أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - ورقة من هواجس جمانة الانطاكية















المزيد.....

ورقة من هواجس جمانة الانطاكية


منال الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 05:52
المحور: الادب والفن
    


( لا أكتب قصصاً . بل أنفخ موسيقى وحشيتي في جسد الكلمات )

الأشباح الذكية هي التي تغازل الأفواه المقفلة . كان همه الوحيد في الليل أن يذكّر الجثة الراقدة جواره بفتح فمه وهو نائم ، إذ كان الجميع يتكلمون في رأسه ، يصغي لساعات وهو جالس يدخل أعواد ثقاب في أذنيه . منذ أسبوع ، انطفأت الأصوات في حجرته المرتكزة عند الجانب الأيسر من الرأس الكبير . وكانت المسؤوليات الأيديولوجية إزاء أعضائه تحتم عليه إزاحة الكائنات الصغيرة من تحت شعيرات جسده وقيادة الأفكار سريعة الجري في مرثون خاص لاختيار أفضلها .. دائماً كانت تلك المحظوظة في النهاية ، لم يكن في وسعه عمل شئ أمام خربشات القطط المجندة .
فالصغار ذوو المسؤوليات الكبيرة دائماً مقاعدهم في الصف الأخير حيث يجلسون ويقرضون أظافرهم . وكان هو السائق . تغير طعم الليل في فمه كفقاعة ضاعت في سلسلة مواقف غير مشرفة .. ولكن ما الذي يجري خلف الستائر الراقصة تلك ؟ حتى بعد أن حظي بمنصب مرموق في فندق المدينة الوحيد ، لم يتخلَ عن عادته القديمة في مراقبة النافذة ، المواجهة لنافذة حجرته .. حيث تجلس (جمانة) مثل قطة برية برغم تأكيدات الجميع على انحدارها من نسب أصيل . وربما كانت برية .. تنتظر بين لحظة وأخرى دخول الخادمة المطيعة بكوب الحليب الممزوج بالشوكولا . وكثيراً ما تمنى أن تتحول الأرجل الأربع البيض هذه إلى ساقي إمراة يانعتين يتدفقان من الفراء الأبيض الملفوف حول نحرها ، ولا باس أن تتوزع حول أنفها الصغير بضعة تجاعيد كي يستمع هو بكيها .
وكثيراً ما كان يحسدها على وحدتها . صارت عجوزاً يتعكز غرورها على بعض شعيرات متبقية في جسدٍ يذوي . لا أستطيع التحول إلى صورة أخرى أو إلى لقطة أخرى . أعتقد أنها النهاية .
- سيدي هل طلبتني ؟
- نعم أجلس .
- ولكن .
- أجلس أرجوك، فأنا بحاجة إلى أناس يجلسون . لقد سأمت من النظر إلى أعلى .
- عذراً ، لم أقصد الإساءة .
- أنت معي منذ سبعة عشرة عاماً ، وتعلم جيداً إنني لم أكن هكذا من قبل لولا الظروف شاءت أن أتوارى خلف هذه النافذة . لكن لغزاً ما يحيرني دائماً . وأنا أرجو أن أجد الجواب عندك بحكم سنك ووقارك .
- مرني سيدي !
- ماذا تعرف عن ذلك المنزل وقاطنيه ؟
- أتقصد أصحاب جمانة ؟
- بالضبط
- لم أر منهم غير الخادمة التي حضرت ذات مرة إلى هنا وطلبت علبة حليب .
أراهن إنها كانت على علم بأن ابنك الصغير يجلب إلى المنزل حصته من التغذية المدرسية .
- ولم تذكر لمن تلك العلبة .
- بلى .. ذكرت أن جمانة تتضور جوعاً .. وأن أهل المنزل جميعاً مسافرون ولم يتركوا لها ما تتغذى عليه .. فأعطيتها لها .
- حسناً فعلت .. لقد شحنتني بحزمة أفكار .

منذ الأزل ، لم يفهم السر في وجود نافذة جمانة قبالته ،سواء أكان في المكتب أم في غرفته .. حالة غريبة .. ربما كان الخطأ جغرافياً – خللاً في دوران الأرض مثلاً .. وكانت غرفتها الأرض نفسها . وكان كلما شعر بالجوع ، تلمس ثقب إذنه اليمنى .. وتمنى لو احتفظ بقرطه الذهبي .. ولكن .. حتى إنه كان يتقزز من أي امرأة بأقراط . إنه لا يشعر بالانتماء .. هل للمرأة ثقوب كثيرة .. يذكر حتى تلك اللحظة .. لكنه هرب من المنزل إذ شتمته أمه وصارت نقص حكاية ولادته جهراً .. وظلت فكرة إنه كان أنثى في الولادة وأن أمه أمضت ليلة بأكملها ساهرة تدعو الله .. وبرزت له في الصباح أشياء .. حتى أثناء دراسته الجامعية كان يتفقد أشياءه من حين إلى آخر ، أشياءه البارزة ، كي يتصرف في ضوء ملمسه . وحين توفيت أمه بكى كثيراً .. كثيراً إذ نسى أن يسألها ماذا أسموه في يومه الأول .. جهل كثيراً أمر الأطفال .. وكان كلما عاد من العمل . في يوم من أيام سنة ما ، وجد زوجته تضع كائناً ، بأذرع وأرجل ، على ركبته .. لم يشعر بشيء على الإطلاق . لايهم . ومن ذا الذي يفهم هذه الأيام كي يشعر .
الكبرياء التي ظلت تنشئه طبقة طبقة ، ويوماً إثر يوم .. ممضياً أيامه كلها في حساب المتبقي من شعر يديه وساقيه بعد تنظيفها .. إني أسقط ، حيث أنا ، عذراً حيث أنت أو أنتِ ، لايهم ، من ذا الذي يحس ..سألته بضيق ، أيحق لي أيجاد مدفن لي غير الأرض ؟ لم يفهم . توقف الإرسال وشاخت المذيعة بعد عرض برنامجها ( صيرورة الكون ) .. فاستبدلوها بسحلية بقرون .. كانت أفضل .
ظلت الطريق .. اعتقدت لمدة إني أنا هو وحين تحسست أعضائي وجدته قبالتي .. ثمة خلل في التيار الكهربائي . صرخ صرخة مغرية : من هذا الغريب الذي تقمصني ، وبصق في الهواء فاتضحت ملامحها إنها مع اللعاب تتخلل .. والأصح تتكون ! أرجو أن لا يكون في المكان مزيد من الأطفال .
-لماذا تحرص دائماً على تحسس أسمائهم ؟
-لأنهم نسوا يوماً أن يفعلوا الشيء عينه معي ، فبقيت طائراً .
وعلى أثر ذلك صدر بيان مهم في المستشفيات والبيوت وعند كل ولادة حديثة ، يقضي بتجنيد أخصائيين وخبراء في تحسس الأعضاء . وحين عارضت المدينة ، هددها بسحب المسمار .. فأنتج أحدهم ( إمبراطورية الشمس ) على أثرها باع اليابانيون إناثهم للهواء .
- هل تعلم .. طلبوا مني دحض حقائق كثيرة فكرت بخلع أبي الهول من موضعه وجعله محض طفل يذوي وسط القرارات الأيديولوجية والقرارات الصادرة بحق مخلوقات ( ألا سكا ) .
- لكنه ثقيل للغاية ؟
- أعلم ذلك أني لم أجد طائراً مجنوناً على مر التاريخ ، وكذلك ،لأني حقيقة لا أسطورة !!
حاولت جاهداً أن أذيب الرجل الثلجي المركوز أمامي ، لكنه سال على قميصي دماً أبيض .
- وهل سألته عن صمت دمه ؟
- ومن يهتم .. كلنا نحمل هذا المرض !
- لكنك الزعيم .
- دائماً يعيرونني به – الآن دمه أبيض ، وأنا .. ! تركه وذهب إلى مكتبه في الفندق أو إلى حجرته في القصر .. لا يهم طالما أن نافذة جمانة كائنة دائماً حيث يكون هو ، أخرج من درج مكتبه لعبته المفضلة وفتح غطائها ، تراقصت أقوام غريبة الأطوار أمامه .
دائماً كان يبحث عن تاريخ هذه المخلوقات .معلومة صغيرة هي التي يعرفها عنهم ، لقد غيروا طريقتهم في التكاثر وأنهم يزدادون واحداً في كل سنة ، وهذا الواحد يشبه كل شئ .. فيزمجر ويصرخ !
- ولكنه ليس بحجمي .
لم يكن يحمل من قبل دقائق سوى هموم رجل عادي : توفر ليلة سعيدة لامرأة تتبطنها نيران نساء الدنيا جميعاً . نفذ ما طلب منه .. فصار يقتاد على ما تنتجه له أطرافه .. فكانت واحدة من المبادئ القسرية التي تعلمناها في مدارسنا من الكساد الاقتصادي . تك .. تك .. تك .. ساعة شعرية تحلق فيه ، وتكسب داخله ، من خلال حكمها وسيطرتها على الأقدار ، جل إهتمامها بالرجل الذي اعتاد رعاية مخلوقات تشبهه ، ولكنه يزمجر ويصرخ :
- إنهم ليسوا بحجمي !!!
وحين بسط سيطرته فوق بقاع الدنيا احتكر منابع الهرمونات جميعاً والفيتامينات واحتجز الأطباء جميعاً ليجرو أبحاثهم حول معالجة الأعضاء الظاهرة هناك جيوب كثيرة ،،جسدها الممشوق تنكث مخلوقات بحجمه ! إنهم بحجمي !! هذا الكلام حتماً له معنى ! لكل شئ هنا معنى ! ولكني أفهم معنى ( الفيونكات ) المتدلية من شفاه رجال بالغين .. عصر الجليد يعود من جديد ، غناء غراب ! دائماً ينصحونه بالإقلاع عن أكل الذرة المشوية ، إذ يخشون عليه من احتمالية وجود أفكار مفرقعة في صندوق موسى .
وظل يصرخ في المكتب أو في البيت .. لا فرق :- ومن ذا الذي يهتم ..
ما هذه الشائعات المغرضة . لم يطالب بدمي أحد إطلاقاً .. أنا حر ، لقد ولدت حراً !! تعالت قهقهات غريبة اهتزت تحتها الأرض ما يهمه أن لا يصاب بإمساك جديد .


يسمع كثيراً عن عظماء يموتون وهم متهالكون على ذراع امرأة .. ويجد على مكتبة الكثير من التظلمات والالتماسات بأجرات فورية .. ولم يفهم سر ذلك الإلحاح ولاسر وجودها في آن واحد .
- الكل ذاهب للموت فوق ذراع إحداهن ! منذ سنيه المبكرة ، كان مديره في المدرسة – هو نفسه عميد كليته – يبدي إعجابه به حتى الجنون .. يلاحقه مثل ظله ، وحين طلب منه العيش معه تحت سقف واحد ، لم يفهم وغادر مكتبه مذهولاً من نظرات الطلبة نحوه ، وبخاصة الفتيات .. عندها أقسم على أن يتزوج في الحال .
" لست إنساناً ، لست كلباً ولا أي حيوان آخر .. أنا الإله ، أنا الإله .."
أعجب كثيراً بالأصوات المنبعثة من رواية قديمة كان بتصفحها على أمل أن يعثر بين طياتها على شئ من النقود كان قد أخفاها لمصروفه الشخصي . لم يكن يخشى شيئاً غير تلك الأقوام الذين تركوا ديارهم .. وختموا بيوتهم بالشمع الأحمر ، وأشيع في البلد إنهم عادوا مرة ثانية وأخذوا يلتقطون صورهم قرب بيوتهم .. إنهم يقدسون الشمع الأحمر لأنه قادر على ختم الأسرار جميعاً ! وأثناء غيابهم لعب كثيراً أمام بيوتهم .. وتعلم أناشيدهم حتى ظنوه منهم ..
مما عقد عليه بعدها طلبات التقديم إلى وظائف شاغرة .
لولا إباحة قانون حريات الاقليات البشرية النادرة ، فرح كثيراً حين عثر على اسمه في القائمة ..وبرغم كل مشاغله تلك بقيت جمانة العجوز ، ملاذه الوحيد ، يراقبها يوماً تذوي ، هكذا هم دائماً ذوو المسؤوليات ، يمتلكون عيوناً ثاقبة ،وفي غرفته ، في مكتبه ، لا ضير ، من الذي يهتم .. دخلت عليه إمراة بنهد واحد ورمت في أحضانه رجلاً، لم يكن غريباً عليه فقد لازمه طول حياته .
- هذا الرجل يود الموت على ذراعك .
سمع صوت غناء أشبه بمواء ينبعث من فمه .. وحين استدار لم تكن هناك نافذة ، كانت هناك مرآة كبيرة والى جواره كرة أرضية صغيرة ، تدور .



#منال_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصاصة وقاصة على طبق انسحاب


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - ورقة من هواجس جمانة الانطاكية