أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى سامي - الشتات -قصة تحدث كثيرا-














المزيد.....

الشتات -قصة تحدث كثيرا-


مصطفى سامي
كاتب

(Mustafa Samy)


الحوار المتمدن-العدد: 6150 - 2019 / 2 / 19 - 13:04
المحور: الادب والفن
    


في مطار "دبي" يجلس شاب ثلاثيني منتظرا موعد طائرته التي ستقلّه الى "فيينا"، إحدى المدن الكثيرة التي زارها مجبرا منذ سافر مع والديه لأول مرة من وطنه الأول"طولكرم" الفلسطينية هربا من بطش الاحتلال الى مخيم اليرموك في "دمشق" السورية.. كان عمره حينئذ عام واحد وهو بالطبع لا يتذكر شيئا من ذلك العام، لكنه رغم ذلك يحفظ كل شيء عن تلك المدينة من حكايات والديه ومن الصور الكثيرة التي يحتفظ بها دائما معه للمدينة، صور لساحل البحر المتوسط الذي كانت تطل عليه المدينة يوما ما، صور للخرب الأثرية كخربة البرج، وأم صور، والقمقم، وبير العبد، والتي تحوي بقايا وأنقاض أثرية للمدينة القديمة، وصور لأراضيها الزراعية وسهولها ومبانيها وشوارعها.
أما الطفولة التي يتذكرها "عماد" جيدا فهي تلك التي عاشها في الوطن الثاني "دمشق" وتحديدا في مخيم اليرموك الذي يسميه البعض "عاصمة الشتات" حيث يضم أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين خارج الوطن المحتل.
كانت طفولة فقيرة عاشها بين اللاجئين من أبناء وطنه الأول وبعض أبناء الطبقات الفقيرة من وطنه الثاني أيضا.. يتذكر شارع "فلسطين" الشارع الرئيسي المزدحم دوما، ومستشفى "فلسطين" التي زارها كثيرا مع والدته المريضة قبل وفاتها وهو لم يكمل بعد عامه الخامس عشر.. يتذكر كيف كانوا يسمون كل شيء "فلسطين" وكيف كانت تشغل دائما الجزء الأكبر في أحاديث الكبار وحكاياتهم.
بعد وفاة والدته سافر مع والده إلى "العراق" حيث حصل والده على فرصة للعمل في "بغداد"، ولم تدم اقامتهما فيها كثيرا فقد اضطرا للعودة بعد غزو أمريكا للعراق وتسريح أبيه من مقر عمله وتحول مقر سكنهما هناك الى ساحة للحرب.
يرن جرس هاتفه المحمول، "حبيبتي" هو اسم المتصل، يرد "عماد" على زوجته "لينا" التي تتصل به من "الإسكندرية" للاطمئنان عليه وتخبره كم تشتاق اليه وكم هي قلقة من أن تطول فترة بعدها عنه، يطمئنها ويقسم لها أن كل شئ سيكون بخير، وستلحق به قريبا جدا.. تصدقه وتطمئن بكلماته التي لاشئ يضمن لها صدقها إلا ثقتها اللانهائية في حبيبها.
التقيا لأول مرة في "دمشق" بعد عودته من "بغداد" حيث عمل كسائق لسيارة أجرة، أقلها ذات مرة إلى الجامعة، فتنته عيناها، تحدث معها، اتفق معها أن يعود آخر النهار ليقلها الى المنزل، تحدثا أكثر، وقعا في الحب، وتزوجا بعدها بعام واحد.
سافر والده مرة أخرى للعمل في "دبي"، وبقي هو وأسرته الصغيرة في سوريا.. حين بدأت المظاهرات المعارضة للنظام السوري شارك فيها "عماد" ظنا منه كما ظن الكثيرون أنها "ثورة" ستغير الأوضاع للأفضل، ستضمن له ولزوجته وطفلتهما القادمة حديثا حياة أفضل، لم يكن يعرف أنها ستكون مقدمة لحرب أهلية تخرب كل شئ في الوطن الثاني كما خرب الاحتلال كل شئ في الوطن الأول.
قررا الهروب من جحيم الحرب بعد أن أصبحا محاصرين بالصواريخ والرصاص والقنابل وأصبحت حياتهما مهددة مع طفلتهما كل يوم.. سافرت زوجته الى عائلتها التي سبقتها الى "الإسكندرية" وأخذت معها ابنتهما "سيرين"، أما هو فتم رفض دخوله "مصر" لأسباب أمنية.
عبر "عماد" الحدود نحو "روسيا"، لكن الشرطة الروسية تمكنت من القبض عليه وقاموا بترحيله الى "السودان" التي رفضت أيضا دخوله أراضيها، فطلب الذهاب الى "الامارات" حيث يتواجد والده.
حين وصل إلى "دبي" رفضت السلطات مغادرته المطار، لكن والده كان قد تمكن من إصدار تأشيرة سفر تسمح له بالإقامة مؤقتا بالنمسا، حيث سيحاول تأمين إقامة دائمة هناك أو اللجوء إلى أحد الدول الأوروبية المجاورة واستقدام أسرته.
"السيد عماد أنس؟" أتى الصوت من جانبه الأيمن، استدار برأسه ورفعها ليرى أحد الظباط وبجانبه ثلاثة من عساكر أمن المطار.. أجابه "نعم..أنا عماد!".
اطحبوه الى مكتب مغلق، أخذوا هاتفه وأوراقه وحقيبته، وطلبوا منه الانتظار حيث يجب إنهاء بعض الإجراءات الأمنية قبل أن يتمكن من السفر.. أغلقوا الباب وتركوه وحيدا، انتظر كثيرا، أتى موعد الطائرة، حاول الخروج لكنه لم يستطع فتح الباب!
جلس على الكرسي الوحيد الموضوع أمام طاولة كبيرة، وأسند رأسه اليها.
لم يستطع التفكير في أي شئ.. وطنه الأول محتل، وطنه الثاني مخرب، عالمه كله يرفضه، وأسرته لايستطيع الوصول إليها.. بكى، وانتظر.. لايملك الا الانتظار! عسى أن يولد من الحاضر الموجع أمل ينير المستقبل الغامض.



#مصطفى_سامي (هاشتاغ)       Mustafa_Samy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الافتخار بالجهل


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى سامي - الشتات -قصة تحدث كثيرا-