الاستثمار فى البشر قبل الحجر

أحمد حسن عمر

الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 11:28
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

الاستثمار فى البشر قبل الحجر
اعداد: دكتور/ أحمد حسن عمر

في خضم التغيّرات الديموجرافية المتسارعة، يوجد نحو 1.8 مليار نسمة تتراوح أعمارهم بين 15- 30 سنة، وهناك نصف مليار شاب في الدول النامية عاطلون جزئياً أو يشغلون وظائف غير آمنة، ومن هنا ظهرت الحاجة لبناء رأس لمال البشري والاستثمار في البشر.
وبمرور السنين وتغير الأوضاع العالمية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، تبلورت العديد من المفاهيم والاهتمامات والعديد من المصطلحات وخصوصا في بيئة الأعمال، ولعل من أبرزها تغير النظرة نحو الموارد البشرية التي كانت تعد سابقا عاملا من عوامل الإنتاج تسعى المنظمة لتوفير احتياجاتها منها لتلبية متطلبات الإنتاج وتحقيق أهدافها، بينما اليوم أصبحت هذه الموارد تعامل كأصل من الأصول بل وتعد أهم من الأصول المادية، وتعتبر رأس مال يمكن استثماره وذلك بالإنفاق عليه لتعليمه وتدريبه وضمان بيئة آمنة محفزة له على العمل وذلك للإستفادة من قدراته ومهاراته وخبراته ومعارفه لتحسين الأداء وتحقيق أهداف المؤسسة.
ولقد شهد العالم خلال العقود الماضية تغيرات واسعة وجذرية فى الثورة المعرفية والمعلوماتية فى كافة النواحى الإقتصادية, وأصبحت معظم إقتصاديات الدول المتقدمة تعتمد على الإقتصاد المعرفى بدلا من الإقتصاد المادى وقد أدى هذا إلى تغير كبير فى الإستراتيجيات التى تعتمدها تلك الدول, فقد أصبح العنصر البشرى هو العنصر الفعال والمحورى فى عملية الإنتاج وأصبحت تنافسية العملية الإقتصادية تعتمد على العقول البشرية .
ومن هنا أخذت قضايا الإهتمام بالعنصر البشرى مكانة متقدمة فى كافة الإستراتيجيات التى تتبعها الدول المتقدمة، بالإضافة إلى أن الإستثمار فى رأس المال البشرى يعد من أعلى درجات الإستثمار وذلك لكونه عامل رئيسى فى التنمية المستدامة
وفى ظل التقدم التكنولوجى الذى يقلل من قيمة الوظائف التى لا تحتاج إلى مهارات عالية، ويخلق فى مقابل ذلك وظائف جديدة ترتكز على المعرفة، وتعمل على تغيير الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج يتطلب ذلك تنمية رأس المال البشرى من حيث الكم والكيف.
وعند الحديث عن رأس المال البشرى نوضح تعريقه وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى الذى عرف رأس المال البشرى بأنه كل مايزيد من إنتاجية العمال والموظفين من خلال المهارات المعرفية والتقنية التى يكتسبونها أى من خلال العلم والخبرة.
اما اهمية رأس المال البشرى فتاتى من خلال التطورات التي تشهدها بيئة الأعمال واشتداد المنافسة، حيث انتقل الإهتمام من الصراع حول الأصول المادية إلى الصراع حول الأصول غير المادية وأهمها العنصر البشري الذي كان يعد مجرد مورد من موارد الإنتاج وأضحى رأسا من رؤوس الأموال القابلة للإستثمار بعدما أيقن الجميع أن سبيل النهضة والتقدم هو الإنسان وما يمتلكه من قدرات عقلية وجسدية، وأن الأصول المادية لا فائدة منها دون وجود من يستغلها استغلال أمثل ويسيرها بطريقة فعالة تخلق ميزة تنافسية وتساهم في بلوغ الريادة.
وتتضخ أهمية رأس المال البشرى فى مقولة الحكيم الصيني ( كيواه تزو) الذى قال "إذا كنت تخطط لسنة فاغرس بذرة ، وإذا كنت تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة ، وإذا كنت تخطط لمائة عام فعلّم إنساناً ، لأنك عندما تزرع بذرة واحدة فإنك تحصد محصولاً واحداً ، وعندما تعلّم الناس تحصد مائة محصول .

مؤشرات الاستثمار في رأس المال البشري:
يتم الاستثمار لدى العامل البشرى من خلال فعالية التدريب وكفاءة التعليم كما يلي:
أولًا: كفاءة التعليم، وتستند كفاءة التعليم إلى مؤشر القدرات التعليمية والذي بدوره يعتمد على النظام التعليمي والذي تنقصه الجودة الراهنة وكفاية المهارات التي يكتسبها الطلاب لدى تخرجهم، وكذلك عدم قدرة النظام التعليمي على تلبية الاحتياجات المستقبلية لأسواق العمل. ولا بد من تطوير التعليم عمومًا وأسلوب تدريس المناهج ومحتوياتها لتوافق متطلبات سوق العمل، ويتم ذلك بالآتي:
1) تحديد الفئة العمالية المستهدفة ببرامج التعليم.
2) دوافع العاملين للمشاركة في البرامج التعليمية.
3) مدى تناسب البرامج التعليمية واحتياجات سوق العمل.
4) درجة استيعاب العاملين المستفيدين من برامج التعليم، لأهمية التطوير الذاتي للمعارف.
ثانيًا: فعالية التدريب، لا بد من تحسين التدريب الذي يتلقاه المدربون والمتدربون، إذ هو أهم ما يقتضي معالجته، ويتم ذلك بالآتي:
1) نظرة العامل المتدرب إلى عملية التدريب.
2) مدى تناسب البرامج التدريبية واحتياجات العامل.
3) مدى تأثير الدورات التدريبية السابقة على تغير سلوك العامل في العمل.

واقع إستثمار رأس المال البشرى فى مصر
يرتكز مؤشر رأس المال البشري على قياس معايير أساسية على رأسها الصحة، والتعليم، وطول العمر، ومؤشر الإنتاجية المستقبلية، والدخل المحتمل للمواطنين، والنمو الاقتصادي المتحمل للدول، وجاءت مصر فى المركز الـ 97 عالميا من بين 130 دولة على مؤشر تنمية رأس المال البشرى الذى يقيس أداء 130 دوله فى أربعة محاور رئيسية لتنمية رأس المال البشرى، وهى القدرة، التى يحددها إلى حد كبير الاستثمار السابق فى النظام التعليمى، والتنفبذ، من حيث تطبيق وبناء المهارات من خلال العمل، والتنمية، وهى الاستثمار فى النظام التعليمى للأجيال القادمة واستمرار رفع مهارات القوى العاملة الحالية وإعادة تأهيلها، والدراية الفنية، التى تعتمد على مدى اتساع وعمق المهارات المتخصصة فى العمل. ويقاس أداء البلدان أيضا عبر خمس فئات عمرية أو أجيال مختلفة.
ولقد نجحت مصر في خفض دعم الطاقة لجعل الاستثمارات في رأس المال البشرى بشكل أشمل، وساعدها البنك الدولي في استقطاب الاستثمارات الاجنبية من القطاع الخاص في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، مما أدى إلى زيادة المساحة المالية للحكومة المصرية بنحو 14 مليار دولار سنويا، ووصول التغذية المدرسية إلى نحو 12 مليون طفل، وقامت مصر بالتحول الشامل في تطوير الصحة والتعليم وتأسيس شبكات متكامل للصرف الصحي.

وبمتابعة مؤشرات الإستثمار فى رأس المال البشرى فى مصر تبين زيادة فى كل من معدلات الإلتحاق بالتعليم الرسمى بمراحله المختلفه والتعليم الفنى والتدريب ومتوسط العمر المتوقع عند الميلاد وطلبات تسجيل براءات الإختراع للمقيمين ونصيب العامل من القيمة المضافة فى قطاع الصناعات التحويلية والإنفاق العام على التعليم والرعاية الصحية والبحث والتطوير، مع انخفاض معدلاات الوفيات ويعزز ذلك تقرير التنافسية العالمية 2017/2018 والذى افصح عن تحسن فى ترتيب مص ليحتل المركز 100 من بين 137 دوله ويرجع ذلك لإهتمام مصر بالتقدم التقنى والإبتكار والاعتماد على رأس المال البشرى فى اكتساب القدرة التنافسية واستدامتها.
وختاما يمكن القول ان البشر هم القوة الدافعة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، لذلك يعتبر الاستثمار في بشر يتمتعون بوافر الصحة والتعليم قادرين على مواجهة التحديات والأزمات عنصراً أساسياً للتنافس بفاعلية في الاقتصاد العالمي. ومن ثم فان الثروة الحقيقية تكمن فى الإنسان و ليس هناك ثروة إلا الإنسان، وأن الإستثمار فى رأس المال البشرى أصبح ضرورة قصوى لإنجاز أى تجربة تنموية، لذلك أصبح من الضروري الاهتمام برأس المال البشري وصيانته عن طريق التعليم والتدريب والصحة والعناية به من أجل تنمية الأفراد والمجتمع ودفع الوطن نحو التقدم والازدهار.

#أحمد_حسن_عمر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات