أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طالب جانال - الدمى - قصة قصيرة














المزيد.....

الدمى - قصة قصيرة


طالب جانال

الحوار المتمدن-العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 - 10:13
المحور: كتابات ساخرة
    


على طول سنوات السام ظلت الدمى في متاجر بغداد ، التي لم تتغير وجـوه اصحابها ،
تحمـل ذات المعروضات التي تقادم عليها الزمن دون ان يجرؤ احد على تبديلها . كان غبار اللاجـدوى يتراكم طبقة طبقة فوق بؤس الوانها ، محولا اياها الى لون واحد أوحد. امـا العناكـب – العناكـب طويلة السيقان – فقد عاشت زمنا امنـا كانت خلاله تنسج دون كلل اعشـاشـا حـول الاشـياء ،تبدأ لامعـة براقة ، ثم سـرعان مـا تتسـخ بالغبار والحشرات الصغيرة التي تقع فريسة لزوجتها ، حتى بهتت المساحات وراء تشابك خيوطها المتقاطعة ، صعودا ونزولا ، كشبكة صيد تضيق على الدمـى من غير ان يبادر اصحاب المتاجـر الكسالى الى وضع حد لمشهد السام هذا .

ذات يوم ، بعد زمن طويل ظن الجميع انه لاينتهي ، هبطت كائنات فضائية على بغـــــــداد وتغلغلت بين ثناياها . وكما لو ان تلك الكائنات قد بثت في المكان ذبذبات سحرية ما ان تمــــس الجمـاد حتى تدب فيه الحياة ، فان الدمى المركونة في غبار الواجهات الزجاجية لمتاجر بغـــداد بدات تتململ على مضض ، لان جمود ملامحها ، تفتت تكلس مفاصلها ، وسرت المرونة فـــــي صلابة اطرافها ، ثم دب النشاط في كسلها القديم فشــرعت بالحركة .
كما تتكسر قشور البيوض لحظة يحين موعد فقسها،تكسرت الواجهات الزجاجية لمتاجــر بغداد،وعبرها، مدت الدمى وجوها مستحية مترددة وملتفتة هنا وهناك . وعندما ايقنت ان لا احد يسخر منها او يابه لها، تشجعت ونقلت اقدامها الواهنة الى الارصفة . لبثت لبرهة تتمطى باجسامها، وتطقطق مفاصلها الجامدة، ثم شرعت تخطو اولى خطواتها .

تلاقت جموع الدمى في الشوارع الضاجة هاتفة بالحياة لبعض والموت لاخر . هجمت على الصور المرفوعة في ارجاء بغداد فمزقت،واحرقت،واطلقت على شاهقاتها رصـــــــــــاص البنادق . عقدت الحبال والسلاسل حول اعناق التماثيل وجرتها بكل قوة مستعينة باي شـــــــــئ متوفر فانخلعت من قواعدها مخلفة وراءها ازواجا رفيعة من قضبان حديدية بدت كســـــــيقان نسيها اصحابها في غمرة استعجالها الهروب .
داست اقدام الدمى بقايا الصور،وسحلت اياديها التماثيل من الحبال المعقودة حــــــــــول اعناقها،وطافت بها في تشعبات الشوارع والازقة،ومن خلفها مجاميع هائلة تبصق على بقايــــا التماثيل ،تجلدها بالنعال والاحذية،او تدخل القضبان والعصي في ثقوب اجسادها . سرى ضحك صاخب،وارتفعت العقاقير بالاناشيد الحماسية والنكات اللاذعة لايام وايام،ثم رويدا رويدا، بــدأ الملل يتسرب مجددا الى النفوس المنهكة،فانسحب البعض،وافترش الاخر زوايا الطرقــــــــــات وتخوم الارصفة،بينما توزع اخرون في حلقات وحلقات تدخن بشراهة،او تجرع الخمر،وتظــــل تدمدم وتهمهم محاولة بعبث خرافي تصديق ما حدث .

اخيرا،فتر حماسهم وافتقدوا أشياء تعودوها منذ سالف القرون،فانتبهوا الى خلــــــــــو حيطان بغداد وواجهاتها من الصور . تشاوروا في الامر وتوصلوا الى ان الحيطان على هـــــــذا النحو لاتطاق . وعندما اخرج احدهم صورة – اخرى – من تحت ملابسه،فعل الجميـــــــــع مثله ووثبوا بحركة واحدة ملصقين – صورهم الجديدة – على الحيطان والواجهات ،متزاحميـــــــــن ومحتلين مكان بعضهم بعضا،حتى كادت المشاجرات الطاحنة تنشب بينهم لولا خشيتهم مـــــــن سطوة الكائنات الفضائية تلك .
ثم نظروا حولهم الى قواعد التماثيل المخلوعة ،التي عجزت كل المحاولات عن ازالتها، فاكتشفوا النشاز في تلك السيقان المعدنية المبتورة والمتروكة ازواجا ازواجا،فتبرع ســـــــكان الجبال بجلب كتل صخرية نحتوها،وسكان السهول حملوا حمأ مسنونا فخروه،اما ســـــــــــكان الصحارى فلم يجدوا حرجا في صهر التماثيل العتيقة ذاتها وصب برونزها في قوالب اخرى . وبحركة واحدة ايضا،رفع الجميع تماثيلهم الجديدةوالبسوها السيقان المعدنيــــة المبتــــــــورة فانتصبت شامخة على القواعد القديمة ذاتها بالضبط . تماسكوا بالايدي وداروا حول تماثيلهـــم بغناء شجي ورقص متواصل انساهم كل ما مضى،وكل ما يوجد بعيدا عن معبوديهم الجدد.

ومرت الايام،وتكرس الشعور بالملل والرتابة ولم يعد في الافق ما يثير او يبهج. فتراجعت الدمى مطأطأة الرؤوس نحو الواجهات الزجاجية للمتاجر القديمة التي امتلكها،اخيرا، اصحاب جدد شرع الكسل يدب في اوصالهم ببطء . حملت الدمى معروضات مغايرة،وخطــــــوة فخطوة بدأ الغبار يتراكم وخيوط العناكب طويلة السيقان تتقاطع صعودا ونزولا كشبكة صيــــد تطبق على الدمى من غير ان يبادر اصحاب المتاجر الجدد الى وضع حـد لمشهد السأم هذا .




#طالب_جانال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرسي
- عمامة اكس بي بروفشنال


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طالب جانال - الدمى - قصة قصيرة