تؤثر في عملية تغيير
المغترب لعاداته: فمن جهة هناك الاستعداد الأول للاحتفاظ بعاداته, و من جهة ثانية,
الرغبة في أن يكون مقبولا في المحيط الذي يعيش فيه.
إن أغلبية المغتربين لا يهمهم ما يقولوه عنهم مغتربون آخرون من نفس بلدهم الأصلي
بقدر ما يهمهم ما يقوله عنهم أفراد بلد الإقامة, و يبقى عمل المرأة المهاجرة و تمدرس
الأبناء عناصر مهمة في اندماج الأسر المغتربة في الدول الأوربية بفعل الاتصالات و
التفاعلات التي يبيحها و يفتحها كل من العمل و التمدرس مع المحيط الجديد.

و من المشاكل المدرسية التي تطرح بالنسبة للمتمدرسين أن أبناء المغتربين غالبا ما
يجمعون المغتربين في مدارس معينة حيث أصبحوا يمثلون الأغلبية, و هذا يشكل شكلا من
أشكال العزل. ذلك ما أشارت إليه الكثير من الدراسات التي أنجزت في البلدان الأوربية التي
تواجد بها المغتربون المغاربة منذ عقود عديدة. و هي ميزة سلبية يمكن أن نلمسها كذلك
في البلدان التي لم يتجاوز تواجد مغتربون مغاربة فيها عقدين من الزمن, مثل إسبانيا. و
هو ما أكدت عليه الدراسة التي أنجزتها مؤسسة "محامي الشعب" في إسبانيا سنة 2003
حول "تمدرس التلاميذ المغتربين في إسبانيا.
هذا بالإضافة إلى ضعف معرفة المدرسين و الإدارة التربوية لثقافة أبناء المغتربين,
و ما ينتج عن ذلك من فهم خاطئ للسلوكات التي تصدر عنهم.
وتطرح مسألة تمدرس الأطفال المغتربين مشاكل نفسية و اجتماعية عديدة, و مجهولة في
الغالب, و هي مشاكل ما زال البحث العلمي بعيدا عن إيجاد حلول لها.
و بشكل عام يعتقد أنه مع "أسبنة" صغار المغتربين المغاربة, من خلال تعلمهم اللغة
الإسبانية تحل جميع مشاكل الاندماج. إلا أن الأمر غير ذلك, فتعلم اللغة الإسبانية ما هو إلا
خطوة في اتجاه الاندماج المتوازن في المجتمع الجديد. و يبقى عليهم اكتشاف طرق الحياة
و نظام العلاقات و العادات و أزقة و شوارع إسبانية, و بإيجاز يبقى عليهم اكتشاف الثقافة
و الحضارة الجديدة. يتم ذلك و هم يحملون ثقافة البلد الأصلي و هي ثقافة مغايرة كثيرا
لثقافة بلد الإقامة.
إن إلتقاء الثقافتين هو الذي سيحرك ذهن الطفل اتجاه المقارنة و الاختيار و المعرفة و
الرفض و الثورة, و عن ذلك, تتولد الاضطرابات النفسية التي تؤدي أحيانا إلى مآسي
حقيقية, و هي اضطرابات تتمظهر في الأقسام الدراسية الأولية يلمسها جل المدرسين,
لكنهم عاجزون عن إيجاد حلول دائمة لها. و لفهم تلك الاضطرابات, ضروري الأخذ بعين
الاعتبار مجموعة من العناصر تتمثل سن الأطفال, الوسط العائلي و مدة هجرة الآباء.
و يمكن تلمس الاضطرابات النفسية و الاجتماعية لدى أبناء المغتربين من خلال نوعين من
ردود الفعل:

-1- ردود الفعل ضد المجتمع الأصلي / العائلة:
مع امتلاك الطفل المغترب للغة الجديدة التي تصبح سريعا اللغة الرئيسية بفعل الضرورات
الحياتية اليومية, يبرز ميل لديه إلى القطيعة المتزايدة مع محيطه العائلي (الأب و الأم) و
المجتمعي أي بلده و دينه و محيطه الطبيعي. و من نتائج ذلك:
- بروز ظواهر التوتر عند بعض الآباء, الذين لا يفهمون لماذا يرفض أطفالهم لغتهم و
تقاليدهم و يفضلون لغة و تقاليد بلد الإقامة. و هناك من الآباء من يلجأ إلى عقاب الأبناء
بإرجاعهم إلى بلدهم و حتى اختطافهم.
- و تتعقد الوضعية أكثر عندما يتعلق الأمر بأطفال مغتربين ينتمون إلى عائلات متدينة
جدا, فمن خلال الاتصال مع الأقران و الفضاء الأوربي المتحرر دينيا, يبتعدون شيئا فشيئا
عن معتقدات آبائهم دون أن يتحولوا إلى ديانة أخرى. هناك كذلك وظعية الطفل المغترب
الذي يستحوذ على سلطة الآباء و الأمهات باعتباره الوحيد داخل الأسرة المتمكن من لغة
بلد الإقامة قراءة و كتابة و نطقا, فهو يجيب على الرسائل و يصاحب الأب إلى الإدارات و
الأم إلى الطبيب, بإيجاز يتحول إلى مترجم و يحس أنه أصبح المسؤول عن العائلة. و هكذا
يعاني الآباء من "التهميش" من فقدان موقعهم نظرا لعدم توفر الوقت لتعلم اللغة أو أن
السن لا يسمح بذلك وفق تصورات تقاليدهم. و هكذا تتشكل هوة بينهم و بين أبنائهم تتسع
باستمرار. و الأخطر من ذلك, هو أن بعض الأطفال و المراهقين المغتربين يحتقرون
آباءهم الذين لا يعرفون كيف ينجحون و لا كيف يدافعون عن أنفسهم, و في هذا السياق
نذكر حالات هؤلاء الذين يرفضون الخروج مع آباءهم و أمهاتهم إلى الشارع, و هي حالات
غير قليلة.
ميل الأطفال و المراهقين المغتربين إلى مقارنة نمط عيش و قيم أسرهم مع نمط عيش و
قيم أسربلد الإقامة , و بما أنهم غير قادرين على التمييز و على فهم الخصوصيات
المرجعية لنمطي العيش, فهم ينساقون بطبيعة الحال إلى تبني ما هو موجود أمام أعينهم,
في مقابل ذلك ينتقدون و يسخرون من قيم و عادات و ثقافة عائلاتهم. و في الكثير من
الحالات يلجأ الآباء إلى العقاب البدني الشيء الذي ينتهي بهم إلى المحاكم, التي قد تحرمهم
الحق من رعاية الأبناء.

_ ردود فعل ضد مجتمع بلد الإقامة/ المدرسة:
توافد المغتربون بكثافة على إسبانيا فقط في العقد الأخير, بحثا عن العمل و تحسين
الأوضاع المعيشية, لكن الأعمال التي يزاولونها و المساكن التي يقطنونها لا تساعدهم على
الاندماج و التحرك المريح في المجتمع الجديد. إضافة إلى مواجهتهم لكل أشكال السخرية
و الإيماءات العنصرية. لكن أبنائهم لا يقبلون أن تتم السخرية من آبائهم, زيادة على
رفضهم لسكنهم غير اللائق و المهن غير المريحة و غير المربحة التي يشتغلون فيها. و
هنا يطرح السؤال, ماذا ينتج عن ذلك؟
ينتج عن ذلك عقدة الإحساس بالنقص, و هي عقدة لا توجد عند الأطفال عندما يحضرون
إلى المهجر, إلا أن الكلام و الحركات و الأفعال و القرارات التي تصدر عن مجتمع بلد
الإقامة, هي التي تولد شيئا فشيئا هذه العقدة, لذلك تراهم يتفاعلون بعمق مع المدرسين
الذين يوفرون لهم فضاء نفسي دافئ داخل القسم. و في نهاية التحليل, فعقدة النقص تشكل
عائقا لأي تقدم أو تحسن مدرسي.
ينتج عن ذلك كذلك "الشك أو الريبة" فالآباء المغتربون يتعرضون بهذا الكم أو ذاك
للإساءة و الاستغلال من طرف المشغلين و مالكي المنازل و المواطنين العاديين. و هو ما
يلاحظه الأبناء دون ان يستطيعوا فعل أي شيء. و هكذا, بإمكاننا أن نتفهم الشك الذي يبرز
عندهم, و هو شك و ريبة يمكن أن تتمظهر من خلال السلوك الانتظاري و السلوك
العدواني:

السلوك الانتظاري: فهم لا يستجيبون بسرعة لأي سؤال أو أمر أو دعوة إن لم يكن
لديهم ثقة مطلقة في مخاطبهم.

السلوك العدواني: يصنف أبناء المغتربون دائما كمشاغبين, و أمام التعليقات العنصرية
التي يتعضون لها من زملائهم, فهم يلجؤون إلى الضرب و الرفس, لأن الرد الكلامي لا
يهدأ من الصراعات النفسية, و الضرب و العنف هو الأسلوب الوحيد الذي يفرضون به
الاحترام.

إظافة إلى ذلك فالنقد أو النصائح التي يوجهها لهم المدرسين, تعني بالنسبة لهم دائما
السخرية و الرفض و العنصرية.



#رفيف_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثل المغتربين لبلد الإقامة و علاقته بلاتندماج -الاغتراب- 2/ ...
- تمثل المغتربين لبلد الإقامة, و علاقته بالاندماج
- جمال و رموز الجسد في الثقافات العربية الاسلامية


المزيد.....




- فرنسا: إنقاذ 66 مهاجرا غير نظامي أثناء محاولتهم عبور المانش ...
- مصر.. والدا الرضيعة السودانية المقتولة بعد هتك عرضها يكشفان ...
- السعودية.. عمليات انقاذ لعالقين بسيول والدفاع المدني يحذر
- الغرب يطلق تحذيرات لتبليسي مع جولة جديدة من الاحتجاجات على ق ...
- فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران ...
- في الذكرى الـ10 لمذبحة أوديسا.. اتهامات لأجهزة استخبارات غرب ...
- ترامب يعلق على أحداث -كولومبيا- وينتقد نعمت شفيق
- نيبينزيا: مجلس الأمن الدولي بات رهينة لسياسة واشنطن بالشرق ا ...
- -مهر-: رئيس جامعة طهران يعين زوجة الرئيس الإيراني في منصبين ...
- ‏مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين في عدة جامعات أمريكية والشرطة ت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رفيف رشيد - تمثل المغتربين لبد الإقامة و علاقته بالاندماج. 3/4 الاندماج