|
تشريح الثورة على طاولة التشريح
احمد الشيخ دقو
الحوار المتمدن-العدد: 6105 - 2019 / 1 / 5 - 20:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشريح الثورة على طاولة التشريح ( الثورة عبارة عن عملية ، إنها لا تحدث تغيير جوهري من مرحلة ما قبل الثورة الى ما بعدها )هكذا عرف الكاتب (( كرين برينتن ))الثورة في كتابه تشريح الثورة الذي اعتمد في كتابه على دراسة و بحث اربع ثورات تمت في القرنين الماضيين هم (( الفرنسية – الروسية – الانكليزية – الامريكية )) الذي صب جل اهتمامه في ميول المجتمعات التي تسبق الثورة الكبرى ، حيث يرى ان التوترات الاجتماعية و السياسية و تدهور قيم المجتمع هي من العوامل التمهيدية التي تسبق الثورات ، لينفي تماما دور الحكومات من الاستبداد والطغيان التي تمارسه على شعبها . و في دهاليز الكتاب نجده يرى الفعل الثوري هي حمى مرضية تسبقها تمهيدات ترتفع بسبب شكاوى افراد الشعب ، ليتعارض تماما مع تعريفه الرئيسي للثورة . فسببية الثورة هي ردة فعل عن الفعل الممارس من قبل السلطة ، و يأخذنا الى ان من عوارض الحمى هي انهيار هيكلة الدولة . ليبحر بنا لشط اخر فيقول (( تستقر الحمى و يصبح الناس لا يتحمل تلك الحمى لتحل سلطة افضل محل هذه الاحتجاجات و يصبح الشعب اسعد )) .ليتعارض ايضا مع مقدمته ، فالاحتجاجات تنتج عن حالة وجدت قابلة للتغيير من قبل سلطة غير سليمة ، فإنهاء الحالة المرضية من طريقة ممارسة السلطة ، و تبدلها نتيجة ردة الفعل لينتج من هذه الردة حكومة قادرة على النهوض بالشعب و نقله الى مرحلة افضل . و يضعنا في دهليز اخر في رؤيته للمراحل التي تمر بها الثورة ، و في كل مرحلة عدد من الحيثيات التي تمر بها تلك المرحلة . المرحلة الاولى : التي تسبق الحراك العام و من مسببات بداية الثورة التناحر الطبقي الناتج عن الخلل الاقتصادي لعدم كفاءة الحاكم و الحكومة في وضع سياسات إقتصادية تتناسب مع المرحلة المواكبة لتبدل التوجهات الفكرية للمجتمع و المثقفين تحديدا و تحويل ولائهم الفكري الى العمل التوعوي الشعبي الناتج عن استخدام القوة المفرطة من قبل الحكومة بحق الشعب و مفكريه . المرحلة الثانية : تعم فئات الشعب و تشكل ضغط في تسارع الانهيار في السلطة . مما يؤدي الى اضطرابات على نطاق واسع الذي يمس الطبقة الوسطى المتجه الى انهيار مالي متسارع ،ليمس باقي طبقات المجتمع ليتصدر المشهد المثقفين و المعتدلين سياسيا وفكريا ، لتذهب الامور الى الهدوء النسبي . المرحلة الثالثة : عوارض الازمة الاقتصادية و الضغط المالي على فئات الشعب ، تخرج طبقة جديدة لتستولي على السلطة من المتطرفين و تنحية المعتدلين و إبعادهم عن السلطة ، لينتج عنه الحرب الاهلية لتنتقل رويدا رويدا الى الساحة الخارجية ، لتتشكل المجالس الثورية و تقضي على نفسها ليتصدر الساحة رجل قوي يدير المرحلة ضمن إطار ثوري . المرحلة الرابعة : و التي هي بداية النهاية للثورة الكبرى . تفرض حالة من الهدوء النسبي على الساحة العامة تدريجيا ليعود حكم الطاغية الحاكم الفرد ، ويقضي على جميع معارضيه و المتطرفين المغاليين ، و تنصب المحاكم الثورية بحصول المعتدلين على العفو ، لتعود النزعة القومية العدائية بناءا على هذه الفرضيات و المراحل الاربعة يستنتج برينتن ان معظم الثورات تنتهي دوما بالعودة الى حيث بدأت ، دون اي تغيير على الصعيد الاجتماعي و السياسي . ليتناسا تماما النتاج الفعلي للثورات التي تمت و التي كانت محور الدراسة في الكتاب ، فَدمج الثورة الاجتماعية و الانقلاب العسكري ليأخذنا الى حكم الفرد المتسلط بعيد كل البعد للفعل الثوري الشعبوي . و لا ننكر بانه في حالة استثنائية ممكن ان يأخذ الفعل الى المرحلة الحاكمية ، ولكن في دراسة نتاج الثورات و منها الانكليزية تختلف تماما في بعض المراحل و تحديدا في منتصف المرحلة الثالثة المؤدية الى الحرب الاهلية ، و يعود لهيمنة المثقف الانكليزي و وعي الجماهير الثورية ، فنتج عنه الاحزاب و البرلمان القادر على وضع عقد اجتماعي ثوري ينقل المجتمع الانكليزي عموما الى شط الامان . و الثورة الامريكية فبعد إعلانها عن الاستقلال عن الملكة الام لعدد من الاسباب و منها الهيمنة الاقتصادية ،تشكلت قيادات لإدارة كامل الولايات لأمريكية و نتج وثيقة إعلان الاستقلال . لنعود و نقول بان دراسة المجتمعات لا تتم بطريقة هندسية رياضية كما قال ماكس ليرنز (( انا متشكك بصراحة عندما يبدا من يدرسون المجتمعات متسلحين بالمشارط و المساطر الحسابية و انابيب الاختبار لانهم لا يعدون بأكثر مما يمكن ان يحققوه ، و تتخذ ادعاءات دارسي المجتمع التي نسمعها في ربع القرن الاخير طابعا دينيا و كأنهم يغسلون انفسهم بدم الحمل العلمي )) . الفكر الثوري المجتمعي لا يقاس بالطرق المعروفة و المتداولة نسبيا فثورة الشعب لا تنطلق من الحالة الاقتصادية كما يقول المفكر رامزي موير (( لم تكن الثورة البريطانية وشيكة بسبب ضيق اقتصادي )) ، و غير مرتبطة بالقيم الاجتماعية الاخلاقية المتغيرة فلكلا عصر و زمان و فكر و منهج اجتماعي وديني ، فدراسة الثورات دون امتلاك مشاعر نحوها ، غير ان من الممكن الاحتفاظ بالمشاعر على نحو نسبي خارج الدراسة و ليس داخلها . الثورة مرتبطة بالضرورة بالإنسان نفسه عندما يشعر بفقدانه لأدميته و كرامته و حريته فمعظم الثورات على مر العصور ارتبطت ارتباط وثيق بالكرامة والحرية . فالإنسان قادر على التعايش في اسوء الظروف المعيشية الاقتصادية و الاجتماعية فهو كائن متأقلم بطبيعته ، إنما لا يستطيع التأقلم مع السلطة المستبدة السالبة لإنسانيته .
احمد دقو
#احمد_الشيخ_دقو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر.. الدولار يعاود الصعود أمام الجنيه وخبراء: بسبب التوترات
...
-
من الخليج الى باكستان وأفغانستان.. مشاهد مروعة للدمار الذي أ
...
-
هل أغلقت الجزائر -مطعم كنتاكي-؟
-
دون معرفة متى وأين وكيف.. رد إسرائيلي مرتقب على الاستهداف ال
...
-
إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-
-
-آلاف الأرواح فقدت في قذيفة واحدة-
-
هل يمكن أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حرب عالمية ثال
...
-
العام العالمي للإبل - مسيرة للجمال قرب برج إيفل تثير جدلا في
...
-
واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران تطال مصنعي مسيرات
-
الفصل السابع والخمسون - د?يد
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|