أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نجوى ابوخاطر - رسالة إلى ذاتي من بعد آخر














المزيد.....

رسالة إلى ذاتي من بعد آخر


نجوى ابوخاطر

الحوار المتمدن-العدد: 6009 - 2018 / 9 / 30 - 23:54
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليلة جديدة في الغربة، تشبه كثيراً ليالي الوطن في دفئها وسحرها، في وحشتها ووحدتها، في ذلك الألم اللذيذ الذي يشعرني بالحياة.
أجلس وحيدة خالية البال في غرفتي الصغيرة في أحد مراكز اللجوء القاتمة في أوروبا، لا يجول في ذهني سوى كلمات محمود درويش السماوية وموسيقى مارسيل خليفة الناعمة. ما أجملها من ليلة برفقة هؤلاء ومن معهم من الشهداء.
تعود بي كلمات درويش إلى ذلك الزمن الماضي من طفولتي التي انتعشت على نغم المقاومة وارتشفت من رونق الشهادة. ذلك الزمن الذي كان الآباء والأجداد يعلموننا فيه معنى أن تكون شهيداً، يزرعون فينا تلك الرغبة الجامحة للحب والتضحية سنبلةً سنبلة.
أذكر قناعتي المطلقة آنذاك بمقولة " يولد الفلسطينيون شهداء"، قناعة ترسخت فيما بعد بما ارتواه عقلي الغض من شعر وأدب المقاومة، إلى أن بدأت أكبر وأسمع مقولات أخرى تصف الفلسطيني وتنسب إليه الكثير من الأدوار: المقاوم، الثائر، المدافع عن شرف الأمة....
كثير من الصفات، كثير من الأدوار، قليل من الاختيار.
يولد الفلسطيني أمام القليل من الخيارات، أو انعدامها بالجملة، يولد محملاً بالمسؤولية، مثقلاً بالواجب. مسؤولية الدفاع عن آخر معاقل الأمة، واجب التضحية في سبيل حماية مقدساتها وشرفها. واجب نحمله بكل حب وعزم، ولكنه في نهاية المطاف يظل واجباً لا نقوى على رفض حمله.
أجد نفسي أحياناً كثيرة معترضة على كل هذه الأوصاف والأدوار، أجد نفسي ميالة أكثر للإيمان بأن الفلسطيني يولد عاشقاً وشاعراً وحراً. حر الروح، حر الفكر، وإن كان مقيد الإرادة.
أجد الفلسطيني يولد عاشقاً حراً ثم يجبره المكان والتاريخ على أن يتحول إلى مقاوم شرس لينتهي به المطاف شهيداً.
المثير للسخرية في كل هذه الأدوار التي نلعبها هو عدم اختيارنا لها، يتم دفعنا من رحم الحياة نحو هذه الأرض المثقلة، نفتح عيوننا على واقع مقيد، مجرد من الفرص، منفصل عن العالم، مفكك من الداخل، نجد أنفسنا في سجن كبير خالٍ من الهواء، ورغم ذلك نقضي عمرنا في المحاولة المرة تلو الأخرى لصناعة واقع أجمل ولو كان خيالياً، من القليل الذي نملك.
يبدو منطقياً بالنسبة لي أن أشعر بالحنين أثناء الاستماع إلى أنغام مارسيل، لطالما كان الرجل مرتبطاً روحاً وفناً بفلسطين وألمها وأدبها، ولكنني أجد صعوبة في فهم هذا الشعور حينما يأتي خلسة في ظروف وأجواء ليست مرتبطة مع الوطن، كأن أكون جالسة على ضفة النهر في هذه المدينة الأوروبية التقليدية الغريبة، استمع إلى موسيقى الجاز القادمة من مقهى قريب، أراقب شعاع الشمس وهو يتحرك بين تلك الأغصان النائمة، أتابع الوجوه الشقراء تعبرني بنظرة خاطفة خالية من الاكتراث، كل منغمس في ذاته، ليس في هذه المدينة ما من المحتمل أن يذكرني بالوطن، إلا أن المنطق ينأى جانباً فأجد كل تفصيل يأخذني إلى هناك.
إلى تلك المساءات التي كنت أجلس فيها رفقة أمي وأخوتي تحت شجرة الزيتون نحكي القصص والنكات، نضحك عالياً كالأحرار، نرتشف الشاي على أنغام أم كلثوم.
إلى تلك الأيام المليئة بالمغامرة رفقة أخي الصغير، حيث نقرر الانطلاق إلى الجبال المحفوفة بالمخاطر، المحاطة بالمستوطنات، المسيجة بنقاط التفتيش والأبراج العسكرية، حاملين أرواحنا ملأ الأكف، في عيوننا هدف واحد، البحث عن ذلك الرابط السحري، الحبل السري، الذي سيغذي ارتباطنا بهذه الأرض.
إلى تلك الليالي الشتوية التي كانت تجمعنا حول موقد النار نروي الحكايا بهمس حتى لا نزعج برودة الليل، نحلق بعيوننا نحو النجوم، نحلم بالطيران خارج أسوار هذا السجن الكبير.
عندما أعود إلى تلك اللحظات أجد نفسي تائهة في البحث عن إجابات، كيف لنا، كيف لي، على الرغم من كل هذا الحب، على الرغم من كل تلك اللحظات الثمينة المشتركة مع الأرض وهوائها وبحرها وسمائها، كيف لي أن أقرر التخلي عنها؟
عندما تراودني هذه الأفكار أجد سلوى واحدة تخفف عني قسوة الواقع، أن انسحابي وفراري وخروجي من فلسطين لا يعني انقطاع العلاقة، لا يعني التخلي، لأن فلسطين تعيش بداخلي وليس العكس، فأينما ذهبت سوف تبقي هي هنا متربعة هانئة ساكنة.
لطالما تسائلت عن السر في قدرتها على إشعال الشغف في قلوبنا، شغف للحياة، للحب، للتضحية، للتمرد... حتى شغف في الكره والغضب. ليس في قلوبنا فقط كفلسطينيين، بل في قلب كل إنسان حر يأبى الرضوخ لواقع الحال الذي ينحاز للأقوى. كيف لها أن تحفظ القلوب الحرة متقدة بهذا القدر الهائل من الطاقة؟
ولكن لماذا علينا دوماً أن نحمل دور الشهيد فقط من كل هذا الشغف بينما جل ما تريده هي منا أن نحيا ونحب ونستمر من أجلها؟ إذا أصبحنا كلنا شهداء من أجلها فمن سيحمل شعلتها إلى العالم، من سينقل رسالتها المشبعة بالحياة والسلام والرغبة الجامحة للحرية. من، غيرنا نحن، أبناء ترابها وأشجارها؟
تراودني أحياناً رغبة طفولية في استثارة ردود أفعال عفوية من بعض جلساء النقاشات السياسية من شتى الأطياف والخلفيات، أفعل ذلك لأني أتوقع معظم هذه الردود التي لا تنحاز عن عين المنطق، فإذا ما وردت حكاية الفلسطيني تكون الفكرة النمطية بأن هذا الإنسان كائن من غضب وثورة فقط، أحب تلك النظرة المتفاجئة عندما يرون أننا كائنات من حب وشغف، وأستذكر مقولة درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة". أتفهم دهشتهم المنطقية، فكيف لإنسان ولد وترعرع في الظلام أن يحمل بداخله كل هذا النور؟ كيف لأرض شهدت كل أصناف العنف والظلم أن تكون موطناً للحب والسلام؟ يكون جوابي دوماً: لقد وُلدنا كما هذه الأرض لكي نتحدى المنطق.
كانت ولا زالت نبوءتنا أن نصنع من الظلام شعراً وأدباً وفناً يروي للعالم حكاية انهزام الحرب أمام الحب، حكاية خضوع الكره تحت أقدامنا ونحن نمارس بعنفوان وارتقاء رقصة الدبكة بأيدٍ متشابكة وعيون تلتحم مع زرقة السماء.



#نجوى_ابوخاطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نجوى ابوخاطر - رسالة إلى ذاتي من بعد آخر