أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سمير النفزي - تونس جمهورية تترنّح















المزيد.....

تونس جمهورية تترنّح


سمير النفزي

الحوار المتمدن-العدد: 6126 - 2019 / 1 / 26 - 18:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمرّ النظام الجمهوري بتونس حاليا بأتعس فترة منذ الاعلان عن قيامه في جوان 1959 قد تجهز على ما تبقّى منه. ودون الخوض في سرديات الارقام الاقتصادية الملقاة من افواه الناعقين، و بكلّ تعامي عن صراخ الاحتجاج الذّي سكن الشارع دون فراق لمّا يئست البطون من انتظار رغيف لن يأتي، و بكلّ صمم عن امتداد النسل التركي لكهنة قرطاج و ركاكة علوج مجلس باردو و قاعة عمليّات تسيير الحكم الذاتي بالقصبة.
اذا انطلقنا في تنفيذ خطّة الاصابة بالصمم و الخرس و العمى على ضمائرنا و بصائرنا الوطنية في حقّ ما نراه في البلد و نكتفي بمحصول حقل الاسس لقيام النظام الجمهوري في تونس.
أنشئت الدول على ثلاثية كلاسيكية مستقرّة من عهود كرّسها العقل الاروبي ابّان الحداثة و استروجتها العلوم السياسية و الحقوقية الى راهن يومنا، وهي الارض و الشعب و السلطة السياسية ذات سيادة، و استوفق الفقهاء على ان النظام الجمهوري يمكن ان يكون مزدوج المفهوم فهو امّا نظام جمهوري رئاسي او جمهوري برلماني، فالنظام الجمهوري الرئاسي هو الذّي يتقلّد فيه الرئيس كلّ مقاليد السلطة التنفيذية بكلّ اختزال ام عن النظام الجمهوري البرلماني فهو الذّي يكون فيه الرئيس او رئيس الحكومة منتخب من البرلمان و هذا أيضا باقتضاب شديد.
اذا من هذه الوفاقات المفاهمية في اغلبها سنجرد المحصول الذي نجده في سلّة المشاهدة من موقع الربوة فنجد انّ كلّ ماله علاقة بأسس قيام النظام الجمهوري تنحصر في علم و نشيد وطني و فرقة تشريفات من العسكر دونك لا يرتقي ما نجده ليكفي النظام الجمهوري في البراديغم المتعارف عليه، من مؤسسات و نظم و دستور.
الدستور التونسي الذي وضع في 2014 وفق ترضيات عائلات فكريّة و ايديولوجية و دينية وقع مدحه و الاستعلاء به عن درجة البشر ، ونال هذا الدستور من المدائح و الاحاديث ما لم يقله مالك في الخمر و لم يقله هيقل في نابليون. فبكلّ بديهة لذي عقل واقعي في زمن كهذا اقرّت فيه حقوق الحيوان و البيئة و الهواء و الارض و المحيطات و غيرها نجد صلب هذا الدستور الكريم في اعلاناته الكونية عدم الاعتراف بكلّ ماهو غير عربي و غير مسلم في التأصيل لتارخ البلد و انتمائه التاريخي و الجغرافي و محيطه السياسي و الاقتصادي و المحاور التي يوجد ضمنها، كلّ هذه الصفات لا يمكن الاّ ان تكون مجرّد بلاغات و توصيفات مشحونة بالعنصرية و التمييز بشكل سافر و متخلّف اثبت واضعوه انّهم من شذّاذ الافاق و كفيفي الرؤى الاستراتيجية. اذ ان عروبة الدولة و اسلامها لا يمكن اقحامها لا في الدستور و لا في القوانين المنظّمة لبلد يزعم النظام الجمهوري في بلد ليس عربي في اصوله و ليس كل مواطنيه مسلمين، و حتّى في الحالة التي التي يكون الامر كما ذكرته الغوغاء التأسيسة فانّ ذلك لا يقع اقراره في الدستور و القانون بعده. فذلك فيه نفي للتنوّع و عدم الاعتراف بالاخر المختلف لتصير الدولة و الجمهورية رهينة لدى العروبيين و الاسلامويين.
ثمّ أوغل العوام و السذج في تعكير صفو النظام العام و العيش المشترك بين المختلفين ابناء الوطن الواحد في تونس عبر فبركة بهلوانية لنظام سياسي هجين لم يسبقهم اليه حتى اعتى الانظمة المتخلفة سميّ بالبرلماني المعدّل الذي توزّع فيه السلطة حسب موازين القوى بطريقة المحاصصة البخسة بكلّ صفاقة سافرة فكان النظام السياسي القائم في تونس و الذّي يدّعي الجمهورية زورا نظاما منبتّا ليس له ايّ عمق ا واصل تاريخي او ثقافي او فكري بالنتيجة ولد مشوّها و مات مشلولا و هم الان يرفضون دفنه في مكابرة ضدّ التاريخ و الشعب.
اذ من كرامات النظام السياسي الاعرج المستخدم في تونس ان انتج معارك سريالية بين الرئيس المتجاوز لعصره و تاريخه و المغتصب لعصور دونه و بين رئيس الحكومة الشاب الحاكم بثقافة الشيوخ المريدين لرضاء الغرب عنهم، فجرّ كلاهما خلافه مع الاخر عبر مؤسسات الدولة المنقسمة بينهما في الصلاحيات و التسيير وعطّل كلاهما عمل الاخر و النتيجة لا عمل لمؤسسات الدولة و لا اقتصاد و لا تنمية و لا غيرذلك.
نقل كلاهما خلافه مع الاخر الى الشعب الذي انقسم على انقسامه و تشظّى الى جزيئات مجهريّة متناحرة واقعيا و افتراضيا و تشرذمت المطالب و االمطالبين بافق افضل ناهيك عن الاعلام الذي زاد منسوب تدنّيه الى ما تحت القاع و الصفر بعد تلقيّه لكرامات المديح و له في ذلك اشواط تاريخية يحسد عليها.
ينضاف الى جوقة الغوغاء السالف ذكرها متطوّعين و اسرى النظم المنتهية الصلاحية الذين اسثمروا حيازتهم لمواقع اعتلوها عنوة على الفكر التونسي المعاصر لترويج فكرة الخلاص في استنساخ التاريخ الفائت لانّ به حلولا للرّاهن.
اذا فوحدة الشعب المتنوّع في سياق تأسيس المفهوم المتداول للدولة هو بمثابة الساري في بناء المركب فبدونه يفقد المركب توازنه و بالتوازي فانّ تفريق افراد الشعب على الشاكلة الدستوريّة الراهنة عبر انتهاج الخطاب التخويني و الشيطنة للاخر افقد البلد توازنه و سحب من الدولة كمفهوم سياسي احد اهمّ مكوّناتها.
امّا الارض التي يعيش عليها الشعب و التي هي جزء من نبضه و كيانه فانّ الشعب لا يمتلك منها غير المهمل و ان تجاسر على الارتباط بها فيخوّن، فأغلب سكّان الجغرافياالتونسية لا يمتلكون حتى مساحة قبورهم قبل ان يدفعوا الاداء البلدي لاخفاء جثّثهم.
ناهيك انّ ما تحت الارض ممّا اكرمت به الارض من يعيش فوق سطحها قد تمّ رهنه للتاجر الغريب منذ زمن حتّى اخر الزمان لن يكتب من محصولها انشا واحدا للمالك الاصلي، يتظافر مع ذلك خروج معابر التهريب و مناطق الارهاب في الجبل عن الارض العامة و يسقط انذاك مفهوم الارض كمكوّن رئيسي للدولة.
امّا الشارع فقد انتهى أسيرا لدى الايمّة و قائمي الزوايا و مهاجريهم و انصارهم من عرّة المجتمع ونزلاء السجون وقطّاع الطرق و صنّاع الجريمة يحتلون الساحات العامّة و واجهات المساجد و الاضرحة، الشرطة لا تقوى على منعهم بل ان من الشرطة ممّن هو معهم، ينتصب الايمّة كقوّة اجتماعية متحكّمة في غوغاء الشوارع و الاحياء المهجورة من الدولة يمنعون مرور قوانين المعاصرة و يتصدون لتجاوز التاريخ لهم معوّلين على مخزون من الجهل و الاميّة رسّخه اولياء الامور من السلف الطالح والناهب لثروة و عصر الوطن و الشعب متسربلين بما منّت به عليهم قوانين الكرامة و الانسانية التي يمنعون وصولها للشعب.
السلطة في تونس لا تكتسب من السيادة غير سيارات الشرطة و غطرستها في الاحياء المنسيّة و عصا بوليس على رأس امرأة في الشارع كسّرت اعرافهم من الخجل و الانتظار و انطلقت لحرّيتها بنفسها، او كلبشات في معاصم من تمرّد على قطيع طال طريق بحثه عن الكلأ الذي لن ينبت في مياه تسقى بملح مهدور في صفقات اوّل الصّباح.
لا تقوى السلطة في بلدي عن غلق حدودها في وجه المهرّب و الارهابي و الجاسوس و المزوّر و المتحيّل و لاتقوى على وقف عربات الطاقة المنهوبة و الثروات الباطنية و فرّطت في الثروة الحيوانيّة للقاءات اللهو لمليارديرات الريع النفطي في ثنايا صحراء قرطاج التي تحكي أكماتها تاريخ نضال شعوب اقامت يوما ما شعائر لعبادة الارض و الشكر للطبيعة.
انفرط عقد التوافق بين الشعب و السلطة لئن صارت الدولة عبئا و لصّا يسرق خبزنا و جهدنا و ارضنا ليضعه في سلال الاجنبي
انتهى فصل في المسرحيّة المبتذلة بنهاية مكوّنات دولة فاشلة شاهدها التاريخ و الوطن بعين شعبه في بثّ مباشر حقيقي، و لم يبقى من الجمهوريّة غير باب المغادرة في مطار تونس قرطاج، أجهز حكّمنا على الدولة بعبثهم الطفولي و احلامهم بالسلطة التي هي كلّ مناهم و امالهم و ليست الطريق الذي به يخدمون شعوبهم.
الجمهوريّة التونسيّة بقي منها نشيد لا يحفظه حتى ساسته و يظنّ طلبة المدارس انّه جزء من اناشيد مكرهين على حفظها.
سمير النفزي
اليابان في 26/01/2019



#سمير_النفزي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: جمهورية تحكمها الايمّة
- يهود تونس و المواطنة المسلوبة
- العمل السياسي في تصور حركة تغيير شمال إفريقيا- فرع تونس
- الفشل الحكومي و تخريب الدولة في تونس
- من هم المتوحشون؟
- اليات التحرر: الهوة بين الفكر واللغة
- مكيافيل يحكم العالم


المزيد.....




- الجونة كما لم ترها من قبل.. مصورة تكشف سحر التفاصيل الصامتة ...
- وزارة الدفاع السورية تُعلن سقوط قتلى بصفوفها خلال الانتشار ف ...
- ترامب يصعّد المواجهة مع بوتين: -باتريوت- لأوكرانيا وخطة لـ - ...
- ميرتس: لا مشكلة بألمانيا مع المسلمين بل مع المتطرفين منهم
- فرنسا: استعراض العيد الوطني تحت عنوان -المصداقية العملياتية- ...
- القنابل الانزلاقية هي سلاح روسيا المدمّر لتعويض إخفاقها الجو ...
- الداخلية السورية تتدخل بالسويداء بعد اشتباكات أوقعت عشرات ال ...
- خطة -المدينة الإنسانية- الإسرائيلية تثير موجة انتقادات واسعة ...
- ترامب يأمل في نتائج ملموسة لمحادثات وقف إطلاق النار بغزة
- مقتل العشرات باشتباكات في السويداء جنوبي سوريا


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سمير النفزي - تونس جمهورية تترنّح