أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل غائب - غالب يخاطب مكان ولادته (مدخل رواية):














المزيد.....

غالب يخاطب مكان ولادته (مدخل رواية):


فاضل غائب

الحوار المتمدن-العدد: 6118 - 2019 / 1 / 18 - 13:49
المحور: الادب والفن
    


غالب يخاطب مكان ولادته (مدخل رواية):
كان يتكئ على سيارته، وينساب نظره عبر الزمن وينظر بأسىً وفوضى من المشاعر الى منظر القرية التي ولد فيها وها هي قدمه على عتبة الوهن والشيخوخة. يستذكر غالب احداثا كأنها كانَ يتكئُ على سيارته، وينساب نظره بأسىً وفوضى من المشاعر الى منظر الوشوم في تلافيف الدماغ وتستيقظ فيه ذكريات تتزاحم. كان هنا قبل ثمانية وخمسين عاما طفلا يعدو في هذه البقاع وكأن اقدامه الصغيرة الناعمة لا زالت مغروسة في الطين الاحمر. هنا كان جده، الذي كان هو الاخر قد وضع قدمه هكذا، ثم رحل بعد سنين الى غير عودة، يضم كفه الصغير مثل عصفور ويجول به بين الحقول. كان غالب يعتقد بأن الكبار والاجداد هم فقط الذين يموتون، وها هو الان اصبح جدا. عندما كان يلعب هنا ويجري بين الحقول، كان المستقبل شاسعا امامه بلا ادراك وغير منظور النهاية. راح يخاطب نفسه؛ اهِ لو كان بالإمكان حينها القبض على بعض تلك الايام، اما الان فالمستقبل اصبح مقبرة مجاورة وعلى مرمى حجر حيث يرقد جده الى الابد.
يمتلك غالب ذاكرةٍ متوهجةٍ للأحداثِ الموغلة في القدم ويتذكر بوضوح شديد امورا من طفولته الاولى هنا على هذه الارض التي شوهتها الايام والاحداث. كانت والدته تستغرب حين كان يسالها عن بعض الاشياء القديمة جدا، وكان يقول لها على سبيل المزاح انه يتذكر يوم زفافها حين وضعوها على حصان ونقلوها من بيت الى بيت.
الذاكرة خزين هائل من الوجود الخفيّ الحيّ مثل احداث في سباتْ، ما عليك الا ان تبحث فيه وتستفزه. لكنَّ تلك الذكريات المخزونة بلا انتظام لا تولِد الا الحزن والحسرة. وما ان تبدأ البحث، حتى تجد كمّاً متزاحماً من الوجود المتشابك كالطلاسم، بعضه فائق الخصوصية، وبعضه يخص المحيط الملتصق بك كجلدك وكلاهما معا صنعا منك كيانا متماسكا، كيانا حيا من الاحداث الغابرة حتى لكأنك تحفر في الارض فتجد كنوزا من الارواح.
أعوامٌ زئبقيةٌ غاشمة، تزحلقت وسحقت واحرقت بلا شفقة، عمرا من الاحلام الصغيرة وحولته الى رماد. وها هو غالب ينبش بفزع في ذلك الرماد علّه يلتقط جذوة يدفئ بها وجوده البارد. في خضم فورة الذكريات التي لبسته مثل العفاريت، كان يتساءل لماذا الجميع يسمي ما فات بالزمن الجميل رغم قساوته. لسوء حظ غالب وجيله فان الحاضر الممتد جاء تعيسا وبائسا ومليئا بالدم ونزعة نحو محو الاخر وكأن الإنسانية قد شُنقت على جدار من الحقد، وخاليةٍ من اي رونق، الى الحد الذي جعل الماضي بكل غلاظته اجمل، وادرك حينها لماذا اصبح جيله نوستولجيّاً بامتياز.
خليط من احاسيس الحسرةِ يغمرهُ بشدّة وهو يرى المستقبل ينحسر ويتضاءل، لكأنه يعود الى حارات العمر العتيقةِ لينهل منها ويملأ الحاضر ويرمم بعض ما تهدم من المشاهدْ . ويخيل له بان الحروف والكلمات لأيّةِ لغة، تقف عاجزةً ومتخاذلةً امام التعبير عن تلك الاحاسيس. لكنه قرر أن يكتب ما بوسعه، ولكن تبقى هناك مشاعر مستعصية في الداخل لا يمكن باي حال ان تكتب او تقال. هناك دائما أشياء لا يستطيع أي انسان البوحَ بها، فتندثر في اللحظات الاخيرة عندما يستسلم المرء، ليكتشف في النهاية بأنه عاش في داخل رأسه اكثرَ من خارجه، برغم انه يردّد باستمرار بانه كان يعيش مع الاخرين ومن أجلهم.
الحياة خسارة دائمةٌ وتامة، مهما تألم الانسان وحزن او انتابته موجات عارمة من السعادة. أمام كل ذلك يدفع الانسان من عمره الثمين أياما وسنين لا تعوض. كل الاشياء يمكن تعويضها الا العمر، فهو اذا مضى لا يترك غير الشعور باللاجدوى.

فاضـــل غائب



#فاضل_غائب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
- سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
- الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور ...
- الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
- توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس ...
- رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي ...
- افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا ...
- مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج ...
- بقي 3 أشهر على الإعلان عن القائمة النهائية.. من هم المرشحون ...
- فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل غائب - غالب يخاطب مكان ولادته (مدخل رواية):