أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إلهامي الميرغني - أزمة المصطلحات والمفاهيم وإشكاليات التغير وطرح البدائل في مصر - النقابات العمالية والقطاع العام والتعليم كنموذج















المزيد.....


أزمة المصطلحات والمفاهيم وإشكاليات التغير وطرح البدائل في مصر - النقابات العمالية والقطاع العام والتعليم كنموذج


إلهامي الميرغني

الحوار المتمدن-العدد: 6054 - 2018 / 11 / 14 - 18:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تعاني الحركة الاشتراكية في مصر والعديد من دول العالم أزمات في المصطلحات والمفاهيم المتداولة علي ضوء إخفاق التجربة السوفيتية وخبراتها السلبية من ناحية وعلي ضوء فشل التجارب المحلية والقومية من ناحية أخري.وهو ما يضيف عبئ إضافي علي كاهل الحركة الاشتراكية وقوي التغيير الراديكالي عند طرح رؤية مغايرة للواقع الحالي وطرح بدائل جديدة والتبشير باشتراكية لم توجد بعد ولا تتضح ملامحها الكاملة.
لقد استخدم التيار القومي والتيار الاسلامي ايضاً العديد من المصطلحات والمفاهيم التي صكها الفكر الاشتراكي واعاد إنتاجها او طبقها علي طريقته مما اصابها بالتشوه.كما أن الرأسمالية في مصر والعديد من الدول العربية تبنت في فترات مختلفة مصطلحات الاشتراكية فأفرغتها من مضمونها الطبقي وانحيازها وسخرتها لخدمة مشاريع الإلحاق والتبعية.
لذلك فإن مشاريع طرح البدائل ووضع خطة للمرحلة الانتقالية تواجه باختلاط المصطلحات والمفاهيم لدي قطاعات من النخبة ولدي الغالبية العظمي من الطبقات الشعبية صاحبة المصلحة والمنوط بها فهم وتبني هذه البدائل والدفاع عنها.
بل أن الموروث الشعبي المصري أضفي كثير من روح الدعابة علي بعض المصطلحات الشائعة في الستينات من القرن الماضي حيث يروي أن مواطن مصري سأل صديقه " يعني أيه اشتراكيتنا كفاية وعدل " قاله يعني الدولة يكفونا ويعدلونا ". هكذا سخر المصريين من بعض المصطلحات التي شاع استخدامها في ظل غياب مضمونها الطبقي والمشاركة الشعبية.ومن التجربة السوفيتية الي التجربة الناصرية رغم الاختلافات بينهما كانت سيطرة الحزب " الدولة " وتغييب الجماهير واستخدامها وتوظيفها كمخزون في خدمة مشروع الاستبداد مستفيدين من بعض المكاسب الاجتماعية التي تحققت.ولعل ذلك يوضح كيف ان الانقضاض الذي حدث علي ما يسمي منجزات التجربة الاجتماعية في مرحلة الثورة المضادة والإلحاق والتبعية ، لم تجد الطبقات الاجتماعية التي تدافع عنها وتتصدي للهجوم المضاد.لأن الطبقات الشعبية وتنظيماتها استبعدت من المشاركة منذ سنوات.


الحركة النقابية
عرضحالجي العمال عمنا عطية الصيرفي هو أبرز من ساهم في التصدي لهذه الظاهرة بالنسبة للحركة النقابية المصرية والتي وصف وضعها منذ 1954 " بالعسكرة " حيث تم فرض العضوية الإجبارية في التنظيمات النقابية والبناء الهرمي ورفض وجود أكثر من نقابة في المنشأة وسيطرة الأجهزة الأمنية وتنظيمات السلطة علي اختيار أعضاء هذه التنظيمات التي شوهت مفهوم النقابات العمالية ولازلنا نكافح اثارها السلبية حتي الآن. فالنقابة كانت في الستينات جزء من تنظيم الدولة الاتحاد الاشتراكي والذي كان يعين او ينتخب أمين عمال يكون عادة هو رئيس اتحاد العمال الحكومي وعميل للأجهزة الأمنية.
لذلك تبني عطية الصيرفي ومجموعة "صوت العامل" في الثمانينات من القرن الماضي والتي ضمت الزملاء طه سعد عثمان وفتح الله محروس وأحمد شرف الدين رحمهم الله والزملاء صابر بركات ومحمود مرتضي ومحمد عبدالسلام البربري أطال الله في أعمارهم والاستاذ عبدالغفار شكر والزميل مصطفي السعيد وأنا.ظللنا لسنوات نُحَارب بدعوي محاولة شق الوحدة النقابية ( الشكلية والمفروضة) واننا نتيجة العجز عن اختراق الاتحاد الحكومي الفاسد ندعوا للتعددية النقابية.بل لقد كان حزب التجمع هو أحد كبار المهاجمين للتعددية النقابية نتيجة ما يحصل عليه من حصة في مناصب الاتحاد الرسمي.
وعند إجراء انتخابات النقابات العمالية 2001 وبالتعاون مع مركز هشام مبارك للقانون تأسست اللجنة التنسيقية للدفاع عن الحقوق والحريات النقابية والعمالية والتي ظلت من 2001 وحتي 2010 محافظة علي دورية اجتماعتها في مقر مركز هشام مبارك يوم الجمعة الثاني من كل شهر لتبادل الأفكار والأراء ورصد أوضاع الحركة العمالية في كل محافظات مصر واصدار عدد من المطبوعات وتقارير الرصد التي صنعت وعي مخالف لوعي اليسار القديم المدافع عن وحدانية التنظيم النقابي.
عقب إضراب موظفي الضرائب العقارية الذي استمر 11 يوم عام 2008 انتزعت الحركة النقابية أول نقابة عمالية مستقلة عن الاتحاد الحكومي وهي " نقابة موظفي الضرائب العقارية عام 2009" تلتها نقابة اصحاب المعاشات والتي كانت أول تنظيم نقابي للمتقاعدين في مصر وكان عصب الحركة عمال القطاع العام الذين خرجوا للمعاش المبكر مع الخصخصة.ثم نقابة المعلمين المستقلة وتلتها نقابة الفنيين الصحيين.لذلك عند ميلاد ثورة 25 يناير كانت الحركة النقابية المستقلة قد انتزعت اربع نقابات عامة كبري علي مستوي مصر. ولذلك عندما جاء إطلاق الحريات النقابية بإعلان الدكتور أحمد حسن البرعي وزير القوي العاملة في أول حكومة بعد ثورة 25 يناير.كانت هذه اشارة البدء لتأسيس أكثر من 1500 نقابة عمالية مستقلة.وقد تميزت الحركة بتمثيل واسع للموظفين الذين كانت غالبيتهم خارج الأطر النقابية.إضافة الي عمال القطاع غير الرسمي والذين انخرطوا في تشكيل نقابات مستقلة.بل أن عمال الزراعة الذين كانوا مستبعدين لسنوات طويلة من التنظيم النقابي انطلقوا يؤسسون نقابات فلاحين مستقلة.ويذكر أن محافظة المنيا في مصر الوسطي كانت تضم وحدها أكثر من 15 منظمة نقابية مستقلة لعمال الزراعة وصغار الفلاحين بخلاف نقابات الفلاحين التي اسستها الأجهزة الأمنية.
وانخرط فريق " صوت العامل " ومنظري الفكر النقابي المستقل في دعم تأسيس النقابات العمالية المستقلة الجديدة في طول البلاد وعرضها من الاسكندرية الي اسوان ومن القطاع الحكومي للقطاع العام إلي القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي والاستثمار.
لكن قوي الثورة المضادة لم تستسلم وهي تعمل علي استعادة النفوذ والهيمنة. وهي معادية بحكم النشأة لأي شكل لتنظيم الجماهير وخاصة الطبقة العاملة.فبدأت الدولة والأجهزة الأمنية تؤسس نقابات مستقلة مثل النقابة العامة لعمال الزراعة والتي كان لها لجان نقابية ومقرات في كل مراكز ومحافظات مصر وتأسست برعاية جهاز امن الدولة ووزير الزراعة الأسبق.كذلك تجمعت مؤسسات التمويل الدولية والجهات المانحة علي تنفيذ مشروعات في مصر مع النقابات المستقلة في فنادق الخمس نجوم والسفريات الخارجية بدعوي تبادل الخبرات فأفسدت مئات من القيادات النقابية الواعدة وكانت آفة تنخر في جسد النقابات العمالية المستقلة التي بدأت الأمراض تسري في جسدها النقابي وتنفصل عن قواعدها الجماهيرية.
وعندما استردت الثورة المضادة وضعها واستكملت السيطرة علي الدولة بكل أجهزتها بدأ الحصار والتضييق علي أشكال التنظيم المستقل والتعبير السلمي لاستعادة الدولة القديمة بكل فسادها واستبدادها.فصدر قانون للنقابات العمالية مخالف لكل الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وكبل الحركة النقابية ووضع مكابح للتنظيم النقابي المستقل.واجبر النقابات المستقلة علي توفيق اوضاعها وتعسف موظفي وزارة القوي العاملة في تنفيذ القانون.كما استعاد التنظيم النقابي الحكومي الأمني سيطرته وأغري عدد من النقابات المستقلة للانضمام إليه ملوحا لهم ببعض الامتيازات والمناصب.ووضعت العراقيل التي عملت علي تصفية حركة النقابات المستقلة التي لم تستطيع تجاوز الشروط الإدارية وتوفيق الأوضاع إلا عدد محدود منها.وانتهت جولة من الصراع الاجتماعي بعد ثورة يناير باستعادة الثورة المضادة للسيطرة علي التنظيم النقابي وفصل واستبعاد عشرات من القادة النقابيين والحد من انتشار النقابات المستقلة والتي انحصرت.ولكن تظل الفكرة قائمة ويظل البعض متمسك بتطبيقها مستنداً لأحكام الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وأصبحت جزء من قوانين الدولة بحكم الدستور.ويعود الالتباس مرة أخري لمصطلح النقابة العمالية هل هي النقابة التابعة للاتحاد الحكومي والتي لا تتبني اي مطالب عمالية ويقتصر نشاطها علي الرحلات والاعانات الاجتماعية أم النقابات المستقلة المدافعة عن المصالح والحقوق العمالية والتي ذابت ولم تتمكن من توفيق أوضاعها .وهل هي تفتيت للوحدة أم بناء تنظيمي مختلف؟!ويستمر الجدل خاصة في ظل اخفاق وتراجع مئات النقابات المستقلة وعجزها عن توفيق أوضاعها وفقاً للقانون الجديد.
القطاع العام
مر القطاع العام في مصر بمراحل متعددة منذ نشاته في القرن الماضي وقبل 23 يوليه 1952 وعبر مسيرته الطويلة وحتي الآن. كان القطاع العام خطوة هامة علي طريق التطور الرأسمالي واستقلال السوق وتحقيق التراكم الأولي.لكنه خضع لمسار متعرج ودور متغير من مرحلة الي أخري.كما ارتبطت نشأة القطاع العام بانتشار مقولة " أهل الثقة وأهل الخبرة " وفرض عدد من ضباط الجيش علي رأس شركات القطاع العام.بل والحفاظ علي بعض رموز الرأسمالية التقليدية القديمة قبل الثورة علي رأس شركاتهم بعد التأميم مثل عثمان أحمد عثمان وحسن علام وغيرهم بدعوي الاستفادة بخبراتهم في بناء " الاشتراكية " في طبعتها المصرية.
بل تم استدعاء مسميات من التجربة السوفيتية وتطبيقها مثل مجالس الانتاج التي يشارك فيها العمال ومشاركة العمال في مجالس ادارة الشركات والتي ظلت مشاركة شكلية وخاضعة لرقابة وسيطرة المباحث العامة والاتحاد الاشتراكي وان استطاعت الحركة الاشتراكية اختراقها في بعض المواقع المحدودة.
لقد لعب القطاع العام دور مهم في مرحلة الاستقلال الاقتصادي وتوسيع السوق وتعبئة الفائض والصمود وتحقيق الاكتفاء الذاتي بعد النكسة.فإن دوره تغير خلال مرحلة الانتقال والردة التي قادها السادات ثم مرحلة التبعية والسوق المفتوح التي انطلقت في عهد مبارك ومستمرة بنفس توجهاتها. لكن بعد 2014 بدأ التنفيذ الفعلي لخصخصة المرافق والخدمات العامة كالتعليم والصحة والمواصلات ولم تقتصر الخصخصة علي الشركات والقطاع الاقتصادي.فالمرحلة الحالية هي المرحلة الأعمق في الافساد والتبعية والأكثر إضراراً بمصالح الطبقة العاملة وكل الكادحين في مصر واستمرار القطاع العام المتبقي كوكر للفساد وبقرة حلوب للقطاع العام ومصدر ثروات طائلة للبرجوازية البيروقراطية.
لقد قدم رواد الفكر الاشتراكي من الاقتصاديين المصريين رؤية مبكرة لأزمة القطاع العام ، وكتب الدكتور إسماعيل صبري عبدالله دراسته الهامة " تنظيم القطاع العام "عام 1969 فرصد مبكرا كل مشاكل نشأة القطاع العام وعدم كفائته الاقتصادية وكيفية معالجتها ولكن للاسف كان الوقت تأخر للاصلاح ورحل الرئيس عبدالناصر واعقب وفاته الاطاحة بكل المؤمنين بفكر عبد الناصر ليصبح الطريق ممهد للتغير والردة التي قادها السادات.
كما قدم استاذنا الدكتور فؤاد مرسي رؤية مبكرة للتحولات في كتابه الهام " هذا الانفتاح الاقتصادي " عام 1976 ثم اعقبة بكتاب "مصير القطاع العام في مصر" عام 1987 .كما قدم الاقتصاديين الاشتراكيين المصريين ومن خلال المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والاحصاء وفي كتب ودراسات مستقلة عشرات الدراسات المعمقة حول أزمات القطاع العام وكيفية تجاوزها وعلاجها. كذلك مثلت كتابات الاساتذة الدكتور محمد دويدار والدكتور إبراهيم العيسوي والدكتور جودة عبدالخالق والاستاذ أحمد النجار والاستاذ عبد الخالق فاروق واخرين عشرات الدراسات التي رصدت المشاكل ووضعت الحلول والبدائل.ولكن الدولة المصرية لم تكن ترغب في الاصلاح رغم تسمية كل مشاريع التفتيت والتبعية بذات الأسم ولأنهم حددو دور محدد للقطاع العام يعمل لصالح رأس المال الخاص المصري والعربي والأجنبي.
كان القطاع العام منذ ميلاده محمل بأمراض النشأة والفساد وكانت قياداته تنزح خيرات القطاع العام الي القطاع الخاص .وظل منذ نشأته يلعب دور البقرة الحلوب لباقي قطاعات الاقتصاد . إضافة إلي الفساد وعدم ضخ اي استثمارات جديدة وتقادم الالات وتدني الانتاجية وارتفاع الطاقات العاطلة.وانتشار البطالة المقنعة وتكبيل القطاع في فترة بالخريجين بغض النظر عن معايير الكفاءة واقتصاديات التشغيل او من الضباط المتقاعدين الغير مؤهلين لقيادات مؤسسات اقتصادية والتسعير الاجباري لمنتجات القطاع بغض النظر عن الكفاءة الاقتصادية واستمرار الوحدات في الانتاج.وتراكمت المشاكل حتي وصلنا للوضع الحالي بكل ما فيه من تشوه وانعدام في الكفاءة الاقتصادية والمالية والانتاجية ليصبح نموذج للفشل والفساد.
لذلك عندما نتحدث عن البديل ويأتي ذكر القطاع العام . يتبادر للذهن هل يدافع الاشتراكيين عن القطاع العام الناصري ام الساداتي أم المباركي ام السيساوي؟! هل يريد الاشتراكيين استمرار غياب الكفاءة الاقتصادية وسوء الإدارة وتخلف الانتاجية وأزمات التمويل والتسويق وتخلف الأذواق والعجز عن التصدير وغياب المشاركة العمالية والرقابة الشعبية. هل هذا هو القطاع العام الذي تدافعون عنه؟!
ونجيب بالطبع لا .القطاع العام الذي نريده يعتمد علي مشاركة حقيقية للعمال في إدارته ورقابة شعبية مستمرة علي أدائه. فديمقراطية المشاركة الشعبية التي ندعوا لها هي الحل للكثير من أزماتنا. إننا ندافع عن قطاع عام غير موجود ولم يسبق له الوجود من قبل يدعم الاعتماد الجماعي علي الذات وتليبية الاحتياجات الاساسية ويدار علي اسس علمية واقتصادية ويدعم الفائض الاقتصادي والناتج المحلي ويغطي احتياجات السوق المحلي ويستطيع المنافسة في الأسواق الدولية.اننا نريد قطاع عام مختلف.لكن للاسف فإن الصورة الذهنية التي تتبادر للذهن هي تلك الصورة التي تكونت عبر السنوات لانعدام الكفاءة الاقتصادية وسوء التشغيل والفساد.ولذلك علينا ان نبذل مجهود مضاعف لتوضيح شكل وملامح القطاع العام الذي نريده.وانه من الممكن الاستغناء عن بعض الوحدات او بعض الأصول الحالية من أجل بناء قطاع عام يعمل لصالح الاستقلال الاقتصادي ويدار بكفاءة وفي ظل مشاركة عماله ومستهلكيه في إدارته.وإننا لن نقبل بوجود طاقات عاطلة وبطالة مقنعة وماكينات تعمل من الاربعينات بدون تطوير او تحديث وفساد.نريد ربط القطاع العام بمراكز البحوث والتطوير والجامعات المصرية وجماعات المستهلكين لتقديم منتجات نفخر بها جميعاً كمصريين.نريد بناء تجربة جديدة لصالح الاقتصاد المصري والشعب المصري. يوفر سلع وخدمات أساسية بهامش ربح يضمن الاستمرار والتطوير والمنافسة.
التعليم
التعليم هو عصب التنمية لدي اي دولة وكانت الأمية هي السائدة في مصر لقرون عديدة بينما يقتصر التعليم علي ابناء الطبقات المتوسطة والراقية وكثيرا ما كان يتم ارسال البعثات التعليمية لأوروبا منذ عهد محمد علي. الذي ينسب له إنشاء أول نظام للتعليم الحديث فى مصر، ضمن طموحاته لتأسيس دولته،قبل بداية القرن التاسع عشر كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب أو المساجد والجامع الأزهر، ولم تتجل مسئولية الدولة إلا مع بداية 1820 فى عهد محمد علي ، ومع اهتمامه بالتعليم، كانت مجانية التعليم فى ذلك الوقت مقتصرة على قلة من الأعيان، لكن مع دخول الاحتلال الإنجليزى فرضت المصروفات على التعليم الحديث، واقتصر التعليم فى المدارس علي تكوين الموظفين وكوادر الدولة.
لكن مع فجر اليقظة القومية ومنذ الثورة العرابية انبعثت روح جديدة رأت أهمية توفير التعليم الإلزامي لكل المصريين. لقد كان دستور 1923 أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم. وتضمنت المادة 19 من الدستور "التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجانى فى المكاتب العامة". مع قانون التعليم الإلزامى أصبح التعليم فى المدارس الإلزامية التى بدأت الدولة فى إنشائها مجانيا، وظل باقى التعليم التجهيزى والجامعى بمصروفات ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفى الحكومة.
لكن حدث متغير كبير عام 1944 في ظل حكومة نجيب الهلالي بصدور قانون مجانية التعليم الابتدائى فى المدارس الحكومية فى المدن،بجانب التعليم الإلزامى الذى ظل فى القرى إلى جانب التعليم الحديث الرسمى مجانيا.إلي ان جاء الدكتور طه حسين وزيرا للمعارف عام 1950 و أصدر قرارا فى 1951، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقا مع فكرة أن التعليم متاحا ومشاعا كالماء والهواء. وبذلك اصبح التعليم في مصر من الابتدائي إلي الثانوي مجاني وقبل ثورة 23 يوليه 1952.
لقد اهتمت ثورة يولية بالتعليم وتضمن دستور 1956 أن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وتضمنت المادة 50 " بأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان" .ثم جاءت الخطوة الكبري التي أعلنها ناصر عام 1961 بإتاحت التعليم الجامعي بالمجان كحق من حقوق المواطنة ، وتبعتها تعديلات الدستور فى مارس 1966 مؤكدة على مجانية التعليم، حيث ذكر فى المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان".
كان المشروع الناصري مثل مشروع محمد علي يحتاج الي متعلمين لإدارة جهاز الدولة وتنفيذ المشروع التنموي ونهضة الأمة .لكن بعد هزيمة يونية 1967 ووفاة عبدالناصر وصعود السادات.اختلفت التوجهات التنموية في النظر إلي التعليم كعبئ علي موازنة الدولة يجب التخلص منه،وتم نشر مفاسد النظام التعليمي وتكبيرها وتضخيمها تمهيدا لما تلي ذلك من المرحل.ومع بداية الانفتاح الاقتصادي عام 1975 ظهرت وانتشرت المدارس الخاصة في جميع المراحل التعليمية وفي جميع محافظات مصر.
لكن عصر مبارك حمل بدء ظهور أنظمة تعليم بمصروفات داخل التعليم المجاني مثل المدراس التجريبية ومدارس النيل الدولية إلي صدور قانون السماح بإنشاء الجامعات الأجنبية والخاصة في مصر والتوسع في انشاء المدراس الدولية بمناهج تعليمية لا علاقة لها بمصر. وتدهور النظام التعليمي المصري وانهار خلال العقود المباركية فتاكلت وتدهورت المباني التعليمية وساءت المناهج لتبرر للسلام مع العدو الصهيوني ونشر الفكر السلفي وانخفاض الاهتمام بدراسة العلوم والرياضيات وتدهور التعليم الفني وأحوال المعلمين وتدهور دور المدرسة لصالح الدروس الخصوصية التي اخذت في الانتشار بجانب الكتب الخارجية بحيث اصبحنا بالفعل امام نظام تعليم اسميا مجاني وفعلياً بمصروفات تفوق إمكانيات الغالبية من الشعب المصري.واضحت مخرجات النظام التعليمي في غاية السوء والرداءة.
لقد اصبح النظام التعليمي متعدد عام حكومي مجاني " إسمياً " وحكومي بمصروفات وخاص وأزهري وأزهري خاص وأجنبي ودولي.وضاعت قيم المواطنة والدولة الواحدة واصبحنا أمام نوعيات مختلفة من المصريين تختلف باختلاف النظام التعليمي.وانتشر العنف المدرسي واصبحت الدول والشركات الدولية تعزف عن توظيف خريجي التعليم المصري لصالح التعليم الاجنبي والدولي.وتصاعد الهجوم علي التعليم المجاني باعتباره عبئ علي الدولة ومخرجاته غير مناسبة لسوق العمل ، وان المفترض ان المجانية للمتفوقين فقط وبدء الحديث عن خصخصة التعليم الجامعي فقط رغم أن جامعة فؤاد الأول ( القاهرة ) نشأت كمنظمة أهلية غير ربحية في عصر الملكية والاستعمار. ثم امتد مفهوم الخصخصة لباقي المراحل بما فيها الابتدائي المجاني منذ العشرينات والاربعينات من القرن الماضي.
ومع وصولنا لعام 2014 ودخول الخصخصة مرحلة الخدمات والمرافق العامة أصبح هناك تضخيم من مشاكل التعليم الحكومي المجاني ومبالغات في العبئ علي موازنة الدولة ونشر فكرة ردائة التعليم المجاني.ليكون الحل خصخصة التعليم العام في جميع مراحله من الابتدائي الي الجامعي.ورد رئيس الجمهورية علي كثافة الفصول المرتفعة بإننا نحتاج 150 مليار جنيه لبناء مدارس جديدة وهي عبئ لا نملكه.وبدأت وزارة التعليم منذ سنوات مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص في بناء المدارس بنظام حق الانتفاع.ووصلنا لحديث وزير التعليم عن أن المجانية نظام ظالم وغير عادل. وتتحرك الحكومة بخطوات متسارعة علي طريق خصخصة التعليم والصحة وتغيير التشريعات وإطلاق يد القطاع الخاص.
وبوصولنا الي مرحلة الحديث الصريح عن البيع نتيجة عدم الكفاءة وان المجانية هي السبب.تتفجر إشكالية المفاهيم والمصطلحات مرة أخري.فهل يدافع الاشتراكيين عن نظام تعليمي اساسه التلقين متخلف ويدعم المناخ الطائفي ولا يدعم قيم المواطنة والعلم وينتشر به العنف وكثافة الفصول المرتفعة وتدهور مناهجه ومبانيه وأوضاع معلماته ومعلميه.
بالتأكيد نحن لا يمكن أن ندافع عن نظام التعليم الفاسد الحالي الذي خربته الدولة وقروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.ولن يجدي معه مشروع التابلت شئ لأنه يحتاج الي تطوير شامل من المباني الي المناهج الي أهداف العملية التعليمية الان ،إلي كفاءة المعلمين وأجورهم المناسبة.إن التعليم اساس اي تنمية والتعليم هو الذي يحدد مستوي الثروة البشرية لأي دولة.
إننا ضد خصخصة التعليم الحكومي المجاني من الابتدائي الي الجامعة ومع تطوير مجمل المنظومة التعليمية.فالتعليم المجاني حق لكل المصريين من الابتدائي الي الجامعة ولكننا نريد تعليم مختلف ولدينا مئات الدراسات وعشرات الرسائل العلمية التي تتحدث عن خطط تطوير التعليم بالتفاصيل.كما أن الانفاق علي التعليم ليس صدقة جارية من الحكومة ولكنه واجب والتزام من أجل مستقبل مصر والتنمية. نريد نظام تعليمي قائم علي الملاحظة والتأمل والتفكير العلمي وطرق حديثة لتعليم العلوم والرياضيات.لدينا عجز في الأطباء والمهندسين الزراعيين والعديد من التخصصات الضرورية للتنمية.نريد تعليم مرتبط بالبيئة والمجتمع وقائم علي المشاركة المجتمعية في ادارته ومراقبة أدائه.
هكذا قاد تدهور الأوضاع وضبابية المصطلحات والمفاهيم الي مأزق كبير في وعي الجماهير العريضة التي ندعوها لبديل غير مكتمل الملامح. ولأن الانهيار والدمار افسد الكثير فإن علينا ان نخوض معركة توعية تشرح المصطلحات والمفاهيم وتدققها وتملكها للجماهير.فالنقابات العمالية المستقلة ستظل الشكل الأنسب لتنظيم الطبقة العاملة رغم التشريعات الحالية المقيدة للحريات النقابية وتشويه الفكرة النقابية.كما ان القطاع العام الذي نتبني الدفاع عنه ليس القطاع العام الفاسد والمعدوم الكفاءة الاقتصادية ولكنه ركيزة لاشباع الحاجات الجماعية للسكان ضمن خطة تطوير الزراعة والتصنيع وهو قائم علي المشاركة الشعبية في تحديد توجهاته وادارته وتشغيله. وكذلك التعليم المجاني الذي نريده ليس هو التعليم المنهار الحالي الذي يقدم خريجين معدومي الكفاءة .
إن تصويب المصطلحات وتوضيح ابعادها وانحيازاتها الاجتماعية وتوجهها الاقتصادي وإدارتها الديمقراطية هو الخطوة الأولي علي طريق العبور إلي مصر المستقبل ، مصر الاشتراكية وبناء البديل واختباره علي أرض الواقع .

إلهامي الميرغني
14/11/2018



#إلهامي_الميرغني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانيميا والبدانة والتقزم وسوء التغذية أهم أمراض الفقراء في ...
- بيع الجنسية المصرية حلقة من مسلسل التسليع والتفريط و البيع
- الانتحار في مصر
- أكاذيب حول غلاء الاسعار في مصر
- تعديل وزاري أم وزارة جديدة؟!!!
- أسعار البترول وانعكاساتها علي ميزان المدفوعات والموازنة العا ...
- أزمة المياه في مصر ( 1 )
- معركة التاكسي الأبيض والشركات الدولية وأزمة نقل الركاب بمصر ...
- ثروات مصر بين الفقراء والأغنياء
- الوضع االقتصادي في المنطقة العربية
- لماذا نرفض مشروع قانون التأمين الصحي الجديد؟
- ماذا يحدث في السعودية – زلزال 4 نوفمبر ؟!! 2 – ثنائية النفط ...
- ماذا يحدث في السعودية – زلزال 4 نوفمبر ؟!! 1-أهمية السعودية ...
- عودة صندوق الدين والمندوب السامي إلي مصر
- العاصمة الإدارية الجديدة
- طلعت باشا حرب .. لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
- الاقتصاد غير المنظم والعدالة الضريبية في مصر
- إشكاليات التنظيم في مصر ما بعد 25 يناير 1-تنظيمات العمال
- حتمية التصنيع في مصر
- الطبقة العاملة إلي أين ؟! بعد خمس سنوات من 25 يناير


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إلهامي الميرغني - أزمة المصطلحات والمفاهيم وإشكاليات التغير وطرح البدائل في مصر - النقابات العمالية والقطاع العام والتعليم كنموذج