أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - عرب الصغيرة وأم سالم- من حكايات الحي القديم















المزيد.....

عرب الصغيرة وأم سالم- من حكايات الحي القديم


فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)


الحوار المتمدن-العدد: 5978 - 2018 / 8 / 29 - 20:44
المحور: سيرة ذاتية
    


في الثلث الأخير من عام اثنين وثمانين ولدت اختي الصغرى، اذكر انها كانت السابعة صباحا ، كنّا نحن الصغار نقف عند مدخل البيت، اذا كانوا يطردوننا خارجا في مثل هذه الاحداث، في الحقيقة لم اشهد حدثا مشابها ، غير أني اذكر ربما ولد اثنين من اولاد عمي في بيتنا أيضا، وكان عمرهما مقاربا لعمر شقيقتي.
اختي التي ولدت تحمل اثرا لداء جلديا شفيت منه فيما بعد ، كانت كثيرة البكاء بسببه، لم تحظ بالكثير من العناية كونها كانت الفتاة الخامسة في عائلة حديثة العهد جدا بالمدنية، ولَم يكن السبب كوّن الاسرة تمنتها ذكرا ،رغم اني اذكر اني قد زعمت للصغار المتجمهرين في باب بيتنا ، بأني رأيت المولود وكان ذكرا ، ربما كنت تمنيته كذلك وقتها ، ليصير عدد الاولاد موازيا لعد البنات ، وتكون قسمة عادلة ، ورغم ان امي رزقت فيما بعد بالولد الرابع ، لكننا كأناث كنّا الأغلبية في البيت ، وهكذا كان لنا الفصل في كل شي ، من باب حكم الأغلبية وحقوق الأقليات والتي عرفتها في بيتنا اولا ، ولدت اختي وقت الحرب التي اتخذت منحا طويل الامد ، وكانت الاسرة تعيش فقدان عّم وخال في حرب تبدلت ارقام سنواتها ولَم تنطفإ حتى الان.
لولادة شقيقتي اثرا في أولى معرفتي بالاسعافات الأولية وبأهمية طب الأعشاب، اذ كانت أمي تتبع معها علاجا ببعض أوراق النباتات، وتوكل مهمة جلب تلك الأوراق إلينا ،أنا وشقيقي عمار اذ كنّا نتحين غفلة حارس المتنزه القريب ، الذي عرفت فيه الفرق بين شجرة الدفلى والخروع وعرفت اسماء الورود ونباتات الظل، كان في حينا الاول بالمدينة متنزهين ا، وكنا بتوصية من حكيمة الحي التي نصحت امي باستخدام أوراق الخروع لمعالجة داء جلدي اصاب شقيقتي الوليدة ، كنّا نتبادل الإغارة على المتنزهين لنسرق من أوراق الخروع ومن بذوره مؤنة تكفي أمي ليومين أو ثلاثة، ونعود نغير عليه كلما نفذت الأوراق، لا اذكر كيف تستخدمها أمي ، لكني أظن انها أتت فعلها في إلقضاء على ندبتين بارزتين ولدت بهما اختي، بعد ذلك توسعت أمي الى استخدام ورق اليقطين ، ولَم أكن أحب رائحته ، لكني تعلمت ان أعالج نفسي به فيما بعد من اثر الطفح أو اَي شيء مشابه ، اختي الصغيرة عانت في طفولتها أمراضا جلدية تناقصت مع سنوات عمرها حتى اختفت تماما حين اشتد عودها قليلا، اذكر اننا لم نمكث طويلا في ذلك المنزل بعد ولادتها ، فكبرت اختي في الحي السكني الجديد،اخر عهدها بذلك البيت الذي ولدت فيه هو سقطة من اعلى السلم حيث كنت أمارس أمومتي عليها ، فانزلقت من بين يدي لتهوي الى ارض الدار ، اذكر كيف سارعت اليها وانا أضع أذني على صدرها لأتأكد من انها ما زالت حية ، كانت لم تتجاوز الشهرين ، وربما كان ذلك عمرها حين غادرنا بيتنا الثاني الى البيت الجديد، الذي مكثنا به سبع سنوات
اختي التي اشتد عودها في الحي الجديد ، كانت بطباع شقية يتيح لها وزنها وعودها النحيل جدا ان تطير كالنحلة بين بيوت الجيران، تكلمت في طفولتها باكرا ، حتى انها حفظت بعض الجمل الكورية والفلبينية من الجيران، عرب التي قطعت طريقا طويلا ذات يرم وهي لم تُزل في الثالثة من عمرها أو اكثر قليلا فهاجمتها كلبة سوداء كانت تحمي صغارها ، وكنا انا وعمار قد شاهدنا الحدث من شجرة عالية كنّا نتسلقها ، كانت الكلبة تهاجم شقيقتي التي بدت مثل فرخ حجل تدور حولها وفِي لحظة مدت يدها لتدخل أصابعها في عيني الكلبة ، ولما كنّا نستعجل الهبوط لنجدة الصغيرة كانت الكلبة قد وبت هاربة ، فيما كانت اختي تنتحب وهي تقول ، جئت لأخبركم ان شقيقنا الأكبر وكان جنديا ايّام الحرب الإيرانية ، جئت اخبركم انه عاد سالما ، في الحقيقة ان الخبر كان يستحق كل هذه المجازفة من طفلة لم تقطع بعد سنواتها الاربع آنذاك .
عرب الصغيرة التي يحبها كل جيرانتا ، خلفتها وسلاطة لسانها بالنسبة لعمرها كانت تزيد من عدد معجبيها في الحي ، الا سيدة واحدة ، فشقيقتي كانت تكن عداءا أزليا لجارتنا الطيبة العجوز أم سالم ، أم سالم التي كانت كأي امرأة مسنة لديها ولد وحيد كان عسكريا ، لم نكن نراه الا مرات قليلة كان متزوجا من سليمة ، وقلما تجد زوجين متوافقين في الأسماء هكذا ، سليمة كانت قليلة االكلام مثل زوجها ، لم تفلح في إقامة صداقات مع الحي الذي ظلت غريبة عنه ، والذي اذكر انها اختارت ان ترحل عنه طواعية فيما بعد ، سليمة التي لم تكن تتواجد مع ام سالم الا حين يكون في البيت ، الامر الذي كان يضايق أمه الوحيدة التي تقضي اغلب الوقت تتحدث الى نفسها ، حتى اذا ما عاد ولدها في إجازته التي لا تتعدى السبعة ايّام ، قطعت زوجته هجرانها وعادت اليه ، لتظل العجوز وحيدة في حضوره وغيابه
ام سالم المريضة بالسكر والتي كنت اتعجب كيف يمكن لها تشرب الشاي مرا حنظلا على حد تعبير ابي، حتى صرت الان أشربها مثلها مرا حنظلا، كانت لا تحظى بسلام ومحبة من جهة اختي الصغيرة عرب ،ولأكون اكثر انصافا ولا حتى منا نحن الصغار آنذاك ، كانت أم سالم قد فرشت بسطية لها في باب دارها عملا بنصيحة نساء الحي ، كي تقضي وقتها ، وتوفر بعض المستلزمات التي تحتاجها النساء دون الحاجة الى الانتظار للذهاب الى السوق الذي لم يكن قريبا جدا ، خاصة بعد ان أقفل الأخوين الطيبين ضياء وصفاء دكانهما وقيل يومها إنهما سافرا الى امريكا ، غير أني قابلت صفاء هنا في بروكسل حيث كانت ابنته طالبة عندي ، كان ذلك بعد ثلاثين عاما وأكثر ، دكان أم سالم البسيط الصغير كان هدف وطمع مجموعتنا الصغيرة ، وسرقة أم سالم لم تكن محرمة في شرعنا نحن الصغار الذي كنّا نحتمل منها الشتائم والوشاية بجميع ما نعمله الى اهلنا ، كما انها مثل كل العجائز كانت تنافسنا على الخردة التي نعثر عليها ونجمعها لنلعب بها عند الظهيرة على سطح الدار ، كانت ام سالم مولعة بالسطو على مدخراتنا من الخردة ، وحتى انها لا تكف عن مراقبتنا وكنا نعاقبها بطريقتنا ، لكن لم يصل الى الامر فعلا الى سرقتها بالمفهوم وعلى النحو الذي كانت تقوم به الصغيرة عرب ، فقد كانت اصغر من ان تتورط بمشاكل مجموعتنا التي كانت تتخطى سنواتها التسع آنذاك ، عرب ابنة العامين أو ربما الثلاثة ، كانت تحب العجائز جدا ، تقلدهن في كل شيء ، كانت ترتدي عباءة امي في صغرها وتشيح بوجهها الى الحائط وتسرد حديثاً متخيلا طويلا بينها وبين جارتنا العجوز عجيبة والتي يناديها الجميع بام سمير ، وكان سمير في الحقيقة ابن شقيقتها الذي تولت رعايته وتدليله، بل وأنها واقصد شقيقتي كانت تتمتع بحفظ جميع الأحاديث التي تدور بين نساء الحي ، الا حديث أم سالم ، كانت عرب الخفيفة الوزن والصغيرة الحجم تتسلل عبر السياج الذي كان عبارة عن سلك متشابك اخضر اللون خاطت عليه أم سالم من جهتها قماشا سميكا لتمنع تلصصنا على حديقتها ، وربما كنوع من الخصوصية التي شملت فيما بعد كل بيوت الحي ، كانت عرب تتسلل بخفتها عبر ذلك الشبك السلكي ، وتمد يدها الى بسطة ام سالم التي غالبا ما تكون تجلس مواجهة الشارع فيما جعلت كامل بضاعتها خلفها، وكانت العجوز لا تجد تفسيرا لبضاعتنا التي تتناقص، والتي لا تسدد رأس مالها ، عرب التي كانت تسرق منها حلوى الأطفال والملبس وكل ما يمكنه ان يكون محط اهتمام طفلة ، تم كشفها حين عثرت امي على مخبئ لها كانت تستخدمه كوكر ، تجمع فيه غنيمتها وتدخر فيه ليوم ذي مسغبة تعجز فيه عن الى بسطة ام سالم ، امي التي أبلغت ام سالم لتاخذ احتياطها مما يدبر لها الصغار لم تكن تدري ان الصغار حين يتأمرون فأن الكبار لا حيلة لهم ، فرغم ان جارتنا العجوز وضعت خطة استراتيجية جديدة لطريقة تسويق الملبس والخميرة والإبر والخيوط وربما تجاوزتها الى علكة البستج والحناء وبعض التوابل صارت تخبيء كل شي في بيتها وعلى المشتري ان يعرف طلبه سلفا وان ينتظر خارجا ريثما تحضر له طلبه من داخل البيت، كل هذه الاحترازات لم تمنع اخي الصغير عهد ، اخر العنقود من ان يتسلل الى بيت ام سالم ، ليباغته النعاس هناك تحت سرير أم سالم حيث كانت تخبيء بضاعة دكانها ، الذي كانت تقفله ايّام تواجد ابنها في إجازته ، والذي تصادف وجوده ذاك النهار ليسمع بكاء طفل عنده في الدار ، ولَم يكن سالم قد تعرف الى جيرانه بعد، وهو الذي لا يأتي الا زيارات قصيرة جدا كلما سمحت له الحرب بذلك، فما كان منه لما سمع بكاء أخي الصغير عنده في الدار الا ان خرج مذعورا ، يسال أمه عمن يكون الطفل المختطف والذي تحتجزه عندها في الدار ، لتكتشف ام سالم سارقا جديدا ، وتقرر ان يكون الحاجز بين بيتينا حديديا وعاليا ،
لم ينته شغب الصغار مع ام سالم ، ظلوا يضايقونها احيانا ولكن لسبب غير معروف، صاروا يحترمون حزنها ووحدتها ، على الرغم من انهم لم يحبوا ضيوفها وأقاربها الذين يجيئون لزيارتها على مرات متباعدة جدا ، لكنهم فيما بعد منحوها سلاما لم تكن تنتظره
وصارت لها خصوصية ، تلك السيدة التي لا تملك في العالم غير وحيدها سالم ، والذي كان عقيما ، ماجعل زوجته تهجره ومن ثم تتطلق، لتعيش ام سالم حرمانا وقلقا مضاعفا على ابنها العسكري، وربما كان الرب رحيما بها حين توفاها على حياته،
عرب التي زاد طولها قليلا ولَم يزد وزنها ، كانت خفيفة كالريشة وهي تركض امامي على طريق السايلو ، والسايلو هو مركز استلام الحبوب في الكوفة والذي كان على طريق مدرستك آور التي قيدت شقيقتي فيها ، فيما تركت المدرسة أنا ، لأبتعد عنها أمتارا قليلة الى متوسطة حمورابي المختلطة ، وأصير أختا كبرى لشقيقتاي اللتان كن مازلن يدرسن في الابتدائية ، واذكر اني مارست وصايتي كأخت كبرى وكنت سعيدة عند زيارتي في اجتماع مجلس الأمهات للسؤال عن شقيقتي الصغيرة التي اذكر انها كانت ذكية جدا ، وكنت أتحمل مزاح ثقيلا من معلماتي السابقات وهن يرني اكبر شيئا فشيئا، شقيقتي التي التقيتها بعد أربعة عشر عاما من الغياب ، كانت قد كبرت ، نعم كبرت كثيرا ، الى الحد الذي لم تعد تثرثر فيه كسابق عهدها .



#فلسطين_اسماعيل_رحيم (هاشتاغ)       Falasteen_Rahem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مومس - من حكايات الحي القديم
- عرس - من حكايات الحي القديم
- معسكر التدريب - من حكايات الحي القديم
- الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم
- كابينة الهاتف - من حكايات الحي القديم
- الجيران - من حكايات الحي القديم
- من حكايات الحي القديم


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - عرب الصغيرة وأم سالم- من حكايات الحي القديم