أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - علي محمد ألشبيبي أديبا ومربيا ومناضلا















المزيد.....


علي محمد ألشبيبي أديبا ومربيا ومناضلا


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 1529 - 2006 / 4 / 23 - 07:53
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


تمر هذه الايام الذكرى العاشرة لوفاة والدي علي الشبيبي، فقد عاش رحمه الله سنواته الاخيرة في كربلاء بعزلة تامة عن العالم وكأنه يريد بذلك ان يحتج على مايجري بعراقه الحبيب من ظلم واستبداد، وهو يرى ويتابع ردود فعل الراي العام العربي والدولي المتجاهلة على مايجري في الوطن من ارهاب وقتل وتدمير لكل المثل الاخلاقية والوطنية والانسانية، واصبحت الساحة العراقية خالية من كل صوت وطني مخلص وصادق وقد سيطر الاعلام البعثفاشي على الساحة العراقية، ففضل الصمت والاعتكاف في البيت محاولا تناسي الواقع المر بعد ان وجد الهوة اصبحت كبيرة، بسبب ممارسات النظام المخابراتية.
وكانت رسائله في غربتي بالجزائر او في بولونية تعكس معاناته وتصور لي مايعانيه الشعب من ظلم وقهر في ظل نظام صدام الدكتاتوري. كان يتحدى في تلك الرسائل اساليب النظام المخابراتية ويكتب لي بأسم مستعار وبلغة مبطنه ليشكو لي من القهر الذي يعيشه اسوة بكل الشعب. وبعض ماجاء في رسائله: ( .... اما اليوم فقد اجتمعت علي المحن والامراض فلم اعد ذاك المرح للقلق الذي يلفنا لفاً وانت على علم به وعنه. لذا انا الازم البيت فلا اخرج الا للحاجة الملحة. ومن الطريف ان اذكر لك ان بيت شعر كنت احفظه حيث يذكر المؤلف ان قائله هو ابونا المرحوم ادم لما قتل قابيل اخاه هابيل:
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الارض مغبر قبيح. الجمعة 1979/11/09). وفي رسالة اخرى: (.... كما اني اتحرز فلا احب ان ارسم كل مانعانيه وما نجده لأن هذا غير ميسور اولا، ولأنا نود ان تعيش هادئا....1980/01/02). واحيانا يشد من عزائمنا فيكتب: (..... لاتأس ، كما يتساقط شعر الرأس، وكما يقص –ظفر طال- وكما تتيبس شجرة بعد ان مرت عليها سنون تزهر وتثمر، كذلك الانسان.... 1987/05/03). ورغم الارهاب ورقابة الرسائل يحثنا في رسائله على الصبر ومواصلة الكفاح: (....ارجو ان تكونوا –بحكم كونكم شبابا- اكثر صبرا وادق نظرا، واشد كفاحا وثباتا امام المحن والازمات ....... تحملوا الغربة ولا تبتئسوا مادامت لكم غاية جليلة-هي طلب العلم- وترحموا على من يموت منا حسب. 1987/07/21)
يلاحظ قدرته على تصوير الوضع بجمل مختصرة وكم كان يهمه ان نستمر في النضال والصمود مادامت لنا غاية جليلة، وكان مؤمنا بحتمية التغيير نحو الافضل. اما بيت الشعر التالي:
كن وردة طيبها حتى لسارقها لا دمنة خبثها حتى لساقيها
الذي كان يكرره في اكثر من رسالة، ويطالبني بالتمثل فيه يعكس الروح الانسانية العالية التي كان يتمتع بها رحمه الله. وفي احدى رسائله عاتب بمرارة لأننا تركنا الوطن وجماهيرنا لمجموعة من القتلة يعيثون فيه فسادا.

للوالد (رنة الكأس) وهي رواية غرامية نفذت نسخها من السوق، و(سوانح) عبارة عن كلمات قصيرة نشرت معظمها في مجلة الكحلاء العمارية، و(على الهامش) وهي تعليقات مختصرة على بعض الاراء ووصف بعض شخصيات خيالية تنطبق على شخصيات حقيقية نشر معظمها في جريدة الهاتف، و(عند المطاف) وهي مواضيع ناقش فيها المفاهيم التي شاعت ايام الحرب العالمية الثانية مثل الوطنية، القومية، الطائفية والانسانية. وله (دمع ودم) وهي قصص عن حياة المرأة والتقاليد المسيطرة على حياتها، وكذلك (مجرمون في الارض) وهي قصص عن حياة المستغلين والمستبدين بشؤون الناس، و(تلميذ في العاصمة) قصة في خمس فصول تتناول حياة عمي الشهيد حسين الشبيبي (صارم) وقد تركها عام 1963 مع مجموعة من القصص عند صديق له مساح اسمه عودة مهدي السباك في قضاء الخالص ، وبسبب احداث 8 شباط 1963 واعتقاله ومن ثم سجنه، فقد الاتصال بالمدعو عودة ولم يتمكن من استعادة روايته (تلميذ في العاصمة). وانا من خلال كتابتي هذه اوجه ندائي للسيد عودة بالاتصال بي عن طريق الإيميل المدون اسفل المقال وسأكون شاكرا له. وله ذكريات معلم تناول فيها ذكرياته خلال حياته التعليمية. وله قصص قصيرة ومقالات سياسية نشرت في المجلات والصحافة العراقية.
بدأ نشاطه السياسي المنظم عام 1941 حيث انتمى للحزب الشيوعي العراقي عن طريق شقيقه الشهيد الخالد حسين الشبيبي. وبأشراف الشهيد حسين تم بناء اول تنظيم للحزب في مدينة النجف. وقد استلم مسؤولية محلية النجف قبل الكونفرنس الحزبي الاول، وساهمت منظمة النجف في نشر الوعي الوطني والثوري بين النجفيين وكسب العناصر الثورية في العمل الحزبي. وحظر الكونفرنس الاول للحزب في اذار 1944، كما كان احد اعضاء المؤتمر الاول للحزب الذي عقد في آذار 1945 واصبح عضوا مرشحا في اللجنة المركزية للحزب. وبسبب نشاط منظمة الحزب التي كان يقودها في فضح الادارة الحكومية في النجف بنهب المواد التموينية والمساهمة بالفساد الاداري، شنت السلطة بواسطة معاون شرطة النجف (عبد الرحمن دربندي) وبالتعاون مع مدير معارف لواء كربلاء (عبد الوهاب الركابي) حملة بمطاردة الوطنيين وفي مقدمتهم اعضاء الحزب الشيوعي، وكان من بين الذين شملتهم المطاردة فصدر الامر بفصله من التعليم لمدة ستة اشهر امتدت الى ثلاثة عشر شهرا، حيث اعيد للتعليم في لواء المنتفك (ذي قار حاليا).

في مسيرة الفقيد التعليمية خلال اكثر من ثلاث عقود تنقل فيها بين الديوانية والمنتفك وكربلاء والانبار وديالى، ترك فيها اثرا ايجابيا بين تلامذته في طريقته التعليمية والتربوية، وقد ذكر ذلك بعض تلامذته الاوفياء كالشاعرعبد الرحمن مجيد الربيعي والدكتور محمد الازرقي، فقد كتب الربيعي في مجلة الزمان العدد 7 لعام 2000 عنه : (.... لكن الدرس الذي قادني الى الاداب كان على يد معلمي العظيم المرحوم علي الشبيبي الذي كان رجل دين نزع العمامة وارتدى الملابس المدنية. وكان رجل ادب وشعر وهو شقيق المرحوم الشبيبي الذي اعدم مع فهد مؤسس الحزب الشيوعي، وقد علمت هذا لاحقا لأنه لم يرد اثارة هذا الموضوع وقت ذاك. ويمكنني القول بدون تردد ان معلمي علي الشبيبي هو مكتشف موهبتي الادبية عندما انتبه الى كتاباتي في درس الانشاء وكنت حينذاك في السنة الرابعة من الدراسة الابتدائية وصار يمدني بتوجيهاته واذكر ان هديته ل عندما نجحت (الاول) في الامتحان النهائي كانت مكونة من اربعة كتب مازلت اتذكر ان احدها لمحمود تيمور والاخر لعبد المجيد لطفي الذي كان يحظى باحترام كبير نظرا لشجاعته ومواقفه الوطنية التي قادته للسجن مراراً. وعندما يأتي من ينتبه الينا، الى قدراتنا، ويمنحنا الثقة، ويضعنا في اول الطريق الموصل ولا يتركنا نتخبط فاننا نكون بهذا من المحظوظين. فتحية اجلال لذكرى معلمي الجليل علي الشبيبي أبو كفاح وهمام ألذي لولاه لما اختصرت المسافة الى الكلمة. لما كنت ما انا عليه بكل ماقدمت وبعناد واعتداد لابد منهما لكل من يدخل عالما مكتظا وعجيبا اسمه ’’الادب‘‘ فيه من الذئاب والافاعي اكثر مما فيه من الحمائم والغزلان.)

وكتب الدكتور محمد الازرقي في ذكرياته عن تأريخ الناصرية في صفحة سومريون على الانترنت في الحلقة الخامسة مايلي:
(کان بودي ان يکونَ هناك معلمٌ آخر، هو الاستاذ علي الشبيبي (ابو کفاح) الذي درسني العربية في الصف الرابع والخامس والسادس. وهو اخ الشهيد حسين الشبيبي. وهو حقاً الذي غرس في نفسي وانا بذاك العمر حبَّ العربية ودراستها.)

مثل هذه الانطباعات الطيبة تركها المرحوم عند تلامذته، وانا واثق هناك العديد من تلامذته يتذكرون تأثيره الايجابي عليهم في حثهم على الاهتمام بالادب و بث الروح الوطنية في نفوسهم. واتذكر ماحدث لأحد تلامذته (عادل جياد) في الصف السادس الابتدائي في المدرسة الفيصلية في كربلاء عام 1957. يوم طلب منه احد المعلمين وقت الاصطفاف الصباحي ان يقرأ قصيدة، وقد قرأ عادل جياد قصيدة ابو القاسم الشابي (اذا الشعب يوما اراد الحياة .... )، والقى عادل القصيدة بحماس، وارعب بإلقائه القصيدة المعلم المسؤول (للأسف لا اتذكر اسمه) فزجر عادل وطلب منه عدم الاستمرار في القاء القصيدة، ولكن عادل استمر في الالقاء حتى اكملها. وقد طالب المعلم المسؤول الادارة بإحالة التلميذ عادل للتحقيق وفصله كعقوبة. وقد وقف والدي الى جانب تلميذه الشجاع مدافعا عنه لأنه لم يقم بما يستحق العقوبة فهو لم يفعل سوى انه قرأ قصيدة درسها لهم معلم اللغة العربية (وهو والدي) بأعتبارها جزء من منهج السنة الدراسية وانه هو المسؤول عن قراءة القصيدة وليس التلميذ. وبذلك وكما اتذكر لم ينجح ذلك المعلم من معاقبة عادل جياد.

لقد عانى الفقيد بسبب مواقفه الوطنية الشجاعة، من الفصل الوظيفي وسحب اليد وتأخير الترفيع والنقل والابعاد والكثير من المضايقات. فقد فصل في الاربعينات مرتين واضطر ان يفتح محلا صغيرا لبيع المواد الغذائية في النجف لأعالة. وعندما عاد للتعليم عام 1947 في مدينة الناصرية، ولسوء حظه تم نقل عبد الوهاب الركابي ليصبح مدير المعارف للواء المنتفك، وهو نفسه الذي كان وراء فصله ومجموعة من المناضلين الوطنيين النجفين عام 45/46 عندما كان مديرا لمعارف لواء كربلاء. وقد توجس من مهنية ونظافة الركابي، ونصحه بعض الاصدقاء بالكتابة للركابي ومصارحته، فارسل له الابيات التالية:
اُؤَمل فيك الامن والنفع والخيرا فانت ابا اقبال في وضعنا ادرى
الى كـفك اليمنى تركتُ ملفتي فلا تبد فيها غير مايجلب اليسرى
ولي قلم عن كـل قول لجمتـه وطلقت من آياته النظم والـنثرا
وقـلت لأفكاري جمودا فانمـا يصيب الهنا في العيش من جمد الفكرا

من الواضح انه لم يكن مقتنعا بكل مانظمه بهذه الابيات، فتأريخه النضالي يؤكد مواصلته طريق مقارعة الظلم والاستبداد. ويظهر ان الركابي هو الاخر لم يك مقتنعا بما جاء في الابيات وقد ابدى استعداده بانه سيقف الى جانب والدي إلا انه سعى، كما يشير والدي في مذكراته، وعمل كل جهده على حرمان الوالد من الترفيع ومحاولة فصله ثانية.

ان معاناة الوالد والعائلة ايام النظام الملكي جسدها والدي في مجموعة قصائد نظمها في فترات متفاوتة ففي احدى قصائده (على القبر) التي يرثي فيها اخاه الشهيد حسين يبثه همومه ومعاناته وفي نفس الوقت يعاهده على الصبر والنضال وهذه بعض ابياتها:
وحقك لن انساك لن اعرف الـسلوى ولكنني شخص صبور على البلوى
ابثـك فاسـمعني احاديث لـوعـتي فها انني قد جئت اسمعك الشـكوى
الـح عـلي الـدهر حـتى كأنـني غدوت له من بين اوكـاره مـأوى
وقد كنت لي صبرا وقد كنت لي حجا فلم اختش الدهيا ولم ارهب اللأوى
وفارقـتني ياضوء عـيني وياهوى تنسمه انـفي فعشـت كما اهـوى
اذا بي غريب في الحـياة تنوشـني ثعالب كم كانت تصول ولا تـقوى
.....................
واما انـا فـالـحـمد لله في عـنا وقد ابعَدتْ دنياي عن عيشيَ الصفوا
وزيد باعـبائي واثـقل كـاهـلي ولكن جـيدي لـن يذل ولن يُـلوى

وفي قصيدته المعنونة (يازمـان) تؤكد ابياتها على اصرار والدي في السير في طريق النضال ومقارعة الاستبداد والصمود والتي نظمها في 1 ايار1951 ، وارسلها لي من العراق برسالة خطية ومن ثم ارسلها برسالة صوتية، كان يريد خلالها ان يقول لنا اننا نعيش شقاء وظلما لايطاق. ومن ابياتها:

لـيلك يازمـان مااطـولـه وغلّـك المرهق ما اثـقله
تنهش لحمي ترتوي من دمي تعرق عظمي فترى مفصله
يادهر لن تخضعني ان لـي ضدّ الدواهي ان دهت حوصلة
ازدرد اللأواء لا اخـتـشي مادمتُ في الركب مع القافلة
يادهر لو ضاعفت في شقوتي والداء لوحملتني اعضلـه
فـلن تـراني معـلنا تـوبة ولن ترى مدامعي مرسَله
لابـد ان تـجدّ اوضاعـنا ولن تدومَ هذه المهزلـه
حينـئذ تـجد طواغـيتهـم اعظمهم احقر من قُمّـلـه
فنحن اهل الحـق لانخـتشي من اجله ان نصعد المقصلة

واستمرت معاناة الوالد في ظل الأنظمة التي تلت الحكم الملكي. وفي ظل الجمهورية الاولى، وبسبب نشاط الوالد في مدينة كربلاء كونه شخصية اجتماعية ووطنية ذات توجهات ديمقراطية وقاد بجدارة عمل فرع نقابة المعلمين في كربلاء وترأس لجنة انصار السلام في كربلاء، اضافة الى مساهماته الادبية في الصحافة الوطنية، كأتحاد الشعب وصوت الاحرار و14 تموز، حيث فضح القوى الرجعية والمتآمرة على الجمهورية الفتية من خلال مقالاته، فترصدته القوى الرجعية متمثلة بجهاز الامن الموروث من العهد الملكي مستفيدين من تردد الزعيم عبد الكريم قاسم في الوقوف بوجه هذه القوى الظلامية. فاعتقل الوالد مع زملائه اعضاء نقابة المعلمين يوم 15 حزيران 1961 وابعدوا الى لواء ديالى موزعين على عدة اقضية باقامة جبرية، وكان قضاء الخالص محل اقامته الاجبارية، حيث كان مجبرا للحظور الى مركز شرطة الخالص ثلاث مرات يوميا للتوقيع واثبات تواجده وعدم مغادرته المدينة. ومن مكان ابعاده ارسل لنا قصيدته (حنين) في 14/8/1961 وهذه بعض ابياتها

أحـباب قلـبي عـادت عـوائـد مـشـجـيات
قسـت على كـل حـر لم يـعرف الذل يومـا
ما حاد عن درب حـق ما دَسّ في الشهد سما
ماباع من اجـل نـفع ضـمـيره او تراخـى
يا فجر فابـزغ علينـا انـا نراك قـريـبا
الم يقف كـل شـعب على الثـعالب ثائـر

يلاحظ من هذه الابيات كم كان الفقيد مؤمنا بنهاية الاستبداد والاضطهاد السياسي، وتصميمه على الوقوف ضد كل استبداد ويدعو اهله بالصمود امام هذه المحن السياسية فأن يوم التغيير قادم.
ولم تدم فترة الابعاد في قضاء الخالص، فقد ساد العراق فترة من الهمجية بعد انقلاب 8 شباط الفاشي الذي قاده حزب البعث بالتعاون مع القوى الرجعية وما يسمى بالقوى القومية. وتحول العراق بمكتباته العامة وملاعبه الرياضية ومدارسه الى معتقلات ومراكز للتعذيب البربري لاشرف الناس واخلصهم وطنية وتمت تصفية قيادة الحزب الشيوعي والكثير من الضباط الشرفاء. وتعرضنا الى الاعتقال فكنت اول من اعتقل في كربلاء واعتقل والدي في نفس اليوم واخي كفاح في اليوم الثاني، وفرقنا نحن الثلاثة امعانا في الضغط علينا ونقلت انا واخي كفاح الى سجن الحلة وبقي والدي يتنقل بين موقف شرطة كربلاء والمكتبة العامة التي تحولت مركزا للتحقيق والتعذيب الذي يقوم به اوباش الحرس القومي. وكانوا ياتون بوالدي الى المكتبة ليعيش بين زملائه من المعتقلين المعذبين للحط من معنوياته، بعد ان نقل لهم بعض الضعفاء من زملائه عن دوره في جمع التبرعات لبعض المعتقلين التي انقطعت بهم مصادر العيش. وكان يحث المعذبين على الصمود ويعاتب من انهارت عزائمه بسبب التعذيب، ويحثهم على صون الامانة الحزبية. واستدعي الوالد للتحقيق للمكتبة العامة بسبب ذلك الموقف، وكانوا يدفعون اليه بعض المعذبين قائلين لهم: اذهبوا الى علي الشبيبي ليعلمكم الكفاح. وبسبب معايشته لزملائه اثناء التعذيب نظم قصيدة طويلة مستوحي فيها صور التعذيب في المكتبة وللاسف لاتسعفني الذاكرة بها وهذه بعض ابياتها:

قولي لأمك انني اقضي الليالي في عذاب
ويحوطني حرس غلاظ في بنادقهم حراب
..............
واذا سجى الليل الثقيل كأنـه يوم الحساب
هوت العصي على جلود الابرياء من الشباب
فيعلقون ويجردون من الثياب
والسوط قد خلف اليراع وعنه بالتعبير ناب
..................
نيرون عاد بك الزمان لكي تشيع بنا الخراب
والحق اكبر من ان يداس وان يمرغ بالتراب

في 21/01/1964 قدمنا (48 مناضلا من مدينة كربلاء) الى المجلس العرفي الاول برئاسة احمد محمد نافع العاني، بتهمة التظاهر ومقاومة انقلاب 8 شباط الفاشي، وكنت انا واخي الاكبر كفاح ووالدي من ضمن المحالين. وكلنا حينها المحامي جمال بابان بعد ان اشيع بأنه متواطئ مع رئاسة المحكمة في تقاسم مايجنيه محامي الدفاع مقابل تبرئتنا. ولم يقدم المحامي اي دفاع عنا، وصدر الحكم على مجموعتنا باحكام متفاوتة بين التبرئة والسجن بخمس سنوات. وحكم على والدي بسنتين وعلي بخمس سنوات بالرغم من ان في يوم اعتقالي لم اكن قد بلغت الثامنة عشر سنة اما اخي كفاح حكم عليه بسنة مع وقف التنفيذ.
ونقلنا الى سجن الحلة المركزي وكانت علاقتي بالوالد علاقة الابن والزميل وكنت اناديه دائما بكلمة زميل حتى ان الكثير من الزملاء لم يكتشفوا حقيقة رابطة الابوة إلا بعد ان جاء قرار نقلي بدون الوالد الى سجن نقرة السلمان الصحراوي.
في سجن الحلة ساهم والدي في تعزيز دور منظمة السجن لشؤون ادارة حياة السجناء الحياتية، حيث شاعت بين بعض السجناء حالة من عدم الثقة والتشكيك، مما دفع بالمنظمة ان تقوم بحملات توعية وندوات لمناقشة مشاكل واوضاع السجناء بمساهمة من والدي مع الطيب الذكر المهندس شاطي عودة والطيب الذكر الاستاذ حميد سعود واخرين للأسف لا أتذكر اسماؤهم. واعطت هذه الندوات نتائج طيبة، وتمت اول ممارسة ديمقراطية من نوعها داخل السجن وهي انتخاب ممثلي القاعات وممثل السجناء امام ادارة السجن. وهذه العملية الديمقراطية النادرة في ذلك الوقت اعطت زخما وقوة للتنظيم وجعلت الجميع يلتف حول تنظيم السجن.
وفي آب 1965 وبعد ان انهى والدي 23 شهرا من محكوميته تم اعفاءه من تكملة محكوميته، كما تم اعفائي ايضا بمرسوم جمهوري لصغر سني !!! ولم يفرج عني في كربلاء، وكان مفوض امن كربلاء المدعو لطيف يساومني على الافراج عني مقابل اعطاء البراءة السيئة الصيت، مما اضطرني للأضراب عن الطعام لعدم تنفيذ المرسوم الجمهوري. وقد قابل والدي لطيف وسأله عن سبب عدم الافراج عني، فأجابه لطيف: استاذ تقبل انت رفضه عدم اعطاء البراءة ورئيس الجمهورية عطف عليه وافرج عنه ؟؟ فاجابه والدي: وهل ابوه اعطى براءة لكي يتبرأ هو، من يعطي البراءة لايدخل بيتي حتى وان كان ابني!! نعم هكذا كان موقف ابي صلبا وقد تحمل والدي الكثير من المتاعب بسبب موقفه الصلب والثابت والواضح، حتى ان دائرة امن كربلاء كانت تكرر دائما على مسامع والدي عبارتهم (صحيح انك لست حزبيا الان ولكنك اخطر من الحزبيين لأنك من الشيوعيين القدماء!!). وقد افرج عني بعد ثلاثة ايام من الاضراب بعد تدخل مدير تجنيد كربلاء لصالحي.
وبقي والدي مفصولا من التعليم ولم تفلح محاولاته العودة للتعليم بالرغم من تقديمه طلبات الى لجان اعادة المفصولين التي كانت تشكل ايام حكم الاخوين عارف، حيث كانت هذه اللجان شكلية وغير جدية واحيانا طائفية كان يراد منها ذر الرماد في العيون. ولم يرجع للتعليم إلا بعد انقلاب 1968 حيث قرر الانقلابيون اعادة المفصولين، وعين في الرمادي، وبعد سنة نجح في الحصول على نقل من الرمادي الى احدى قرى كربلاء النائية، ليكون قريبا من العائلة. وكان يتهكم على تعيينه في القرية النائية ان هذا دليل على تقدير الدولة لكبر سنه و لخدمته التي تجاوزت 28 عاما في سلك التعليم.

هكذا كانت حياة الوالد كلها نضال وصمود وايمان بالمستقبل لآخر ايامه.



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات اخر زمان 3
- لمن نصوت


المزيد.....




- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - علي محمد ألشبيبي أديبا ومربيا ومناضلا