أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - شونة زنبقة البزل - من ذاكرة الأنهار














المزيد.....

شونة زنبقة البزل - من ذاكرة الأنهار


فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)


الحوار المتمدن-العدد: 6020 - 2018 / 10 / 11 - 22:55
المحور: سيرة ذاتية
    


لا اذكر على وجه التحديد متى بلغت علاقتي بالزنبق نضجها لكني اذكر كيف بدئت حتما ، وكيف صار لوردة بيضاء تستقر في قلب البزل ، ذلك النهر الذي يقال ان والدي شقه للبساتين كي ترمي عبره الماء الزائد عن حاجتها ، فيمضي الماء إلى النهر جارا معه ملوحة الارض، البزل كان هذا اسمه، ولكي تكتمل قصة البزل يجب ان أحدثك اولا متى تعرفت الى هذا النهر الذي ولدت في حجرة طينية على مقربة منه، كان ذاك في يوم تشريني جميل بحسب رواية أمي
كنت يوما طفلة حين نزلت اليه بغية قطف زنبقة بيضاء ، قرأت عن جنيات يسكن قاع النهر ، وكنت اسمي وانا اهبط واترصد كل ما يأتي به النهر من حركة تنذر بقيام جنية من نومها، كان يغريني منظر الطحالب الخضراء التي تسبح مع حركة الماء ، الشنبلان ، هكذا كنّا نسميها ، كنت اخشى ان تغطس قدمي في مكان لا أراها فيه، لا اعرف كيف ومتى تعلمت ان لا أضع قدمي في مكان لا اراه، كنت طفلة صغيرة مسكونة بالحذر ، النهر الذي تقول أمي بأنها رمت بسري اليه، فاكتسبت صفاته، ا أخافه جدا ، صورة الطفلة في قلب صندوق من الفلين وهي تبكي وتصرخ لا تفارق راسي، ورعبها من الماء المحيط بها مازال يسكنني ، لا اذكر كم كان عمري حينها ، ولكن كيف لذاكرة ان تحفظ هذا الغور العميق فتتذكر ان لوحة الفلين تلك كانت لتحمل طفلة دون الثالثة في اكثر تقدير
مثل أخطبوط يمد أذرعه الكثيرة ليطبق على صيده بحنكة خبير بالموت المدهش ، وبحكمة عنكبوت ينسج خيوطه الواهنة فيوقع فراشة قادها الفضول لشبكته التي ظنت ان أجنحتها فيها من القوة لتعبث بلزوجة جوعه ، أخيط أيامي بتلك الخبرة التي اورثتنياها الايام التي لم أعد اعرف عددا لها
الترقب يقتل الطموح كما تقول صديقتي
التي طالما كانت تدفعني لخوض المجهول بدون حسابات
وكنت أظنني عاقلة بما يكفي لان اعرف أين أدس خردة الأحلام الباقية في جيب قميص الامس ، لم أكن اخشى السنين قطعا لم يخفني يوما تبدل ابتسامتي ولا تهدل شفتي بهذا الشكل ، كنت أراني الطفلة التي تعبث بكل شي لكنها لا تقرب شبكة العنكبوت بل وتنش عنها الفراشات وتعلم الطريق اليها بعظمتين وجمجمة ، وتزرع درب النهر بقطع الحجر الجارحة وبالزجاج كي تنش الأولاد عن حتفهم ، فللنهر أخطبوط يسرق كل يوم منهم واحدا ولا يشبع
كنت حذرة بما يكفي لان أعيش حتى الان
غير اني نسيت هاجسي ذاك وكل الآشياء التي كنت احب ان تحيا معي
وبقيت على حذّر ولكن ممن ؟ لست اعرف
فلا نهر هنا ولا بستان تموت فراشاته ان قصدت وردة نائية
نسيت ان أحدثك عن علاقتي بالزنبق
الزنبقة وردة النهر البيضاء التي تتوهج في الليالي المقمرة ، كانت تسبح على صفحة نهر البزل وهو النهر القريب الذي أخبرتك انه كان يشق بستان ابي، اذكر اول تعرفي الى الزنبق كان في ذاك النهر الذي تمنعني امي ان أسبح فيه لانه يورثني الشرع وهو الاسم الذي يخص الطفح الجلدي الذي يصيبني بعد كل مرة أنزل فيها اليه لأسرق زنبقة
البزل يذكرني بام علي المرأة العقيم زوجة صاحب اجمل بستان
ام علي التي ورثت كنيتها عن اسم زوجها حسين العليوي والذي لم يكن له من زوجة غيرها ، أم علي التي كانت لها ضفائر طويلة تتجاوز حدود شيلتها، فلا تهتم بتغطيتهن، وخال على خدها، هكذا كنت اذكرها ، كانت تدخن بشراهة سجائر اللف و تغفو الى جانب البزل وهي ترعى الغنم ، لا اذكر اني رايتها غير مرة واحدة في طفولتي قبل ان تموت
اذكر صوتها الابح ، واذكر رعبي منها وهي تتوعدني بالخطف ، تحببا وكنت ارى ذلك ارهابا لي، حتى استحالت في راسي أيقونة للشر ، تلك السيدة التي كانت تربي كلابا كثيرة ، كنت اتخليها تطعمهم الأطفال الذين تخطفهم، أم علي كان بستانها يختلف عن كل بساتين المعموره ، كان كثيف النخل والشجر المثمر، وفِي ارضه تزرع انواع الخضر ، في حين تبدو بساتيننا حوله جرداء وبور، لم ينج بستانها من غاراتنا نحن الصبية الجائعين ، وكانت ارض أم علي وقفا لشهيتنا فنغير عليها أوقات الظهيرة ، وقت قيلولتها، لنقطف القليل ونتلف الكثير فتهاجمنا كلابها الشرسة، التي كانت تحرس بستانها من الطفيليين امثالنا،
شونة هذا هو اسمها ، توفيت في زمن مبكّر من طفولتي، اذكر هذا جيدا على الرغم من أني كما قلت لم ارها الا مرة واحدة عن قرب، كان وجهها نظيفا جدا وابْيِضَا، عكس لون نساء القرية، يقال ان زوجها أتى بها صغيرة جدا من المدينة، ويقال انها كانت تلد أطفالا ميتين، فصنعت عرائس لها واختارت لهن اسماء، ويقال أيضا ان كلابها هم في الحقيقة اولادها.

واذكر ايضا ان زوجها عاش طويلا بعد وفاتها ولم يتزوج ، وحين بلغ من العمر عتيا ، استغل ضعفه أقارب له وجيران، صادروا منه كل ذاكرته ومقتنياته، وحين توفي وضع أقاربه يدهم على بساتنه الذي كان الأحب الى قلبي وصار عبارة عن ارض مهجورة
وأنهم هدموا داره ايضا
ولم يعد احد يذكر شونه الملقبة بام علي، المرأة التي تدخن بشراهة وهي ترعى الغنم الى جوار نهر البزل الذي اندثر هو الاخر
لكنه ظل حاضرا بزنبقه في ذاكرتي وحاضرة معه شونه
ونعاجها ودخانها وصوتها الابح



#فلسطين_اسماعيل_رحيم (هاشتاغ)       Falasteen_Rahem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من صدى الأغاني
- أبواي - من سيرة الغياب
- عرب الصغيرة وأم سالم- من حكايات الحي القديم
- مومس - من حكايات الحي القديم
- عرس - من حكايات الحي القديم
- معسكر التدريب - من حكايات الحي القديم
- الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم
- كابينة الهاتف - من حكايات الحي القديم
- الجيران - من حكايات الحي القديم
- من حكايات الحي القديم


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - شونة زنبقة البزل - من ذاكرة الأنهار