أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - جدلية الروح والوطن كردياً















المزيد.....

جدلية الروح والوطن كردياً


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 6120 - 2019 / 1 / 20 - 07:47
المحور: القضية الكردية
    


المطلق في المعرفة، جدلية خاطئة لا تناقش، مع ذلك طمح إليها معظم العلماء والفلاسفة والمفكرين، وحاولوا بلوغ كنهها؛ رغم معرفتهم التامة باستحالتها، لكن فقهاء الدين أو المبحرين في فضاءات التصوف، حصروها في المطلق الخالق؛ مرسل النصوص. كما وتبنتها بعض المدارس الفلسفية في كلية قوة كونية؛ بصفة الإله أو الآلهة، على أن المطلق يحكم الكون ويتحكم في إرادة الإنسان. ومنها خرجت بعض المدارس الصوفية، بالتشدد على مفهوم التكتم عند بلوغ الكمال، وهي ما تسمى بمرحلة (الإبدال) وهذه تسبق مرحلة الفناء في الله.
وفي المقابل حاور في مفهوم عدمية الكمال؛ وناقشها معظم الفلاسفة ضمن إطار الأبعاد الإنسانية، وتناولها الروحانيون لاهوتيا، كحقيقة إلهية حاضرة لا تقبل الجدال، ومن خلاله عملوا على دمج الذات الطامحة إلى الكمال مع الذات الإلهية الموصوفة، وتحت غطائها عرض البعض نفسهم حملة صفات المطلق الإلهي؛ وممثلي القوة الميتافيزيقية على الأرض، وبها قربوا ذاتهم من المطلق المرفوض علميا والمقبول لاهوتياً.
مع ذلك ظل الإنسان المنطقي يرجح، في هذا المنحى، مفهوما يتلاءم وكلية الكون، وهو أنه لا علم ولا دين يعرف جوهر الروح ونشأته، واستمراريته، وأزليته، أو ديمومته، والمكشوف فقط من خلال المطلق في المعرفة، أي الإله، أو في البعد الأخر الروح الخالد، أو العقل الكلي، وهو ما لن يبلغه، ولن يعرف، حت وبأقل سماته، في الأبعاد الفكرية الحالية، والطاقات المعرفية العلمية أو الميتافيزيقية الموجودة. والجدلية ذات علاقة بمعرفة الإله، ووجوده أو عدمه، والإيمان به وبالتالي بالروح أو تناسخه، وهي ذاتها مجادلة في ماهية الإله، وكليته، وبالتالي قبول إلهية النصوص أو رفضها، وهل هي خالقة أم مخلوقة؟ وهي هي من الخالق أم من المخلوق؟ وهل هي مطلقة أم قابلة للتعديل والتطوير؟
فبعض الديانات الكردية القديمة وكما وصلتنا بعض مفاهيمها، كانت تجاوب على هذه الأسئلة من المنظورين، المادي واللاهوتي، أو كما ورد عند الحلاج في منطق الفصل بين اللاهوت والناسوت، أو كما دمجها محي الدين بن العربي. وبعض هذه المفاهيم الصوفية، أو عند أصحاب الديانات الباطنية، لا تزال حاضرة وبقوة، المؤمنة بالتقمص، وخلود الروح، كالأزداهية، رغم اختلافها عن الديانات اللاحقة، أو المقالة أنها خرجت من أحضانها، والمتطورة نسبيا؛ مقارنة بمفاهيم، كالعلاقة بين الإله والإنسان (بالإمكان العودة إلى الأبحاث العديدة المنشورة حول هذه الجدلية) كالزرادشتية والمزدكية والمانوية (والمنمنمة أن الإسلام أخذ من الزرادشتية عن طريق سلمان ( المقال الفارسي) الكثير) وبالتالي فقد كانت آلهة الأديان الجديدة ومطلقهم في تغيير مع الزمن، يتلاءمون والتطور الحضاري، وهي ما كانت تؤدي إلى انبثاق أديان من رحم سابقتها مع كل طفرة حضارية، إلى درجة أن العديد من كهنة الزرادشتية والمزدكية، تقبلوا الديانات الإبراهيمية الفارضة مطلقها، كمفهوم أحدث في ماهية الإله، والبعض أبدعوا في الفقه الإسلامي، وفي تطوير المذاهب، والتصوف وطرقها إلى درجة تم تكفير العديد منهم، وخاصة بعدما انتبهوا إلى مطلقه، والمؤدي إلى تباطئ التوازن ما بين التطور العلمي والمطلق الروحي، وبالتالي ومنذ سيادة الجانب الفكري الجامد التجسيدي غابت الحضارة عن منطقتنا، وسايرتها منطق العنف والإجرام باسم الإله الكوني، ويمثله الإله الأرضي، وتغييب السلام.
أياً كانت الجدلية، لا بد من البحث عن مخرج للتحرر الفكري من مفهوم الإيمان بالنقل، وكسر طوق المطلق الإلهي المتمثل بمطلق النص، وتقبل التطور الفكري؛ العلمي واللاهوتي، ومعالجة منطق الروح كمصدر للإلهام والتوجه الإنساني؛ ببحوث علمية، والبحث فيما إذا كان الروح مصدر طاقته الفكرية، وماهي علاقة الجسد أو أعمال الجسد به، والتقرب من جدلية الإيمان أن الروح يتعذب في الحياة مرة ثانية بمنطق علمي، والاقتناع بأنها غير قابلة للإثبات أو عدمه، مثلها مثل استحالة التأكيد فيما إذا كان الروح خالد أم لا بعد فناء الجسد، ولا انبعاث له.
والمعتمد في اللاشعور الإنساني، أن التقدير هو للروح، والروح جزء من القدرة الإلهية الكلية، والتي تحل في المخلوق، ويبقى هناك حاكما إلاهيا، إلى أن ينتهي أجله، أو عمره الزمني، فتعود إلى أصلها، كجزء من الكل المصدر، الذي لا زمان له، كما للمخلوقات الكونية.
والقدرة الإلهية الكلية، حيث اللا مكان واللا زمان واللا معرفة، خارجة عن مجالات الإثبات وعدمه. وبما أن الروح لا تلمس ولا تعرف، ولن تعرف بقدرات العقل البشري، كما ذكرنا، فيمكن القول إنه جزء من الإله المتحكم والمهيمن والعارف، ومن قدراته أو قدرة الروح الكلية أو كما يقال عند بعض الفلاسفة العقل الكلي الإلهي.
الروح تعرف العقل ولا يعرفها العقل، مفهوم يكاد يكون مفروغاً منه، وكل ما يقال عن الإله من خلال الأديان ونصوصها محركات عقلية إنسانية ناقصة، تعكس نقصان العقل أمام الروح. ولربما ولهذا ولخلق الروح من العدم وعودته ربما إلى العدم أو على الأقل غيابه عن الحواس، يدفع بنا إلى بعدين: أما خلود الروح، وهي أعلى من التقمص، بل تحتضن مفهوم التقمص في ذاته، فكلية الإله لا يتقمص، ومثلما كليته خارج أبعاد المعرفة، هي كذلك أجزاءه. أو أن الروح يخلق من العدم وينتقل إلى العدم، وهي تعكس بمفهوم علمي إلى عدمية آلهة الأديان، وليس الخالق الكلي، مع عدمية المادة المحتضنة له، وبعدمه تنهدم الأديان، وخاصة الإبراهيمية، وتتهدم مفاهيمها، وبالتالي تصبح البشرية أمام معضلة الخلاف مع السقف الفكري الذي وضع الأديان بجدلية المطلق، وإشكالية الصراع مع حماتها، ولاستمراريتها مع الحضارة لا بد من تطوير مفاهيمها، ومعظم التأويلات الحديثة لنصوصها لا تتعارض وهذه، وهذا ما تم في عصر التنوير، وعلى أثرها ظهرت الحضارة الأوروبية.
هذه المفاهيم بشكل أو أخر تعكس الكثير من مسيرة التعامل الإنساني بين الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب، وتخلق صراعات لا نهاية لها، تتحكم بها سلطات مستبدة، بل أنها تحاول جاهدة الحفاظ على المفاهيم الجامدة، وتعمقها كثقافة، وتفرضها كأنظمة أبدية. ومواجهتها أو محاولة تغييرها أو التلطيف فيها تعتبر من قبل اللاهوتيين كفرا، ومن قبل السلطات الطاغية خيانة وطنية، وفي الحالتين يتوزع العقاب على المجتمعات ما بين الجمود الفكري والتخلف عن الحضارة، وبين تصعيد الصراع بين شرائح المجتمع الواحد أو المجتمعات، والمؤدي إلى المآسي، وحاضرنا في منطقة الشرق الأوسط خير مثال، مثل ماضينا وماضي أوروبا في عصر الظلمات.
فنحن الشعب الكردي عانينا ونعاني مثل غيرنا من الشعوب من هذه الأفة، متغلغلة في كل مفاصل حياتنا الاجتماعية؛ ولها عمق تأثير على حركنا الثقافي؛ ومهيمن على واقعنا السياسي. فلم يكتفِ حراكنا المقتنع بها التعامل مع المجتمع، والمتحرك في الساحة الداخلية، كقابض للمطلق في المعرفة، بل بثتها بين المجتمع وغرزتها؛ إلى درجة أن الخلافات والصراعات باتت من مسلماتنا اليومية، لأن كل جهة تؤمن أنها المطلق الأصح، وهي ذاتها من بين أشد المؤثرات سلبا على ماضينا، وتؤثر على حاضرنا؛ خاصة عندما عبث البعض من باحثينا، وعلى أسسها الضحلة، بتاريخنا، ومن جهة أخرى، وعلى أثرها بلغنا أعلى مراحل التشتت، وهذه تعني الضعف داخليا وخارجيا، فأردتنا سذاجتنا هذه، قبل كل شيء، في هوة التبعية للأخرين.
تبنت قبائلنا سابقاً، مثلنا حالياً، منطق المطلق في القوة والهيبة قبل المعرفة، وهي الثقافة التي بثتها بيننا السلطات الحاكمة، عزلتها إلى درجة لم تكن تعرف للروح الوطنية معنى، إلا في واحات معزولة، وكانت تقضى عليها سريعا وبوحشية، وغيبت عنهم عمق المعرفة المقامة عليها في الماضي حضارات لها أصول كردية. والمؤسف له أن أجيال حاضرة من بعض عائلاتنا لا تزال تعيش تلك الضحالة المعرفية، تعيدها وتتفاخر بها بسذاجة، بل وتسخر جهود لإحياء تلك الثقافة الموبوءة بكل تشوهاتها ودون تشذيب، وتسخر لها معظم ما لديها من إمكانيات، وتهدر جل طاقاتها في خلق شيئاً من اللاشيء وأحياناَ من العدم، وتتفاعل معها عمليا شريحة واسعة من حراكنا السياسي والثقافي، كواقع، بل وكوباء لا خلاص منه. وهذه دلالة على أننا بعيدين عن مواكبة ثقافة العصر، وأن الوطن غائب، رغم كل ما يقال، مقابل الحزب أو العشيرة أو العائلة، ولا نتهاون في اجترار الماضي كما حرفه لنا الأعداء، بلا تنقيح وتعديل، ودون أن نشعر أننا نطعن في تاريخ أمتنا ونجزمها، ونبعد الوطن ونقرب الحزب أو العشيرة أو العائلة. وبالتالي نبقى كحراك كردستاني، دون سوية العلاقات السياسية الدولية، نتصارع على اللاشيء وبعنجهية الروح الكلية، أو كما ذكرنا المطلق في المعرفة.
ولعمق تأثير مفهوم الكمال، أو المطلق في المعرفة، السلبي على الروح الكردية، وقدرة القوى المهيمنة على تغذية هذه الأفة في فكر مجتمعنا، أصبح منطق الرفض وتضخيم الذات مسلمة راسخة في ذهنية شريحة واسعة من حراكنا الكردي، بل وبدأ المجتمع يتبناها بأغلبية واضحة، إلى درجة لم يعد أحدنا يقبل حتى الحوار مع الكردي الأخر المخالف له، ولم يعد لدينا حكمة أو قدرة على إيجاد نقاط التقاطع في قضية الوطن، بل وأصبح كل تقارب لا بد وأن يسايره الشكوك والحذر وعدم الثقة. وهو ما أدى بالأمة الكردية إلى غياب الثقة بالذات، والعيش على الضحالة من الماضي المحرف من قبل الأعداء، بتضخيمه لا تشذيبه، والتعتيم على المنير فيه والقابل لأخذ العبر منه، وتشكيل أطلال وهمية نتباهى بها، أو تجسيد تاريخ الأمة في شخصية أو حزب، والتركيز على مبدأ الخلاف أو أنا المطلق في الصح أي في المعرفة، علما أن كل الأطراف على قناعة تامة أن بلوغ الهدف لن يتم ما لم تزال هذه المفاهيم أو يتم تدويرها وتلطيفها، وإلا فالكل خاسر؛ كما خسرنا على مر التاريخ، وبقينا دون العالم بلا دولة ووطن يجمعنا.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
17/1/2019 م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يريد ترمب لجنوب غربي كردستان
- انعكاسات الانسحاب الأمريكي المفاجئ على روج آفا
- حول تصريح المجلس الوطني الكردي في سوريا
- هل ستنسحب أمريكا من المنطقة الكردية؟
- روج آفا في مكالمة ترمب-أردوغان
- الجدلية الخفية بين إدلب وشرقي الفرات
- بدايات الحوار الأمريكي الروسي في الشأن الكردي
- الدبلوماسية الكردية
- مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الواحد و ...
- قذارة الحرب كردياً
- منزلة الشهيد والمفكر عن الكرد
- الكرد الشهيد والمبدع
- جنوب غربي كردستان ونهاية الإرهابيين
- مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً -الجزء الأربعون
- هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء التاسع عشر
- مصائب العقل الكردي
- النقص والكمال عند الكرد
- عفرين بعد إدلب
- قراءة في مضمون رواية (انبعاث في أغوار الجبال) للفنان الكاريك ...
- ماذا يجري بين أمريكا وتركيا


المزيد.....




- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...
- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - جدلية الروح والوطن كردياً