|
التخلي عن القطاع العام تفريط بحقوق العمال و إضعاف للسيادة الوطنية
نضال العبود
الحوار المتمدن-العدد: 1512 - 2006 / 4 / 6 - 09:45
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
تدأب قوى العولمة الرأسمالية في الدول الكبرى إلى مسخ اقتصاديات العالم الثالث، و فرض شروط مجحفة بحق شعوبها تحت ذريعة إعادة الهيكلة لاقتصادياتها و الجدولة لديونها، للقبول بها في التجمعات الاقتصادية العالمية الكبرى عن طريق الوصفات الجاهزة التي يقدمها ثالوث العولمة (البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – منظمة التجارة العالمية)، دون الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الاقتصادية لهذه الدول، و لا المنحى التاريخي لتطور مجتمعاتها.
فالدعوة إلى " لبرلة " الاقتصاد الوطني في سوريا أصبحت واضحة و تزحف من قطاع إلى آخر، تحت مسميات "تحرير" هذه المؤسسة أو تلك، و تحرير هذا القطاع أو ذاك، و ترفع شعارات ملغومة مثل " الاندماج بالاقتصاد العالمي" الذي يعني فيما يعنيه أن نصبح جزءاً من منظومة الشركات العابرة للقارات الساعية إلى تحويل العالم كله إلى "جمهوريات موز" و اقتصاديات الدول النامية إلى مجموعة شركات ملحقة بالمراكز الاحتكارية الكبرى في العالم.
لقد بدأت تباشير التحول إلى اقتصاد السوق بالظهور و التي ستدفع ثمنها غالياً الطبقة العاملة في بلدنا. أبرز مثال على ذلك هو مشروع تعديل قانون العمل الذي يجري إعداده، و فيه إلغاء للمرسوم 149 لعام 1962 القاضي بمنع التسريح التعسفي الذي انتزعته الطبقة العاملة بنضالها أثناء حكم الانفصال، و هو يشابه النضال الذي يخوضه اليوم الطلاب الفرنسيين ضد قانون جديد و مماثل للعمل، يعطي أرباب العمل حق تسريح العمال (CPE) "عقد العمل الأول" ، تسريحاً تعسفياً خلال العامين الأوليين.
أكد العمال مؤخراً في مؤتمراتهم النقابية السنوية أن حماية القطاع العام و إصلاحه هي المهمة الأساسية لهم، و أن ذلك لا يتنافى مع الدور التشاركي للقطاع الخاص الوطني في عملية التنمية مع القطاع العام، كما أكدوا أن إصلاح القطاع العام و تلبية مطالب العمال هو واجب وطني تقتضيه طبيعة المرحلة السياسية الراهنة التي تتطلب تقوية البلاد في مواجهة أخطر مؤامرة استعمارية عليها، و إحباط المخططات الرامية إلى إلحاقها بالمشروع الأمريكي في المنطقة.
لا شك أن ضعف النضال النقابي العمالي و السيطرة عليه من قبل السلطة التنفيذية، قد أدى إلى تراكم القضايا المطلبية للعمال و تزايد همومهم و استفحال السلبيات في العملية الإنتاجية للمؤسسات و الشركات العامة، و تفاقم البيروقراطية في الإدارات و تنامي الفساد مما أدى إلى الخسائر الحالية التي نراها للشركات كمحصلة نهائية لإضعاف الدور الرقابي للطبقة العاملة و تنظيمها النقابي.
بدأت السلطة التنفيذية بتضخيم السلبيات الموجودة في القطاع العام، وإشاعة اليأس من إصلاحها لإخفاء الفساد القاتل الذي ينخر في صلبه، و الفشل الذريع في الإدارة، و إلقائها على عاتق العمال و تنظيمهم النقابي، من أجل الوصول إلى النتيجة التي وصلنا إليها مؤخراً، و هي إعلان عجز السلطة عن الإصلاح الإداري و الاقتصادي، و بالتالي طرح القطاع العام للتأجير أو الاستثمار أو البيع.
تم الحديث كثيراً عن أسباب فشل القطاع العام و مواطن ضعفه، فعملية إصلاحه تمر حتماً بإزالة مواطن الضعف هذه و معالجة أسباب الفشل، و بخاصة تجفيف منابع الفساد و محاسبة الإدارات الفاشلة وفق معايير واضحة، و نبذ أسلوب تعيين الإدارات على أساس الانتماء الحزبي أو الولاءات الشخصية و المحسوبيات. إن أسلوب الإدارة بالأوامر و التخطيط المركزي الموجه تشكل مقتلاً من مقاتله، فالإدارة الاقتصادية على أساس الحساب الاقتصادي أي حساب الربح و الخسارة، بعد أخذ الأبعاد الاجتماعية بالحسبان مسألة يجب النظر فيها بعمق و تبنيها ضمن السياسة الاقتصادية المقبلة للدولة.
إن التخلي عن القطاع العام و خصخصته يعني بكل وضوح إضعاف قدرة الدولة و التخلي عن دورها المركزي في عملية التنمية، و هو مفتاح العولمة الرأسمالية للتسلل إلى بلادنا و تقويض سيادتها و السيطرة على مقدراتها الاقتصادية مع ما يرافق ذلك من تهديد للهوية الوطنية و ازدياد مرعب في معدلات البطالة و الفقر بدون أن ننسى الأزمات التي يمكن أن تنسف من الجذور الأمن و السلم الاجتماعيين.
#نضال_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو السبيل للوصول إليها ؟
-
أنا و الآخر، صدام الحضارات ... الاستبداد و الشعوب العربية
-
الناس لا تأكل شعارات
-
لماذا فشل القطاع العام في سوريا؟
-
خصخصة القطاع العام في سوريا
-
منظمات المجتمع المدني و آفاق الإصلاح
-
حماس و روسيا
-
القوة العالمية الثالثة
-
البحث العلمي بين الشعار والتطبيق
-
هل المرأة حقاً هي شرف الرجل؟
-
حماس تلج المجتمع الدولي من البوابة الروسية
-
مديرية حقول الفساد
-
الشفافية في مواجهة الفساد
-
تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سو
...
-
إصلاح العلاقة بين الدولة و المجتمع
المزيد.....
-
بشكل رسمي.. موعد الزيادة في رواتب المتقاعدين بالجزائر لهذا ا
...
-
شوف مرتبك كام.. ما هو مقدار رواتب الحد الأدنى للأجور بالقطاع
...
-
احتجاجا على الخريطة .. انسحاب منتخب الجزائر لكرة اليد من موا
...
-
“18 مليون دينار سلفة فورية” مصرف الرافدين يُعلن عن خبر هام ل
...
-
في مؤتمر الجامعة التونسية للنزل :
-
في الهيئة الادارية بمنوبة : قلق من الوضع العام وتداول للوضع
...
-
“هيص يا عم 4 أيام اجازة ورا بعض!!”.. موعد اجازة عيد العمال 2
...
-
“رسمياً” سلم رواتب المتقاعدين في العراق 2024 بعد الزيادة الج
...
-
موعد صرف زيادات المتقاعدين 2024 بالجزائر وما هي نسبة الزيادة
...
-
NO MORE RANA PLAZAS – NO MORE BLOOD FOR PROFIT
المزيد.....
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
-
نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين
/ عذري مازغ
-
نهاية الطبقة العاملة؟
/ دلير زنكنة
-
الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج
...
/ جورج مافريكوس
المزيد.....
|